اليأس والقنوط
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 23/7/1439 هـ
تعريف:

36 اليأس والقنوط

كتابة الأخت الفاضلة أمجاد عبد العال

 

قال الله العظيم في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)، آمنا بالله، صدق الله العلي العظيم، في سياق الحديث عن الأمراض الأخلاقية والصفات السيئة، نتحدث عن مرض اليأس والقنوط. اليأس والقنوط، هو المقابل المضاد للرجاء والأمل. الإنسان الذي يرجو رحمة ربه، في مقابله هو اليائس من رحمة ربه. الشخص الذي لديه أمل بالفرج وبانكشاف الهموم، هو في النقطة المقابلة لمن ييأس من روح الله. ولا ريب أن اليأس والقنوط من الأدواء والأمراض التي قد تعرض على الإنسان، وتكشف عن نقص إيماني كما تكشف عن نقص معرفي وعلمي.

اليأس والقنوط لا يختص فقط بما يرتبط بجانب الذنب وما يترتب عليه من العذاب، أو بجانب الرحمة الإلهية. وإنما قد تتملك هذه الصفة إنسانا ما، فتفسد عليه أمور حياته بشكل عام. فقد تجد أناسا في كل حياتهم طابع التفاؤل، طابع الرجاء، طابع الأمل، طابع التوكل، طابع الثقة بالله عز وجل. حتى وهو في أسوأ المشاكل، وفي أعقد المعضلات، مع ذلك، يعتقد جازما إن رحمة ربه قريب من المحسنين. يعتقد في داخل نفسه، أن الله سبحانه وتعالى سيفرج عنه همه ويكشف عنه كربه، ويحل له المشكلة، من حيث لا يحتسب هذا الإنسان، فضلا عما كان يحتسب.

أحيانا الإنسان يرى المشكلة الكذائية، ويقول هناك عدة حلول لها. الحل الأول: أجربه، وهو كذا. الحل الثاني: أجربه، وهو كذا. وفي بعض الأحيان، تنسد أمام الإنسان سبل الحلول الاعتيادية، فيعجز عن اجتراح حل، وعن اقتراح طريق؛ لإزالة هذه المشكلة. مع ذلك، هذا الإنسان الآمل، هذا الإنسان الراجي، يقول: أنا في الأمور التي أحتسبها، أفكر فيها، أخطط على أساسها، أنا عاجز عن ذلك. لكن هناك حلول إلهية، لم أكن أحتسبها. لا أعرفها. الله هو الذي يفرج عني بتلك الحلول.

وقد نقل عن بعض العباد وأصحاب الأذكار، أنه إذا ضاقت به السبل: سبل المعيشة، سبل الرزق، وانسد أمامه باب الفرج، كان يلجأ إلى ذكر معروف بينهم، وهو أنه يقرأ: سورة التوحيد ثلاثا، وهي بمثابة ختم للقرآن - كما ورد في روايات متعددة - ثم يصلي على محمد وآله ثلاثا. اللهم صل على محمد وآل محمد. ثم يقرأ هذا الدعاء: "يَا مَنْ إِذَا تَضَايَقَتْ الأُمُورُ، فَتَحَ لَهَا بَابًا لَا تَذْهَبُ إِلَيهِ الأَوْهَام، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَافْتَحْ لِأُمُورِي المُتَضَايِقَةِ بَابًا لَا يَذْهَبُ إِلَيهِ وَهْمٌ".

يقول هؤلاء: عادة ما كانت تنكشف المشاكل أمامهم وينفتح باب الفرج لهم، بعد التوكل على الله، والإيمان بـأن الله سبحانه وتعالى يفرج كل هم، ويدبر كل أمر. نحن البشر، دائرة المعادلة عندنا دائرة محدودة. في الرزق مثلا، أقول: أسجل في هذه الشركة، أعمل هذا العمل، أستثمر في هذا المجال. فلدي أربعة، خمسة، عشرة أبواب، أفكر فيها، مما أحتسبه رزقا. لكن الله سبحانه وتعالى الذي بيده مفاتح الغيث، وبيده مقاليد الأمر في الكون كله، ما يمكن أن يفتح لي سبحانه وتعالى من أبواب الرزق، التي لا أعلمها، شيء عظيم وكثير.

فحتى لو انسدت الأبواب المحتسبة، الأبواب المقترحة في ذهني. فأنا الإنسان صاحب الأمل، أفكر في تلك الأمور التي لا أحتسبها، ولا أفكر فيها، بل ولم تطرأ على بالي أصلا، والله سبحانه وتعالى، يجري فيها الرزق والفرج والخير، فهذا قسم من الناس. هكذا هي طبيعة حياته.

وهذه الطبيعة ناشئة عند هؤلاء من حسن الظن بالله، والثقة بالله. وعندنا روايات كثيرة: "أَنَا عِنْدَ حُسْنُ ظَن عَبْدِي بِي". فلو تورطت في مشكلة - لا سمح الله ولا قدر - فقسم من الناس أول ما يتبادر إلى ذهنه هو أسوأ الاحتمالات. افترض، مثلا: مخالفة بسيطة، وفي حقيقتها تنتهي بجزاء مالي، لكن بعض الناس لعدم ثقته بالله، ولنظرته السوداوية تراه يبتعد بأوهامه إلى حد أنه يرى أنه سيحكم عليه بالإعدام من وراء هذه المخالفة.

دائما نظره أسود، فكره سلبي، توجهاته غير واثقة بفرج الله، هذا قسم من الناس. وقسم آخر، لعل السامعين منهم إذا هجمت عليه المشاكل، إذ يرى فيها الفرج. فكل هذه المشاكل أمام قدرة الله، كم تساوي؟ لا شيء. أمام عون الله، ماذا يمكن أن تصنع؟ لا شيء. لذلك فإن هؤلاء في أشد عواصف المحن، تجدهم في أشد حالات الاستبشار.

ويكفيك من المثل مولانا الإمام الحسين سلام الله عليه، الذي قال عنه بعض من حضر واقعة كربلاء، وقد أفرد بين الناس، وأصبح مكثورا، مكثورا يعني: الشخص الذي تكاثر عليه الأعداء من كل النواحي. بعد هذا لا يمكنه أن يفعل شيئا، فهم ليسوا من جهة واحدة، بل أحاطوه مثل الدائرة. يقول هذا: "فَوَ اللهِ مَا رَأَيتُ مَكْثُورًا قَدْ قُتِلَ وُلْدُهُ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ أَمْضَى جِنَانًا وَلَا أَشْجَعَ قَلْبًا وَلَا أَكْثَرَ إِشْرَاقًا مِنَ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ"، سلام الله عليه، في عز المحن، في أتون المشاكل، يقول: "هَوَّنَ عَلَيَّ مَا نَزَلَ بِي، أَنَّهُ بِعَيْنِ اللهِ".

فإذن، هما مثلان متقابلان، بين الإنسان اليائس القانط، غير الواثق من نصر الله، سيء الظن بالله عز وجل، وبين الإنسان الواثق بالله، الراجي نصر الله، الآمل في عون الله عز وجل، الذي يرى الفرج بعون الله قريبا منه.

قد تكون هناك أسباب تجعل بعض الناس، من اليائسين القانطين، الذين وصف بعضهم في مرحلة من المراحل، بأنهم كافرون، وفي أخرى وصفوا بأنهم ضالون. في الآية المباركة، في قصة نبي الله يوسف: (اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، فهنا ييأس من روح الله: الكافر. في آية أخرى، قال: (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)، فهنا: قنوط يساوي ضلال، وهناك يأس من روح الله، يساوي كفر. لذلك صار سؤال: هل أن اليأس والقنوط هو أمر واحد أم هو متعدد؟ إذا كان أمر واحد، فلماذا في مكان قال: ييأس من روح الله، كافرون، بينما من يقنطون، ضالون؟! المفروض أن يكون كلاهما: ضلال، وهي أدنى مرتبة من الكفر. فإذا كلاهما، كلا اللفظتين بمعنى واحد، فالمفروض أن تكون النتيجة واحدة. فإما كلاهما كافرون أو كلاهما ضالون.

لذلك البعض قال: لا، اليأس يختلف عن القنوط. القنوط، درجة من الدرجات، فإذا تعمقت وتركزت في نفس الإنسان، وأصبحت حالة يأس، ذاك الوقت، أضحت تنتهي إلى الكفر. هذا قسم. قسم آخر قالوا: لا، الجهة هي جهة الرحمة والروح. ففي الأولى، قال: من يقنط من رحمة الله، ضالون، الثانية: قال: لا ييأس من روح الله، إلا القوم الكافرون. إذن الاختلاف هو بين الروح وبين الرحمة. وعلى أي حال، فكلتا الصفتين، صفتان سيئتان، تنبئان عن نقص إيمان إلى درجة كبيرة، بل إلى نقص معرفة. وهذا أحد الأسباب التي تدعو بعض الناس إلى اليأس والقنوط.

فلماذا إنسان يكون يائسا وآخر يكون راج، شخص يكون قانطا، وآخر يكون واثقا وحسن ظن بالله، واحد من هذه الأسباب: أنه لا يثق بقدرة الله عز وجل، ولا يعرف طريقة تدبير الله. فهما فرعان: فرع علمي، وفرع إيماني. الفرع العلمي، ما هو؟ أن الإنسان لا يعرف كيفية إدارة الله للكون، طريقة تدبير الله للأشياء، على أي أساس وضعت في هذا الكون؟ يتصور أن الله سبحانه وتعالى ما دام خلق هذا الكون، وخلق هذا الخلق، فلا بد أن ينعمهم على طول الخط، وهذا خطأ. فقد خلق هذا الإنسان؛ لكي يقدم امتحانات. والامتحانات: ابتلاءات. والابتلاءات فيها مشاكل. وإذا أنصفك الدهر: فيوم لك ويوم عليك.

لا تتصور أن هذه الدنيا خلقت خضراء، رطبة، مريحة؛ من أجل أن تترفه فيها. فنظام هذه الحياة ليس هكذا. إذا كان في بالك أنك جئت إلى هذه الحياة؛ لكي تتنعم فيها طوال الخط، فأنت واهم، ولا بد أن تغير فكرتك عن الدنيا والخلق. وإذا كنت تتصور أن الله جاء بك إلى هذه الدنيا لكي يجعلها جنتك، فأنت واهم أيضا. فالجنة مكان آخر.

ففي هذه الدنيا، ستكون منعطفات، إغلاقات، صعوبات، مشاكل، ونتيجة ذلك لو أحسنت إدارتها والتوكل على الله فيها، فإنك ترتقي في درجاتك. ومن لا يعرف أن طريقة الدنيا والخلق هي هذه. تصيبه هذه المشكلة، وتلك الثانية، والثالثة، فيبدأ باليأس، يصيبه القنوط.

البعض يصبح عنده ذلك، إلى الحد يجعل منه عدم التوكل، وعدم الثقة بفرج الله، إلى حد أن يقول لك: أنا أينما أضع وجهي في مكان، ذاك المكان، يصبح مظلما. لو أذهب إلى البحر، يجف، كما يقولون. لا. ليس الأمر هكذا. وليس صحيحا، ولا يوجد شخص من هذا النوع. لا يوجد شخص خلق لهذه الطريقة. فلا بد لديه توفيقات كثيرة، ولديه مشاكل؛ قد تكون لسوء إدارته، أيضا كثيرة.

من جهة أخرى، عدم الثقة بالله سبحانه وتعالى. تقول له: الله أقوى، لو ذاك الظالم الذي أخذ مالك؟ يقول: صحيح الله أقوى، لكن هذا الآن قد أخذ أموالي؟ هذا إذن أنت لا تعتقد بأن الله سبحانه وتعالى قادر على إنصافك لو كانت الحكمة في ذلك.

بمقدار ما تثق بالله عز وجل وتحسن الظن به سنجد منه.، وقد أخبر على لسان أوليائه بأنه عند حسن ظن عبده به، ففي كل مصيبة، في كل مشكلة، في كل قضية، كن واثقا بالله عز وجل. القرآن الكريم، في سورة الأنبياء، يتحدث عن تجارب أنبياء الله عز وجل، بشكل يبين أن هؤلاء تعرضوا للمصاعب والمشاكل والأمور المختلفة ولكن الله سبحانه وتعالى، فرج عنهم، وبعض هذه الآيات نقرؤها في صلاة الغفيلة.

لا تتصور أن اختيار الآيات في الصلوات، هو اختيار عشوائي، لا. وإنما يراد تثبيت مفاهيم. لاحظوا ماذا يقول ربنا، في سورة الأنبياء، يستعرض عددا من تجارب الأنبياء، فبعد أن يبدأ بقضية نبي الله إبراهيم - تقريبا من آية 55 في سورة الأنبياء فصاعدا، وكيف أنه وقع في ورطة مع نمرود على أثر قيامه بعمله التوحيدي وتحطيمه الأصنام، إذ أتوا له وأشعلوا له تلك النار العظيمة المعروفة، (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ)، هو واحد فقط الآن، وكل المجتمع ضده، ونمرود السلطان أيضا، أتى بالنار وأسعرها، فالنتيجة ما هي؟ (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ. وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ).

ثقة إبراهيم بربه، انتهت به إلى هذا. أنا أيضا الإنسان المؤمن إذا فكرت أن حسن ظني بربي، وتوكلي عليه، وثقتي به في مشاكلي وقضاياي، هو قادر على حلها، فتنتهي إلى: (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ).

ثم أيضا، يأتي بنموذج آخر، فهؤلاء أنبياء، المفروض أن لا يتعرضوا لمشاكل، بحسب مقاييسنا الاعتيادية، ما داموا هم القريبون من الله، والعظماء منزلة، لكنه يقول تعالى أيضا: (وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ)، والقضية المعروفة: دخلوا عليه وأرادوا أن يقتحموا عليه بيته، لكن الله سبحانه وتعالى فرج عنه ذلك: (وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ). ونوح أيضا: الشيء نفسه. ثم يتحدث عن داوود وسليمان، إلى أن يأتي ويقول: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ). كم هي مشاكلك، كم هي - أيتها المؤمنة - مشاكلك، كم نسبتها إلى مشاكل وقضايا ومحن أيوب. لكنه مع ذلك، كان هذا موقفه: (نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ)، فحتى طريقة الدعاء، طريقة مهذبة، يقول له: يا رب، ترى أنا مضرور، أصابتني مشاكل. وأنت أرحم الراحمين. والنتيجة: (فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ).

إلى أن يقول: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ). أشرت قبل قليل: أنه نحن لما نقرأ في صلاة الغفيلة، هذه الآية، إنما لكي تنبهنا أن ذلك الذي كان مسجونا في داخل ظلمات ثلاث، وبحسب المقاييس الطبيعية العادية، لا يمكن أن يبقى على قيد الحياة، لكنه نادى ربه، أقر بذنبه. وإن كان بحسب الاصطلاح ليس ذنبا، وليس ظلما وإنما هذا مبالغة في الاعتراف. وقد تحدثنا عن بعض موهومات خلاف العصمة في الآيات المباركة في مكان آخر. وقلنا أن هذه ليست الذنوب الاصطلاحية، وليست الظلم الاصطلاحي الذي نمارسه نحن.

فيقول: هذا الذي لم يكن محتملا أن ينجو ولا أن يُفرَّج عنه في جوف الليل، في جوف البحر، في جوف الحوت، لكن تنفذ دعوة هذا الإنسان من ذلك المكان إلى الله سبحانه وتعالى؛ لكي يفرج الله عنه همه. فاستجاب له ونجاه من الغم. وهكذا التي أحصنت فرجها، وعُرِّضت إلى التهمة الاجتماعية، فقالوا لها: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا)، ما الذي أتى بك بهذا الذي فعلت أمام الناس؟! عيب عليك. أمام الناس آتية، وتحملين أثر الجريمة التي ارتكبت، تأتين بها أمامنا؟! على يديك؟!

أنت تصور، امرأة عفيفة عذراء، ليست ذات زوج، وقد أتت ومعها طفل أمام الناس. وهؤلاء اليهود، الجاحدون في ذلك الوقت، كانوا قساة عليها في النقد والاتهام. مع ذلك، فالله سبحانه وتعالى فرج عنها بأن أنطق طفلها ودفع عنها التهمة في القضية المفصلة.

الله سبحانه وتعالى ينقذ الإنسان وينجيه إذا توكل عليه. ولذلك ينبغي أن يبعد الإنسان عن نفسه أي شيء يورث إليه اليأس والقنوط. إذا عندكَ صديق، إذا عندكِ صديقة تخالف توجهات التوكل، تخالف توجهات الثقة بالله عز وجل، أو يخالف الأمل بالله والرجاء، أو يزين لك أن أمورك ستتدهور من وقت إلى آخر بشكل أسوأ. قل له: لا. الله على كل شيء قدير. قل له: الله بيده مفاتيح الأمور، قل له: الله يحل المشاكل، ينزل الغيث من بعد ما قنطوا. كل أجهزة الأرصاد، قالت: هذه السنة قحط وليس من قطرة مطر. لا، الله ينزل الغيث حتى مع قنوط الناس.

إذا كان حولك أشخاص سلبيون، سوداويون، فحاول أنت أن تنقل إليهم روح الأمل والرجاء وحسن الظن بصنعه. فإذا لم ينتقل إليهم ذلك، فلا تتأثر بهم، لأن اليأس من روح الله يعني عدم معرفة الله، وعدم الثقة والإيمان بالله سبحانه وتعالى. أنت تقرأ في صلاتك وفي دعائك: "بِحَوْلِ اللهِ وَقُوَّتِهِ أَقُومُ وَأَقْعُدُ". حول الله، هل يقف أمامه شيء؟ كلا. قوة الله، هل يعيقها شيء؟ كلا. افتتح يومك بالأمل بالله، عندما تصبح وتبدأ يومك، تقول: "أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ المُلْكُ للهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ. أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الأَمْرُ كُلُّهُ للهِ، لَا أَحَدٌ لَهُ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ وَلَا حَرَكَةٌ وَلَا سُكُونٌ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ". وأنا أعتقد بهذا اعتقادا جازما، وراسخا. توكلت على الله، لا إله إلا هو. افتتح يومك، افتتحي يومكِ بهذا، واعتقدوه حتى تكونوا واثقين بعطاء الله وبفرجه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لأن نحسن الظن بربنا، وأن يعطينا على حسن ظننا به، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

 

مرات العرض: 3418
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2572) حجم الملف: 32150.1 KB
تشغيل:

شهر رجب لماذا له فضيلة خاصة ؟
بتوكل الايمان نهزم القنوط واليأس 36