مارية القبطية وابنها ابراهيم بن النبي
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 13/9/1436 هـ
تعريف:

مارية القبطية وابنها ابراهيم بن النبي

روي عن سيدنا و مولانا رسول الله ( ص ) أنه قال :
( إذا فتحتم مِصرَ و ستفتحونها , فاستوصوا بالقبط خيرا , فإن لهم رحمًا و ذمة ) صدق سيدنا و مولانا رسول الله ( ص )
هذا الحديث المروي في مصادر مدرسة الخلفاء والذي نقله أيضًا العلامة المجلسي في البحار و نقل عنه من بعده أيضًا , عادةً ما يذكرُ في موضعين .
- يذكر في الاستشهاد على أقوال رسول الله التي تحققت بعد قوله إياها بسنواتٍ متعددة و هي من علائم النبوة , النبي له أقولٌ في مواضع مختلفة يُخبرُ فيها عن الزمن القادم , و قد تحقق ما قالهُ النبي , فيستشهدون بهذا على أنه من علائم نبوتهِ .
- و أيضًا يُذكر هذا الحديث عندما يجري ذُكرُ مارية بنت شمعون القبطية أم إبراهيم التي أُهديت إلى رسول الله (ص) من قِبل المقوقس حاكم الإسكندرية و النائب العام للدولة البيزنطية في مِصر .
فهذا الحديث يذكر في مصادرنا الإمامية و أصلهُ يظهر هو من مصادر مدرسة الخلفاء .
فليكن طليعة حديثنا عن مارية القبطية والدة إبراهيم ابنِ رسول الله التي جاءت إلى المدينة من مصر أوائل السنة الثامنة للهجرة و توفيت في وقتٍ مبكرٍ بعد ثمانِ سنوات من مجيئها إلى المدينة أي في سنة ستِ عشرة من هجرة النبي (ص) .
كان الأمر بدايةً من صلح الحديبية , و قد ذكرنا أننا سنشير إلى ما يرتبط بصلح الحديبية , و هذه مناسبةٌ من المناسبات .
النبي المصطفى ( ص) في شهر ذي القعدة من السنةِ السادسة للهجرة , ذهب مع المسلمين إلى مكة للعمرة فاعترضهم المشركون بعد أن أحرموا , كما ذكرنا فيما مضى سابقًا , و صار الخيار أن يرجع النبي بناءًا على اتفاقٍ و مصالحةٍ بينه و بين قريش , أن يرجع هذه السنة و إذا أراد أن يأتي في السنةِ التي تليها , و هناك إتفاقيةٌ مدتها عشرُ سنوات لا يحصلُ اعتداء بين المسلمين و بين قريش , و أنّ لا يعتدي أحدهما على الآخر , و كل واحد في حال سبيله , حسب التعبير .
بعضُ المسلمين لعدم تقديرهم للآثار و النتائج المهمة التي ترتبت على هذا الصلح اعترضوا عليه , النبي (ص) أمضى هذا الصلح و حقق نتائج مهمة , أُجملها بشكلٍ سريع الآن:
أولًا : حقق هذا الصلح اعترافًا من قريش بمكانة رسول الله و المسلمين كطرفٍ في المفاوضات على قدم المساوات مع قريش , الآن بعد ما عادوا جماعة من المتمردين و المارقين و أنهُ لازم يقتلون و إلى غير ذلك , لا , صار جهة رسمية لها قوتها و مكانتها , قريش تجدُ نفسها كهذه القوة , هذا مهم جدًا .
ثانيًا : أن النبي (ص) أمِن جانب قريش مدة عشر سنوات ( قيدهم ) , بعد لا يستطيعون يساعدون أعدائهم , لا يستطيعون يتحالفون مع اليهود , ما يستطيعون يهاجمونه حتى لو ذهب و عمل غزوات هنا و هناك , خلاص هم محكومين بهذه الإتفاقية .
تفرغ النبي (ص ) بعد ذلك , أتاحت له هذه المعاهدة فرصة التفرغ للقضاء على اليهود في المدينة , و لذلك عقد إتفاقيته مع قريش في شهر ذي القعدة سنة ستة هجرية و قضى على اليهود في خيبر في محرم سنة سبعة يعني بعد شهرين , أقل من شهرين قضى على اليهود قضاءًا نهائيًا في موضوع خيبر , و كان آمنًا أن قريش ما دامت محكومة بالإتفاقية لن تعين اليهود , و اليهود ما يستطيعون يستعينون بها , فالجهة الخارجية هو مأمنها.
الآن الجهة الداخلية , المدينة طهرها من اليهود , أصبحت الأمور تمام مهيأة له , بدأ في إرسال الرسائل و الكتب إلى العالم .
 فأرسل إلى النجاشي في الحبشة أوائل سنة سبعة هجرية يدعوه فيها إلى الإسلام , و وصلت الرسالة إليه في وقتٍ مبكر - سيأتي إن شاء الله – كيف أثرت هذه الرسالة مع نشاط جعفر بن أبي طالب , في إيمان النجاشي و ترتيب الأوضاع الإسلامية في الحبشة.
أرسل إلى كِسرى , طبعًا كسرى كانت مواجهته سيئة , مزق رسالة النبي , دعا النبي عليه بأن ( اللهم مزّق مُلكه ) فمزق مُلكهُ شر ممزق .
أرسل إلى قيصر الشام , الوالي على الشام , الآن البعض يسميه قيصر ليس القيصر الأكبر يعني الوالي الرومي الأصلي , و هذا صادف أن أبا سفيان موجود عندما جاء رسول النبي , فهذا القيصر يقولون جلس أبي سفيان أمام و الوفد اللي معاه خلف , و هذا رسول النبي كان يتكلم معهُ , فإلتفت هذا الحاكم إلى أبي سفيان , قال له : أنا راح أسألك أسئلة , أجبني بما تعرفُ عن هذا الرجل الذي يقول إنه رسول الله , أبو سفيان يقول : لوما أحد معاه لما قلت شيئًا ( أي لما قلت الصدق ) , لكن خفت أفتضح و أنا كذلك إذا الحاكم علِم أكذب , وضعي بيكون غير حسن , فسألني , هل كيف نسبهُ فيكم ؟ هل هو من الناس الواقعين من نسب , أو هو من عَلياء العرب ؟ قال: بل هو من علياء قريش , نسبه نسبٌ شريف , قال: هل كنتم تعرفونه بالصدق قبل هذا و بمكارم الأخلاق ؟ فقال أبو سفيان : نعم ( إذا يقول لا , يعترضون عليه الجماعة الحاضرين ) , قال : هل سبق أن زعم أحدكم هذا الذي يزعمهُ ( يعني أحد طلع و قال أنا نبي ) , قال : لا لم يسبقه أحد , قال قيصر : هذه سيرةُ الأنبياء , أن يُبعثوا من عائلة شريفة ( ليس من عائلة منحطة ) , و أن يكونوا صادقين و معروفين بمكارم الأخلاق , و لا يكونوا في مكان قد ادعّى قبلهم النبوة فيه أحد , و بعض الباحثين – هذا يحتاج لبحث خاص – يجمع قرائن على أن قيصر آمن برسول الله و كتم إيمانه خصوصًا لجهة تخوفهِ من ثورة القساوسة و أرباب الكنيسة عليه , مجموعة قرائن , الآن لسنا في صدد الحديث عنها .
و أرسل النبي (ص) أيضًا رسالةً إلى المقوقس , هذا كان في الإسكندرية , و الإسكندرية في وقتهِ كانت تقريبًا عاصمةُ الدنيا في الثقافةِ و العلمِ و الفلسفة , الإسكندرية أساسًا مدارس فلسفية , كان في الإسكندرية تنسب إليها , و كان فيها مكتبات ضخمة و علماء كثيرون , فيحتملوا كثيرٌ من هؤلاء الباحثين : أن المقوقس كان قد قرأ عن صفات رسول الله و ما يرتبط به , النبي انتخب شخص يقال له ( حاطب ابن أبي بلتعة ) , هذا الرجل على اسمه كان مبلتع أيضًا في الحديث , كان متكلمًا , لهُ بيانٌ رشيقٌ و جميل و قوي الخطابة , و هذا حنكة و ذكاء النبي في إرسالهِ إلى هؤلاء , مع أنه بعد سنة أو سنة و نص سيسوي فت خربوطة , لكن النبي (ص ) يختارُ الرجل المناسب للمهمةِ المناسبة , لو رسّل واحد يصلي صلاة الليل و تربة مسجد على قولهم و لكن ما يعرف يتكلم , ما هي فائدته ؟ لا ينفع شيئًا في هذا المقام , ترسل للتجارة  رسّل واحد عنده معرفة تجارية , تُرسل واحد في المفاوضات رسّل واحد عنده قدرة بيانية , تريد إمام جماعة أحضر لهم واحد يصلي صلاة الليل , فالنبي ( ص ) أرسل هذا الرجل – حاطب ابن أبي بلتعة – و كان قوي الكلام , لطيف البيان , إلى المقوقس , فلما دخل عليه و تكلم معهُ أُعجب المقوقس بكلامه , قال له : يظهر عندنا نبي , كذا صفته و كذا يدعو و كذا يأمر , فأعجب بالكلام الذي تحدث فيه و ظل بين بين لا هو موقف كسرى الرافض و لا هو موقف المؤمن المصدق كالنجاشي , و إنما بين بين , أرسل مع حاطب هذه الرسالة إلى رسول الله , أنا أقرأها بنصها , قال: ( بسم الله الرحمن الرحيم , إلى محمد بن عبد الله  (ص) , " و هذا طبعًا فيه جانب تكريم , رسائل العرب تلاحظ إذا تقدم الاسم يعني إكرام لك , إذا تقول مني إليك , أنت قاعد تكرم نفسك , لكن إذا تقول : إليك مني , إلى فلان من فلان هذا تكريم إلى ذاك الطرف , أي حتى الاسم قدم "
النبي (ص) كان يقول : من محمد رسول الله , لماذا ؟ لأنه هو النبي و هو صاحب الكرامة و الفضل .
فقال : ( إلى محمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط , أما بعدُ فقد قرأتُ كتابك و فهمت ما ذكرت فيه و ما تدعوا إليه , و قد علمتُ أن نبيًا بقى و كنت أظنُ أنه سيخرج بالشام و قد أكرمتُ رسولك و بعثتُ إليك بجاريتين لهما مكانٌ عظيمٌ في القبط و بقسوةٍ , و أهديت إليك بغلةً لتركبها و السلام ) .
جاريتان مارية و أختها سيرين و أهدى إليه أيضًا بغلة المعروفة بالدُلدول , وكان النبي يركبها في المدينة , و أهدى إليه أيضًا , خادمًا من أقارب الجاريتين يخدمهما .
جاءت هاتان الجاريتان إلى المدينة , وصلوا أوائل سنة ثمانية , هذا حاطب في الطريق حدثهما عن الإسلام و عن مكارم الدين , فأسلمتا في الطريق , يعني شوف بلاغة الرجل , الذي أعجب المقوقس و أقنع هاتين الجاريتين بالإسلام , فلما وصلوا إلى المدينة وصلوا و هما مسلمتان , النبي أخذ مارية القبطية و أعطى حسّان بن ثابت سيرين الأخرى , الآن هذه جاءت هديةً إليه , ملكها بملك اليمين ليس بالعقد كما تلاحظ , و في هذا يستدل علماؤنا , كما ذكر ذلك الإمام الخوئي ( أعلى الله مقامه ) في كتابه ( في مصباح الفقاهة ) قال : هذا يدل على أن الهدية لا تحتاج إلى عقدٍ لفظيٍ ( أهديتك ) و الطرف الثاني يقول :  قبلتُ – لا يحتاج إلى هذا – بل لا تحتاج إلى موالاة بين الإيجاب و القبول , و إنما تخلل بين إهداء المقوقس إلى النبي و بين استلامه إياها – فترة طويلة – هي فترة المسير على الأقل مدة إسبوعين إلى ثلاثة أسابيع – أقل أو أكثر – فإذن لا يشترط في الهدية , بحسب هذا التقريب الذي ذكره المرحوم السيد الخوئي , لا يشترط الموالاة بحيث أنت تعطي و ذاك يستلم عل طول , على أيّ حال استلمها النبي (ص) و وقعت منه موقعًا حسنًا , فإنها كانت شديدة الاحترام لرسول الله و كانت جميلة الشكل أيضًا , بيضاء , جعدة كما يقولون , هذا الشعر لما يفلفلوه هكذا ( هذا موضة الآن صاير ) , الوحدة اللي شعرها سبط تقوم تسوي حركة بحيث يصير متموج , فكانت هكذا بالإضافة إلى حسن أخلاقها , أسكنها النبي (ص) قريبًا من منزله في بيتٍ أهداه إليه أحد أصحابه و هو حارثة بنُ النعمان , بعض زوجات النبي ما ارتاحت إلى هذه المرأة المصرية الجميلة الجاية ( القادمة ) الآن , و الآن قريبة منها , كلما طلع النبي تتصور راح ( ذهب ) ذاك الصوب ( تلك الناحية ) , فتأدّى رسول الله (ص) و النبي و هذا من معجزاته كما يقول المرحوم الإمام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( رضوان الله عليه ) , هذا رجل من الأعاظم , أنا أنصح أخواني المؤمنين اللي عندهم فرصة القراءة أن يقرءوا كتب علماء أهل البيت , هذا الرجل عنده كتب جدًا نافعة على مستوى راقي , سيأتي بعد قليل أنه يقول : تعدد زوجات النبي فيها أمور كبيرة جدًا لو حققنا :

أولًا : يبين لك مدى قدرة النبي في عدالته بين زوجاته , تسع زوجات كان بينهن عادلًا , احنا الوحدة بعضنا ما يقدر يدبرها وياها , شلون تسع ؟ و في بيتٍ واحد و كل وحدة لها مطالب و كل وحدة بشكل و نفسية و طريقة حياة , هذا يدير تسع نساء بكفاءة وعدالة .
الأمر الثاني : الأعظم من هذا يقول : اللي يشوف ( يرى ) النبي و قد أدار تسع نساء بهذه الكفاءة يتصور هذا ما عنده شغل ( عمل ) غيرهم , بينما هو قائد حروب و هو في نفس الوقت منظم دولة و هو عابد من العبّاد اللي ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) , طول الليل يعبد ربه و هو يباري الناس و هو يعمل الأعمال المختلفة , نفس قيامه بهذهِ الأمور حتى لو كان عنده زوجة واحدة هذا شيء عسير , فكيف إذا كان عنده هالزوجات المتعددات و المختلفات بالسلائق , و مع ذلك كان قد أعطى كل شيءٍ قدرهُ و حقه , المعارك أدارها أفضل إدارة , الدولة أدارها أفضل إدارة , العبادة أدارها أفضل إدارة , و فوق هذا عنده هذا المجموع من النساء , و أحيانًا كان يتحمل أشياء إضافية ( تبتغي مرضاة أزواجك ) هذا فخر لرسول الله ( ص ) , فلما رأى أن الأمر مع مارية بهذه الطريقة , بدل ما يجي ( يأتي ) حسب التعبير و يقول لتلك الزوجة أو الزوجات اللي عندهم غيرة : ما ليكم إلا العقال , كما يقول بعضهم , قام و أخذ مارية إلى نخلٍ المعروف الآن بِـ ( مشربة أم إبراهيم ) , هذا نخل بستان أهداه إليه يهوديٌ عالمٌ من علماء اليهود اسمه ( مخيريق ) اهتدى ببركات ما قرأ من الكتب إلى رسول الله , و آمن و رسول قد خرج إلى أُحد فحمل سيفهُ و أوصى الناس , قال لهم : أنا آمنتُ برسول الله و خرجٌ للقتال مع النبي , فإذا حدث بي حدثٌ فحوائطي السبعة , سبعة بساتين , مثل جنان كانت عنده , حوائطي السبعة هي هديةٌ لرسول الله محمد (ص ) , فالنبي كان ينفق منها على المسلمين و أسكن في واحدٍ منها الذي عُرف فيما بعد بمشربة أم إبراهيم , أسكن فيه مارية , و ثلاث كيلومترات تقريبًا , بالتالي كان النبي إذا أراد الذهاب إليها لازم ( لابد أن ) يقطع هالمسافة حتى يحافظ على هذا الهدوء في البيت , و قسم النبي لها مع زوجاته .

 


( موضوع القَسم بين الزوجات )

في الشريعة الإسلامية عندنا المرأة التي تُنكح بملك اليمين لا يجب على الزوج القًسم لها , القَسم لها يعني أن يبات ليلة عندها , من الليل إلى الفجر يكون موجود عندها , القسم هذا معناه ليس بالضرورة يقاربها جنسيًا و إنما يكونُ في منزلها هذا الوقت , و لذلك حتى لو مثلًا كانت امرأة حائض - لا يجوز مقاربتها - مع ذلك حق القسم ثابتٌ للزوجة , لو كان هو و هي لا يرغبون في هذا الجانب , كبير السن أو هي مريضة ما عندهم إربة في هذا الجانب , أيضًا حقُ القسمِ ثابتٌ , يعني أن يكون معها في بيتها للأُنس .
المملوكات بملك اليمين ليس لهنّ هذا الحق , يعني ليس واجب على النبي ما دامت ملك يمين أن يقسم لها , بكيفه هذا أمرهُ راجعٌ إلى الزوج , يقدر ( يستطيع أن ) يقسم لها و يقدر ما يقسم , كما قلت : نظرًا لحسن أخلاقها و تبعلها و حبها للنبي , الذي أنتج حب النبي لها , جعل النبي لها ليلةً قسم لها .
القسم بالنسبة إلى الفقهاء : لو أن رجلًا كان له زوجة يجب عليه أن يبات في منزلها ليلةً من أربع ليال , باقي الليالي الثلاث يضعُها حيث شاء , يريد يروح ينام في فندق , يريد يسير على جماعة , الآن الرجال بيكيفوا , عجل احنا طول هالمدة كل ليلة كأن مثل وقف صايرين و المرأة إذا تأخرنا تفتح لينا حساب و كتاب , ليلة من ليالٍ أربع يجبُ عليه المبيت و الليالي الثلاث الأخر له حق أن يضعها حيث شاء , فإذا كان له زوجتان مثلًا , كان لكل منهما ليلة و لهُ ليلتان يضعها حيثُ يشاء , و يقدر من الناحية الفقهية , الآن كل نتكلم قانون و فقه ما نتكلم أخلاق , بعد قليل بنتكلم أخلاق , فلكلٍ منهما ليلة والليلتان الباقيتان يضعها حيث يشاء , يقدر يقول لهم مع السلامة , أنا رايح بيت الوالدة مثلًا أنام الليلة , أو رايح مع ربعي ,أو يخص واحدةً منهما بالليلتين , فتصير لها ثلاث ليالي , يقدر هذا أيضًا و ليس مخالفًا ذلك للعدالة قانونًا , لأن هذه الليالي له ملكٌ له , حقها حق كلٍ منهما في ليلة , يبقى ليلتين لأنه هو يفترض أنه يسوغ له أن يتزوج أربع, فله ليلتان يضعها حيثُ شاء , و لو فرضنا أنه عنده ثلاث زوجات لكل زوجةٍ ليلة تبقى عنده ليلة إضافية يسوي فيها اللي يريد , هذا من الناحية القانونية , و لكن من الناحية الأخلاقية و التربوية و الاجتماعية لا ريب أن الإنسان إذا أراد مودة زوجته و أن يتسلك مسالك الأخلاق العالية أنه كما يُعطي الزوجة الأولى ليلةً فليعطي الأخرى ليلة أخرى , ليس مناسبًا أن يخصص مثلًا ثلاث ليالي للزوجة , يفترض الجديدة أو القديمة , و يخلي للأخرى ليلةً واحدة , هذا ليس مناسب من الناحية الأخلاقية لكنه من الناحية القانونية و الفقهية يجوز هذا الأمر , العاقل إذا أراد أن يسود منزله الوفاق و المحبة مو فقط يكتفي بالقانون , يقول : اللي واجب عليش كذا و كذا , لأن تقدر تقول له أيضًا : اللي واجب عليّ أن أسويه و ليس واجبًا عليّ أن أسوي لك فطور الليلة , ليس واجبًا عليها , و لكن أخلاقًا و رعايةً للحياة الزوجية هي تصنع هذه الأمور , و البيوت لا تقوم فقط على القانون و إنما تقوم بالإضافة إلى القانون تقوم على الأخلاق و على حسن المعاشرة ( و عاشروهن بالمعروف ) , المهم النبي قسم لها ليلةً من الليالي مع أنه ليس واجبًا عليه , وهذا يشير إلى أن المرأة ( أية امرأةٍ ) تستطيع أن تأخذ من زوجها بحسن الخلق و التبعل ما لا تستطيع أن تأخذه بالقانون و الفقه , لو كانت بالفقه تريد تقول له : بات وياي , يقول : مو واجب عليّ , لكن بحسن التبعل تقدر تآخذ منه هذا الأمر , فبقيت في مشربة أم إبراهيم هذه المنطقة مع إنه بعيدة نسبةً ثلاث كيلو مترات عن المدينة , ما قالت : أني غريبة و فالتني في هالمكان و ما عندك شعور و لا مسؤولية و لا كذا , و أنا بأرجع لمصر إلى أهلي و إنما تبعلت حسن التبعل فزاد منزلتها عند رسول الله ( ص ) , بعد هذا بتسعة أشهر ( يعني بحدود الشهر الثاني عشر أو قبله ).
روايتان بعضهم يقول في شوال و بعضهم يقول في شهر ذي الحجة , ولدت مارية القبطية إبراهيم لرسول الله (ص) , النبي سرّ سرورًا كثيرًا لولادة إبراهيم , ليش ؟ الآن النبي وصل عمره قريب من ست و خمسين سنة أو سبع و خمسين سنة , و أكثر أبنائه و بناته قد توفوا , القاسم و عبد الله أبناء خديجة توفيّا بعد البعثة و قبل الهجرة , قبل ما يهاجر إلى المدينة , البنات الثلاث اللاتي ذكرنا حديثهن – فيما مضى – آخرهُنّ موتًا كانت زينب زوجة أبي العاص بن الربيع , والدة أمامة , توفيت أوائل سنة ثمانية هجرية , ما بقى عند النبي إلا فاطمة الزهراء (ع ) .
طبعًا فاطمة من حيث المعنى هي الكوثر الذي لا حدود له , و لكن بالتالي أنس النبي جدًا بولادة إبراهيم على كبر سنه و ارتاح إليه و قال : سميته إبراهيم باسم أبي إبراهيم (ع) جدي النبي إبراهيم , و سر به سرورًا كثيرا .
 يأتي ذكرٌ أيضًا إلى مارية القبطية في سيرة النبي في موضوع ( حديث الإفك )
 التي وردت فيه آية من الآيات
 ( إن الذين جاءوا  بالإفك عصبةٌ منكم * لا تحسبوه شرًا لكم * بل هو خيرٌ لكم * لكل امرءٍ ما اكتسب من الإثم )
توجد هناك روايتان في هذا الموضوع :
 الرواية الأولى : هي الرواية المشهورة و التي يتبناها بل يجمع عليها محدثوا و مؤرخوا مدرسة الخلفاء و مختصرها : أن النبي ( ص ) خرج إلى غزوةٍ و اصطحب معه زوجته عائشة بنت أبي بكر , في الطريق خيموا في مكان ثم ذهبت زوجة النبي لقضاء الحاجة أو لبعض حاجتها فأبعدت قليلًا , صار وقت الذهاب , هذولا النساء كن يركبن في داخل الهودج و الهودج مغطى , يجون جماعة يشيلونه ثم يربطونه على الجمل , لمّا شدوا الرحال و حطوا الهودج على الجمل , ما التفتوا إلى أن أحد فيه موجود أو غير موجود , فمشت القافلة و زوجةُ النبي لا تزال لم تركب , فرجعت شافت ما في أحد , جلست في مكانها , في هذه الأثناء جاء أحد أصحاب النبي و كان قد تأخر عن الركب , فرأى امرأة جالسة فحملها على البعير و ذهب بها باتجاه المكان اللي قد سار فيه النبي , لما وصل إلى هناك شافوا رجل مع زوجة النبي جايين وحدهم متأخرين كذا ساعة , فعمل المنافقون و من في قلوبهم مرض على إشاعة أنه كان بين هذا الرجل و بين زوجة النبي الفاحشة و الخنى و ما لا ينبغي أن يكون , عقيدتنا نحن أن الله سبحانه و تعالى أكرم نبيه المصطفى بل سائر الأنبياء جميعًا من أن تطرق أعراضُهم بسوء , أكثر من هذا الإسلام جاء و سوا , ما قبل حتى بالحلال أحد ينكحهن , ( و ما كان لكم أن تؤدوا رسول الله و لا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ) , ما يجوز حتى تتزوج بالحلال زوجة النبي إلى هالمقدار أُعظم شأن رسول الله (ص) في عرضه و زوجاته , مو أنه أحد يروح مثلًا أن يمارس الفاحشة معهن , حتى الزواج ما يجوز , لو فرضنا أفضل واحد في المسلمين أراد أن يتزوج إحدى زوجات النبي – ما يجوز له – خلاص و حتى هذه ( و أزواجه أمهاتهم ) يعني في حرمة نكاحهن , شلون ما يجوز أن يتزوج الإنسان أمهُ الحقيقية , كذلك لا يجوز أن ينكح و يتزوج أمهُ التنزيلية , أمهُ التي جعلها الله شرعًا بمثابة الأم في جهة النكاح , المنافقون حكوا و تحدثوا و أثاروا الشبه و كذا و غرضهم كان طعن النبي , إسقاط شخصية النبي (ص) , فبعد ذلك بحسب هذه الرواية الرسمية بعد مدة نزلت الآية المباركة أنه هؤلاء .
أولًا : هذا إفك , افتراء , كذب .
و ثانيًا : أن هذا الذي جاءوا به هذا ليس ضار , هذا نافع في النتيجة نافع , لماذا ؟
لأنه قد أنزل الله قرآنًا يطهر النبي و يبرءوا زوجاته عن هذا الأمر , و فيه نفع , لأنه كشف هؤلاء أيضًا بأنهم يتحدثون ضد النبي , و أيضًا فيه نفعٌ , أنه ينبغي أن يتعامل الإنسان مع الشائعات في هذا الجانب بدقة كافية , و ما يجوز الاتهام بهذه السهولة و البساطة , هذا الموقف الرسمي الذي يتبناه مؤرخو و محدثو مدرسة الخلفاء , و قسمٌ كبيرٌ أيضًا من الشيعة الامامية , علماء كبار أيضًا هذا رأيهم من الشيعة الامامية .
هناك رأي آخر يقول : أن حادثة الإفك و قضية الإفك صارت مع مارية , كيف ؟ قالوا : أنه مارية لما جاءت و كان معها هذا الخادم , بدأ بعضُ المنافقين و الحاسدين يثيرون الغبار في : أنه النبي غافل في المدينة و في الحروب و ذاك الخادم المصري خاتل ويا زوجته , الله العالم شيسوون ( ماذا يفعلون ) , بل زادوا في طمبور الاتهام و الافتراء نغمةً فقالوا : هذا إبراهيم مو (ليس ) ولد النبي و إنما ولد ذاك الخادم أصلًا , النبي ما جاب ذاك جابه , نعوذ بالله , قالوا : أصلًا هذا ما يشبه النبي يشبه ذاك , طبعًا هذي كانت إساءة عظيمة لرسول الله (ص) و المقصود في كل هالأمور النبي بالدرجة الأساسية , فأمر رسول الله عليًا (ع) و إن كان هو يعرف حقيقة الأمور لكن يحتاج أن يرتب القضايا على مقدماتها الظاهرية , فأمر الإمام أمير المؤمنين أن يذهب و يتحقق من الموضوع , فذهب أمير المؤمنين , لما ذاك الخادم رأى عليًا مقبلًا و بيده السيف , و قد وصلت مثل هالأمور , عادةً توصل , مثلًا إذا الواحد يشيعُ عنهُ أنه سارق , أول واحد يوصل له خبر هو , سواء من الحاسد أو المتعاطف , فذاك وصل له خبر أن ترى ناس قاعدين يشككون في علاقتك مع مارية , لما جاء الإمام علي (ع ) و بيده السيف , في تلك الأجواء خشي هذا الغلام و قام بعمليةٍ من باب الاضطرار , استلقى و شغر برجليه و كشف عن موضع عورته , بالتالي هذا أحسن من أن يطيروا رأسه في رأيه , فإذا به ممسوحٌ مجبوب , يعني ( أي ) ليس عنده عضوٌ تناسليٌ , و كانوا هذول في تلك الأوقات , و هو حرامٌ شرعًا طبعًا , فيما قبل الإسلام أو في أماكن أخرى , يجبون خدم النساء , يقطعون هذا الموضع , ما يبقى عنده إلا مقدار بسيط جدًا بالكاد لكي يتبول حتى لا يعتدي على النساء , هذا حرام شرعًا و لكن كانوا يصنعونه , فهذا لجأ إلى هذه الطريقة لكي ينقذ نفسه طبعًا مو بس هذا , واحد آخر لما شاف سيف علي بن أبي طالب سوا نفس السالفة , ففعل هذا الفعل فإذا به مجبوب ممسوح , و كان هذا بعد خلاص كافي الموضوع ما يحتاج إلى تفاصيل , فرجع الإمام (ع) و أخبر النبي و نُشرهذا الامر ففضح أولئك في كلامهم , بعض علماء الإمامية ذهبوا إلى أن قضية الإفك إنما كانت في حق مارية و في اتهامها أن لها علاقة مع خادمها , و أن إبراهيم ليس من النبي أساسًا فكشف هذا الأمر و نزلت الآية المباركة المعروفة , لايمتنع أيضًا أن هناك أكثر من حادثة و أن يكون هناك أكثر من تطبيق و لكن  تذكر مارية في هذا الموضوع أيضًا كما تذكر في سائر المواضع و فيه الروايتان كما نقلنا لكم .
بقيت مارية مع رسول الله (ص) مدة ثلاث سنوات فقط , هناك كلام هل تُعد من أمهات المؤمنين أو لا ؟
- هناك نقاش بين العلماء , البعض يقول : أنه حالها حال غيرها ما دامت قد أصبحت في حبالة رسول الله (ص) فيشملها ما يشمل سائر أمهات المؤمنين , و لذلك أيضًا لا يجوز لأحد نكاحها فيما بعد .
- و قسم آخر و هم قلة قالوا : لا , ظاهر الآية المباركة ( و أزواجه أمهاتهم ) يعني من كانت زوجةً له ضمن عقد نكاح و زواج , هذي ما كانت ضمن عقد نكاحٍ و زواج , و إنما كانت بملك اليمين .
أيًا يكن كانت من المفضلات عند رسول الله (ص) و على أثر ذلك أوصى النبي بقومها المسلمين فقال : ( إذا فتحتم مِصر و ستفتحونها , فاستوصوا بالقبط خيرًا , فإن لهم رحمًا و ذمةً ) , الرحم وين ؟
- الرحم في هاجر , هَاجر أيضًا قبطية ( هاجر إمرأة قبطية ) و أنجبت إسماعيل , إسماعيل هو أصل العرب كما عليه الاتفاق , فإذًن رحمهم العرب يرجع , أمهم الأصلية الكبرى هي هاجر رحمًا .
-  و لهم أيضًا ذمة , باعتبار أن هذه مارية و إن لم تكن قد أنجبت العرب لكن لها ذمة لكونها أم اِبن نبيهم , و من كان معها النبي و ملكها بملك اليمين , فلها ذمةٌ في هذه الجهة احترامٌ عظيم .
 و على أثر ذلك أوصى النبي المسلمين بقومها .
ما عمرت كثيرًا كما قلنا ثمان سنوات فقط من ثمانية هجرية إلى ست عشر ( 8هـ - 16هـ ) توفيت , في السنة ( 16 هـ ) توفيت و في السنة العاشرة توفي ابنها إبراهيم قبلها طبعًا بعد أن بلغ من العمر 18 شهر ( سنة و ستة أشهر ) , فتأثر النبي تأثرٌ كبيرًا جدًا , حزن عليه و بكى أيضًا , و بعض هؤلاء الذين قلوبهم كالحجارة أو أشدُ قسوة قالوا : يا رسول الله , أتبكي ؟ شايف قسم من الناس يعترض كيف الشيعة أشوف قاعدين في المجلس , قاموا يبكون , ويش فيهم هذولا ؟ الرجال ما يبكي ! الرجل في رأيهم ما يبكي , الرجل طوفة , الرجل كمكريت مسلح ما عنده عواطف و لا مشاعر ما عنده , هذا مو رجل برأي هؤلاء , فقال له بعضهم : يا رسول الله , أتبكي ؟
قال : بلى , إن العين لتدمع و إن القلب ليحزن , إذا هذي عين طبيعية لازم تدمع , إذا هذا قلب طبيعي لازم يحزن , و لكننا لا نقول إلا ما يرضي ربنا , نقول : إنّا لله و إنّ إليه راجعون , نقولوا : صبرًا على قضاءك , تسليمًا لأمرك و لكن قلوبنا موجوعة و أعيوننا تدفق الدمع و قلوبنا تستشعرُ الحزن في المصائب , احنا مو ناس لسنا رجالًا حديديين , نحنُ ناس مخلوقين من عواطف نبيلة و مشاعر جياشة و نفوس تتأثر , قد لا تتأثر لنفسها و لكن تتأثر لغيرها , و في هذا سموٌ و نبلٌ ما بعده سموٌ و نبل .
النبي أوصى أمير المؤمنين (ع) أن يُنزل إبراهيم في القبر و يُنقل عنهُ كلام أنهُ يُنزلُ ( الولد والده ) ما في مانع , لكن لا يُنزلُ ( الوالد الولد ) في قبره , يقولوا له : ليش ؟ قال : ( إني أخشى أن يلعب به الشيطان ) , ذاك الوقت يشوف قدامه ابنه , يذكر هاللحظات اللي مرت عليه , سنة بعد سنة يتعب عليه , شهر بعد شهر يربيه , الآن فقده من بين يديه , أخشى عليه من الشيطان ( أن يلعب بعقله و أن يغير توجهاته ) , النبي طبعًا ما يصير له هكذا و لكن لكي يستّن به غيره من الناس , لذلك لا ينبغي أن ينزل الوالد في قبر ولده , حتى لا يبلغ به شدة التأثر شيئًا لا يُتحمل , هذا إذا كان الوالد , ماذا تصنعُ الوالدة إذا رأت ولدها مقطعًا بين يديها بالسيوف و بالرماح .

مرات العرض: 3835
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2557) حجم الملف: 57486.58 KB
تشغيل:

سيرة حياة أم المؤمنين أم سلمة المخزومية
العباس بن عبد المطلب عم النبي المصطفى