خيرا تعمل ..شرا تلقى مثل خاطئ المعنى 6
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 1/6/1442 هـ
تعريف:

 

سلسلة الأمثال الخاطئة 6

خيرا تعمل .. شرا تلقى: مثل خاطئ المعنى

كتابة الفاضلة أمجاد عبد العال 

حديثنا لا يزال في سلسلة الأمثال الخاطئة، التي على الرغم من خطأ مفاهيمها إلا أنها تؤثر بشكل أو بآخر، في ثقافة قسم من الناس، وفي سلوكهم. ولأن الأمثال – كما ذكرنا أكثر من مرة – هي أسرع انتشارا وانتقالا؛ لذلك يكون التأثر بها أيضا غير قليل. من هنا ينبغي أن نلفت النظر إلى هذه الأمثال، أو إلى بعضها. بالطبع يكون من العسير أن نستقصي كل الأمثال الموجودة في المجتمعات، ولكن إذا تتبعنا بعضها، آنئذ يصبح عند الإنسان قدرة نقدية، عندما يسمع كلاما لا يسلم به هكذا، وإنما يتوقف ويتأمل ويفكر: هل هذا صحيح، غير صحيح، هل له مصدر معتبر، ليس له مصدر معتبر، أـو أصلا ليس له مصدر. إلى أي مقدار هذا الكلام صحيح، في أين يستعمل، كم بالمئة صدقه، وكم بالمئة كذبه. إذا صار عند الإنسان هذه القدرة النقدية، وهذه القدرة التحليلية للكلمات، آنئذ هو بنفسه عندما يسمع أمثالا أو كلمات، أو أقوال آنئذ هو بنفسه يعالجها، ويفكر فيها، ويقيم ميزانها. 

من الأمثال الخاطئة المنتشرة، وهي في أكثر من مجتمع من مجتمعاتنا العربية، هذا المثال: خيرا تعمل، شرا تلقى. وكأنه هذا المثال يريد أن يقول: إنك وأنت تعمل أعمالا صالحة للناس، سوف تلقى شرا في مقابل ذلك، سوف تلقى موقفا سلبيا. فمثلا لو أن إنسانا أنفق مالا في سبيل الله، على فقير، على محتاج، على مشروع اجتماعي أو ديني، من الممكن أن يقول له قسم من الناس: هذا إنسان مراء، يتظاهر بالصلاح وبالعطاء وبالإنفاق، فيجي الإنسان يقول: تفضل شوف، خيرا تعمل، شرا تلقى. 

يروح إنسان آخر، يتصدى لعمل من الأعمال الصالحة، يقوم بالدور المناسب فيه، يواجه كلاما من الناس، أو من بعضهم، أنه نعم، هذا يريد الرئاسة، يريد السيطرة، يريد التسلط، فيتمثل بهذا القول: خيرا تعمل، شرا تلقى. وهكذا كثير من الأمثلة. هذه الكلمة: خيرا تعمل، شرا تلقى، هل لها مصدر، إذا كان إلها مصدر، خل نشوف هذا المصدر ما هو؟ وإذا ما إلها مصدر أصلا، آنئذ تكون مجتثة الجذر، ما إلها جذور. وبالفعل هذه ليس لها مصدر. لا – مثلا – موجودة في كتاب من الكتب السماوية، لا القرآن الكريم، ولا باقي الكتب، فليس لها مصدر من الوحي. نروح إلى الكتب التي تولت نقل كلمات المعصومين، أيضا لا تجد أثرا بهذا المعنى أو خبرا أو حديثا بهذا المعنى الذي يريده هذا المثال، وهذا المثل. 

ربما في بعض القصص التي حصلت في التاريخ، استل منها مثل هذا المعنى، وبعضهم يقول: ربما كان قصة سنِمَّار منبعا لمثل هذا النوع من الكلمات. سنمَّار من هو؟ مهندس معماري متفوق كان في زمان ما قبل الإسلام، منطقة الحيرة، التي الآن بين النجف والكوفة، منطقة الحيرة، في ذلك الوقت كانت المناطق المزدهرة، أشبه بعاصمة، وكانت الفرس في ذلك الوقت مسيطرين على الجزيرة العربية، في هذا القسم الشرقي، ومنطقة الحيرة بالنسبة لهم، هي المنطقة المركزية لهم، الحيرة وبعدين المدائن، المدائن إلى الآن موجودة اللي فيها طاق كسرى عند بغداد. في ذاك الوقت، المدائن والحيرة كانتا البلدتين الأساسيتين اللتين تتبعان ملوك الفرس. 

أحد الملوك واسمه النعمان، طلب، وكان معروفا بمباهاته ويحب هذا النوع، شايف الآن في هالأزمنة كيف يصور أو تصور الفيلا مالته، حق تقول: شوفوا، تفضلوا، أنا أسكن في هالبيت، يعني أنا إنسان مهم، ما دام أسكن في هالبيت، وأركب في هالسيارة الكذائية، حتى يتبين من خلال السيارة أهمية هذا الإنسان، مو من خلال عقله وفكره وتدبيره وشخصيته. لا، سيارته حمراء رياضية، ما أدري ماركة، إلى آخره، يبين عليه شخص مهم. 

هذه الحالة عند البشر موجودة، عند قسم من البشر، أنهم يتباهون، حتى لو إنسان أراد أن يتباهى، والتباهي ليس شيئا حسنا، لو أراد، ينبغي أن يتباهى بما أعطاه الله من عقل، من حكمة، من حسن إدارة، من حسن سلوك، هذه تستحق، أن الإنسان يفخر بها، أما أنا فلوس جتني على حين غفلة، طيب، رحت اشتريت ماركة صنعها غيرها، حتى أقعد عليها وحتى أركب فيها، هذا ليس محلا للفخر، على أن الفخر هو كما قلنا. 

المهم، هذا كان هالشكل، فطلب من هذا المهندس الفريد سنمَّار، أن يصنع له، أن يبني له قصرا لا مثيل له. يعني إذا صار هالدوبلس مثل ذاك الدوبلكس ما يصير الواحد يكشخ بيه، فأبغى شي ما صار ولا استوى. فعلا، صمم له قصرا فخما عظيما، صار يوم الافتتاح، صعد هو سنمَّار المهندس مع الملك النعمان، يشوِّفه الجهات الفنية والدقائق اللي استخدمها وإلى آخره، وقال له هذا، هالقصر، ماكو مثله في الدنيا، الفريد الوحيد. طيب. 

بس هذا فيه جهة وحدة مهمة جدا، وهي أن فيه مكان لبنة أو طابوقة أو كذا، إذا هذي شلتها يتداعى البناء، وهذا أنا سويتها لو لا سمح الله غيرك إجا وأخذ القصر، ما يحتاج أنت تسوي شي، بس تشيل ذيج الطابوقة وينهدم، هذا حسب الكلام، والله العالم. فهو قله هذا النعمان، قله: أكو أحد يعرف مكان هذه الطابوقة؟ قال له: لا، بس أنا وأنت. طيب، فشاله من نفس المكان، وألقاه من القصر إلى الأرض وتكسرت عظامه، ليش؟ قالوا: لأنه هذا اللي بنى إلي هالقصر هذا العظيم الفخم، باشر ملك آخر يجي يعطيه فلوس أكثر ويبني له شنو؟ مثل هذا وأحسن من عنده. فحتى لا يصير نقطع المسألة من ساسها. أو أنه لأجل أن هذا عنده سر انهدام القصر، وهو هذه اللبنة كما قالوا، فذهب مثلا: جزاه جزاء سنمَّار. يعني سنمار ما أدري كم سنة اشتغل حتى سوا هذا البناء، هذا القصر، ذاك أيضا جازاه بماذا، بإلقائه من القصر: خيرا تعمل، شرا تلقى. بعضهم يقول: هذا من هالباب إجا. 

طبعا هذا أيضا على فرض أنه جاء من هذه القصة، المفروض في المثال هو أن يكون صادقا إما دائما أو في الأغلب، شوف مثلا: كلام أمير المؤمنين (ع): "قيمة كل امرئ ما يحسن". هذا الإنسان اللي عنده إتقان لشيء، عنده إتقان للقيادة قيمته كبيرة جدا، عنده إتقان للإدارة، عنده إتقان للأخلاق الحسنة، عنده إتقان لبعض المهن، بنفس المقدار يكون له قيمة اجتماعية، وهذا الآن، الدول المتقدمة توصلت إله، ما تقول هذا مثلا عمره 15 سنة أو 20 سنة، وذاك عمره 70 سنة، فإذا نقدم هذا، تقول: هذا شنو كفاءاته؟ شنو قدراته؟ شنو إمكاناته؟ نعطيه الراتب ونعطيه الكرامة ونعطيه الكذا، والله من القومية العربية المجيدة، لازم تقدروني على غيري، يقولون: لا، تتقن ماذا؟ تحسن ماذا؟ يا به أنا مثلا من الأسرة الفلانية، يقولون له: لا، هذا قيمتك وتقديرك بمقدار ما تتقن. المثال لازم يكون إما صادق دائما أو غالبا. لكننا هنا لا نجد هذا الأمر، بالعكس، نحن نجد هذا المثال: خيرا تعمل، شرا تلقى، خاطئ في الأغلب، وصادق في بعض الأحيان القليلة، وعلى خلاف القواعد أيضا، لكنه يتحول على كابح ومانع عند قسم من الناس عن فعل الخير. 

ليش ما تسوي خير؟ لا، ما أسوي، ليش؟ خيرا تعمل، شرا تلقى. غلط هذا الكلام! ليس صحيحا. لا هو من مصدر صحيح، ولا معناه أيضا صحيح. احنا نجي نشوف القرآن الكريم، والهدايات الدينية ماذا تقول. تقول أولا: أنت اعمل بإخلاص ولا تنتظر أجرا في مقابل ذلك. هذا أول شيء، أعمال الخير اللي تسويها، لا تنتظر أن واحد يكافئك، انتظر الجزاء من ربك. والله سبحانه وتعالى، يجزي في أقل الحالات، في أقل الحالات، (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)، عشرة أضعاف، هذا أقل شيء، وأما إذا زادت المسألة، صارت 700 ضعف في النفقة، بل (والله يضاعف لمن يشاء)، هاي الآن صلاة الجماعة – كمثال – نموذج في ذلك، عندنا الرواية المشهورة، بين العلماء، اللي يحدد مثلا إذا كان المصلي واحد، أو اثنين، أو ثلاثة، إلى أن يوصل إلى عشرة، فإذا زادوا عن العشرة، الرواية هكذا تقول: "فلو أن الملائكة كتاب والجن والإنس حساب والبحر"، المياه والمحيطات، "مداد والشجر"، الموجود في العالم كله، "أقلام، وأرادوا إحصاء ثواب ذلك لما قدروا عليه". هذي تعمل خيرا، ويش تلقى، تلقى شيء لا يخطر ببالك، ولا يمر على ذهنك حجمه وعدده. هذا الإسلام يقول هالشكل: اعمل الخير، أقل شيء تحصل عشرة أضعاف، وأكثر شيء لا حساب له، يستعصي على العد والحساب، على أنه أنت أيضا لا تدور على وراء عمل الخير، أنه يقولوا إلك شكرا. ابتغ ثواب الله، إن كان غيرك لا يرى عملك الصالح، فإن ربك هو الناظر البصير، في جوف الليل لو تسويه، الله سبحانه وتعالى يعلم به ويثيبك عليه، وكلما زاد إخلاصك في ذلك، أنت لا تنتظر، (أريد منكم جزاء ولا شكورا)، (ما سألتكم عليه من أجر)، الأنبياء كلهم لسان حالهم، (فإن توليتم فما سألتكم عليه من أجر)، طيب. 

حتى من طلب أجرا، وهو سيد الأنبياء محمد (ص)، هذا الأجر مو عائد إله، وإنما يرجع إليكم. النبي (ص) سأل الله أجرا: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)، زين المودة في القربى، يروح منها شيء إلى النبي؟ كلا، كلما أنت زدته محبة في قرباه، ومودة لهم، حصلت ثواب، وحصلت هداية أكثر، فأنت اللي في الربح، حتى أجر النبي هو لك في الواقع، (ما أسألكم عليه من أجر) فهو لكم، مو إلي أنا، أنت إذا تعرفت على سيد الأوصياء أمير المؤمنين (ع)، وتعرفت على أبنائه المعصومين (ع)، صارت حياتك حياة مستقيمة، صرت مهتديا، حصلت على الجنة، فالربح أنت اللي حاصل عليه،  ليس النبي، ما يدخل في كيس النبي شيء. اتباعك للنبي ما يدخل في كيسه، وإنما يدخل في كيسك. 

فهذا أول شيء أن الإنسان لا ينتظر في عمل الخير مجازاة الغير. سويت فلان عمل، حتى شكرا ما قال لي. خير إن شاء الله، لا يقولك شكرا. الله سبحانه وتعالى شكر سعيك. شنو قيمة شكري أنا، العبد، إلى جنب شكر الله عز وجل، أقصى ما أستطيع أنا كلمتين أقولها إلك، شوية احترام أبديه لك، لكن عندما يشكر الله سعيك، ذاك الوقت يعطيك شنو؟ جنة عرضها السماوات والأرض، فلا تنتظر، لا تتوقع كلما كنت أكثر إخلاصا وعملك عملا قربيا، لم تكن تنتظر من الناس أن يقابلوك. والله سويت فلان شيء، كلهم سكتوا ولا أحد قال شيء، ولا أحد قال لي شكرا، وأنا متعب روحي وزاخ العرق، هو هذا من موارد الإخلاص، من موارد امتحان الإخلاص في العمل، إذا أنت تنتظر من اللله، فالله ناظر والله شاكر والله معطي، إذا تنتظر من الناس، خوب هذا فذ خلل في هذا العمل الذي، وهذه النية التي قمت بها. هذا واحد. 

الثاني: ليس صحيحا أنه: خيرا تعمل شرا تلقى، لا، غير صحيح، آثار الخير يحصل عليها الإنسان في الدنيا وفي الآخرة، (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)، في الآخرة واضح، في الدنيا أيضا هذا، ليش؟ لأن نتائج كل عمل من سنخه، أنت تزرع إلك شجرة برتقال ما تعطيك أشواك، صحيح ولا لأ، وإنما تعطيك ثمرة برتقال. تزرع نخلة تحصل على تمر، تصنع خير تحصد خيرا. أحيانا ما يكون مباشر إلك أنت، ولكن يكون في أهلك، يكون في نسلك، يكون في مجتمعك. كل شيء ينتج ما هو من جنسه. الأشواك تزرع تطلع أشواك، شر ينتج شر. الفواكه المثمرة، تزرع شجرتها، تعطي أيضا من نفس الثمرة. الخير ينتج خيرا، لا تتصور أنه أنت تزرع خيرا وتحصد شرا، هذا على خلاف القوانين التي جعلها الله سبحانه وتعالى، في التكوين وفي التشريع. 

أنت تشوف الآن اللي يسوون أعمال خيرة، سمعتهم سيئة لو سمعتهم جيدة؟ سمعتهم جيدة، وذاك اللي نفترض يقوم بأعمال منكرة، وجرائم سمعتها شنو؟ في التراب، هو هذا الشر ينتج شرا والخير ينتج خيرا. أحيانا تشوف إنشان عادي من الناحية الظاهرية، يتوفى، وتشوف الناس كأنما مظاهرة في فاتحته، ليش؟ لأنه زرع خيرا، لأنه أعطى، أنفق، ساعد، هو هذا بعد، حصل على هذا الخير، في هذه الدنيا، من حسن السمعة، ومن الذكر الطيب، ومن ارتفاع المنزلة والوجاهة. وفي الآخرة أيضا يحصل على ثواب الله عز وجل. 

زين، تقول بعض الأحيان فعلا أكو قسم من الناس هكذا. تسوي إله خير يعارضك بالشر والإساءة، هذا ليس قاعدة، وإنما هذا خلل، هذا استثناء، هذا عوج، والخلل والاستثناء والعوج لا يكون قاعدة، الأصل: أن الإنسان عندما يُعمل له الخير يكون ممتنا لذلك الخير، يثني على فاعلي الخير فعلهم. لكن فد إنسان عنده عقد نفسية، يقول: لا، هذا إنسان مرائي، هذا إنسان متسلط، هذا إنسان كذا، مو مخلص، العيب مو في الخير، العيب في هذا الشخص، هذا الشخص ليس إنسانا سويا، ليس إنسانا طبيعيا، والإنسان اللي مو طبيعي ليس المجتمع كله هكذا، المجتمع العادة فيه الخير، العادة أنه أناس عقلاء، العادة أنهم أناس حكماء مو مرضى. اللي يواجه اليخر بالشر، هذا مريض، المجتمع أكثره ليسوا مرضى، بل أصحاء، ولكن قد يوجد بينهم إنسان مريض. إذا هذا صار مريض، ما يصير واحد يخلي هذا المريض هو الصورة العامة للمجتمع، ليس صحيحا المثال الذيؤ يقول: خيرا تعمل، شرا تلقى. كلا، وإنما الصحيح (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). في آية أخرى: (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا) تجدوه، تحصلوه، فينبغي للإنسان أن لا يزهد في فعل الخير، لأنه فد مناسبة، شخص ما، عارضه بالشر، أو قابله بالإساءة أو بالتهمة، لا يزهدن هذا الإنسان ذلك الموقف في عمل الخير، ولنا في الأنبياء، ولنا في الأئمة الهداة (ع)، خير مثال. نحن نجد أئمتنا (ع) آذوهم، ظلموهم، أبعدوهم عن مواقعهم، مع ذلك ما قالوا للأمة: خيرا تعمل، شرا تلقى. إذن ما علينا منهم. لا، وإنما واصلوا فعل الخير، وقد أنتجوا خيرا. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. 



مرات العرض: 3444
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (27) حجم الملف: 27232.87 KB
تشغيل:

هل الطرق للخالق بعدد انفاس الخلائق؟ 5
إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب .. هل يصح؟ 7