المذاهب الاسلامية بين التواصل العلمي والقطيعة 17
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 30/9/1438 هـ
تعريف:

المذاهب الإسلامية بين التواصل والقطيعة


تفريغ الفاضلة / فاطمه الخويلدي
تصحيح الفاضلة أفراح البراهيم
روي عن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال ( من يرد الله به خيرًا يفقّهه في الدين )1
حديثنا سيكون حول المذاهب الإسلامية بين التواصل العلمي والقطيعة ، والصورة المثالية التي ينبغي أن يطمح إليها المسلمون في العلاقة بين المذاهب .
العلاقة بين المذاهب الإسلامية تتأطّر بثلاثة أطر :
1/ الإطار الأول : التوافق السياسي في القضايا الكبرى.
2/ الإطار الثاني : التعايش الاجتماعي بين أبناء هذه المذاهب.
3/ الإطار الثالث : التواصل العلمي بين الفقهاء والخبراء.
هذه الصورة المثالية التي ينبغي أن يطمح المسلمون من الوصول إليها .
1/ الإطار الأول : التوافق السياسي في القضايا الاجتماعية
من الواضح أنّ هناك قضايا كبرى تخصّ الأمة الإسلامية ، و هناك بعض القضايا تخص الأقليات الإسلامية حيث تتعرّض للاضطهاد من قبل الوثنين ، أو من قبل بعض القوى الكافرة ، وهذه نقطة اشتراك بين جميع المذاهب ، باعتبار أنّ أولئك مسلمون وهؤلاء مسلمون فينبغي أن تكون العلاقة بين المذاهب الإسلامية معاضدة لهذه الأقليات والفئات المسلمة ، حيث تتعرّض بعض الجاليات المسلمة للمسخ الثقافي وإلغاء الهوية الفكرية ، وهي تحتاج إلى رفد ومعاونة ويفترض أن تكون هذه القضية مشتركة بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم ، والصورة المثلى أن تتعاون هذه المذاهب في الحفاظ على هوية هؤلاء المسلمين وحمايتها من الذوبان في تلك الأجواء.
أيضًا من بعض القضايا السياسية الكبرى قضية فلسطين و شعبها المشرّد وأرضها المحتلة يفترض أن تكون هذه القضية ذات طابع إسلامي حيث أنّ شعبها مسلم إضافة إلى وجود الأماكن التاريخية التي ترتبط بتاريخ المسلمين .
هذه القضايا وأمثالها يفترض أن تكون همًا مشتركًا بين المذاهب على اختلاف توجّهاتهم الفكرية لكن يجب أن تتفّق رؤيتهم هنا ، ولكنّ الملاحظ في بلاد المسلمين أنّ الكلمة هي لأهل السياسة وليست لزعماء المذاهب ، وفي الغالب زعماء المذاهب محكومون من قبل صاحب القرار السياسي و أحيانًا موظّفون ، ونظرًا لهذه الجهة فقد تختلف في كثير من الأحيان إرادة الجهات السياسية ومصالحها وآراؤها ، وزعماء المذاهب هم تابعون في قرارتهم لا يستطيعون فعل شيء، بل ربما في بعض الأحيان يحصل بناءً على تضارب المصالح السياسية نوع من الهجوم بين فئتين مسلمتين ومذهبين مسلمين ؛ لأنّ السياسيين في هذا البلد أو ذلك البلد ليسوا على وفاق.
نرى أنّ زعماء المذاهب في هذا الإطار لا يملكون التأثير الكبير.

2/ الإطار الثاني: التعايش الاجتماعي بين الفقهاء والخبراء
التعايش الاجتماعي يعني أنّ الأفراد مختلفي المذاهب لكنهم يعيشون في بيئة جغرافية واحدة فزيد ينتمي للمذهب الإمامي، وعمر للمذهب المالكي ، وبكر للمذهب الحنبلي ، وهؤلاء بإمكانهم أن يجعلوا العلاقة بينهم علاقة هادئة ، كما أنّ بإمكانهم أن يجعلوا العلاقة متشنّجة ، إذ أنّ وجود اختلاف مذهبي لا يكون سببًا دائمًا لجعل العلاقات في حالة من التشنّج.
وكما نرى لا يوجد مجتمع واحد يدينون لمذهب واحد وتختص به ، فلا نجد إمارة فلانية تدين بالمذهب الحنبلي فقط ، ولا مدينة واحدة تدين بالمذهب الإمامي فقط ، وإن كان فهو في فئات قليلة ، كما نرى في مدرسة الصحابة وقد تعايشوا وعملوا مع بعضهم البعض وحرّكوا الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، وكذلك في الأحساء توجد المذاهب الأربعة المشهورة عند أهل السنة وكذلك يوجد المذهب الإمامي وقد تعايشوا مع بعضهم البعض متجاوزين الاختلاف المذهبي.
وكذلك في مدينة الكوفة تختلف المذاهب والتيارات والآراء والأشكال وتمّ التعايش فيما بينها حيث ازدهرت الحياة فيها ولم يشكّل الاختلاف عائقًا للتعايش ، ونستطيع أن نقول أنّها حالة تعايش معقولة ، و هي مرتبطة بإرادة الناس محقّقين قوله تعالى ( لكم دينكم ولي دين )2 وهذا في أسوأ الحالات.
نحو تعايش اجتماعي أفضل
1/ يمكن للتعايش الاجتماعي أن يرتقي بشكل أفضل  إذا اعتقدت أنا الذي أدين بالمذهب الإمامي أنّك إنسان تدين بالمذهب الحنفي ولك الحرية في اعتقادك، و ليس لي حق في معاتبتك فأنت ترى أنّ الحنفية هي طريقك للجنة فاثبت على ما أنت عليه ، وكذلك من هو على المذهب المالكي أو الشافعي ،، وهكذا نحن في النهاية كلنا صادقون مع أنفسنا ونيّاتنا حسنة ولا حاجة لمنازعة الآخر في اعتناقه لهذا المذهب أو ذاك ، بل نحن نحترم بعضنا البعض ونكبر في بعضنا هذه العلاقة من الاحترام للمذهب ، ولا نتّبع المصلحة في ذلك ، بل لدينا قناعة في أنّ ما ننتمي إليه من مذهب يوصلنا للجنة ، إذًا كلٌ منا يحترم اختيار الآخر لمذهبه بل ونسعى من أجل أن نسعد في حياتنا ونعمّر بلادنا.
2/ لضمان تعايش اجتماعي سلمي بين المذاهب ينبغي العمل على توعية وتثقيف المجتمعات بهذه الثقافة ، وكلما زادت محطات التوعية ازدادت العلاقة ترابطًا ومحبة وأصبحت المجتمعات أكثر تعايشًا.

الإطار الثالث: التواصل العلمي بين علماء المذاهب
من الأمور المهمة والنافعة جدًا التواصل العلمي بين فقهاء المذاهب ؛ لأنّه كلما ارتفع المستوى الثقافي والعلمي قلّت المشاحنات والتشنّجات ، فكل عالمٍ يستطيع أن يقرأ لذلك العلم ، وذلك يستطيع أن يفهم وجهة نظر الآخر وطريقة استدلاله ، لأنّ أهل العلم يفهمون على بعضهم وكيف استدلّ أحدهم على قضية من القضايا وإن كان يختلف معه في قبولها .
التواصل العلمي في هذا الوقت الراهن قليل جدًا  ومن بعض الأمثلة على ذلك وجود ما يسمى ( مؤتمر للفقه الإسلامي ) هذا المؤتمر ترعاه رابطة العالم الإسلامي ويضمّ كل المذاهب الإسلامية المعروفة حيث يعقد كل سنة أو كل سنتين ، ويطرح فيه القضايا الفقهية الهامة لا سيما ما يسمى ( الاستفتاءات الجديدة مثل ( بنوك الدم، بنوك الحليب، الاستنساخ، التلقيح الصناعي )
هذه المؤتمرات تسهم في زيادة المعرفة والتواصل بين علماء المذاهب وأربابها ، وقد صدرت عنها بعض الأشياء الجميلة كالذي صدر منذ فترة حيث كلّف علماء كل مذهب أن يكتبوا  ( كتابة استدلالية متقنة للقواعد الفقهية والأصولية المتأخرة التي انتهى إليها المذهب والتي تستخدم في الاستدلال وكذلك شرح القاعدة وأدلتها وتطبيقاتها ) وقد كتبت كتبات متقنة في هذا الجانب ساهمت في التعارف بين المسلمين .
ومع كل هذه الجهود إلا أنّها تبقى قليلة لأنها في إطار الحالة الرسمية للحكومات ، وليست لها أدواتها الخاصة.
نحن بحاجة أكثر للتواصل بين المجاميع العلمية مثلاً الحوزة العلمية في النجف مع الجامع الأزهر في مصر ، أو الحوزة العلمية في قم مع جامع الزيتونة في تونس أو القرويين في المغرب وغيرها ، بحيث يتواصل العلماء ويتبادلون الآراء ويعرضون النتائج والإنجازات ، هذه الاجتماعات العلمية يجب أن تكون بعيدة عن العلاقات السياسية سواء كانت حسنة أم غير حسنة ، يفترض أن تكون هناك علاقات علمية وفكرية بين هذه المجاميع ، وقد حصل في تاريخنا الحديث مثل هذا وكان له آثار طيبة جدًا ، ومثاله ما وجد لدينا باسم السعي للتعريف بالمذاهب الأخرى لكنّه للأسف قد يلاقي معوقات من كلا الجانبين ( السنة والشيعة ) من قبل أولئك المتطرفين الذين يفسدون مثل هذه الأفكار التي تقرب بين المذاهب .
وقد حدث مثل هذا الأمر  في الزمن القديم وعلى سبيل المثال :
1/ من أيام زمن شيخ الطائفة الطوسي المتوفي سنة أربعمائة وستين هجرية أي قبل حوالي الف سنة ، حيث كان يكتب كتاب  (الخلاف ) وهو فقه مقارن متقن يأتي بالمسألة الواحدة ثم يتعرّض فيها إلى آراء رؤساء المذاهب فيأتي برأي مالك ثم الشافعي ثم أحمد بن حنبل ثم أبو حنيفة بل وغيرهم من المذاهب التي انقرضت ، ثم يأتي برأي الإمامية ، وبما أنّه فقه استدلالي يبيّن أنّ رأي الإمامية هو الأقوى مع تعرضّه لآراء الآخرين بكل احترام و إنصاف ، وليس كما يفعل البعض حيث يعتبر الآخرين جهلة ومذهبهم باطل ، بل يعرض الشيخ الطوسي أدلة علماء المذاهب كما قرّروها وما رأوها بدون تسقيط .
2/ المحقّق الحلي صاحب كتاب  (شرائع الإسلام ) المتوفي سنة ستمائة وست وسبعين هجرية أي بعد حوالي مئة وخمسين سنة أو مئتين سنة من زمان الشيخ الطوسي ، يأتي ليكتب كتاب ( المعتبر  ) وهو كتاب فهي استدلالي أيضًا يأتي فيه بآراء المذاهب الأخرى ورأي الإمامية ويقارن بينها و ينظر في أدلتها
3/ تلميذ المحقق الحلي المتوفي سنة سبعمائة وستة وعشرين أتى وكتب عدة كتب منها
  ( تذكرة الفقهاء ) وهو كتاب ضخم يقع في مجلدات ينهج فيه نفس المنهج حيث يستعرض آراء المذاهب الإسلامية ورأي الإمامية.
4/ الشهيدان ولا سيما الشهيد الثاني الذي يعتبر من أعلم علماء الطائفة والذي يثني على علماء المذاهب حيث تتلمذ على يديهم ويمدحهم ويصف البعض منهم بدقة النظر والبعض بجودة الحفظ، والبعض بقوة الاستدلال ، ولهذا الوقت تعتبر كتب الشهيد الثاني هي أهم الكتب في الحوزات العلمية.
في الزمن الحديث استمرت هذه الحركة على يد المرحوم السيد حسين الطباطبائي البورجردي الذي سعى بخطوات كبيرة وواسعة ، حيث أنّه رأى أنّ الجامع الأزهر في زمانه هو الممثّل الأكبر للحالة الإسلامية غير الشيعية وذلك في سنة ألف وثلاثمئة وستين للهجرة حيث كان الأزهر مؤسسة إسلامية لا تضاهيها مؤسسة إسلامية أخرى لدى أتباع مدرسة الصحابة ، لكنّ هؤلاء لم يكونوا قد تعرّفوا بشكل واضح على الفقه الإمامي وما وصلت له الإمامية في الاستدلال الفقهي والأصولي ، لذا عيّن السيد الطباطبائي مندوبًا له من الفقهاء واسمه ( الشيخ محمد تقي القمي ) و أسّس دار التقريب في القاهرة وزوّدهم بكتابين هما  كتاب ( المبسوط للشيخ الطوسي ) وكتاب ( المختصر النافع ) للمحقق الحلي ، حيث يوجد في كتاب المبسوط تفاصيل المسائل ، بينما كتاب المختصر يعتبر أشبه برسالة عملية مختصرة وبصيغة متقنة وجيدة تقع في ثلاثمئة صفحة ، حيث أخذ هذين الكتابين ونشرهما بشكل واسع بين العلماء في مصر وبين أهل العلم والمدرسين في جامع الأزهر، وعندما انتشر صيت هذين الكتابين تفاجأ العلماء هناك بالمستوى المتقدّم لفقهاء أهل البيت عليهم السلام ، وقام وزير الأوقاف المصري في ذلك الوقت بطباعة كتاب المختصر النافع وإتاحته للناس ، وقد قدّم لهذا الكتاب الدكتور أحمد حسن الباقوري بمقدمة جميلة  حيث أنّ لديه معرفة إسلامية متقدمة و قامت بطباعته قسم الثقافة الدينية في وزارة الأوقاف المصرية و أتيح أيضًا للناس .
والآن انظروا لهذا التحول الجميل الذي حدث في مثل سنة ألف وسبعمائة وستين أو خمس وستين ميلادية حيث طبع كتاب المختصر النافع والمذهب الجعفري يدرّس في جامعة الأزهر ، والشيخ محمود شلتوت يصدر فتوى بجواز التعبّد بمذهب أهل البيت عليهم السلام ، وكان هذا قبل خمسة وسبعين أو خمسة وخمسين سنة ، والآن للأسف ماذا يحدث في هذه الأمة في مصر ؟؟
إن عرف بأنّك إمامي المذهب تلقى في سبيل ذلك الأذى والمضايقات مع أنّ هذا يفترض أن لا يحدث الآن ، وهذا من المؤسف حقًا أن تكون مصر سابقًا عاصمة للثقافة والمعرفة ثم تضيق بكتاب فقهي في هذه الأزمنة وهذا مما يبكي له من حال الأمة ، و كما يقول الإمام علي عليه السلام ( من كان آخر يوميه شرّهما فهو ملعون )3
وإذا بهذه الأمة ليس آخر يوميها فقط بل بعد ستين سنة تعود للوراء وهذا شيء محزن ، و ينبغي أن يسعى المسلمون في هذا التواصل ، مع أنّه مازال موجودًا لكن على نطاق ضيق وتحديدًا في العراق في الحوزة العلمية في النجف الأشرف الجهود مبذولة من قبل المرجعيات والعلماء ، ومن المهم جدًا أن يعاد حبل التواصل العلمي ليس فقط مع مصر بل مع كل مؤسسة علمية ودينية في العالم الإسلامي ، ينبغي للعلماء أن يجتمعوا ويعرضوا كتبهم على بعضهم البعض و يطرحوها للنقاش والمباحثة ، ينبغي أن يساهموا في حضور المؤتمرات ، وإن كانت الخطوات موجودة من قبل الحوزات مثل حوزة قم والجامع الأزهر إلا أنّها خطوات قليلة تحتاج إلى توسّع أكثر ، وكما ذكرنا المؤتمر الإسلامي لكنه ليس بحجم حاجة الأمة ، وأقل شيء يمكن أن يحقّقه التواصل هو نضوج الفقه وتقدّمه وزيادة آراء العلماء بحسب انفتاحهم و اطلاعهم على أدلة الآخرين حتى تصبح اختياراتهم واسعة مما يؤدي إلى التسهيل على المسلمين في بعض الأحكام.
ومن أمثلة ذلك
1/ الاستفادة في قانون الأحوال الشخصية والدساتير من بعض البلدان على أثر التعرّف على الفقه الآخر ، وقد ذكر عدد من هذه الموارد المرجع الديني الشيخ ناصر مكارم في كتابه ( موسوعة الفقه المقارن ) ما ذكره في قضية مدة أقصى مدة الحمل وهي من المسائل المختلف عليها  فعند الأحناف أقصى مدة الحمل سنتان، وعند الشافعية والمالكية أربع سنوات، وهذا قد يصطدم برأي الطب والعلم الذي يجزم بأنّه لا يمكن أن يبقى الجنين في بطن أمه أكثر من تسعة اشهر وربما بعض أيام ، أما أن يزيد إلى سنتين فذلك غير ممكن علميًا ، بينما الإمامية لديهم أنّ أقصى مدة الحمل سنة واحدة وهذا عائد إلى عدم معرفة بداية الحمل ، وقد يقول البعض العلامة توقّف الدورة الشهرية لكنها ليست علامة حتمية ونهائية ، وبناءً على الفتوى القائلة بأنّ مدة الحمل ثلاث أو أربع سنوات حدثت بعض المخالفات القانونية كتلك التي تأتي لترث زوجها بعد أن توفى ولم تنجب منه،  وتدّعي أنّها أنجبت منه طفلًا وذلك بعد ثلاث سنوات اعتمادًا على فتوى المذهب ، مما أثار الفهم لدى هؤلاء وحدثت اجتماعات وجلسات نظروا فيه إلى رأي الإمامية في أنّ أقصى مدة الحمل لا يمكن أن يكون أكثر من سنة وهو الأولى لقربه من الناحية الطبية والعلمية ولقضائه على جانب من المخالفات القانونية ، واعتمد هذا في عدد من قوانين الأحوال الشخصية باعتبار أنّه قانون ملزم و لا يحق لأحدهن أن تنجب بعد سنة ثم تدّعي أنّ لها الحق في الميراث فهذا احتيال على الشرع ، ولولا حدوث الانفتاح على المذاهب الأخرى وحدوث القبول لبقى هذا الإشكال العلمي و القانوني.
2/ في قضية الرضاع المحرّم متى يكون حرامًا وكم رضعة توجب أن يكون حرامًا ، قال تعالى ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة )4 متى تصبح أمًا بالرضاعة ؟ ، هذه المسألة أيضًا محل خلاف حيث أنّ المالكية والأحناف يرون أنّه متى  ما صدق الرضاع ولو بقطرة واحدة تتحقّق الحرمة وتصبح أمًا بالرضاعة و ابنتها تصبح أختًا بالرضاعة ، أما الشافعية والحنابلة ينسب إليهم القول بأنّه تتحقّق الأم بالرضاعة إذا أتمّ خمس رضعات وذلك لحديث عائشة ، أماّ الإمامية فقالوا ليس بمقدار قطرة واحدة أو خمس رضعات وإنّما إذا رضع بمقدار بحيث ينبت لحمه ويشتد عظمه بهذا الحليب الذي ارتضعه ، و إن أردنا تحديد عدد الرضعات فليكن على أقل تقدير خمسة وعشرين رضعة متتابعة من غير فاصل، لنفترض أنّ الطفل يرضع في اليوم أربع رضعات فيجب أن يرضع بشكل متتابع في اليوم الأول والثاني والثالث والرابع بشكل متتابع و لا يرضع من أحد غير هذه المرأة التي جاءت وأرضعته ولا يتغذّى بغذاء آخر إنّما يعتمد اعتمادًا كليًا على حليب هذه المرضعة حتى ينبت لحمه ويشتد عظمه من هذا الحليب ، عندئذٍ تتحقّق الرضاعة وتكون أمّه بالرضاعة وبناتها أخواته بالرضاعة ، وهذا الذي دعا الشيخ محمود شلتوت إلى الأخذ به وهو رأي الإمامية وترك آراء المذاهب الأخرى في هذا الأمر لأنّ الذي يحقق نمو اللحم واشتداد العظم الرضعات المتتابعة وليس قطرة واحدة أو خمس رضعات كما يقول أصحاب المذاهب الأخرى.
3/ في مسالة الطلاق ايضًا ذكروا الطلاق المعلّق ، والطلاق المنجز ، الطلاق المنجز  لديهم يتحقّق بقول الرجل لزوجته إن فعلت كذا فأنت طالق ، بينما لدينا في الإمامية لا يعتبر طلاقًا ، إنما يعتبر طلاقًا إذا حقق عدة شروط منها أن تكون في طهر لم يواقعها فيه وأن يتم الطلاق بحضور شاهدين ، أما أن يتلّفظ على الزوجة بكلمة الطلاق بشرط تحقّق شيء معين كالعمل بدون إذنه أو رسوب ولدها في الاختبار مثلاً لا يعتبر طلاق بل هو طلاق معلّق على شيء ولا قيمة له عند الإمامية وهو غير واقع ، بينما الطلاق المعتبر هو الذي يقيّد بشروط وذلك للتقليل من حالات الطلاق ، وبناءً على كلام الإمامية في هذه المسألة قرّرت بعض قوانين الأحوال الشخصية في بعض الدول العربية عدم وقوع الطلاق المعلّق.
كذلك لديهم طلاق السكران حيث أنّ المشهور عن بعض المذاهب أنّه يقع هذا الطلاق فإن سكر أحدهم وأتى لزوجته وقال لها أنت طالق فهي طالق ، وإذا أضيف لها أنّه لا يشترط وجود الشهود وطهارة الزوجة وعدم مواقعة الزوج في هذا الطهر ، فإنهم يقبلون الطلاق بالثلاث أيضًا من هذا السكران ، بينما هذا الطلاق لدى الإمامية غير واقع وغير مقبول لأنّه عبارته مسلوبة وليست جادة لأنّه سكران ولا يعتبر بقوله ولذلك لا يقع الطلاق.
4/ في مسألة الوصية قالت بعض المذاهب بالاستحسان فعلى سبيل المثال المالكية قالوا وإن كانت الأدلة تقتضي أنّ الوصية  تجوز للوارث ، لكنهم يقولون إذا أراد الوالد مثلًا أن يوصي لابنه من الثلث الخاص فيه  فذلك غير جائز ، وهم يعلّلون ذلك بسبب أنّ الوصية قد تسبّب البغضاء والكراهية  بحيث لو أوصى للبعض دون البعض الآخر ، لذلك هم يقولون بالاستحسان وردّوا الآية المباركة، لكنّ الأمامية ترفض هذا الكلام لأنّ الوصية واردة في القرآن الكريم ، قال تعالى ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية للوالدين و الأقربين بالمعروف  )5 والله عالم بكل شيء وقد جاز ذلك وللوالد حق في أن يوصي  سواء أذن الورثة أم لم يأذنوا، وأما بالنسبة للآثار الأخلاقية والاجتماعية ممكن أن تعالج بطريقة ما ، ولكن هذا لا يعني إلغاء أصل الحكم.
و الجدير بالملاحظة أنّ الوصية من الأمور الواجبة وحبّذا المبادرة بالوصية خاصة إذا كان الإنسان قد تعلّق بذمته دين للآخرين ، أو دين لله تعالى كالصوم والصلاة ، فهذه من الأمور التي يجب التوصية بقضائها لأنّ الإنسان لا يعلم متى يحلّ عليه الموت ، فيجب عليه المبادرة في قضاء ما عليه من حقوق أو الوصية بذلك إن لم يستطع ،  لا سيما النساء اللاتي يجب عليهن قضاء ما فاتهن من صوم شهر رمضان بسبب الدورة الشهرية فيجب أن يبادرن بالقضاء ، أو يوصين  بذلك القضاء بحيث لو حلّت المنية  حتى لا يحاسبن على التقصير.
الشاهد هنا أنّ مصر أجازت الوصية للوارثين كما قالت به الإمامية ، وهذه أحد فوائد التعرف على سائر المذاهب وأدلتها.
----------------------------------------
1 بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج1 ص177
2 سورة الكافرون آية 6
3 ميزان الحكمة ج2 ص1110
4 سورة النساء آية 23
5 سورة البقرة آية 180

مرات العرض: 3396
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2558) حجم الملف: 59385.18 KB
تشغيل:

الشيعة ونهاية الخلافة العباسية سقوط بغداد 14
من معالم  المذهب الزيدي وآرائه 18