شرح دعاء الافتتاح 20
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 29/10/1435 هـ
تعريف:

شرح دعاء الافتتاح (  20 )

تحرير الفاضلة أفراح البراهيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين 

جاء في دعاء الافتتاح في ذكر الصلاة على أهل البيت بعد أمير المؤمنين عليه السلام فيقول ( وَصَلِّ عَلى سِبْطَي الرَّحْمَةِ وَإِمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ سَيِّدَيْ شَبابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَصَلِّ عَلى أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ وَمُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمُوسى بْنِ جَعْفَرٍ وَعَلِيٍّ بْنِ مُوسى وَمُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ وَعَليٍّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَالخَلَفِ الهادِي المَهْدِي، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ فِي بِلادِكِ، صَلاةً كَثِيرَةً دائِمَةً. )

يستمرّ الدعاء في الجانب العقائدي بهدف تعريف الإنسان بقادته و حججه وهذا ما قدّمنا له سابقًا من أنّ الدعاء يتكفّل بتوضيح الجوانب التربوية التي تريد تحقيق العبودية للإنسان ، إلى جانب تحقيق الأهداف العقائدية الدينية حيث يتعرّض في هذه الفقرة إلى الحديث عن الأئمة عليهم السلام ، لكي يكرّس في الإنسان معرفتهم بأسمائهم ، ولكي يؤكد على حضورهم في عقيدة الإنسان فيقول : اللّهم صلّ على سبطي الرحمة الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، وهنا ليؤكد أنّ أهل الجنة كلهم شبابًا ولا يوجد بينهم كهولًا أو عجزة ، ومعنى أنّ الحسن والحسين عليهما السلام سيدي شباب أهل الجنة إلا من استثني كرسول الله وأمير المؤمنين ، وإلا فباقي أهل الجنة الذين هم من الشباب لهم سيّدان وزعيمان متقدّمان عليهم وهما الحسن والحسين ، و ليسا إمامان للشيعة فحسب بل لجميع المسلمين ، ومقتضى الإمامة الاتباع والمتابعة ، فلو صلّى أحدهم خلف إمام صلاة جماعة ثم تخلّف عن متابعته بأن تقدّم عليه أو تأخّر عنه تأخرًا فاحشًا فذلك ممّا يخلّ بصلاته ويجعلها غير صحيحة ، كذلك إن اتّخذ الإنسان الحسن والحسين عليهما السلام إمامان فيجب اتباعهما والالتزام بما يأمران والانتهاء عمّا ينهيان.

الاعتقاد بالحسن والحسين إمامان يعني متابعتهما في جانب العقائد والفقه  والثقافة ، و هكذا الحال بالنسبة لسائر الأئمة الذين قال عنهم ( وصلّ على أئمة المسلمين ) فهم ليسوا أئمة للشيعة فحسب بل لعامة المسلمين ، فهم اثنا عشر نقيبًا كنقباء بني إسرائيل متقدّمون على من عداهم ، ومن عداهم تبعٌ لهم.

ثم من بعد الحسن والحسين الإمام السجاد زين العابدين وسيد الساجدين ، هذا الإمام الذي شهد جانبًا من خلافة جده أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم عاش مع أبيه الحسين عليه السلام وشهد معركة كربلاء والظلامة التي بدرت من الأمويين ، فأثارت آلام الإمام وحزنه و تدفّق دعاؤه لإيقاظ الضمير الديني لدى الأمة التي اتجهت باتجاه الفساد الأخلاقي والانحراف السلوكي التي أشاعها الأمويون من زمان يزيد ومروان بن الحكم وعبدالملك بن مروان .

( وصلّ على محمد بن علي الباقر ) باقر علوم الأولين والآخرين ووراث علم النبيين والذي بشّر به النبي في ذلك الحديث المعروف مع جابر بن عبدالله الأنصاري ، هذا الإمام الذي عاش في زمن تجرّد حكامه من العلم والثقافة ، وكانت التحديات الثقافية تغزو فكر الأمة من كل جانب ، فتصدّى لهذه التحديات بنشر العلم والثقافة ، وشاركه في ذلك ابنه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الذي قال عنه أحدهم أنه لم يشهد أحدًا بمثل فضل جعفر بن محمد علمًا وعملاً ، وقال عنه أبو حنيفة أنّ أعلم الناس باختلاف الناس هو جعفر بن محمد ، حيث واصل مسيرة أبيه الباقر عليه السلام في نشر العلم بأصوله العقائدية و فروعه الفقهية وفنون المعرفة والثقافة ، و تتلمذ على يده أكثر من أربعة آلاف طالب في شتى فنون المعرفة الدينية والدنيوية ، ومنهم جابر بن حيان الكوفي الذي برز في علم الطب ، وزرارة بن أعين الشيباني الذي نبغ في علوم الفقه.

( وصلّ على موسى بن جعفر ) الإمام الكاظم عليه السلام الذي وقف راية صامدة وموقفًا صلبًا أمام هارون العباسي الذي ملك الدنيا لكنه لم يملك العدالة والإنصاف ، و قد توسّعت الدولة في عهده بجهد المسلمين لا بجهده وبجهد العباسيين ، الذين أظهروا من الإساءة والاضطهاد للأمة عمومًا ولأهل البيت خصوصًا ، فكان الإمام عليه السلام ضحية ذلك الاضطهاد والعنف العباسي حيث سجن مدة طويلة من الزمن ، بل وقاموا باغتياله في السجن وهو صابر محتسب محافظ على شريعة جده.

( وصلّ على علي بن موسى ) علي بن موسى الرضا الذي عاصر ضعف الدولة العباسية والخلاف القائم بين الأمين والمأمون ، وعلى أثره جيء بالإمام إلى بلاط الحكم كوليٍ للعهد ، ومع أنّه لم يقبل في بداية الأمر إلا أنّه استغل هذا المنصب في نشر علوم آبائه وما يدلّ على ذلك العدد الضخم من الروايات حيث كانت النهضة الثقافية الثالثة في عهده بعد أن كانت الثانية في عهده جده الباقر والصادق ، والأولى في عهد جده أمير المؤمنين عليهم السلام ، فكانت النهضة الثالثة على يده .

( وصلّ على محمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ) الذين واصلوا جهود آبائهم بمقدار ما توفّر لهم من مساحة للحرية ، لأنهم كانوا يعلمون أنّ المشكلة الأساسية للأمة هي افتقاد العلم والثقافة والوعي ، ومتى ما توفّر الوعي و العلم سارت الأمة سيرًا سليمًا ، ومتى ما انحسر عنها رداء العلم تخبّطت في سيرها ،   لذا عمل الأئمة على توفير العلم ونشره ، إلى أن وصل الأمر إلى صاحب العصر والزمان عجّل الله فرجه الشريف ، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أنصاره وأعوانه إنّه على كل شيء قدير ، وصلّ اللّهم على محمد و آله الطيبين الطاهرين.


مرات العرض: 3398
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2581) حجم الملف: 14815.53 KB
تشغيل:

شرح دعاء الافتتاح 19
شرح دعاء الافتتاح 23