لماذا يكونون بذيئي اللسان ؟ 3
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 16/3/1438 هـ
تعريف:

سلسلة الأمراض الأخلاقية

لماذا يكونون بذيئي اللسان؟

كتابة الاخت الفاضلة أمجاد عبد العال

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم المصطفى محمد

وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين

قال الله العظيم في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا). آمنا بالله، صدق الله العلي العظيم

تحدثنا في حديث سابق عن موضوع: بذاءة اللسان وعفته. وبينا أن هذا اللسان الذي به تُنال الجنة، وتٌبلَّغ الرسالة، ويُذكر الله، ويٌفعل الخير، من الممكن أن يتحول إلى منزلق إلى نار جهنم، ووسيلة في تقطيع الأرحام، ومكتسب للسيئات والإثم. وذلك عائد إلى طريقة إدارة هذه الوسيلة.

فاللسان وسيلة. عضو، من أعضاء البدن. يتحرك من خلال توجيه القلب والعقل. فيكون رحمة تارة، ونقمة أخرى. مثلما أن اليد عضو من أعضاء البدن. تمسح رأس اليتيم مرة وتكتسب الخيرات، وتلكم الفقير مرة أخرى فتكتسب الإثم والسيئات.

تجد من الناس، من يستجيب لنداء الله عز وجل في قوله: (اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)، ويترتب على ذلك أن تُصلَح أعمال الإنسان. (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) إذا تقولون قولا سديدا. فالله سبحانه وتعالى يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم. أي يحصل لكم التوفيق في هذه الدنيا، والسعادة في تلك الأخرى.

مع ذلك، قد تجد قسما من الناس يُعرَفون ببذاءة اللسان. في داخل أسرته – والعياذ بالله – هو بذيء اللسان. السباب والشتائم والفحش على طرف لسانه. إحدى النساء تقول: أسهل شيء عند زوجها أن يشتم وأن يتهمها في عرضها. مع أنها أم أبنائه، لكنه يفعل ذلك أمام أطفالها: يا فاعلة، ويا تاركة، وكذا. مما يوجب حد القذف.

تعلمون أن الإنسان لو قال لامرأة، مثلا: "يا زانية"، فإن هذا يعتبر قذفا من الناحية الشرعية. ويمكن لمن ارتُكِب بحقها هذا الأمر أن تقاضيه إلى الحاكم الشرعي. فإذا أثبتت أنه قال ذلك، يُحد حد القذف. وهكذا لو قال إنسان، أو قالت الزوجة لزوجها، هذا الأمر، نفس الكلام. أو قال شخص لشخص آخر: أنت تفعل كذا وكذا، وتقوم بهذا الفعل المحرم.

في خصوص ما يرتبط بالتهمة بالزنا، يستوجب ذلك حد القذف شرعا. فيما دون ذلك لو قال، مثلا: "يا سارق"، أو ما شابه ذلك. فله عقوبة أيضا، لكن تعزيرية، غير حد القذف المعروف في الشريعة.

فقد تجد إنسانا من هذا النوع في داخل بيته. وقد تجد إنسانا لسانه – حاشا من يسمع – قذر، وسخ. ولو اختلف مع أي شخص من الناس، فلا يبقي ولا يذر عليه من سباب وشتائم واتهام في عرضه وغير ذلك من الأمور. فلماذا يحصل أن قسما من الناس يكونون هكذا؟

في المقابل، تجد أناسا عفيفي اللسان. إذا تصور أنه قد جرح شخصا بكلمة، تراه لا يستقر حتى يعتذر إليه ويتحلل منه، ومع ذلك يظل يستشعر الإثم. تجد أناسا لا يُعوِّد لسانه إلا الحسن. كما نقل عن المسيح عيسى بن مريم – على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام – أنه كان في جماعة حواريه، ومر عليهم خنزير متسخ. فأشار عليه، وقال: "مُرْ بِسَلَامٍ". بمعنى: اعبر بسلام، يخاطب الخنزير. فاستنكر عليه بعض أصحابه، أن هذا خنزير! نجس العين! وفوق ذلك هو قذر، ولا يفهم منك شيئا. فلو قلت له: اذهب أو تعال أو قف، لا يفهم منك ذلك. فماذا يعني ما قلته له؟ قال: "أَكْرَهُ أَنْ أُعَوِّدَ لِسَانِي غَيْرَ الطَّيبِ مِنَ الْقَوْلِ".

لكن، لو أن واحد – لنفرض - يمر عليه ذاك الخنزير، فمحتمل أن يصيبه بحجر مباشرة! أو مثلا: يتكلم عنه بكلام قبيح. أما عيسى فيقول: وإن كان هذا خنزير وقذر الشكل والرائحة، إلا أنني لا أريد أن يجري على لساني شيء سيء من القول.

فالكلام الذي تمرره على لسانك، مثله مثل سائل تمرره على ثوبك الأبيض. فإذا كان هذا السائل، سائل فيه لون، فيه قذارة، فيه اسوداد، حتى لو عبر إلى الجهة الأخرى، لكن آثاره تبقى. أما إذا كان هذا السائل ماء زلالا صافيا رقراقا، فيمر من هنا ويعبر، وربما نظف الثوب الذي أنت تلبسه.

فالكلام السيء كما يمر على لسانك، في الواقع يمر على روحك وشخصيتك أيضا. فلو كان كلاما طيبا حسنا، أثَّر فيها حسنا. وهذا واحد من فلسفة أن يشغل الإنسان لسانه بذكر الله عز وجل. إذ مستحب للإنسان أن يذكر الله في قلبه، ومستحب له أن يذكره بلسانه. فلما هذه الكلمات: سبحان الله، أستغفر الله، الحمد لله، الله أكبر، وما شابه ذلك، تمررها على لسانك. ففي الواقع، هذا ماء زلال صاف عذب تمرره على ثوب شخصيتك، فيكسبها نظافة وطهارة ونزاكة.

وقسم من الناس على خلاف هذا. تجده كما ذكرنا. فلماذا هذا القسم من الناس يختار هذا الطريق؟ ذكروا: أن هناك أسبابا متعددة لكون الإنسان – حاشا من يسمع – بذيء اللسان. نحن نتعرض إلى بعضها؛ لكي نجنب أنفسنا هذه الأسباب.

أحد هذه الأسباب: مهانة الشخصية. الإنسان الذي لا يرى لشخصيته قيمة، ولا يرى لذاته اعتبارا، حسب تعبير أمير المؤمنين (ع): "لَا يُبَالِي مَا قَالَ وَلَا مَا قِيلَ فِيهِ". أي شيء يتكلم، لا يبالي أصلا. سب هذا الرجل مثلا، لا يعنيه أن سبه! تكلم بكلام فاحش وقبيح، لا يرى أن شيئا من شخصيته قد تغير أو تبدل. فلا يستنكر على ذاته هذا الشيء. أما الإنسان الذي يمتلك شخصية واعتبارا وذاتا كبيرة، عندما يقول كلاما سيئا، يرى ذلك غير مناسب لذاته ولشخصيته.

وربما تجد هذا الأمر موجودا في المجتمع. أنت من الناس المؤمنين، وأنتِ – لو كانت امرأة – من المؤمنات. إذا كانت صاحبة أو صاحب شخصية معقولة، عندما تتكلم بالفحش، يقال: كيف تتكلم هذا الكلام! أبدا غير متوقع منك! هذا فلان الذي نعرفه! هذه فلانة التي نعرفها! صاحبة الذات الجيدة والشخصية المحترمة، أمعقول أن يخرج منها هذا الكلام؟ أما صاحب الشخصية المهينة، بتعبير آخر: السفلة من الناس – حاشا من يسمع - وهذا يستطيع الإنسان أن يضع نفسه في هذا الموضع أو في ذلك الموضع.

هذا القسم من الناس، أو بتعبير بعض الروايات: الذين تكره مصاحبتهم، بل حتى مبايعتهم. عندنا في الفقه مسألة: تكره مبايعة الأدنين من الناس. الأدنين: إما جمع أدنى، أو جمع دان. ذاك الذي لا يقيم لكلمته اعتبارا. لا يفي بمواعيده ومواثيقه. ذاك الذي بالنسبة له الكلام الفاحش أمر بسيط. فلو أخطأتَ في حقه لا مانع لديه يمطرك بالكلام السيء. هذا تُكره مبايعته، فضلا عن مصاحبته. هذا قسم من الناس.

من هو مهين الشخصية؟ هو: الذي يخرج منه كلام سيء وبذيء ولا تطرف عينه عندما يصنع ذلك. أحيانا الإنسان يكون في وسط جماعة، وفلان آخر يتكلم على شخص بكلام أنت تخجل أن تسمعه. لا أن تقوله! أن تسمعه حتى. فتنسحب أحيانا. بينما هو المتكلم أبدا، لا يكون في ذهنه شيء. وحاضر أن يزيد في العيار، كما يقولون.

فواحد من الأسباب التي تدعو بعض الناس إلى بذاءة اللسان، وإلى استعمال السباب والفحش والشتائم، والألفاظ غير الحسنة: مهانة الشخصية. بينما الدين أتى وقال للإنسان: أنت بعبادتك لله شيء كبير. أتحسب أنك جرم صغير.. وفيك انطوى العالم الأكبر، كما في الشعر المنسوب لأمير المؤمنين صلوات الله عليه.

فأنت بعبادة ربك شيء كبير. أنت مؤمن. ثمنك الجنة. وأعظم خلق الله عز وجل هو الجنة. وقد أعدها لك باعتبارك مؤمنا. فإذا عرفت أن شخصيتك وقيمتك بهذا المقدار، فهل آنئذ تنزل إلى أن تكون ألفاظك ألفاظ من يكون مهين الشخصية ولا ذات له؟! هذا واحد من الأسباب.

واحد من الأسباب: البيئة الاجتماعية التي ينمو فيها الإنسان. فعندما يكون في بيئة اجتماعية، بدءا من الأسرة والبيت، ومرورا بالمحلة والفريق - حسبما يقولون - والمدرسة والجامعة فيما بعد، وهكذا الحي والبلدة التي يعيش فيها. فإذا الإنسان في هذه الحلقات عاش في بيئة نظيفة اللسان، عفة اللسان، يصعب عليه فيها أن يشتم غيره، أو أن يتهاجى فيها مع الآخرين، فهو أيضا ينمو بنفس الطريقة، نظيفا، عفيفا.

ولذلك، ينبغي أن نلتفت أيها الأحباب - في داخل منازلنا - إلى الكلام الذي نتحدث به، حتى في التلفون. لنفترض: أن زيدا من الناس قد ارتكب اتجاهك أمرا سيئا، وأنت الآن غاضب منه، وتدعوك نفسك إلى أن تتكلم بكلام حاد معه. فلا تجعل هذا أمر معلن للجميع. كأن تكون في الصالة، وزوجتك جالسة، وأبناؤك جالسون، وأنت تتكلم معه كلاما حادا، وربما انزلقت - على أثر العصبية والغضب - إلى كلمات هجينة وشائنة.

فأنت هنا، من دون أن تقصد، تطبِّع البيت لو كان فيه كلام سيء. فالزوجة ستعتبر أن وجود هذا الكلام في البيت أمر عادي جدا؛ لأنك تكلمت به. لو سببتَ أناسا في داخل بيتك، وهم يسمعونك – أي العائلة – فأنت في الواقع لم تجعل لهذا البيت حرمة بالنسبة إليهم. فالزوجة آنئذ لن تمانع أن تسب آخرين أمامك، وأن تتكلم فيهم وعنهم بهذا الكلام؛ لأن زوجها - وهو واحد من القدوات بالنسبة إليها - يصنع ذلك. والأثر في حق الأولاد أكثر وأكثر.

لذلك ينبغي أن يلاحظ الإنسان كلامه في حال العصبية. أنت هنا أيها الأخ الفاضل تعلم أبناءك - من دون أن تقصد - كيف سيتكلمون مع زوجاتهم في المستقبل. بل كيف يتكلمون مع أمهم. إذ لو رفعت صوتك وصرخت عليها، الابن يتعلم هذا. حتى لو قلت له: "لا ترفع صوتك على أمك". سيظل في باله، في ذهنه: "لكنك رفعت صوتك في محضري". والفعل أكثر تأثيرا من القول.

فالبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الإنسان مؤثرة في عفة لسانه وبذاءته. مثلا: ابنك يذهب إلى المدرسة، فيتعلم بعض الكلمات. عندما يأتي إلى البيت، ويحاول أن يكررها، كأن التقط كلمة من المدرس قد قالها إلى أحد من الطلاب، مثل: "يا حيوان"!، حاشا من يسمع. أو يسمع تلميذا من التلامذة قال إلى زميله: كذا وكذا. فأنت ما صنعت هذا الشيء. لكن ينبغي منك أن تقف أمامه وأن تلاحظ عليه. ولو أمكنك أن تتصل بمدرسته ومدرسيه، فهذا شيء طيب. لكيلا يتعلم أن يقول لأخيه الأصغر منه أو الأكبر مثل هذه الكلمات التي نقلها من أماكن أخرى، أو ما يستهجن ذكره. كأن يسمع شخصا في المدرسة، يقول لشخص آخر معيرا إياه بذكر أمه أو بذكر بعض ما يستقبح. هنا لا بد من تطهير لسانه وغسله بعد أن يأتي إلى المنزل.

من الأمور التي قد تنتهي بالإنسان إلى البذاءة: انعدام الرقيب الداخلي الديني والأخلاقي. فقسم من الناس يغفل عن أنه: عندما يتكلم، فهناك من يسجل عليه. فيشتم هذا، ويغتاب ذاك، ويتهم الثالث. فهل أنت ملتفت إلى أنك تعبئ ملفا هو ملفك؟ هذا الملف يوم القيامة عندما يؤتى به إليك. بماذا هو مملوء؟ مملوء بذكر الله عز وجل؟ مملوء بالدعوة إلى الخير؟ (وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)، مملوء بكلمات الود لزوجتك وأخيك المؤمن وأبنائك؟ أو هو مملوء شتائم وفحش قول وأمثال ذلك؟ أنت تعبئه.

مر مولانا أمير المؤمنين (ع) على رجل وقد أكثر في فضول الكلام. فضول الكلام ليس سبا. فضول الكلام: هو أكثر حواراتنا في المجالس والديوانيات. فعندما تخرج بعد جلسة من ساعتين أو ثلاث ساعات في هذه الديوانية - وفي بعض الحالات، ديوانيات على مدى كل ليلة. بعد أسبوع، هذا الإنسان بمعدل كل ليلة، لمدة ساعتين، يسمع كلاما، وحاصل: 2 في 7 = 14 ساعة، يأتي ليحصد ناتج 14، ماذا حصَّل منها؟ زاد علما، زاد هدى، سلوكه أصبح أحسن، رؤيته في الحياة أصبحت أفضل، أو لا، كلام يذهب مع الريح. هذا فضول الكلام. لا فيه غيبة ولا نميمة. فقط كلام غير نافع. تقول الآن: يا أمير المؤمنين إذا أنت معترض على فضول الكلام فما ظنك بالكلام الذي فيه آثار شرعية؟

مر أمير المؤمنين (ع) على رجل وقد أخذ في فضول الكلام، فقال له: "يَا هَذَا إِنَّكَ تُمْلِي عَلَى كَاتِبَيْكَ كِتَابًا"، على ملكيك كتابا، "فَانْظُرْ مَاذَا تَقُولُ". أنت تعبئ هذا الملف ليؤتى به إليك يوم القيامة، فهل ينفعك هذا الكلام أم لا. فكيف إذا كان فيه – أي في الكلام - هذه الأضرار: غيبة شخص، تهمة شخص، سباب شخص - مع أن سباب المسلم فسوق - فماذا تملي على كاتبيك؟

لو أن إنسانا فكر في أن هذا الكلام الذي يقوله - في حال رضاه وعصبيته - هو جزء من الملف الذي يعبئه ويملؤه، لكان ينبغي أن يقتصد كثيرا في هذا الكلام.

في الحديث عن نبينا المصطفى محمد (ص): "يَا عَلِيُّ، حَرَّم اللهُ الجَنَّةَ عَلَى كُلِّ فَاحِشٍ بَذِيءٍ لَا يُبَالِي بِمَا قَالَ وَلَا مَا قِيلَ لَهُ". هذا الإنسان البذيء، الفاحش في القول، الذي لا يتأثر بما قال، ولا يتندم على الشيء الخاطئ الذي قاله، ولا يعتذر عنه، ولا يفكر فيه، ولا يبالي أصلا. سب، وشتم، ثم ذهب وجعل رأسه على الوسادة، ونام في أعمق درجات النوم. ولا فكر أصلا أنه قد ارتكب شيئا مخالفا، وملأ ملفه بما هو محاسب عليه.

هذا انعدام الشعور بالرقيب الداخلي الديني والأخلاقي، وانعدام القانون الخارجي والخوف من القانون. أحيانا الإنسان حتى إذا ما كان عنده رقيب داخلي، لكنه يخاف من رقيب خارجي، كقانون يجرِّم الإساءة إلى الآخرين. كما قلنا في قضية القذف، فهناك حد شرعي. وفي غير القذف الجنسي، فهناك تعزير شرعي.

فإذا هذا القانون، التفت إليه الإنسان وعلم أنه موجود، يتراجع آنئذ. قبل مدة كتبت الصحف، أن أحد الدعاة -حسب التعبير – تكلم على أحد المحامين، بكلمات من نوع: أن هذا علماني، يدعو إلى الفسوق، ويدعو إلى التغريب، ويريد أن يفسد الأخلاق، وما شابه ذلك.

وهذا بما أنه الداعية، يكون هو الإنسان الذي ممسك الجنة بيده، والقائم على توزيع الآخرين على النار. فبدأ يتكلم هذا على المحامي. بنحو ظل كلامه مدوَّنا عليه ومسجلا. وبعد مدة من الزمان، وهذا محامي، ليس لديه ما يسمى بلحية مسرَّحة، كما يقولون. أعلن أنه بدأ في رفع دعوة في المحكمة على ذلك الداعية: أن هذا، يتهمه بنشر الفسق والفجور وأنه إنسان غير متدين، وهذا يعتبر قذف بهذا المعنى له، واتهاما له في دينه، وعلى ملأ عام، وهذه هي الاثباتات. وهذا أمر له قانونه. فسرت الدعوة في المحكمة، وانتشر أنه لن يتنازل.

بعد ذلك، هذا الداعية الذي كان قبل أيام رافع الراية، حسب التعبير. عرف بأنه من الممكن أن يؤاخذ بما قال. فسارع إلى الاتصال بالمحامي للاعتذار: أنه أنا أعتذر عن الكلام الذي صدر مني وكذا. فقال له المحامي: لا، ليس بهذه السهولة. أنت هتكتني أمام الملأ، والآن تأتي بالتلفون، تعتذر هكذا. إذا تريد أن أتنازل فلا بد أن تعتذر على نفس الوسيلة، وبنفس الطريقة التي هتكتني بها. ويكون اعتذارا صريحا، وإلا، فالدعوة جارية في إطارها القانوني.

وفعلا، هذا لم يجد وسيلة إلا أن يعتذر اعتذارا صريحا، وأن يتراجع بشكل حقيقي لا مجال فيه للتأويل، عن أنه: أنا أخطأت في كلامي عن هذا الموضوع، وأنا أعتذر للشخص المعين، وهو رجل، طيب، خبير، وكذا، إلى غير ذلك.

فإذا عرف الإنسان أن هناك قانونا، وهذا القانون من الممكن أن يمضي عليه. الزوج - على سبيل المثال - اتهم زوجته في عرضها. إذا تثبتُ عليه هذا، تحاسبه في المحكمة. عكس ذلك، هي اتهمت زوجها في أمره وانحرافه، يستطيع أن يقوم بنفس الفعل. شخص لشخص آخر، ممكن أيضا.

أحيانا الإنسان يحتاج إلى نصيحة، وأحيانا يحتاج إلى واعظ داخلي، وأحيانا يحتاج إلى قانون يجر عليه السوط. قسم من الناس لأنهم يأمنون القانون، والفرض: أن لا رقابة داخلية لديهم، فانظر ماذا يصنعون! ومن أمثلة ذلك – أي أمثلة الأمان عن القانون - ما نجده في وسائل التواصل، وعلى الانترنت.

لأن قسم من الناس يكتب بأسماء غير حقيقية، معرفات غير حقيقية: الغزال الأحمر، والدب الأخضر، وعلى ما شابه ذلك. ويبدأ يشتم هذا، وسب ذاك، ويفحش القول. وبعض الأحيان بكلمات - حقيقة - تكز منها بشرة الإنسان عندما يطالعها. لكنه آمن من هذه العقوبة، متخف وراء أسماء مستعارة. ولذلك يقول هذا الكلام. والواقع أنه متخف عن القانون الظاهري، لكن عن الملكين الكاتبين ليس متخفيا. فلا بد أن يجهز نفسه إلى حساب يوم القيامة، وإلى أنه سيرى أن هذا كله موجود ومسجل عليه.

الشاعر يقول: "لسان الفتى حتف الفتى حين يجهل"، "لسان الفتى حتف الفتى"، موته، "حين يجهل"، "وكل امرئ ما بين فكيه مقتل". هذا اللسان من الممكن أن يكون مقتلا. "إذا ما لسان المرء أكثر هذره"، "فذاك لسان بالبلاء موكل". "وكم فاتح أبواب شر لنفسه"، "إذا لم يكن قفل على فيه"، (على فمه)، "إذا لم يكن قفل على فيه مقفل".

ينبغي للإنسان أن يطهر لسانه وأن يعفه، فلا يجري عليه إلا كما يقول عيسى بن مريم - على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام – "أَلَّا يُجْرِي عَلَى لِسَانِهِ إِلَّا الطَّيبِ مْنَ الْقَوْلِ"، فليقل خيرا أو ليصمت. لست مطالبا إلا بالكلام. إن كان عندك قدرة على الكلام الجيد، تفضل وقل. إذا لم يكن لديك، اسكت. اصمت. فأنت في نجاة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا وإياكم على أنفسنا وأن يكفينا حصائد ألسنتنا وأن يدخلنا باللسان الطيب الذاكر جنته ورضوانه، إنه على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

مرات العرض: 3385
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2566) حجم الملف: 34362.56 KB
تشغيل:

13افكار في مسألة الطلاق
اكتساب الأصدقاء أو العزلة أفضل ؟