شرح دعاء الافتتاح 23
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 29/10/1435 هـ
تعريف:

شرح دعاء الافتتاح ( حلقة 23 )

تحرير الفاضلة أفراح البراهيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين 

جاء في دعاء الافتتاح في آخر فقرة  ( اللّهُمَّ إِنا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ، تُعِزُّ بِها الاِسْلامَ وَأَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِها النِّفاقَ وَأَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنا فِيها مِنَ الدُّعاةِ إِلى طاعَتِكَ، وَالقادَةِ إِلى سَبِيلِكَ، وَتَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ.

اللّهُمَّ ما عَرَّفْتَنا مِنَ الحَقِّ فَحَمِّلْناهُ، وَما قَصُرْنا عَنْهُ فَبَلِّغْناهُ، اللّهُمَّ الْمُمْ بِهِ شَعْثَنا، وَأَشْعَبْ بِهِ صَدْعَنا، وَأَرْتِقْ بِهِ فَتْقَنا، وَكَثِّرْ بِهِ قِلَّتَنا، وَأَعْزِزْ بِهِ ذِلَّتَنا، وَأَغْنِ بِهِ عائِلَنا، وَأَقْضِ بِهِ عَنْ مُغْرَمِنا، وَاجْبُرْ بِهِ فَقْرَنا، وَسُدَّ بِهِ خَلَّتَنا، وَيَسِّرْ بِهِ عُسْرَنا، وَبَيِّضْ بِهِ وُجُوهَنا، وَفُكَّ بِهِ أَسْرَنا، وَانْجِحْ بِهِ طَلَبَتِنَا، وَأَنْجِزْ بِهِ مَواعِيدَنا، وَاسْتَجِبْ بِهِ دَعْوَتَنا، وَاعْطِنا بِهِ سُؤْلَنا، وَبَلِّغْنا بِهِ مِنَ الدُّنْيا وَالآخرةِ آمالَنا، وَاعْطِنا بِهِ فَوْقَ رَغْبَتِنا، يا خَيْرَ المَسْؤُولِينَ وَأَوْسَعَ المُعْطِينَ، اشْفِ بِهِ صُدُورَنا، وَأَذْهِبْ بِهِ غَيْظَ قُلُوبِنا، وَاهْدِنا بِهِ لِما اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَانْصُرْنا بِهِ عَلى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّنا، إِلهَ الحَقِّ آمِينَ.

اللّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنا صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَغَيْبَةَ وَلِيِّنا، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا، وَشِدَّةَ الفِتَنِ بِنا، وَتَظاهُرَ الزَّمانِ عَلَيْنا، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَعِنّا عَلى ذلِكَ بِفَتْحٍ مِنْكَ تُعَجِّلُهُ، وَبِضُرٍ تَكْشِفُهُ، وَنَصْرٍ تُعِزُّهُ، وَسُلْطانِ حَقٍّ تُظْهِرُهُ، وَرَحْمَةٍ مِنْكَ تُجَلِّلُناها، وَعافِيَةٍ مِنْكَ تُلْبِسُناها، بِرَحْمَتِكَ ياأَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ".

بالرغم من أنّ هذه الفقرة تحتوي على عددٍ كبير من المعاني التي ترتبط بالدولة الكريمة التي هي أمل المؤمنين وأمل المستضعفين ، و ما تحتويه من معاني في دور الحق الذي يطلبه الإنسان ، وكيف أنّ الحق إذا صار في الأمة تم الرجوع إليه ، وكيف يؤثّر في جميع مناحي الأمة سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي ، إلا أنّنا لن نسترسل لهذه المفردات لضيق الوقت بل سنشير لها إشارة عابرة.

الدعاء في هذه الفقرة يرفع من طموح الإنسان فهو يطلب دولة بمقاييس معينة ، فلا تكون حاجاته في حدود نفسه أو أسرته أو قضاياه الخاصة ، إنّما يطلب من الله تلك الدولة التي يعمّ خيرها على جميع الناس ، فهي دولة كريمة ليست ذليلة أو مرهونة للأجنبي ، هذه الدولة تعزّ الإسلام وتعزّ أهله وتذلّ النفاق وتذلّ أهله ، ولعل المتأمل يلاحظ التركيز هنا على النفاق باعتباره أهم الأخطار الداخلية التي تواجه الأمة ، إذ أنّ خطوط النفاق خطوط مائلة ترفع الإسلام كرايةٍ وتطعنه كحقيقة ، والدولة الكريم سوف تذلّ هذه الخطوط.

الدولة الكريمة أهلها هم من يصنعونها والمساهمة فيها فلا يكفي أن يدعو فقط أن يصنع الله الدولة ، وإنما يهئ نفسه لأن يكون واحدًا من العاملين فيها ، وليس عاملًا عاديًا بل من الدعاة والمؤسّسين في وقت تراخى فيه الآخرون وتقاعسوا عن ذلك ، بل من القادة إلى سبيل الله.

( اللّهُمَّ ما عَرَّفْتَنا مِنَ الحَقِّ فَحَمِّلْناهُ، وَما قَصُرْنا عَنْهُ فَبَلِّغْناهُ )

كيف ينبغي أن يكون موقفنا تجاه الحق؟

ينبغي أن يكون من خلال خطوتين :

1/ أن نطلب من الله معرفة الحق لأنّ معرفته شيء مهم جدًا فهي تشكّل خريطة المسير ، البعض يتوهّم أنّه على الحق وإذا بهم في نهاية المطاف يجدون أنهم لم يعرفوا إلا السراب الباطل ، والبعض يعتقد أنّه يعمل لله فإذا بهم يعلمون للشيطان ، ومعرفة الحق تحتاج إلى جهد كبير لأنها الخريطة للمسير ، وهي تحتاج لتوفيقٍ من الله ودعاء من قبل العبد ، فالإنسان المؤمن دائمًا يطلب الوصول للحق ومعرفته ، وبعد الوصول إليه يتحمّل مسؤوليته.

2/ العمل بالحق وتحمل المسؤولية بعد معرفته ، لأنّ المعرفة النظرية غير كافية بل ينبغي التطبيق عمليًا على أرض الواقع.

( اللّهُمَّ الْمُمْ بِهِ شَعْثَنا، وَأَشْعَبْ بِهِ صَدْعَنا، وَأَرْتِقْ بِهِ فَتْقَنا، وَكَثِّرْ بِهِ قِلَّتَنا، وَأَعْزِزْ بِهِ ذِلَّتَنا، وَأَغْنِ بِهِ عائِلَنا، وَأَقْضِ بِهِ عَنْ مُغْرَمِنا، وَاجْبُرْ بِهِ فَقْرَنا، وَسُدَّ بِهِ خَلَّتَنا، وَيَسِّرْ بِهِ عُسْرَنا، وَبَيِّضْ بِهِ وُجُوهَنا، وَفُكَّ بِهِ أَسْرَنا )

يدعو إلى لمّ الشمل والتصدّع والتفرّق وإيصال بعضه ببعض بواسطة الحق  ، أو بواسطة الإمام الحجة الذي هو قائد أهل الحق ، فلعل الضمير في قوله  ( المم به ) يعود على الحق أو يعود على الاسم المتقدم وهو الإمام ولا اختلاف بينهما ، وإن كان الحق هو أقرب من الناحية اللغوية إلا أنّ الأمرين يمتزجان فالإمام هو الحق وهو قائد الحق.

(وكثّر به قلّتنا )

مع الحق ودولة الحق نرى أنّ أهل الحق جماعة كما يقول الرسول صلى الله عليه و آله وإن قلّوا ( جماعة أمتي أهل الحق و إن قلّوا ) 1، والكثرة في الأمة هم جماعة الحق وإن كثر ما عداهم.

النقائص الاجتماعية والأمراض والعسر والفقر يختفي عندما يسودها الحق ، وما فقر الدول و شقاؤها إلا بسبب غياب الحق وعدم تحكيمه ، و ( ما جاع فقير إلا بما متّع به غني ، وما رأيت نعمة موفورة إلا و إلى جانبها حقّ مضيّع )2 كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام ، أما إذا ساد الحق  وطبّق وجاءت دولة الحق وقائدها آنئذِ لا مجال لهذه الأمراض والنقائص الاجتماعية.

( وَانْجِحْ بِهِ طَلَبَتِنَا، وَأَنْجِزْ بِهِ مَواعِيدَنا، وَاسْتَجِبْ بِهِ دَعْوَتَنا، وَاعْطِنا بِهِ سُؤْلَنا، وَبَلِّغْنا بِهِ مِنَ الدُّنْيا وَالآخرةِ آمالَنا، وَاعْطِنا بِهِ فَوْقَ رَغْبَتِنا، يا خَيْرَ المَسْؤُولِينَ وَأَوْسَعَ المُعْطِينَ، اشْفِ بِهِ صُدُورَنا، وَأَذْهِبْ بِهِ غَيْظَ قُلُوبِنا )

يظهر أنّ هذه إشارات أوضح لدور الإمام فنحن نتوسّل برسول الله صلى الله عليه لأنّ نسبة النصر المباشر هي بسبب الله ، ولكن هناك واسطة لاستجابة هذا الدعاء ، مثلما أنّ السنن الكونية تكون واسطة ، كذلك النبي والإمام المعصوم وسائط من الله تعالى ، نحن نبتغي إليه الوسيلة وهم رسول الله وأهل بيته .

نحن نسألك يا رب لأنّك خير مسؤول وأوسع معط  وأكرم معط ولا نقصد سواك ولا نطلب من أحد غيرك.

( وَاهْدِنا بِهِ لِما اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَانْصُرْنا بِهِ عَلى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّنا، إِلهَ الحَقِّ آمِينَ. )

نطلب الهداية بالإمام والقائد لما اختلف من الحق ، ( ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم )3 

عند الاختلاف والاشتباه يحتاج المؤمن لقائد رباني يفصل في الأمر ، لذلك قال رسول الله عن أمير المؤمنين ( عليٌ مع الحق والحق مع علي )4

( واهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، أنّك تهدي من تشاء ) 

نسأل اله سبحانه أن يتفضّل علينا بعتق رقابنا من النار لنا و لوالدينا وأولادنا وأرحامنا ، وأن يجعلنا من المنتظرين لقائد الحق المنتظر.

(اللهم أرنا الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة واكحل أنظارنا بنظرة منا إليه وعجّل فرجه وسهّل مخرجه  )

----------------------------------

1 ميزان الحكمة ج1 ص766

2 روائع نهج البلاغة

3 القرآن الكريم / سورة النساء آية 83

4 شبكة النبأ المعلوماتية


مرات العرض: 3405
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2584) حجم الملف: 14851.91 KB
تشغيل:

شرح دعاء الافتتاح 20
شرح دعاء الافتتاح 21