قل لمن حولك .. شكرا !
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 23/5/1436 هـ
تعريف:


قل لمن حولك شكراً

تفريغ نصي الفاضلة أم سيد رضا

عن أمير المؤمنين عليه السلام قال لرجل من بني سعد : ألا أحدثكم عني وعن فاطمة ،إنها كانت عندي و قد استقت بالقربة حتى أثرت في صدرها وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها و أوقدت بالنار حتى دكن ثوبها و كنست الفناء حتى اغبرت ثيابها فأصابها من ذلك ضرر شديد.

هذه الكلمات هي عبارة عن وقفة شكر و عرفان و امتنان من مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لسيدة نساء العالمين عليها السلام فقد كان يذكر جانباً من خدمات فاطمة الزهراء عليها السلام في ذلك المنزل العلوي وقد كان هذا الحديث في زمان خلافته الظاهرية عليه السلام سنة 35 للهجرة, و فاطمة الزهراء عليها السلام قد استشهدت سنة 11 للهجرة . وهذا يعني أنه يذكر جانباً من خدماتها وفضلها عليها السلام بعد ما يقارب 24 عام ( رع قرن من الزمان ) . وهو بهذا يعلمنا درساً عظيماً في ثقافة الشكر في الحياة وإسلوب شكر الآخرين ممن يحيطون بنا ويعاملون معنا . فهي من الأساليب المتطورة والرائدة التي ينبغي أن يتعود عليها الإنسان المؤمن وأن يتعلمها من أمير المؤمنين عليه السلام.

يجب علينا شكر الله عز وجل أولاً، فعلاقة الشكر بين الإنسان وربه بمقتضى حكم العقل بلزوم شكر المنعم عليه، والمطلوب من الإنسان أن يديم شكره وحمده لله عز وجل في كل حال من الأحوال. فإن الشكر من العبادات التي يلتزم بها قليل من عياد الله كما قال تعالى في كتابه الكريم (( وقليل من عبادي الشكور )).

بعد ذلك يأتي شكر قادة الدين : شكر نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم غلى كل ما قدم وأعطى وضحى ، كالصلاة عليه الصلاة التامة ، زيارته والتسمية بإسمه ، فهذه كلها ذكر لخدماته وبالتاي شكر له. وكذلك الحال بالنسبة لأئمة الهدى المعصومين عليهم السلام.

انطلاقاً من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في حق سيدة النساء فاطمة عليها السلام فهو يعلمنا ثقافة الشكر كإسلوب حياة ، فأي إنسان يحيط بنا ومن الممكن أن يكون له دور في نجاحنا فهذا ينبغي أن نوجه له الشكر.

فعلى سبيل المثال: عندما يتخرج إنسان أو يصل إلى مراتب عالية ، فكثير من الناس ينسبون هذا النجاح لأنفسهم فقط ، بينما في الواقع هناك عدد من العوامل التي تظافرت حتى وصل إلى ما وصل إليه. فمن تلك العوامل التي ساعدته على النجاح:
•المعلم في المدرسة الذي يعطينا الإسلوب الجذاب والمناسب والمحبب للعلم لنصل إلى ما نحن عليه.
•الأخت الكبرى في المنزل التي تعطينا الاهتمام والرعاية والتعليم لنصل إلى ما نصل.
•عطاء الزوجة لزوجها من الاهتمام بأمور المنزل وإعداد الطعام وتوفير الجو المناسب لنجاحه وكذلك الزوج عندما يحقق لزوجته شيئاً من المال والعناية والرفاهية .
•عامل النظافة الذي يوفر لنا المكان المرتب والنظيف .

فكل فرد يستحق الشكر من الطرف الآخر ، ولا ينبغي أن نقول بأنه يقوم بواجبه ولا شكر على واجب.

فكلمة ( لا شكر على واجب ) لم تأتي في حديث ولا رواية ولا توجيه أخلاقي صحيح ، بل جاء عكسها في الروايات والأحاديث.

ويستحب أيضاً للإنسان عندما ينتهي من صلاته ان يسجد سجدة الشكر ليشكر الله عز وجل على أن وفقه لهذه الطاعة فكم من الناس لا يوفقون لهذه العبادة.

فإذا سجد الإنسان لربه شاكراً باهى الله به ملائكته وقال لهم : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أمرته بطاعتي فأطاعني ثم لم يكتف بل شكرني على ذلك ، والله لأدخلنه جنتي.

وكذلك عندما بات أمير المؤمنين عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم باهى الله بموقفه هذا إلى الملائكة. وأيضاً عندما نزلت الآية المباركة (( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم )). على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كان إذا أخذ الزكاة من أحد صلى عليه وقد أثر انه صلى على آل أبي أوفى عندما قدموا زكاتهم ، فقد قال : اللهم صل على آل أبي أوفى، فبالرغم من أنهم قاموا بواجبهم من إخراج الزكاة ، إلا ان النبي صلى الله عليه وآله شكرهم وصلى عليهم.

وبالتأكيد فأن الصلاة عليهم تختلف عن الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وآله، والشاهد على ذلك (( إن صلاتك سكن لهم )).

إن مع الشكر تستمطر الزيادة فمثلاً عندما يؤدي أحداً منا وظيفته ولم يشكر عليها من قبل الطرف الآخر فهذا يؤدي إلى التزهيد للقيام بالواجبات ، بعكس ذلك عندما يقوم الطرف الآخر بشكر من يقوم بعمله فهذا يطمعه بأن يقوم بأعماله وواجباته . وهذا أحد أوجه قول الله عز وجل (( لإن شكرتم لأزيدنكم )).

فهذه قد تكون جهة غيبية وجهة اجتماعية أيضاً، فإنه إن قام الناس بشكر النعمة وأداء الواجب تصبح حالة من الحماس عند الجميع لأداء الواجبات فتكثر النتائج ويزداد الخير والبركة في المجتمع.

وفي مقابل ذلك قد نجد حالة مناقضة لهذا الأمر وهي حالة الكفران ، وهذه قد تنبعث غالباً من الغضب أو الجحود أو عدم تقدير جهود الآخرين.

فعلى سبيل المثال : الزوج والزوجة بعد قضاء فترة طويلة من العمر معاً من الخدمة والعطاء فإن أصبحت بينهما مشكلة ما فإن الزوج يقول لزوجته لم أر منك جميلاً أبداً أو العكس بان تقول الزوجة لزوجها مثل هذا الجانب من الكلام ، وهذا من الأمور التي قد تحبط عمل الإنسان.

فيسبق إلى الإنسان أيضاً حالة الكفران وهي حالة سيئة وسلبية وذميمة قد يتورط بها الإنسان.

فقد جاء حديث من كتب مدرسة الجمهور في صحيح البخاري( أن النبي محمد صلى الله عليه وآله مر على مجموعة من النساء فقال أكثركن في النار، ففزعن، قالوا لم يا رسول الله؟! قال: لأنكن تكفرن العشير) . وهذا الحديث غير موجود في كتبنا ، فلو فرضنا أن هذا الحديث صحيح فلابد من توجيهه التوجيه الصحيح وذلك :

أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان يعرف هذه المجموعة من النساء الاتي أشار إليهن بأنهن كافرات بحق أزواجهن ويستحقون دخول النار، ولكن هذا لا يعني أن معظم النساء في زمان النبي أو بعده سيدخلون النار.

ومن القصص التي تدل على نكران العشير وعقوبة الكفر بالنعم :

يروى أن هناك امرأة تدعى اعتماد الريمكية وهي جارية من جواري المعتمد بس عباد في الأندلس الذين كانوا من الأمراء في عام 450 للهجرة، فهذه الجارية كانت جميلة جداً ولديها من آداب اللغة العربية ( شعر، أدب ، قصص وما نحو ذلك ). فأعجب بها المعتمد بن عباد واشتراها من مالكها بأغلى ثمن قيل له ثم تزوجها وملكت عليه اموره وكان لا يرد لها طلباً أبداً وكان لديها الإسراف في الأموال بشكل كبير ، فكأنما يتساوى عندها التراب بالذهب من شدة اسرافها وتبذيرها. وفي أحدى الأيام قد كان الجو ماطراً ورأت اعتماد نساء قرويات يسرن ويخضن في الطين ، فاشتاقت هذه المرأة ان تخوض وتلعب في الطين مثلهن، فعارضها الكثير ممن كانوا في القصر لأنها زوجة أمير وتملك من الذهب والديباج ما يخضع لها ، ولكنها أصرت على ذلك . فصنعوا لها ما أرادت داخل القصر وأتوا بالمطر الصناعي الذي هو من ماء الورد وخلطوا الطين بالزعفران حتى لا تصبح رائحة قدميها طيناً أخذوا في تجهيز القصر مدة طويلة من الزمان ليكون مهيأً لها وتتحقق رغبتها.

وبعد الانتهاء جاءت مع جواريها وأخذن يلعبن في الطين المخلوط بالزعفران وماء الورد، وبعد مرور شهر من الزمان حدث بينها وبين المعتد خلاف ما فقالت له : والله مذ عرفتك لم أر منك خيراً أبداً فقال لها : ولا يوم الطين ؟ ، فبسبب نكرانها وبسبب اسرافها وتبذيرها في النعم هي وزوجها عاقبهما الله بأن سلط عليهم أناس يأخذوا جميع أموالهم ويصبحوا فقراء جداً.

فلنتعلم من أمير المؤمنين عليه السلام ولنجعل لساننا طيباً شكوراً على كل فرد، فكل ذكر حسن للآخرين يعد شكراً.

فاذكروا آلاء الله فإنها شكر له واذكروا خدمات الناس إليكم فهي شكر لهم وزيادة للعمل الصالح في المجتمع.

وكان ينبغي لهذه الأمة أن تشكر نبيها محمد صلى الله عليه وآله على ما قدم إليها من كل خير ومن كل جهد ، وشكر ذلك كان يتمثل في أن يحفظ في ولده ، كما قالت فاطمة الزهراء عليها السلام : (أليس المرء يحفظ في ولده ). فالنبي الذي كان يربط حجر المجاعة على بطنه جوعاً وجاهد في سبيل الله حق جهاده، ما لذي جازوه به ؟

فكما قال الشاعر : كان اكرام خاتم الرسل الهادي البشير لو أكرماها ولكان الجميل أن يقطعاها فدكاً ، لا الجميل أن يقطعاها .

مرات العرض: 6575
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 1787.9 KB
تشغيل:

أين يتدخل أقارب الزوجين ؟
الوصية في فلسفتها وأحكامها