شرح دعاء الافتتاح 11
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 29/10/1435 هـ
تعريف:

شرح دعاء الافتتاح 11 

الشكر على النعم وسيلة للكمال 

تحرير الأختين حنان الهواشم وزهراء تريك 


الحمدلله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرفِ الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين 

جاء في دعاء الإفتتاح هذه الضراعة من قبل الداعي إلى ربِّه : 

"اللّهُمَّ إِنَّ عَفْوَكَ عَنْ ذَنْبِي، وَتَجاوُزَكَ عَنْ خَطِيئَتِي، وَصَفْحَكَ عَنْ ظُلْمِي، وَستْرَكَ عَلَى قَبِيحِ عَمَلِي، وَحِلْمَكَ عَنْ كَثِيرِ جُرْمِي عِنْدَما كانَ مِنْ خَطَأي وَعَمْدِي، أَطْمَعَنِي فِي أَنْ أَسْأَلَكَ ما لا اسْتَوْجِبُهُ مِنْكَ الَّذِي رَزَقْتَنِي مِنْ رَحْمَتِكَ، وَأَرَيْتَنِي مِنْ قَدْرَتِكَ، وَعَرَّفْتَنِي مِنْ إِجابَتِكَ، فَصِرْتُ أَدْعُوكَ آمِناً، وَأَسْأَلُكَ مُسْتَأْنِساً، لاخائِفاً وَلا وَجِلاً، مُدِلاً عَلَيْكَ فِيما قَصَدْتُ فِيهِ إِلَيْكَ، فَإنْ أَبْطاء عَنِّي عَتِبْتُ بِجَهْلِي عَلَيْكَ، وَلَعَلَّ الَّذِي أَبْطَاءَ عَنِّي هُوَ خَيْرٌ لِي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الاُمُورِ، فَلَمْ أَرَ مَوْلىً كَرِيماً أَصْبَرَ عَلى عبْدٍ لَئِيمٍ مِنْكَ عَلَيَّ يارَبِّ،

إِنَّكَ تَدْعُونِي فَأُوَلِّي عَنْكَ، وَتَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فَأَتَبَغَّضُ إِلَيْكَ، وَتَتَوَدَّدُ إِلَيَّ فَلا أَقْبَلُ مِنْكَ، كَأَنَ لِيَ التَّطَوُّلَ عَلَيْكَ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لِي وَالاِحْسانِ إِلَيَّ، وَالتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ، فَأرْحَمْ عَبْدَكَ الجاهِلَ، وَجُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ إِحْسانِكَ إِنَّكَ جَوادٌ كَرِيمٌ " (1)

هذا المقطعُ الشريفُ من الدُّعاء ، يُخَاطبُ فيه الداعي ربَّه مبينًا قضية ، ذكرها علماؤنا وهي : 

هل أنَّ عطاءَ اللهِ وثوابه هو تفضُّل من اللهِ أو استحقاق للعبد ؟! 

هناك رأيٌّ عند كثيرٍ من علماءِنا ، أنَّ ثواب اللهِ هو تَفَضُّلٌ من الله سبحانه وتعالى ، ومن دونِ أنْ يكونَ للعبدِ حق المطالبة بذلك الثواب في ذلك المقدار . ويذكرون أنَّ إمكانية المطالبة متفرعة عن نوعِ تعاقدٍ بين طرفين ، ولا يوجد هناك تعاقد بين اللهِ وعبدهِ ، وإنما يوجد عِدَةٌ من اللهِ أنَّه سيعطيهِ لو أَطاع ، على أنَّ نفسَ طاعة العبدِ هو توفيقٌ من اللهِ ونِعْمةٌ بذاتها تستوجبُ طاعة أخرى وتستدعي حمدًا آخر ، وتستدعي شكرًا آخر ، كما ورد في كثير من المقامات ، منها مارُويَّ عن الإمام زين العابدين عليه السلام ، الذي قال " فَكُلَّما قُلْتُ لَكَ الْحَمْدُ وَجَبَ لِذلِكَ اَنْ اَقُولَ لَكَ الْحَمْدُ " (2)

إن تحركَ العبد باتجاه ربِّه في عبادَتهِ هو توفيق ربانيٌّ ، وبالتالي هذا التوفيق يستدعي شكرًا وحمدًا من قِبَل المخلوق . 

ولعل في الدعاء إشارة لهذا المعنى .. في قول الدّاعي : " إنَّ عفوك عن ذنبي وتجاوزك عن خطيئتي وصفحك عن كثير ظلمي ..." ، عفوك عن ذنبي في الآخرة وتجاوزك عنها ، خطيئتي تلك التي ربما كان لها آثار دنيوية ، كأن تَسْلُب الخطيئة من الإنسان توفيقه في الحياة ونجاحه . 

تجاوزك ياربِّ عن هذه الخطيئة ومحوك آثارها وسترك على قبيح عملي ، بينما كنتُ معرضًا لأن أكون مكشوفًا بين الخلائق ، أنت يارب سترت علي ، وفي مقابل ذلك نشرتَ عنِّي السُمعة الحسنة والثناء الجميل " وَكَمْ مِنْ ثَناءٍ جَمِيلٍ لَسْتُ أَهْلاً لَهُ نَشَرْتَهُ " (3)

وكم من سيئة ومعصية عملتها أنا ، وسترتها أنت عن الخلائق ، كلُّ ذلك من نعمك عليَّ ، جعلني أطلب وأطمع مالا أستوجبه منك من الرزق  الكثير ، والذرية الطيبة ، والجنة ونعيمها ، وهذه كلَّها لم أكن مستوجبًا لها ، ولو حصلت لي فإنها من تفضلك عليّ . وهكذا ياربّ أعطيتني عطايا متعددة وتفضلت بالنِعَم ورزقتني من رحمتك ، وكشفت عنّي الشدائد والأزمات والأمراض والمشاكل ، كلُّ ذلك بقدرتك . فقد أريتني قدرتك ياربّ في دفع هذه الإبتلاءات ودفع الأمراض عني ، وفي كل ذلك قدرتك الكاملة ، وفوق كلِّ هذا وذاك فقد رزقتني من إجابتك .. كلُّ هذا جعلني "أدعوك آمنًا ،وأسألك مستأنسًا لا خائفًا ولا وجلاً "  .. لا خوف عندي فإذا كنت أخاف من البشر – عندما أطلب منهم حاجتي – أن يجبهوني وأن يردوني ويهينوني وأن لا يلبّوا طلبتي ، وأخاف أن ينشروا عني مالا أُحب ، فيُكَلِفوني مالا اُطيق .. 

ياربّ أنا أدعوك في كلِّ وقت وكلِّ زمان ومتى شئتُ وأنَّي شئتُ آمنًا لا خوف ولا حزن يغمرني ، لأنني واثق من إجابتك "وأسألك مستأنسًا" لا وحدة ولا وحشة عندي في قلبي ، وإنّما اطلبُ منك حاجتي بدون تردد ومن دون خوف "لاخائفًا ولا وجلاً" بل أكثر من ذلك وأنا أكون في حالة الإدلال عليك ياربّ ، وأنا لا استحق هذه المنزلة ، إنّما يتدلل المتدلل وإنّما تكون له دالة على أحد إذا كانت يده طولى بالنسبة اليه ، أمَّا اذا كان مثلي ممن هو عاص ، ممن هو مذنب فلا ينبغي أن يتدلل على ربِّه ، ولكني مع ذلك لمَّا وفَّرت لي من الأمن والإستئناس و أمطتَ عني الخوف والوجل مع عملي القليل وجهدي البسيط صرتُ أنا "مدلاً عليك فيما قصدت فيه إليك " ثم ياربّ لم أكتفِ بذلك بل كانت العلاقة علاقة منعكسة ، فالمفروض أن أطلبكَ وأتودّدُ إليك وأتقرب إليك لأنني طالب الحاجة وأنا الضعيف وأنا الفقير وأنا المسكين ، ولكن – انظروا أيها الأخوة – كيف انقلبت المعادلة ؟! صار الغنيُّ "المستغني" هو الطالب ، وصار المنعِم هو المتودّد " إنك تدعوني فأولي عنك وتتحبّب إليّ فأتبغض إليك كأنّ لي التطوّل عليك " .. أليست علاقة معكوسة ؟! المطلوب : أنا أدعو الله وأنا أطلب من الله ، وأنا أتودّدُ الى الله وأنا أتضرع الى الله ..! 

قال تعالى : " قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ  " (4)

الفضل من عندك – ياربّ – والنعمة منك – والإحسان من طرفك ، مع كل تقصيري وإعراضي .. " فلم يمنعك ذلك من الرحمة لي والإحسان إليّ ، والتفضُّل عليَّ بجودك وكرمك ، فارحمْ عبدك الجاهل وجُدْ عليه بفضلِ إحسانك إنك جواد كريم " 

وصل اللهُ على محمد وآل محمدٍ الطيبين الطاهرين . 


مرات العرض: 3472
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2587) حجم الملف: 14672.66 KB
تشغيل:

شرح دعاء الافتتاح 10
شرح دعاء الافتتاح 12