16 من اتجاهات تفسير القرآن : التفسير الروائي
التاريخ: 16/9/1440 هـ
تعريف:

 من اتجاهات التفسير : التفسير الروائي


تفريغ الفاضلة هديل الزبيدي / العراق

تدقيق الفاضلة أفراح البراهيم

( ولا يأتونك بمثلٍ إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرُا ) 1
حديثنا بإذن الله تعالى يكون بعنوان من اتجاهات تفسير القرآن الكريم وسنتحدث  عن قسم التفسير الروائي (التفسير بالروايات)عن النبي (صلى الله عليه واله ) وعن الأئمة المعصومين .

معنى التفسير في اللغة:
 الكلمة مأخوذة من الأصل ( فسّر ) فهو يدلّ على التبيين والإيضاح والظهور ، مثل ( سفر )  مع تقديم وتأخير فهي تدلّ أيضًا على الظهور والبيان والإيضاح .
ونقول أسفر عن الشيء يعني  ( أظهره ) ،  ونقول سافر أو مسافر لأنّه يظهر له من العمران والمدينة إلى الصحراء ، أو يظهر بدنه وجسمه للشمس .
 كذلك ( فسّر ) يعني التوضيح والإظهار والبيان ، و نقول فسرّت له كلامي أي  بيّنت له ، وأظهرت له هذا الكلام .
 القرآن الكريم يقول ( ولا يأتونك بمثل إلا  جئناك بالحق وأحسن تفسيراً )  يقول بإنّ إظهار المعاني و إظهار المفاهيم و توضيح الحقائق هو موجود لدينا حتى وإن جاؤوا ببعض الأمثلة وببعض الأمور إلا أنّ الوضوح والظهور والبيان هو من عند الله عز وجل.

  معنى التفسير في الاصطلاح:
 هو توضيح معاني القرآن ، و معاني الآيات و معاني الكلمات وإظهارها لمن لا يعرفها ، ولكن هل يحتاج أساسًا القرآن الكريم إلى تفسير؟ إذا كان  القرآن يتحدث عن نفسه ويقول (  ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدكّر ) 2
ويتحدّث عن نفسه بأنّه بلسان عربي مبين سواءً قلنا عربي بمعنى اللغة أو بمعنى الواضح ،  فإذا كان كذلك فهو ميسّر وهو عربي فإذن لماذا نحتاج للتفسير حتى يأتي مفسّرون ويفسّرون القرآن  الكريم؟
البعض لديه اتجاه روائي ، والبعض لديه اتجاه ثقافي اجتماعي ، والآخر  اتجاه عقائدي ،،،

 هل نحتاج إلى التفسير ؟
 نعم  نحن بحاجة للتفسير وذلك لعدة أسباب:

اولا / إنّ مستويات الناس في فهم القرآن الكريم ليست واحدة ، حتى العرب وهم في البلدة الواحدة مستوياتهم مختلفة ، البعض يفهم من القرآن الكريم عشرين بالمئة ، والبعض الآخر يفهم خمسين بالمئة ، و الآخر ثمانين  وهكذا تتفاوت النسبة ، وهذا لا يحتاج  إلى برهان ، فالتفسير يأتي لكي ينفع من ليس لديه اطلاع كامل على معاني الآيات المباركات ،  فإذن التفسير مهمٌ  بالقياس إلى مستويات الناس .

ثانيًا /   التفسير مهم بالقياس إلى بطون القرآن الكريم وإلى أعماقه ،  فإنّنا نعلم أنّ القرآن الكريم له ظاهر يفهمه الأكثر ، وله عمق قريب وهو ما يكتشف بالتدبر ، وله أعماق أخرى أكثر من تلك تحتاج إلى أن تفسّر من قبل مفسّر عالم أو من قبل من يروي عن المعصوم  حتى يتبين لنا  ،  فهناك قسمٌ من المعاني والبطون والأعماق في القرآن الكريم لولا توضيحها من قبل المعصوم لبقيت عندنا غير معلومة فإذن هناك حاجة للتفسير.

 التفسير الروائي
هو أول التفاسير التي ستظهر تاريخيًا باعتبار أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد سئل عن بعض الآيات  ومعانيها ، فكان الصحابة يسألون رسول الله إن استصعب عليهم شيء ، وإن كان قليلًا  لأنّه كان في زمان نزول القرآن الكريم كانت العرب قريبة من هذه الألفاظ والمعاني لذلك لم يكثر السؤال عنها ، وهناك أسئلة و روايات عن النبي (صلى الله عليه واله) وإن كانت قليلة ، وهناك أسئلة من قبل أصحاب الأئمة عليهم السلام كذلك ،  وقد نقل عن ابن عباس أنه أخذ من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في تفسير البسملة أو الفاتحة مقدار حمل بعير من العلم  إذ كان كلامه عليه السلام ككلام رسول الله صلى الله عليه و آله من حيث حجّيته ومن حيث كونه سنة يأخذ بها ، فهذا تفسير بالرواية ينقله ابن عباس عن أمير المؤمنين عليه السلام، وقد نقله أتباع مدرسة الخلفاء  باعتبار أنّ أمير المؤمنين من الصحابة وقوله ينتهي إلى قول رسول الله ، وإن لم يكن إمامًا لدى مدرسة الصحابة لكنه صحابي .

مدرسة الخلفاء والتفاسير الروائية
 لدى مدرسة الخلفاء الكثير من التفاسير الروائية مثل كتاب (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) لجلال الدين السيوطي ، وكتاب (جامع البيان) لأبي جعفر الطبري ، وهما من علماء مدرسة الخلفاء قد فسّروا القران بالمأثور ، بالإضافة إلى ابن كثير وهو مشهور بالتفسير الروائي ، وليس فقط روايات النبي  بل ما روي عن الصحابة إما ما سمعوه من حديث النبي أو من تلقاء أنفسهم حول تفسير القرآن والأحكام الفقهية.
لكنّ المدرسة الإمامية لا تعتقد بما يروى عن الصحابة إذ كانت لهم أراءً خاصة لأنّ بعضها متفقٌ مع حديث النبي ، وبعضها مختلفٌ وهو بحث طويل لسنا بصدده الآن.
شاهدنا هنا أنّ التفسير الروائي هو أول التفاسير نشوءًا من الناحية التاريخية ، وإن كانت مدرسة الخلفاء نقلت عن الصحابة ، فإنّ المدرسة الإمامية نقلت عن
عن أمير المؤمنين عليه السلام وعن أئمة اهل البيت (صلوات الله عليهم) فأصبحت لدينا روايات شارحة ومفسّرة للقرآن الكريم  .

أمثلة على التفاسير الروائية لدى الإمامية
تفسير القمي ، وتفسير فرات الكوفي ، تفسير العياشي  وهي من التفاسير الروائية المعتبرة لدى الإمامية ، وكذلك التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري عليه السلام .

قيمة التفسير الروائي

 لا توجد مشكلة في التفسير الروائي إذا وصلتنا الروايات بطرق معتبرة وتامة ، وعلمنا بأنّ النبي أو الإمام قد قالها ، ولسنا بحاجة للبحث عن سندها،  ولكنّ المشكلة في إثبات هذه الروايات ، إذ أنّه لا مشكلة في الأخذ بالروايات النبوية أو الروايات الصادرة عن المعصومين لكنّ المشكلة في إثباتها و طريقة وصولها إلينا ، سواء كانت التفاسير عن طريق مدرسة الخلفاء أو مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، فهل هذه التفاسير وصلت من طريق معتبر أم لا ، ولهذا السبب فإنّ قيمة التفاسير الروائية ليست ذات قيمة عالية.

رأي المدرسة الإخبارية في التفسير الروائي

 المدرسة الإخبارية هي من مدارس الشيعة الفقهية  ترى أنّ القرآن الكريم لا يمكن فهمه إلا من خلال الروايات ، والروايات مذكورة في كتب معتبرة اجتهد العلماء في تحقيقها وعن التنقيب عنها ، إذ هي الحجة  علينا ، والمدار عندهم على الخبر الواصل إلينا هو القرآن الكريم ، وإنّما يعرف القرآن عن طريق من خوطب به وهم الأئمة المعصومون عليهم السلام.

نظرة إلى بعض التفاسير الروائية لدى الشيعة الإمامية :

1/ تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام

هو تفسير موجود في دور النشر ولو خيّر أحدهم بينه وبين تفسير آخر لاختار تفسير الإمام الحسن العسكري باعتبار نسبته للإمام وباعتباره الحجة والمعصوم ،
 لكنّ الأمر ليس بصحيح إذ أنّ  هذا التفسير على الرأي المختار عند المتأخرين من العلماء لا تصح نسبته إلى الإمام العسكري حتى يقال هذا تفسير الإمام العسكري فإنّ من رواه أشخاص لم يوثّقوا عند الرجاليين ، ومحتواه ومتنه فيه من الخلل  وفيه من الاشكال ما جعل  السيد الخوئي ( رحمه الله  ) يقول بأنّه موضوع ، وأحاديثه من الأحاديث الموضوعة وليس فقط من الأحاديث الضعيفة.

رأي مدرسة الخلفاء في كتاب ( تفسير الامام الحسن العسكري )

أحد علماء مدرسة الخلفاء ( محمد حسين الذهبي ) صاحب كتاب ( التفسير والمفسرون )  والذي لم ينصف الإمامية قال بأنّ هذا الكتاب فيه خلل وكثير من التهافت والضعف ممّا يجعلنا نقول بأنّه لا يصح نسبته إلى الإمام الحسن العسكري مع أنّه لا يعتقد بإمامته ، بل يقول بأنّه لا يصح نسبته إلى  أي أحد من العلماء  لكثرة الأخطاء الواردة فيه والغلو والمخالفات.
 
2/ تفسير القمي
لقد كثر الكلام حول هذا الكتاب وعلى مؤلفه
3/ تفسير فرات الكوفي
4/ تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي
هذا الكتاب و  غيره مما سبق  من الكتب قد ظهرت في القرن الرابع الهجري و أوائل القرن الهجري من ثلاثمئة وأكثر ، وقد  توفي أصحابها الذين ألّفوها ، وقد لوحظ عليها بعض الإشكالات والملاحظات :

1/ يوجد فيها روايات ضعيفة للغاية من حيث الأسانيد ولا يمكن الاعتماد عليها ومنها تفسير العياشي الذي حذفت منه الأسانيد فلا يستطيع القارئ معرفة ما إذا كان هذا الحديث صادرٌ عن المعصوم أم لا؟

2/ ظهور الانفتاح على المصادر الحديثية وأخذ الثقافة منها مباشرة سواء كانت تفسير أو عقائد أو فقه ، و هذا أمر لا يحبّذه العلماء للمستوى العام من الناس،
كأن يقول أحدهم لماذا أعتمد على  كتاب منهاج الصالحين ؟ أو كتاب المرجع الفلاني ؟ ،  أو لماذا أقرأ كتاب عقائد الإمامية للمحقق الفلاني ،  لماذا لا أعتمد على الروايات الموجودة في كتاب الكافي والمأخوذة من المعصوم مباشرة ؟ ...
وفي ظنه أنّه يستطيع أن يأخذ الكلام مباشرة من المعصوم ، هذا المنهج منهج خاطئ ، لأنّ هذه الروايات تحتاج إلى نظرة تحقيقية ، وتحتاج إلى التوثّق من صدروها من  المعصوم ،  والتحقّق هل هناك روايات مقيّدة لها أو مخصّصة أو معارضة ، وهذا لا يفهمه إلا المختص .
نلاحظ أنّ  البعض يأتي للروايات ويأخذ رواية ظاهرها غير واضح ولها معارضات وسندها غير معتبر، ويتساءل كيف يقول الإمام هكذا ويضع تساؤلاته بدون علم ، إذ أنّه يأخذها من الكتب الحديثية و هي أشبه بمخزن لقطع الغيار مجموعة من هنا وهناك، فإذا كان الصانع للشيء يعرف كيف يصنع جهازًا كالحاسب الآلي  اعتمادًا على خبرته ، فإنّ الشخص العادي لا يملك القدرة على ذلك بل كلّ ما في وسعه أن يضغط زرًا ويقوم بتشغيل هذا الحاسب ، أو يعطيه أمرًا من الأوامر كطباعة مستند  أو غيره ، لكنه لا يعلم كيف يعمل هذا الجهاز و كيف يتم تشغيله وبرمجته ، وهذا حال عامة الناس بالنسبة إلى الكتب الحديثية الكبيرة أمثال كتاب  (الكافي ) و ( من لا يحضره الفقيه )  أو  ( الاستبصار )  فهم لا يستطيعون الأخذ منها مباشرة ؛ لأنها لا تناسبهم بل يجب عليهم الاعتماد على التفاسير الجاهزة ،وترك الرجوع  إلى التفاسير الروائية  الكبيرة  ، خاصة أنّ قسم  من هذه التفاسير الجاهزة يوجد فيه بحث روائي يبحث في سند الرواية ويحقّق في سبب قبول الرواية .
إذًا لا ينصح بالانفتاح المباشر على المصنفات الحديثية الأصلية  غير المرتبة إلا لذوي الاختصاص ،  أو من يريد الاطلاع فقط لا بقصد أخذ الفتوى منه .
 وهذه للأسف مشكلة موجودة لدينا ولدى الأطراف الأخرى فالبعض حفظ صحيح البخاري وصحيح مسلم واعتبر نفسه مفتيًا و قاضيًا غير ملتفت للأخطاء التي قد يقع فيها نتيجة عدم خبرته ، وليس معنى هذا أن لا قيمة ولا انتفاع بالروايات  ، بل على العكس هناك روايات واضحة وبيّنة ويمكن الاستفادة منها ، وإليكم بعض الأمثلة:

1/ قال تعالى  ( إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان ) 3
سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن العدل ما هو؟ والإحسان ما هو ؟ فقال العدل هو الإنصاف ، الإنصاف غير المساواة  لاسيما ما يثار الآن في الثقافة الوافدة من المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة أو بين الكبير والصغير أو بين الأجنبي وغير الأجنبي ، و المطالبة بالمساواة مطالبة غبية لأنها لو توجهت إلى معنى المساواة لما طالبت به .
المساواة تعني هذا يساوي هذا وكثيرًا ما يكون خلاف العدل والإنصاف ، فلو افترضنا أننا سنوزّع قماشًا على الحاضرين وكل واحدٍ منهم سيأخذ مثرًا واحدًا فقط بغض النظر عن طوله ،  فقد يكون طول أحدهم متر وستين سم  ، والآخر ثمانين سم ، ومقتضى المساواة أن يعطى الكل مترًا واحدًا فقط لكنه ليس من الإنصاف لأنّ الأول لن ينتفع به لأنه طويل  بينما الآخر سينتفع به لأنّه قصير.
لذلك ذكر الله في قضية الزواج العدل ولم يذكر المساواة ، وفي مثال آخر لو افترضنا أنّ رجلا له زوجتان الأولى لديها خمسة من الأبناء ، والثانية لا أولاد لديها وقيل له يجب أن تعطي الاثنتين ألف ريال ، فهذا ليس من العدل و الإنصاف هي مساواة فقط لكنها ضد العدل والانصاف.
وكذلك في قضية الميراث أتى من يطالب بالمساواة ويقول حول الآية الكريمة:
( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) 4
حيث يقول أنّ الظروف الآن قد تغيّرت ويجب أن يساوى بين الذكر والأنثى بينما نقول أنّ هذا نظام إسلامي يعتمد على أسس وقيم حيث أنّ الرجل هو صاحب المسؤولية وهو من ينفق على المرأة فمن غير المعقول أن يساوى ميراثه بميراثها.
 وهذا الحكم في الميراث ضمن إطار القانون ( إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان )، يأمر  بالعدل يعني الإنصاف ، و ليس من الإنصاف أن تعطي هذه البنت  التي سيكون نصيبها عندما تتزوج وتعطى مهرًا أكثر من أخيها الذي سيتزوج ويحتاج لإعطاء أخرى ذات المهر ، وهكذا ,, إذاً إنّ الله يأمر بالعدل و الإحسان والإحسان فوق الإنصاف وفوق العدالة ، فبعد أن قسّمت الحق بين الناس بالإنصاف والعدالة يستحب لك أن تزيد في إحسانك ، وهذا التفسير وارد في رواية لأمير المؤمنين عليه السلام.

2/ أحيانًا يكون التفسير الروائي ناظر إلى أسباب النزول وبعض الآيات كما في قول الله عز وجل ( يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم )5
هل يعني هذا أنّ المخالطة مع اليتامى كانت  حرام ؟؟ هنا يأتي سبب النزول ويوضّحها والتفسير الروائي هو من يوضّح سبب النزول .
 عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال لما نزلت آيات التهديد في قضية أكل أموال اليتامى : ( إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا ) 6 ، خاف البعض من الاختلاط باليتامى و اعتبر أنّ دخول بيوتهم والأكل والشرب من بيوتهم ربّما يدخله نار جهنم ، فتركوا مخالطة اليتامى ، و شقّ عليهم ذلك ،  فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأنزل الله تعالى قوله ( ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح  ) 7 ، ووضّحت أنّ الولي إن كان نيته الإصلاح وممارسة المعروف فلا بأس بمخالطة اليتامى والأخذ منهم والتعامل معهم.

 3/ بعض التفاسير الروائية والروايات فيها جمع بين آيات ظاهرها يكمّل بعضها بعضًا أو يخالف بعضها بعضًا ، فمن المكمل  هذه الآية المشهورة في قضية أنّ  أقل الحمل ستة أشهر وأنّ مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه استفاد من  آية ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا ) 8  ومن قوله  ( و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ) 9   حيث أستفيد  منها بإنّ مدة الرضاع  إلى حين الفصال أربعة وعشرين شهرًا ، فتبقى ستة أشهر وهي مدة الحمل التي أقرّها أمير المؤمنين عليه السلام ، وإن كان البعض ينسبها إلى غيره ،  وقد ثبتت هذه المسألة  علميًا فيما بعد.

 4/ أيضًا يستفاد من الروايات في حلّ التخالف الظاهري بين الآيات ، ومثال ذلك عندما جاء سأل ابن أبي العوجاء هشام بن الحكم فقال له: أليس الله حكيمًا؟ قال: بلى وهو أحكم الحاكمين، قال: فأخبرني عن قوله عز وجل: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة )10 أليس هذا فرض؟ قال: بلى، قال: فأخبرني عن قوله عز وجل: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كلّ الميل (11 ، أيّ حكيمٍ يتكلم بهذا ؟،، فلم يكن عنده جواب فرحل إلى المدينة إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال:
يا هشام في غير وقت حج ولا عمرة؟ قال: نعم جعلت فداك لأمرٍ أهمّني إنّ ابن أبي العوجاء سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شئ قال: وما هي؟ قال: فأخبره بالقصة فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): أما قوله عز وجل: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) يعني في النفقة وأما قوله: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) يعني في المودة، قال: فلما قدم عليه هشام بهذا الجواب وأخبره قال: والله ما هذا من عندك )12

5/ أحيانا تطبّق الرواية مفهوم من المفاهيم الواردة في آية من الآيات على موضوع اجتماعي وأخلاقي مثل (  قضية الغضب  ) ، البعض يقول أنا أعاني كثيرُا من حالة الغضب وأتعرّض لها كثيرًا مع أبنائي فماذا أفعل ؟
  هناك رواية عن الأصبغ بن نباتة  قال سمعت أمير المؤمنين (ع) يقول { إنّ أحدكم ليغضب فيما يرضى حتى يدخل به النار }
الغضب أحيانا يؤدي بالإنسان إلى نار جهنم لأنه قد يؤدي إلى الظلم وبالتالي عدم عفو الطرف الآخر ، مما يحمل عليه فيظل يطالبه بحقه يوم القيامة وإن لم يعف عنه ربما سيدخل النار بسبب هذا الظلم ، الذي سببه الغضب ، فما الحل ؟ يجيبنا على ذلك أمير المؤمنين في ذيل الرواية فيقول ( فأيّما رجلٍ منكم غضب على ذي رحمه فليدن منه، فإنّ الرحم إذا مسّتها الرحم استقرت )13
ادن منه بمعنى ضع يدك على رحمك حتى يهدأ ويذهب غضبه ، وهذا ليس فقط مع الأرحام بل مع حتى الأعداء ، حيث يروى في التاريخ أنّ الإمام الصادق عليه السلام  وقد غضب عليه المنصور وتهدّده بالفتل واستحضره إلى مجلسه في الليل وهو يقول والله لأقتلنه وسلّ السيف ، وعندما وصل الإمام الصادق جلس الى جانبه ووضع يده على يده عند ذلك هدأ و برد  غضبه ، حتى تعجّب المنصور قال فيما معناه أنا كنت حانق عليك ، فاستشهد له بكلام شبيه بكلام أمير المؤمنين فإنّ الرحم إذا مسّها الرحم استقرت وأنّها متعلقة بالعرش فتنادي (  اللّهم صلْ من وصلني واقطعْ من قطعني  )14 وذلك قول الله تعالى في كتابه  ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام )15 ، نلاحظ هنا  أنّه قرن تقوى الله بمراعاة الأرحام ومراعاة حقوقهم ، وهو على ذلك رقيب كما قال في ذيل الآية ( إنّ الله كان عليكم رقيبًا  ) 15
---------------------------------------
1 سورة الفرقان آية 33
2 سورة القمر آية 22
3 سورة النحل آية 90
4 سورة النساء آية 11
5 سورة البقرة آية220
6 سورة النساء آية 10
7 سورة البقرة آية 220
8 سورة الأحقاف آية 15
9 سورة البقرة آية 233
10 سورة النساء آية 3
11 سورة النساء آية 129
12 تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ج7 ص 420
13 بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج70 ص265
14 بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج70 ص265
15 سورة النساء آية 1
16 سورة النساء آية 1

 

مرات العرض: 3470
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2548) حجم الملف: 75279.96 KB
تشغيل:

15 الامام الحسن المجتبى وتفسير القرآن
17 ما يحتاجه المفسرون من علوم