أدوار اعتقال الامام الكاظم وسجنه
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 25/7/1438 هـ
تعريف:

 

أدوار اعتقال الإمام موسى الكاظم عليه السلام و سجنه

 

تفريغ نصي الأخت الفاضلة زينب آل ليث

تصحيح الفاضل أبي محمد العباد

 

   المقدمة الأولى :

   مما جاء في الصلوات والزيارة على الإمام موسى بن جعفر الكاظم  عليه السلام:

( اللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَاَهْلِ بَيْتِهِ، وَصَلِّ عَلى مُوسَى بْنِ جَعْفَر وَصِيِّ الاَْبْرارِ، وَاِمامِ الاَْخْيارِ، وَعَيْبَةِ الاَْنْوارِ، وَوارِثِ السَّكِينَةِ وَالْوَقارِ وَالْحِكَمِ وَالاْثارِ الَّذي كانَ يُحْيِي اللَّيْلَ بِالسَّهَرِ اِلَى السَّحَرِ بِمُواصَلَةِ الاْسْتِغْفارِ، حَليفِ السَّجْدَةِ الطَّويلَةِ، وَالْمُعَذَّبِ في قَعْرِ السُّجُونِ، وَظُلَمِ الْمَطاميرِ ذِي السّاقِ الْمَرْضُوضِ بِحَلَقِ الْقُيُودِ، وَالْجِنازَةِ الْمُنادى عَلَيْها بِذُلِّ الاِْسْتِخْفافِ، وَالْوارِدِ عَلى جَدِّهِ الْمُصْطَفى وَاَبيهِ الْمُرْتَضى وَاُمِّهِ سَيِّدَةِ النِّساءِ بِإرْث مَغْصُوب وَوَلاء مَسْلُوب وَاَمْر مَغْلُوب وَدَم مَطْلُوب وَسَمٍّ مَشْرُوب ) صلوات الله عليه .

   حديثنا بإذن الله يتناول فترة سجن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام مع مقدمة ترتبط بشيعة أهل البيت في هذا الزمان:

   هناك من الباحثين من غير أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام يقولون:

لماذا لا يتفاعل الشيعة مع الإنجازات التي تحققت في تاريخ المسلمين؟

لماذا نجدهم بعيدين عن تأييد الفتوحات الإسلامية كتلك التي حدثت في زمان الأمويين؟

لماذا تراهم لا يتفاعلون مع الإنجازات التي تحققت في العصر العباسي على يد العباسيين ولا سيما في بعض عصورهم الذهبية؟

إذن الشيعة هم غرباء عن هذا التاريخ ولا يجدون أنفسهم جزء منه، فهم لا يؤيدونه ولا يعيشون فيه، فجانب المصائب والآلام وما حصل ويحصل لـأئمتهم هي الأساس لديهم كما يقول أصحاب هذه الفكرة. 

في الجواب على هذا السؤال:

النظر إلى التاريخ أيها الأحباب يكون على أحد نحوين: الأول: النظر السلبي إلى التاريخ

     هو نظر الإنسان إلى هذا التاريخ من دون أن يبحث فيه ومن دون أن يحللهُ ومن دون أن ينقدهُ ومن دون أن يتخذ منه موقف، وهذا ليس طريق شيعة أهل البيت عليهم السلام. 

الثاني: النظر الإيجابي إلى التاريخ

     هو الموقف الإيجابي وهو الطريق الآخر الذي يفترض أن شيعة أهل البيت عليهم السلام يسيرون فيه تجاه التاريخ بمعرفته معرفة نقدية.

    أن الإنسان المنصف أياً كان مذهبه والشيعي على وجه الخصوص لا يقبل ما هو منقول تاريخيًا على علاته، وذلك لأن هذا المكتوب في التاريخ ليس وحيًا منزل وليس كلام معصوم، وإنما هو في الغالب ما سطره كتّاب تلك الفترات بأمر مباشر أو غير مباشر أو ما يلحظ الكانب في ذهنه، يلحظُ رضا الحاكم وهذا كما نجده في التاريخ الماضي نجده في الحاضر أيضاً، الآن في كل بلد من البلدان نلاحظ الصحفيون يكتبون القضايا وفقًا لما يسمح لهم به الحاكم وسياسته حتى وإن كانت هذه الحقائق بعيدة عن ما يكتبون، حتى وإن كان ما يكتبون ليس لُه صلة بالواقع، التاريخ شيء قريب من هذا ولهذا ينبغي للقارئ للتاريخ أن ينقده، وأن يتأمل فيه وأن يحللهُ ولا يقبلهُ بمجمله وجله، يضاف إلى ذلك شيعة اهل البيت عليهم السلام هم منحازون في التاريخ لأهل العدل، منحازون ضد الظلم، فحينما ينظرون للفساد لا يمكن أن يصفقوا لهُ، وحينما ينظرون للصلاح وأهل الصلاح فهم لا يملكون إلا تأييده، ولهذا لا يمكن أن ينظروا مثلًا إلى ما ذكر من فتوحات أو ما ذكر من أعمال ولاة وحكام ويؤيدونها هكذا، وإنما ينظرون إلى مقدار قربها وبعدها من العدل والدين، فإذا كانت هذه فتوحات فيتأملون هل المهم فتح الأرض بالقوة أو المهم هو فتح القلوب بالمعرفة؟

هل جاء الإسلام للتوسع واحتلال الأراضي أم لفتح قلوب الناس وهدايتهم؟

    فتح قلوب الناس بالمعرفة والأخلاق حتى يتقبلوا دين الإسلام أهم وأعظم أثراً من فتح الأراضي والتوسع التي لم تجلب تلك الفتوحات في الغالب إلا مزيدًا من الأموال للحاكمين ومزيدًا من الجواري والمتع الحسية للقادة العسكريين، هؤلاء شيعة أهل البيت عليهم السلام يرون الفتح في الفتح العلمي والأخلاقي ويرون نشر الدين وأفكاره وإن كان قليلاً من ناحية الأرض، لكنه أهم وأفضل من فتح هذه الأراضي، يرون أن الخليفة الذي يسجن على التهمة ويقتل على الظنة مهما تمادى في بناء العمران ومهما أشاد من الطوب ومن الأراضي وحفر من الأنهار هذا لا يشفع لهُ إذا كان يسجن الناس ويتعسف في حقوقهم، لا يمكن أن يكون هذا عصرًا ذهبيًا والحال أن العشرات أو المئات من الناس يرزحون في السجون وأن أضعافهم يقتلون هكذا بلا مبرر.

   لذلك شيعة أهل البيت ينظرون إلى ذلك الجانب مقدار ما يقترب هذا الحاكم من العدل والحق والأنصاف والتمسك بالدين يؤيدونه وينحازون إليه، وبمقدار ما يبتعد عن هذه المقاييس فإنهم لا يؤيدونه بل يعارضونه ويجدونه نقطة سوداء في تاريخ الأمة وإن فعل ما فعل من التقدم الظاهري، ويترتب على هذا أنهم يذهبون وراء تاريخ المعصومين عليهم السلام بالدرجة الأساسية باعتبار أن هؤلاء الصفوة و إن لم يفتحون أرضًاً.

   بهذا المعنى المتعارف إلا أنهم فتحوا للشريعة آفاق وعلوم ومعارف وهذا هو الفتح الحقيقي، لا يرون مثلًا المنصور العباسي كما سماه بعضهم الحاكم الحازم والجاد وما شابه ذلك ينظرون إلى دوافعه، عندما يقول بعدما قضى على ثورة إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ومحمد بن عبد الله بن الحسن وقد بايعهم قبل ذلك وعندهم البيعة ملزمة لهم فخاس ببيعته ونكث عهدهم معهم فطاردهم حتى قضى عليهم، قُدّم إليه عجة فيها مخ مع سكر - نوع من الأكلات - فقال لمن حضر أراد إبراهيم ومحمد أن يحرموني من هذا الطعام - يعني أنا كل همي وهذا القتل الذي قاتلت فيه وذبحت من ذبحت وجردت الجيوش لأجل هذه الأكلة- هذا الرجل الذي يعتبر الحجاج مثله الأعلى، حيث جلس ذات يوم مع جماعته وأصحابه فبدأ يمدح الحجاج بإعظام وثناء وقال: ما رأيت أنصح منهُ لبني مروان، فقام أحد أنصار المنصور وهو شبيه الحجاج في موقفه،  فقال لهُ: وما الذي يقصر بنا عنه؟ ان أعظم من خلق الله سبحانه وتعالى هو نبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلم وقد أمرتنا أن نقتل أبناءهُ فأطعناك وقتلناهم.

   هل هذا الرجل يمكن أن يكون محطًاً للتقدير والاعتزاز؟

أو ذاك الآخر الذي يقول أمطري كما نقل عن هارون يخاطب السحابة ( أمطري حيث تمطرين فأين ما أمطرتي يأتي خراجك إلي ) هذا هل يتناسب مع عدالة الحاكم الذي ينبغي أن  يصرف ما تنتجه أراضي كل مكان في مكانها أو أنه لا بد أن يُجبى إليه الخراج  لكي يعطى للعابثين والشعراء والمغنين؟! هل هذا محل لكي يقدر و يعزز؟! كلا.

 لماذا يقف الشيعة من التاريخ موقفاً نقدياً؟

   يقف شيعة أهل البيت عليهم السلام يقفون من التاريخ بشكل عام موقفًا نقديًا، نظرًا لأن كُتّابه في الغالب هم منسجمون مع الحاكمين وبعض التواريخ كُتبت بأوامرهم وفي الجهة الأخرى هم يرون النقد لهذا التاريخ ويتخذون موقفًا إيجابيًا ممن كان قريباً من الحق والعدل ويخالفون كل شخص كان بعيداً عنهما ولذلك هم يتمسكون بأهداب هؤلاء، عندهم موسى بن جعفر صلوات الله وسلامه عليه وهو سجينً معذب يؤذى أهم وأعظم من ذلك الحاكم الذي سجنهُ وآذاهُ وأستجلبه هنا وهناك، يرون هذا قدوة ولا يرون ذاك قدوة، يرون هذا إمامًا ولا يرون ذلك إمامًا ، يُؤيدون هذا ويعارضون ذاك ، ولهذا الآن في تقدم، الآن الإنسان عندما يتقدم في فكره يقول أنا أدافع عن حقوق الإنسان ما يقول أنا أدافع عن حقوق الحكام، يقول أنا أدافع عن حقوق المسجونين و الأسارى ولا يقول أنا أدافع عن من يسجن ويعتقل، شعارات المنظمات الدولية والمؤسسات العالمية هي الدفاع عن الجانب المظلوم حتى وإن لم يكونوا بالشكل الأفضل، حتى وإن كان بعضهم غير صادق لكن هذه القيمة قيّمة أن يدافع عن أهل العدل عن أهل الحق عن المظلوم عن المسجون عن الذي أخذت حقوقه وسُلبت، هذه قيمة من القيم، وهذا ما تفرضه ثقافة الإنسان المؤمن الشيعي على كل من ينتمي إلى هذه الثقافة.

 الإمام الكاظم عليه السلام نموذج الصبر:

   نحن في ذكرى شهادة الإمام موسى بن جعفر صلوات الله وسلامه عليه نحيي سيرة إماماً من الأئمة الذين افترض الله طاعتهم ومن الذين أذوا في سبيل الله عز وجل، ومن الذين يقدمون نموذج في التجلد والتصبر في حفظ الإيمان، سيكون حديثنا في برهة محدودة ليس كل حياة الإمام عليه السلام وهي فترة أو فترات سجنه عليه السلام.

الإمام الكاظم عليه السلام عمره الشريف كله خمسة وخمسون سنة، ولادته كانت سنة 128 هجرية، تولى الإمامة وعمره عشرون سنة عند وفاة وشهادة أبيه الصادق سنة 148 هجرية، وشهادته عليه السلام كانت سنة 183 هجرية، عمره الأجمالي خمسة وخمسون سنة، عاصر فيها عدد من الحاكمين من بينهم المنصور العباسي ثم ابنه المهدي ثم الهادي وأخيراً استشهد عليه السلام في زمان هارون المعروف بالرشيد، طبعًا نحن عندما نتحدث عن هذه الألقاب لا نذكرها لأننا نعتقد بها بأنه هذا الهادي وذاك المهدي وهذا الرشيد، هذه ألقاب على غير حقائقها و لكن لأجل التعريف تذكر.

معاناة الإمام الكاظم عليه السلام في سجون بني العباس:

    سُجن الإمام عليه السلام خمس مرات في خلافة بني العباس واحدة منها في عصر المهدي العباسي وأربع منها في عصر هارون الرشيد مع فرض الإقامة الجبرية، سنستعرضها ان شاء الله تعالى تباعاً:

1/  سجن الإمام عليه السلام للمرة الأولى في عصر المهدي العباسي:

   أدخل الإمام عليه السلام سجنه السجن الأول في زمان المهدي العباسي، المهدي العباسي كانت مدة خلافته احدى عشر سنة، وهذا الرجل غريب الأطوار سُجن في عهده الإمام سنة واحدة وهو كما قلت غريب الأطوار لأنه من جهة كان مشهورًا بالتهتك واللهو والشراب وما شابه ذلك ويكفي أن اثنين من أبناءه عُلياء وإبراهيم فتلك ضرّابة عود حسب التعبير وذاك مغنً وطبال والذي يشير إليهما أبو فراس الحمداني في قصيدة المعروفة: منكم عُلياء أم منهم  وكان لكم شيخ المغنيين إبراهيم أم لهم.

   فهذه صفحة من حياة هذا الرجل حياة الانهماك في الشراب وفي اللهو وفي اللعب مع الجواري وفي التهتك، وقالوا أن المهدي هو أول من أظهر ذلك من العباسيين في مجلس الخلافة، وكما هو معروف أن أبوه جعفر المنصور سماه محمد ولقبه بالمهدي حتى يقول لهم هذا هو المهدي الموعود الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا كان هذه هو المهدي الموعود فسلام الله على باقي المعاني.

فهذا الجانب في جانب التهتك و اللعب، في الجانب الآخر كان عنده تشدد جدًا على ما سمي في الحرب على الزنادقة، فصار في عهده أي شخص يبدأ أو يناظر أو يتكلم أو عنده رأي عقائدي أو رأي كلامي بمجرد أن يقولوا له هذا عنده كفريات عنده أفكار زندقة على وجه السرعة يحضروه ويذبحوه.

فهذا الخليفة عيّن شخصاً اسمه صاحب الزنادقة عمله فقط يذبح هؤلاء وفي هذه الفترة الإمام الكاظم عليه السلام أمر أتباعه وأصحابه أن لا يخوضوا في كلام الإمامة ومناظراتها أصلًا، فنهى الإمام الكاظم عليه السلام كل أصحابه أن لا يتحدثوا في تلك الفترة بأفكار الإمامة لا فيما يرتبط بقضايا صفات الله عز وجل ولا بقضايا الجبر والاختيار ولا بأمور القضاء والقدر، أمامكم شخص غير طبيعي بمجرد أن يُشكى على فلان من الناس بأن عنده أفكار كُفرية أو زندقة وبدون تحقق يقتلُه في الحال، لا ذاك الفساد لا ذاك الانهماك في الشراب لا ذاك الذي أبناءه مغنون وراقصون ولا هذا التشدد في قتل من كان يحمل أفكارًا عقائدية أو كلامية مختلفة هذه صورة منه.

   صورة أخرى عندما تأتي أيضاً في نفس الوقت الذي هو كان أهون حالًا من أبيه المنصور، أبوه المنصور الدوانيقي كان يصنع المستحيل لمخالفة أي شيء يرتبط بأهل البيت عليهم السلام وكان يرفض حتى أن يروي عن جدهم عبد الله بن عباس لا تروون عنه شيء لا تعظمونه لأن هذا معروف بولائه لعلي بن ابي طالب عليه السلام، ولا تتحدثوا حتى عن جدنا لا سيما أن عبد الله بن عباس كان ناقل لأحاديث وآراء أمير المؤمنين عليه السلام، ابنه المهدي خفف من هذه الدرجة فكان يظهر بعض الأمور التي ترتبط بأهل البيت مثل قضية الجهر بالبسملة - الجهر بالبسملة قديمًا وحديثًا هو من شعار أهل البيت عليهم السلام في الصلاة - المهدي كان يجهر بذلك، هذا جانب وجانب آخر وإذا به يعتقل الإمام موسى الكاظم عليه السلام فالرجل لم يكن لديه مسار واضح تارة كذا وتارة هكذا، لكنه اعتقل الإمام في عهده سنة واحدة، بعد تلك السنة كان هناك الوضع هادئ ومستقر بينه وبين الإمام الكاظم عليه السلام، فترك الإمام الكاظم عليه السلام في المدينة بعدما أعتقله في بغداد، فرجع الإمام إلى المدينة وعاش عيشة هادئة إلى سنة 179 هجرية.

2/ عصر الخليفة موسى الهادي:

عندما جاء هارون الرشيد العباسي على أثر تصفية والدته لأخيه موسى هذان كانا أخوان موسى الهادي وهارون الرشيد، موسى الهادي كان عمره اثنين وعشرين سنة وكان شديد وعنيف ومن أول يوم أراد أن يغير ولاية العهد من هارون وأصبح هناك نزاع على ولاية العهد فأراد أن يجعل ولاية العهد إلى أحد أبناه وهو لا يزال صغير، أمهما - الخيزران – لم تقبل بهذا بالإضافة إلى ذلك موسى الهادي رأى أمه وقد أصبح لها مجلس، تستقبل فيه الناس بشكل يومي كما أنها تستقبل الرؤساء والوفود وتقضي وتقرر وتأمر وتتوسط إلى آخره، فأخذته الغيرة أنتِ أليس لكِ مغزل يشغلك؟ أما لك سبحة تسبحين الله في دارك؟ مالي أرى هذه المواكب في كل يوم على بابك؟ والله لأن رأيت احدًا على باب دارك قطعت عنقه، فأغلق باب الأمر والنهي عليها، لكن لم يُرق لها ذلك الأمر، إضافة إلى ذلك كان يريد أن يخلع ابنها الآخر هارون من ولاية العهد، فدبرت في أمر ولدها الأكبر موسى الهادي فدست له سماً وأنهت حياته حيث لم يحكم إلا سنة واحدة فقط، أهذا هو التاريخ الذي يُراد لنا أن نقدره؟! كما يقول أولئك هؤلاء الخلفاء الذي يجب أن يعظموا ويفتخر به! مغامرات وخلافات ونزعات ودنيا وما شابه ذلك.

3/ سجن الإمام عليه السلام للمرة الأولى في عصر هارون الرشيد:

    جاء بعد ذلك هارون الرشيد وهو ابن 22 أو 23 سنة أصغر من أخيه بقليل، بعدما حكم ذاك بسنة وأنتهى، جاء هذا فبقي إلى تسع سنوات جاء 170 هجرية إلى سنة 179 هجرية، بعد تسع سنوات جاء إلى المدينة المنورة والقضية المعروفة لعلكم سمعتم بها، أنه جاء إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زاعماً زيارته، فقال: يا رسول الله إني أعتذر إليك من أمر عزمت عليه إني أريد أن أسجن موسى بن جعفر- إذا كان الأمر شيء سيئ ما الذي يفيدك أن تعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا كان هو خير لا يحتاج منك إلى العذر- فأمر باعتقال الإمام عليه السلام في عشرين شوال سنة 179هـ وأرسل إلى الإمام من ذلك المكان إلى البصرة، فسجن في سجن عيسى بن جعفر بن المنصور العباسي وهو من أبناء عمومة الخليفة.

   الإمام عليه السلام بقي في سجن بصرة سنة كاملة، هذا عيسى بن جعفر كان رجلًا كبير السن نسبياً وكان عاقلًا إلى درجة، ورأى الإمام عليه السلام على الطبيعة، لأن المكان الذي سجن فيه ليس مثل السجون العامة وإنما عنده في بيت معه، فكان يطلع على الإمام باستمرار فلا يراه إلا منشغلًا بالصلاة بين سجود وركوع وقراءة قرآن وتهجد لله عز وجل، فكان يراقب الإمام لمدة سنة كاملة فأزداد أعجاباً به، وهناك بعض الإشارات تشير إلى أن عيسى هذا سمح لبعض شيعة الإمام في البصرة بأن يتواصلوا معه ويسألونه عما أشكل عليهم من أمور دينهم، بعد سنة أرسل إلى هارون أن هذا الحجازي العلوي الذي لديك أنهي أمره وأقتله، فأرسل عيسى إلى هارون أنني اختبرته سنة كاملة فما رأيت منه إلا كل خير ما رأيت منه إلا العبادة إلا التوجه لله، بل تنصت على دعائه فما وجدته حتى يدعو على أحد منكم، وإنما كان يدعو لنفسه ولأرحامه ولعامة المسلمين فأنا لا أستحل أن أصنع به أذى، فإن أحببتم ان تأخذوه مني فخذوه وإلا سأطلق سراحه أنا لا أقدر أتحمل مسؤوليته، فأرسل هارون إلى الإمام من يأخذه إلى بغداد.

 4/ سجن الإمام عليه السلام للمرة الثانية في عصر هارون الرشيد:

     من هنا أُدخل الإمام للسجن في بغداد للمرة الثالثة في خلافة بني العباس وللمرة الثانية في عصر الرشيد، فسُلم الإمام إلى الفضل بن الربيع - الفضل بن الربيع حاجب ووزير في البلاط العباسي وهو يُنسب إلى العرب - في زمان هارون الرشيد كان هناك توجهان توجه العرب ( التيار العربي ) و كان رأسه الفضل بن الربيع وكان هناك توجه فارسي ( التيار الفارسي ) في الدولة ورأسه يحيى بن خالد البرمكي وأبنائه وإخوانه والتي حدثت لهم فيما بعد نكبة تُعرف بـ ( نكبة البرامكة ).

   الفضل بن ربيع هناك أراء مختلفة حوله فالقدر المتيقن أنه كان معجباً جدًا بالإمام بل ذهب بعض علمائنا كالعلامة المامقاني رضوان الله تعالى عليه أحد الرجاليين في كتابه ( تنقيح المقال ) كما نقل عنه صاحب مدارك العروة الوثقى يقول - في اعتقاده-: أن الفضل بن الربيع كان ممن يعتقد بالإمامة ولكن قدم دنياه على دينه ولذلك يقول ليس محلاً للثقة لكن من الناحية النظرية كان معتقداً بالإمام وبالأئمة، ولكن نجد قسم من الناس يبيعون دينهم وهذا أحدهم، فعندما سُلم الإمام إلى الفضل بن الربيع كان يطل عليه من أعلى الدار ومعه شخص، فقال ما ترى في فناء الدار؟ فقال: أرى ثوبًا مطروحًا، قال: دقق النظر، قال: إنه إنسان، قال: هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، هذا دأبه لا يطلع الفجر حتى يصلي ثم يسجد هذه السجدة إلى أن تطلع الشمس، وهكذا بدأ يعدد عليه طريقة عبادته فبقي عند الفضل بن ربيع خلال هذه الفترة، أيضًا قيل أنها حدود سنة كان عند ابن الربيع.

5/ فرض الإقامة الجبرية على الإمام بعد اطلاق سراحه:

   في مصادرنا الامامية هناك خبر أن هارون أرسل إلى الفضل أن أطلق سراح موسى بن جعفر فورًا، فهذا تعجب ما القضية؟! فراجع الأمر فقال: الآن لا بد أن تخرجه، فقال: ما الخبر؟ فحكى لهُ قصة أنه رأى رؤيا و كأن شخصاً جاء إليه في منامه وهدده بأنه إن لم يطلق سراح موسى بن جعفر فسيضربه بحربة تكون فيها نهايته وهو متأكد من هذه الرؤيا لأنها تكررت على حالات معينة، ولذلك أقدم على إخراج الإمام عليه السلام، فخرج الإمام ولكن بقي في داخل بغداد إلى حدود سنة 180 أو 181 هجرية والإمام الكاظم عليه السلام استشهد في سنة 183 هجرية وبقي في بغداد تحت الإقامة الجبرية، نقلت بعض الروايات أن الإمام الكاظم عليه السلام كان  عليه أن يأتي إلى ديوان هارون في الأسبوع يومان الاثنين والخميس ولكنه كان خارج السجن، وفي الأثناء كانت تحصل بينه وبين الإمام الكاظم بعض المحاورات وبعض المناقشات مثلًا من الروايات المشهورة عندنا وهي روايات كثير ولكن كشاهد أذكرها أن هارون سأل الإمام الكاظم عليه السلام: أنه كيف تقولون أن الخمس لكم وهو كثير، إذا على الدولة الإسلامية لا بد أن تعطي خمس لكم أنتم أهل البيت فهذا شيء كثير، فالإمام أكتفى بإجابته أن الذي أوجبه لنا علم أنه غير كثير، فهؤلاء أناس لا يصرف وينفق المال على ملذاتهم وعلى شهواتهم حتى يقول هذه أموال كثيرة وإنما سيكون مصرفه على الأمة وحاجاتها.

   وهناك أسئلة وحوارات عقائدية تجدونها في ضمن تراث الإمام الكاظم عليه السلام مع هارون، وبعض الناس يقول أين هذه الحوارات حيث أن الكاظم في المدينة وهارون في بغداد؟

   الجواب على ذلك أن الإمام عليه السلام عندما أطلق سراحه من سجن الفضل بن الربيع أبقي في بغداد والظاهر إلى آخر حياته يعني من سنة 180 إلى 183 هذه الفترة كان فيها في بغداد وإن كان بعض الروايات تشير إلى أنه ذهب إلى زيارة جده الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء بعد خروجه من السجن، هل هذا بعد سجن الفضل أو غير ذلك لكن هذه الرواية أيضًا موجودة.

 6/سجن الإمام عليه السلام للمرة الثالثة في عصر هارون الرشيد:

      بعد مدة من الزمان هارون أراد أن يخرج إلى الرقة - فإلى ذلك الوقت لم تكن بغداد هي العاصمة النهائية للدولة فهارون يتنقل بين الرقة وبين بغداد - فقبل خروجه إلى الرقة أمر هارون أن يُوخذ الإمام عليه السلام للسجن للمرة الثالثة في عصره وأن يسجن عند الفرع الفارسي إن صح التعبير، يعني عند يحيى بن خالد البرمكي، يحيى بن خالد البرمكي كان سيئاً، فأكثر هؤلاء الذين يكونون في ركاب هؤلاء الخلفاء هم هكذا، لكن بعضهم يكون لُه مقدارًا أكثر من الخبث، يحيى بن خالد كان من هذا النوع ولعل هذا ما يشير إليه أن الإمام الرضا عليه السلام - يقول أحدهم - رأيته في الموقف يدعو على البرامكة فنكبوا بعد ذلك بسنوات، هم نكبوا سنة (187) للهجرة والإمام الكاظم عليه السلام استشهد (183) للهجرة، يفترض أن هذه الرواية في حدود سنة (184) للهجرة تقريباً، وأن الإمام الرضا عليه السلام لشدة انزعاجه مما فعله يحيى بن خالد البرمكي في وشاية هارون على أبيه الكاظم دعا عليهم، وبعض الباحثين يؤكد على أن موقف البرامكة كان سيئاً جداً تجاه العلويين.

   أحد المحققين في التاريخ وهو جواد علي يذكر هذا في بعض كلماته أن البرامكة يتقربون إلى هارون بالتشديد على العلويين فسجن عند الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي. الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي يبدو أنه انشغل بشهواته وملذاته، فأرسل هارون من يتجسس عليه ليرى وضع موسى بن جعفر هل هو مشدد عليه مقيد؟ فرآه عادياً، فجاء بالمسؤول عن سجنه وهو الفضل بن يحيى البرمكي وجلده مائة جلدة، لماذا خففت على موسى بن جعفر، فإذا مَن خفف على موسى بن جعفر يجلد مائة جلدة فما ظنك بموسى بن جعفر عليه السلام؟!

7/ سجن الإمام عليه السلام للمرة الرابعة في عصر هارون الرشيد:

    للمرة الخامسة يًدخل الإمام للسجن في خلافة بني العباس وللمرة الرابعة في عصر الرشيد، بعد غضب الرشيد من الفضل بن يحيى البرمكي، أرسل الإمام عليه السلام إلى واحد من أسوأ خلق الله وأشدهم وهو السندي بن شاهك لعنه الله عليه، السندي بن شاهك مثل مقام رئيس الشرطة في مقام هارون وكان متأثرًا بيحيى بن خالد البرمكي كلاهما في نفس التوجه، هذا السندي بن شاهك أصوله مجوسية وذاك أيضًا كذلك، و تغذى على حالة من الشدة تجاه أهل البيت عليهم السلام فلما سُلم الإمام الكاظم عليه السلام إليه، تفنن في إيذاء الإمام عليه السلام، أنت لاحظ أن الواحد يعيش في الجو الذي يحيى فيه، إذا أحد عاش في بيئة هينة لينة تجاه جماعة، يختلف عن ذلك الشخص الذي يعيش في بيئة متشددة ومتشنجة هذا السندي بن شاهك من هذا النوع وكان من أولئك الذين يطمعون أنه كلما زاد في تعذيب الإمام عليه السلام باعتبار أنه عدو لِهارون يكون قد حظي بمنزلة ويحصل على مراتب أعلى وما شابه ذلك، للأسف الشديد هناك نوع من الناس بهذا الشكل، على حساب الآخرين على عظامهم وعلى راحتهم وعلى هدم بيوتهم على تيتم أولادهم يصعد و يحصل ما يحصل من حطام الدنيا من مال وغيره وما يلبث أن يتحول إلى نار في جوفه تصلى، فهذا السندي بن شاهك من هذا النوع لذلك ينقلون أنه كان يؤذيه إيذاءً كثيرًا مثلًا نحن لا نجد من الروايات ما يؤكد أن الإمام عليه السلام كان مقيدًا في رجليه بأقياد الحديد مثل ما كان في سجن السندي بن الشاهك لعنه الله، فهذا واحد في داخل السجن وعمره (54 أو 55) سنة ليس بأهل الهرب ولا من أهل التسلق بل هو أيضًا طيلة سيرته ومسيرته خلال هذه المدة لم يكن هكذا، ولكن مع ذلك هذا اللعين رئيس الشرطة في زمان هارون كان قد قيد الإمام عليه السلام وهذا ما تشير إليه روايات كثيرة تبين لنا أن الإمام عليه السلام وهو في داخل السجن كان مقيد الرجلين وكان في مكان مظلم وسيء التهوية ولا يعرف في ذلك المكان أحد ولا يسمح لُه بالزيارة إلا في حالات نادرًة جدًا، عندنا في البصرة منقول أنه كانوا يدخلون على الإمام الكاظم عليه السلام، بل نقل مؤرخون أن شخصاً ألف كتابًا مما أملاه الإمام الكاظم عليه حينما كان في البصرة اسمه مسند الإمام موسى بن جعفر ما رواه عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - مؤلفه رجل مروزي - فكانوا يدخلون عليه في زمان الفضل بن الربيع في سجنه، بل كان الفضل من يستدعي جماعة مثل ما استدعى أحد أصحاب الإمام عليه السلام وقال له أنظر إلى مولاك قال من مولاي؟ قال: تتغابى عليّ، مولاك موسى بن جعفر أنا أعرف أنك واحد من شيعته وهذا هو، فكان يستدعي أناسًا ويدخلون إليه، لكن هذا اللئيم السندي بن شاهك كان يمارس أشد أنواع التعذيب في حال إمامنا الكاظم عليه السلام حتى كان قد سجنه فيما نقل أهل الذكر في الطامورة المشؤومة التي لم يكن يعرف ليلها من نهارها و الإمام عليه السلام في ذلك المكان مقيد الرجلين يجوع ويُضرب، عندنا بعض الروايات تقول أن هذا اللعين يضرب إمامنا عليه السلام وهو في داخل السجن .

 

مرات العرض: 3466
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2554) حجم الملف: 57005.82 KB
تشغيل:

محورية العقل في توجيهات الامام الكاظم
هكذا تحدث المعصومون عن الامام المهدي