26 القرآن مكي ومدني
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 26/9/1440 هـ
تعريف:

القرآن مكي ومدني


تفريغ نصي الفاضلة فاطمة الخويلدي

تدقيق الفاضلة أفراح البراهيم

 (إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنّ لهم أجراً كبيرًا ) 1
نتناول في هذه الأسطر موضوع المكي والمدني  من السور والآيات ،  وفوائد ذلك وآثاره  في مجال العقائد والتاريخ والفقه.
  على مدة ثلاثة وعشرين عاماً كان الكتاب المجيد وآياته تتنزل على رسول الله صلى الله عليه و آله  بحسب اختلاف المواقع والأحوال  في مكة المكرمة  أولاً  وفي المدينة المنورة فيما بعد ،  وكان حرص المسلمين وفي طليعتهم مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه  على تدوين كلما يرتبط بالقرآن الكريم ، وعلى توثيق نزول الآيات ؛ حتى يعرف سبب نزولها  ويعرف المكان الذي نزلت فيه  لتكتسب بهذه الطريقة زيادة في الثقة ، فليس الأمر أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان  ينتج هذه الكلمات وهذه الآيات ولا  أنّه  كان يستقيها من أماكن  أخرى، وإنّما كانت تنزّل بواسطة جبرائيل على رسول الله صلى الله عليه وآله  ، وتعتريها في نزولها أحوالًا خاصةً وأوضاعًا معينة  وكانت هذه تدوّن وتسجّل وتوثّق،  بل إنّ المعروف  أنّ المصحف الذي كتبه أمير المؤمنين عليه السلام كان قد روعي فيه تاريخ نزول  الآيات، فقد كان ترتيب القرآن الكريم بحسب  ما كتبه الإمام على أساس نزول الآيات و تسلسلها وترتيبها ، ومن الطبيعي في هذه الأثناء  أن يعرف ما هو المكي منها ، وما هو المدني  ،  لكنّ الذي حصل فيما بعد كما ذكرنا في بعض الأحاديث السابقة  أنّه لم يتم اعتماد ما كتبه أمير المؤمنين  بترتيبه هو ،  وعلى أيّ حال القرآن الموجود بين أيدينا الآن  كما هو المعروف يشتمل على سور مكية  وعلى سور مدنية ، وعلى ما هو خليطٌ بينهما  ، يعني أنّ  بعض السور هي مكية في الأصل ولكن يوجد فيها  بعض الآيات مدنية .

 أولاً ينبغي أن نعرف ما هو المكي  وما هو المدني  ؟
 والفاصل الذي يفصل بينهما  ليس صحيحاً ما ذكره بعضهم وهو أنّ المكي هو كلما نزل في مكة فهو مكيٌ،  وكلما نزل في المدينة فهو مدنيٌ  لماذا؟
لأنّ بعض الآيات بعد انتقال النبي  إلى المدينة  ومجيئه إلى مكة إما فاتحاً وإما حاجاً  نزلت عليه آيات فهل هذه تعتبر مكية؟ كلا إنّما الصحيح  ما ذهب إليه علماء القرآن المحققون من المدرستين  وهو أنّ الفاصل ما بين المكي والمدني هو الهجرة  النبوية ، فكلما كان قبل هجرة النبي للمدينة فهو مكيٌ  ، وكلما كان بعد هجرة النبي للمدينة فهو مدنيٌ  حتى وإن كان مكان  نزوله في مكة ،  لكنه بعد الهجرة فهو يعتبر  مدنياً  ، والآيات التي نزلت على النبي في غدير خم وقبيل وبعيد  المكان هو في مكة لكنّ الزمان بعد الهجرة فهي تعتبر مدنيةً ولا تعتبر مكيةً ،  هذا هو الرأي الذي ذهب إليه المحققون من علماء الفريقين .
 وفي السابق كان يكتب في نسخ القرآن  على رأس كل سورة إنّها مثلاً آياتها مكية  ، إلا آية كذا وكذا  فمدنية ، أو يكتب عليها هي مدنية ، أما الآن في الطبعات المتأخرة  غير موجود  وإنما ذلك موجود في الفهارس حيث يكتب مكية أو مدنية.
   ماذا ينفعنا مثل هذا الحديث و لماذا الاهتمام لمعرفة المكي والمني ؟؟
  فيه فوائد متعددة  وأحد هذه الفوائد:
أنّ  ذلك  يبيّن  مدة اهتمام المسلمين بتوثيق  ما يرتبط بالقرآن الكريم ، حيث يعيّن مكان نزولها في المدينة أم مكة ، وسبب نزولها هذا ، وهذا يبيّن الحرص على ما يرتبط بالآيات و ما يحيطها من ظروف،  وهذا يكسب الإنسان مزيداً من  الثقة،  أضف إلى ذلك أن هناك آثاراً أخرى سوف  نلاحظها فيما يرتبط في المدني والمكي .
ما الفرق بين المكي و المدني من الآيات  هل مواضيعها تختلف ؟ هل خطاباتها تختلف ؟ هل أسلوبها يختلف؟
ميزات وخواص السور المكية والمدنية  

ذكر العلماء أنّ هناك ميزاتٌ تختص بها السور المكية وتختلف بها عن السور المدنية:
1/  مواضيع السور فالمكية يفترض أنّها قبل الهجرة فهي تخاطب  المجتمع الكافر غالباً فهي تريد أن تقنع  هذا الوسط القرشي  العابد للأصنام بأحقية الدعوة لذلك نرى أنّ مواضيعها تناقش عبادة الأصنام وكونها لا تضر ولا تنفع ، كما في قوله تعالى (هل يسمعونكم إذ تدعون .أو ينفعونكم  أو يضرّون )2 وهذا وارد في كلام نبي الله إبراهيم  إلى عبدة الأصنام حيث يحدّثهم عن خطئهم في عبادتها كونها لا تنفع ولا تضر ولا تنطق مخاطبًا عقولهم ووجدانهم  حول مَنْ خلق السماوات والأرض ؟   والتي عادة يجيبون عليه بقولهم ( ليقولنّ خلقهّن العزيز العليم  ) 3 .
إذن مواضيع السور المكية عقائدية ترتبط بالله وبتسفيه عبادة الأصنام ، وسرد قصص الأنبياء مع أقوامهم ، والهدف منها بيان أنّ الله سبحانه وتعالى لم يرسل نبيه محمد صلى الله عليه وآله بدعاً من الرسل وإنّما هو ضمن سلسلة  من الأنبياء والرسل السابقين، حيث يقدّم للمجتمع القرشي هذا المعنى أنّ الأنبياء دعوا أقوامهم بلسان واحد ، قال تعالى (إني لكم رسولٍ أمين . فاتقوا الله وأطيعون .ولا تطيعوا أمر المسرفين)4
 حيث ينقل قضايا العصيان والانحراف التي واجهها الأنبياء والرسل ، والتي عوقبوا عليها بالعذاب وهذا لأخذ العظة والعبرة منهم.
ويتحدّث لهم عن فضية وحدانية الله وتفرّده بالألوهية فيقول (لو كان فيهما آلهة  إلا الله لفسدتا) 5 و في آية أخرى ( لذهب كل إلهٍ بما خلق ولعلا بعضهم على بعض)6  فهذا في الجانب  العقائدي الإلهي وفي الجانب الآخر تسفيه عبادة الأصنام  مع إيراد قصص الأمم السابقة وما حلّ بها من عذاب.
مواضيع السور المدنية
في المدينة رسول الله يواجه مجتمعّا مؤمنًا بالرسالة وليس كافرًا كما كان في مكة ، لكنه مجتمع يتكوّن من  أهل الكتاب اليهود  و جماعة المنافقين الذين  أظهروا الإسلام وأبطنوا خلافه، فهو بحاجة لتوجيه خطاب معين ، فيحتاج  لهذ المجتمع الأول المؤمن برسول الله صلى الله عليه وآله ، حيث يبيّن لهم تشريعات الأحكام الشرعية  ، وما يرتبط بقضايا العبادات  والمعاملات  بشكل مفصّل.
كما أنّه بصدد إنشاء  هذه الدولة التي يحكمها رسول الله صلى الله عليه  وآله   حيث تحتاج إلى دساتير وقوانين وأحكام شرعية في مختلف  المجالات ، فأخذت السور المدنية جانباً  كبيراً في هذا المعنى، حيث التفتت  إلى وجود جماعة  كبيرة من اليهود  ، وكان هناك نصارى ولكنهم قلة، لأنّ  الأكثر كانوا من اليهود  فركّز عليهم وناقشهم  ، فتارة يذكّرهم قصصهم السابقة مع أقوامهم وأنّهم كانوا مكذبين ، قال تعالى (فبما نقضهم ميثاقهم  لعنّاهم و جعلنا قلوبهم قاسية)7
 وأيضاً يعارض أفكارهم ، قال تعالى ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلّت أيديهم ولعنوا  بما قالوا)8
 فإذن أمامه مجتمع  من أهل الكتاب  وتحديداً من اليهود أصبح يخاطب هذا المجتمع من أهل الكتاب  المنحرف عن كتابه ، وكان له حديث خاص عن  المنافقين ، حتى إنّه نزلت سورة بل أكثر من سورة مثل سورة (المنافقون ) هي سورة بالاسم ، ولكنّ سورة  (براءة) التي سميت بالفاضحة  ، والتي بينّت الكثير  من صفات المنافقين  وتحدّثت عن ممارساتهم  وعن طريقة عملهم .
  فإذن  السور المكية  تختلف عن السور المدنية في محور المواضيع التي تتحدث فيها هذه عن تلك.
2/ المخاطبون مختلفون فالسور المكية تخاطب عامة الناس كما قال تعالى (يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) 9  بينما في المدينة يتحدّث مع الذين آمنوا باعتباره يشرّع لهم ويفصل لهم  ويبين لهم ما لذي يجب عليهم أن يقوموا  به.
3/ أسلوب الكلام والخطاب مختلف، فالسور المكية خطابها مجمل مختصر تحتوي على الأدلة عمومًا ولا يوجد فيها تفصيل ، وآياتها قصيرة ، بعكس السور المدنية آياتها طويلة وخطابها مفصّل ، آية واحدة مثلاً  يوجد فيها سبعة عشر حكماً  ، وصفحة كاملة من سورة البقرة  يوجد فيها آية الدين المعروفة ، وغيرها من الآيات التي تتعرض للأحكام التفصيلية والتي لا تحتاج إلى كلمات قصيرة بل  تحتاج إلى كلمات مفصلة قانونية ؛ وذلك لأنها تؤسّس للتشريع  الإسلامي،  بينما في مكة ليس الأمر هكذا فهي آيات قصار ، كقول تعالى  (إنه فكر وقدر  . فقتل كيف قدر . ثم قتل كيف قدر . ثم نظر . ثم عبس وبسر .ثم أدبر واستكبر . فقال إن هذا إلا سحرٌ يؤثر .إن هذا إلا قول البشر . سأصليه سقر )10
تلاحظ أنّ الآية فيها  ثلاث أو أربع كلمات أو خمس كلمات ، وآيات السور المكية كلها من هذا النوع ، وهذا يعود إلى طبيعة الخطاب مع هؤلاء ، فالإنسان المؤمن يطلب المزيد من الكلام ، بعكس الإنسان الكافر الذي يرفض الاستماع ولا يفضّل التفاصيل لذا يتحدّث معه القرآن بهذا الأسلوب البسيط .
4/  الفاصل  بين المكي والمدني هو فاصل تاريخي وهو تاريخ  هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وآله   وليس فاصل  مكاني ، بحيث أنّ المرحلة  الزمنية كانت  لها ظروفها الخاصة و لها مجتمعها الخاص و لها خطابها الخاص .
وبعد الهجرة تغيّر الظرف الزمني ووجد مجتمع آخر له أهدافه الخاصة ، وله احتياجاته الخاصة لذا احتاج إلى خطاب مختلف عن  خطاب المجتمع الأول .

آثار التفريق بين المكي والمدني في العقائد  والفقه ؟

1/  يؤثر في باب  العقائد حيث أنّ قسمًا من الآيات التي نزلت كانت بمناسبة معينة ، و يمكن محاكمة ما قيل أنّها نزلت في هذا الشأن  العقائدي بناءً على كونها مكية أو مدنية ،
ونضرب هنا بعض الأمثلة ؛ 1/ المثال الأول
 أكثر الكتب التابعة لمدرسة الخلفاء  عندما يأتون  ويتحدثون في هذه الآية المباركة ( إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء)11
هم يتفقّون أنّها نزلت في حق أبي طالب عليه السلام ويستدلّون بها على كونه كافرّا وحين حضرته الوفاة نزلت على رسول الله عندما أتى له وطلب منه أن يتشهّد الشهادتين لكنه لم يرضى بذلك ورفض ، وحاول لكنه لم يقبل ، فنزلت الآية على حدّ زعمهم ،  على عكس البحث التاريخي الذي يؤيد إيمان أبي طالب عليه السلام من خلال كلامه وشعره ومواقفه مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولكنّها مشكلة الحقد الدفين على ابنه علي بن أبي طالب جعلهم يقدحون في إيمانه، مع ذلك يوجد الكثير من الكتب ألفت على يد أتباع مدرسة الخلفاء تؤكد إيمان أبي طالب عليه السلام.
بالنسبة لهذه الآية ( إنّك لا تهدي من أحببت ) في كتب مدرسة الخلفاء وبالذات الكتب  المتخصصة في القرآن ومنها كتاب  ( البرهان ) فيوجد فيه بحث ( ما نزل ليلاً على رسول الله ) حيث يوجد رواية ينقلونها عن عائشة زوجة رسول الله  صلى الله عليه وآله أّنّها قالت أنّ آية (إنّك لا تهدي من أحببت ) نزلت على رسول الله وأنا معه في  اللحاف فهذا يستنبطون منه أنّ نزول هذه الآية كان في الليل لا في النهار  ، وفيها دليل أنّ الآية نزلت بعد زواج النبي بعائشة  ، وكان ذلك في السنة الثانية للهجرة  ، وقد توفي أبوطالب  قبل الهجرة أواخر البعثة إما قبل سنتين من الهجرة أي آخر سنوات البعثة ،  أو قبل  سنة من الهجرة  ، وعلى أقل تقدير هناك فاصل ثلاث سنوات فكيف يقال إنّه لما لم يعط أبو طالب النبي  هذه الكلمة نزلت الآية (إنك لا تهدي من أحببت) ، وفي نفس الوقت عائشة  زوجة النبي تقول إنها نزلت وأنا مع رسول الله في اللحاف  ، كيف هذا يجتمع مع ذاك إما هذا كذب أو ذاك فكيف يجتمع  الأمران  ؟؟
2/ مثال آخر : قال البعض ممّن لا يريد أن تتنزّل آية في فضل آل محمد أنّ آية  (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) 12  لا يصح نزولها في عليٍ وفاطمة والحسنين ، لماذا؟  ، قالوا لأنّها من سورة الشورى وهي سورة مكية  في مكة قبل الهجرة ، وحينها لم يكن عليًا متزوج من فاطمة ولم يكن الحسن قد خلق  ولا الحسين  كذلك ،  الحسن ولد سنة ثلاثة أو أربعة هجرية  على الخلاف والحسين كذلك  فإذا كان كذلك و لم تكن أسرة أصلاً ولم يكن أهل الكساء ،
  هذا له جوابان :
 الجواب الأول عقائدي وهو لا يمتنع أنّ الله سبحانه وتعالى  يأمر بشيء سيتحقق فيما بعد / مثلاً أن يأتي  ويعيّن مواقيت للإحرام لأهل  مصر والحال أنّه لم يسلم من مصر في ذلك الوقت أحد ، لكنهّ حدّد الميقات ، و هذا يسمونه في الفقه وضع الحكم على منهاج  القضية الحقيقية لا على منهاج القضية الخارجية  ، يعني ليس شرطاً  أن يكون الشيء موجودا خارجاً حتى يوجد الحكم  ، من الممكن أن يحرّم عليك الخمر حتى كان لو الخمر غير موجود أصلاً ، فإذا فرض ووجد في وقت من الأوقات فهو حرام يجب عليك الاجتناب عنه .
  القربى الآن غير موجودة فإذا وجدت القرابة وكنت موجودًا  يجب عليك مودّتهم ، وكذلك في قوله  (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) 13 الآن أولو الأمر غير موجودين ، لأن الرسول موجود ، فإذا وجد أولي الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله  وجب إطاعتهم ، ولعلّ أكثر الأحكام الشرعية هي من هذا النوع هي على منهاج  القضية الحقيقية إذا فرض و حصل موضوعها تجب وتحرم .
الجواب الآخر أنّ هذا الموقف السلبي لهؤلاء تجاه أهل البيت عليهم السلام جعلهم يغفلون مراجعة كتبهم ، فلو نظروا إلى تفسير القرطبي وما كتبه الإمام الشوكاني حيث قال عن سورة الشورى بأنّها مكية إلا أربع آيات منها فمدنية  ، و أولّ هذه  الآيات (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنًا)

2/ الأمر الآخر من فوائد معرفة المكي والمني إنّ هذا يوضّح في الجانب التاريخي جزءاً من سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله  ، ذلك أنّ الآيات  كأنها ترافق النبي صلى عليه وآله  في مسيرته الدعوية  ، ونحن سنعرف إذا كانت الآية مكية  من خلال أجواء خطابها ، وكيف كان خطابها وموجّه لمن ، ومن خلال مفرداتها ،  وكيف تحرك النبي بهذه الآيات المباركات.
الآن يستطيع الإنسان تمييز  خطابات الخطباء من خلال المفردات التي يستخدمها الخطيب ومن خلال الأسلوب ، ويستطيع تحديد المرحلة الزمنية من خلال المواضيع التي يتناولها الخطيب ،  وكذلك بالنسبة إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وكيف  تعامل مع أعدائه.

3/  معرفة المكي والمدني بفيد في معرفة الناسخ والمنسوخ وذاك لأنّ الناسخ  لابدّ أن يكون متأخراً عن المنسوخ ، والمنسوخ ممحي وكأنك تكتب شيئًا ثم تمسحه والمسح يكون بعد الكتابة ، فلابدّ أن تكون الآيات المدنية هي الناسخة  للآيات المكية .
وفي موضوع نسخ الآيات يوجد كلام طويل  فقط إشارة بسيطة يوجد هناك رأي  يقول 
أنّ النسخ عندما نتحدث عنه هو نسخ الآية لآية أخرى ،  آية سبق أن نزلت فتأتي آية أخرى فتنسخها  ، وهذا  ممكن ، وأما  نسخ الآية  بالأحاديث فهذا على  رأي المحققين لا يعتبر به أبداً مثلاً ، لدينا آية من الآيات يأتي راوي من الرواة يقول إنّ هذه الآية محذوفة  تغيّر حكمها لا يقبل كلامه إلا من بعض الحشوية غير المحققين ، وأمّا رأي المدرستين : رأي الإمامية قاطبةً ورأي المحققين من مدرسة الخلفاء  أنّه لا يمكن نسخ الآية بحديثٍ  من الأحاديث لاحتمال أن يكون المتحدث مشتبهاً أو ناسياً أو متعمداً في ذلك  فلا يستطيع أن يأتي وينسخ ويمحو آية قرآنية.

 النسخ بآية من الآيات
 يوجد هناك أيضاً  أكثر من رأي في هذه المسالة:

الرأي الأول / أنّ البعض لديهم مبالغة في ذلك فقالوا  هناك أكثر من مئة وثلاثين آية في القرآن منسوخة .
 الرأي الثاني /  لا توجد أيّ آية منسوخة أصلاً .
الرأي الثالث /  يقول هناك  نسخٌ لآيات قلائل ، و من ذلك ما ذكروه في آية النجوى
(يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدّموا بين يدي  نجواكم  صدقة) 14،  هذه الآية بعد مدة من الزمان لم يلتزم بها أحد ، ثم نزلت الآية  (أأشفقتم أن تقدّموا بين يدي نجواكم صدقات) 15
  فرفع هذا الحكم  و قالوا أنّ هذا من موارد النسخ .
وقيل  أيضاً من موارد النسخ قضية  التوجه الناس إلى  الكعبة  إلى ما سبقه التوجه إلى البيت المقدس  وذلك في قضية تحويل القبلة إلى  الكعبة ، حيث أتت الآية المباركة (فولّ وجهك شطرا المسجد الحرام) 16 ناسخة للأمر السابق  وهو التوجه إلى بيت المقدس.
 إذًّا  إذا  عرفنا  أين المكي وأين المدني من الآيات ومن السور ، يفترض أن نعرف الناسخ من المنسوخ ، ويفترض أن يكون  المدني ناسخٌ للمكي لأنّه متأخر عنه.

 4/ معرفة المكي والمدني نافع أيضًا في قضية التمسك بالإطلاق في الاستدلال ، وهذا يحتاج لبحث تخصصي ، لكننا نقول بشكل إجمالي أنّه في مكة المكرمة كانت أصول التشريعات كما في قوله تعالى (قل تعالوا أتلوا ما حرم ربكم عليكم ألّا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً)17

 وهذا في مقام أصل التشريع ولذلك لا يمكن التمسك بإطلاقه (وبالوالدين إحسانا) حتى إذا كانا ظالمين  أو حتى إذا كانا كافرين أو معتدَين ، وهذه الآيات مكية  لا نستطيع التمسك بإطلاقها إلى هذا المقدار نظراً لأنها مكية  والآيات  المكية في صدد أصل التشريع  لا في بيان التشريع بتفاصيله وجهاته المختلفة ،  أمّا إذا   صارت آيات  مدنية فسترى دور التقنين ودور التشريع و دور  إعطاء الأحكام  ، ودور بيان الوظيفة العملية ، يعني هنا يمكن التمسك فيها بالإطلاق  ، بينما في مكة لا يمكن  .
 إذن نرى أنّ  السورة المكية تختلف عن السورة المدنية  في مجمل مواضيعها وفي طريقة خطابها  وفي عدد كلماتها و جملها ، وطولها وقصرها ، وكما ذكرنا ارتباطها بما قبل وبعد الهجرة له فوائد في الفقه والعقائد والسيرة ومحاكمة تكذيب أو تصديق الروايات كما أثبتنا ذلك بالأمثلة.

---------------------------------------------------------- 
1 سورة الاسراء آية 9
2 سورة الشعراء آية 71و72
3 سورة الزخرف آية9
4 سورة الشعراء آية 143/150،151
5 سورة الأنبياء آية 22
6 سورة المؤمنون آية 91
7 سورة المائدة آية 13
8 سورة المائدة 64
9 سورة الأعراف آية 158
10 سورة المدثر من آية 18 إلى 26
11 سورة القصص آية 56
12 سورة الشورى آية 23
13 سورة النساء آية 59
14 سورة المجادلة آية 12
15 سورة المجادلة آية 13
16 سورة البقرة آية 144
17 سورة الأنعام آية 151    

مرات العرض: 3427
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2554) حجم الملف: 70213.25 KB
تشغيل:

25 رؤية في القصص القرآني
27 ماذا عن العلاج بالقرآن ؟