تفريغ نصي الفاضلة أم سيد رضا قال الله تعالى في كتابه الكريم (( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده * قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكر للعالمين )). تتكلم الآية المباركة عن عدد من الأنبياء والمرسلين معددة أسماءهم وهم إبراهيم ونوح وعيسى وموسى وإسحاق ويعقوب وذا الكفل، ثم بعد ذلك توجه الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقول ((أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده )). يأتي هنا السؤال بأنه كيف توجه الآية المباركة النبي المصطفى وهو خير الانبياء جميعاً ليقتدي بهم وهو أفضل منهم ورسالته ناسخة لرسالتهم ، والقاعدة تقول بأن المقتدي يكون أدنى درجة من المقتدى به. يوجد طريقان للإجابة على ذلك : الطريق الأول: أن نقول أن هذا جار على إسلوب القرآن بحسب ما ورد في الروايات بأن القرآن الكريم في كثير من آياته جاء على طريقة ( إياك أعني واسمعي يا جارة )، فالخطاب ظاهرً موجهاً للنبي وواقعاً موجهاً إلى أمة النبي بأن تقتدي بالأنبياء وتقتفي آثارهم وتسير كما ساروا، كما يقول الله تعالى في كتابه أيضاً ((لئن أشركت ليحبطن عملك)). فلا يمكن أن يكون هذا الخطاب موجهاً بصورة جدية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو أشرف الخلق، فهو موجهاً بشكل ظاهر إلى النبي ولكن في الحقيقة موجهاً إلى أمته. الطريق الثاني: لو افترضنا ان الخطاب موجه إلى النبي فلا يلزم منه محذور وليس فيه مشكلة لان الآية لم تقل فبهم اقتده وإنما قالت فبهداهم اقتده ، هناك فرق في ذلك، لو قالت الآية فبهم اقتده فهناك إشكال كيف أن النبي وهو خير البشر يقتدي بهم ولكن عندما قالت الآية المباركة فبهداهم اقتده فالمعنى أن الهدى هدى الله عز وجل وأن منزلة الأنبياء أنهم كانوا مطبقين للهدى الإلهي. فهذه الهداية الربانية التي اتبعوها، يكون النبي مأمور باتباع هذا الهدى أيضاً. لا ريب أن الأمة مخاطبة بالإقتداء بالنماذج العظيمة التي طبقت الهداية الربانية ، ان يقتدوا بهدى الانبياء وكذلك هدى الأئمة عليهم السلام والعلماء الربانيين الذين أخذوا من الأنبياء ومن الأئمة المعصومين بما وسع شخصياتهم من الإتباع والإقتداء، ولهذا برز من هؤلاء العلماء نماذج عظيمة وشخصيات كبيرة وقامات شاهقة ينبغي للإنسان المؤمن أن يتعرف عليها وأن يدرس حياتها ويتطلع إلى سيرتها حتى يستفيد من كل ذلك في حياته اليومية المعاصرة. قبل ان نتطرق في الكلام عن هذه الشخصيات ، سنشير إلى بعض النقاط الضرورية. النقطة الاولى: من الخطأ ما يعتمل في نفوس البعض من الناس من الميل إلى استنساخ العلماء، بمعنى ان البعض لديهم مقياس معين يتم تطبيقه على كل العلماء ولذلك لا يقبلون اختلاف عالم عن عالم آخر. فقضية الإختلاف بين العلماء تكون إما في المنهج الأساسي أو في مفردات هذا المنهج، فمثلاً بعض العلماء يعتبرون أن التعمق في الفلسفة والتخصص فيها يعتبر بالنسبة إليهم مفخرة من المفاخر، بينما البعض الآخر يعتبر أنه ليس من المناسب إدخال البحث الفلسفي في الحوزة وليس من المناسب تعمقه إلى الأصول وكذلك الإعتماد على الفلسفة في المعارف الدينية. وأيضاً هناك عدد آخر من العلماء يميل إلى التجديد في الفكر في داخل المذهب وداخل المدرسة الإمامية ويعتقد ان هذا الطريق ينتهي إلى حيوية هذه المدرسة بإثارة السؤال وإطلاق الجواب وتحقيق ما هو موروث. وهناك منهجاً ليس بجديد ينتهي غلى الانفتاح على المذاهب الاخرى أخذاً وعطاءً في العلم وغيره، كما ينقل عن الشهيد الثاني رضوان الله عليه وهو يعتبر من مفاخر الإمامية فقد درس على يد علماء من المذاهب الاخرى الذين يبلغ عددهم أربعون عالماً. بينما هناك علماء آخرون من الإمامية يؤمنون بفكرة (لا تأخذ إلا عنا تكن منا)، بمعنى ان تأخذ المعارف من اهل البيت عليهم السلام فقط لأنها هي الصواب وغيرها مجانب للصواب. فلهذا هناك نسخ كثيرة ونماذج متعددة، وليس من الصحيح ان نعتقد بفكرة ان جميع العلماء نسخة واحدة وانهم يتفقون جميعاً على منهج خاص في أصله وفي مفرداته، فهذا أمر غير ممكن بل ليس صالحاً أيضاً. فجزء من غنى وثراء المدرسة الإمامية راجع إلى التعدد في المناهج والإجتهاد في المدارس. النقطة الثانية: ينبغي أن نفكر ونتعرف على الشخصية التي نبحث عنها وما هو منهجها ، وان لا نجعل أول تفكيرنا إن كانت هذه الشخصية جيدة أو سيئة، ففي آخر الأمر عندما نتعرف ونتفهم سوف يتضح لنا إن كانت جيدة أو غير جيدة. فكثير من الناس لا يعتمد على التعرف والتفكر في هذه الشخصية ولا ذلك المنهج حتى يتضح له الامر، بل يعتمد على اتخاذ الموقف إن كان الشخص سيئاً اجتنبه وهاجمه إن كان جيداً اتبعه من غير ان يقرأ له كتاباً أو يعرف له نظرية، وهذا ليس صحيحاً. فكثير من الاحيان يكون السؤال حائراً هل هذا إنسان جيد أو غير جيد، ولا نستطيع الإجابة بأن نقول أنه جيد بإطلاق أو سيء بإطلاق، فقد يكون جيداً ومؤيداً في حزمة من الأفكار، بينما حزمة أخرى من الأفكار تكون لديه غير جيدة، فنوافقه في تلك الفكرة ونخالفه في الفكرة الأخرى وهذا هو الصحيح. فإن اتبع الكثير منا هذه الطريقة من التعرف والتفهم سوف يحفظ المجتمع من شرور كثيرة، ولو نظرنا إلى علمائنا سنجد ان عالماً يخاف عالماً آخر في رأي معين ثم يبحث عن ذلك الرأي ويشرحه بشكل دقيق ومفصل بحيث لو أن صاحب الرأي موجوداً لما شرحه بهذا التفصيل الدقيق، وبذلك يكون هذا العالم متمكن من فهم الطرف الآخر ودليله وبعدها يبدأ بالرد والإشكال عليه. ينقل عن صدر المتألهين الشيرازي الملا صدره وهو أخد فلاسفة الشيعة الإسلاميين: أنه جاء ذات يوم لزيارة السيدة المعصومة في قم وقد رأى شخصاً في زاوية الحرم ولديه مسبحة وهو يردد (اللهم العن ملا صدرا)، فسلم ملا صدرا عليه ورد الرجل السلام ، فسأله : هل تعرف ملا صدره؟ فأجاب الرجل قائلاً: لا أعرفه، فسأله: لماذا تردد اللعن عليه؟ فأجابه الرجل: أن ملا صدره يتحدث بكلام خطير ويقول بوحدة واجب الوجود. فلو بحثنا هنا نجد أن واجب الوجود عند الفلاسفة بمعنى الله سبحانه وتعالى، فوحدة واجب الوجود يعني وحدة الله، فالله واحد وكل المسلمون معترفون بذلك. لكن الشخص الذي كان يردد اللعن فسر هذا المعنى بوحدة الوجود وهي نظرية يوجد فيها اختلاف كبير وهي معركة الآراء، وهذا ما يحصل كثيراً عند الغالب من الناس بأنهم يتبرؤون من شخص لا يعرفونه ولا يعرفون نظرياته، يسبون شخصاً من غير ان يدرسوه ويقرؤه، فلا ينبغي لنا أن نكون بهذه الصورة ولا نتصور بأن الاستنساخ في الشخصيات هو شيء صحيح، فكل شخصية لها توجهها الخاص ما دامت ضمن إطار مدرسة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. نحن ندرس هذه الشخصيات والقامات الشيعية المهمة في عصرنا الحديث لعدة أسباب: • تأثر الاثر الفقهي والأصولي والعقائدي والثقافي والحركي السياسي بنتائج سيرة هؤلاء وأفكارهم، كتأثر الهلال والصوم والفطرة والحج والصلاة والصيام والمعاملات والخمس وغيرها من الأمور. فالعصر الحديث (القرن الاخير) هو الذي صاغ هذه المدرسة الفقهية في الاستنباط الذي بدورنا ان نتأثر بها عملياً. كذلك الحركة الإسلامية والفقه السياسي والأفكار الجديدة في عالم العقيدة والثقافة، أكثرها هي صياغة هؤلاء العلماء والتيارات التي نشأت منهم منذ ما يقارب مئة عام. • ضعف وجود هذه القامات الشاهقة والشخصيات العظيمة في المدى الإعلامي والثقافي العام. فعندما نبحث عن النهضة الإسلامية في العصر الحديث نجد ان كثير من العلماء الذين لديهم أدوار في الإطار الإسلامي العام أو ضمن الإطار الشيعي، غير موجودون وغير مذكورون، فالإطار الشيعي يشكل نسبة كبيرة ضمن المجموع الإسلامي، فإذا تأثر هذا المجموع الشيعي بأفكار أخرى، فهذا يعني ان جزءاً كبيراً من الأمة قد تأثرت. • قضية التقليد مع كل ما كان لها من إيجابيات، كان لها بعض العوارض الجانبية عند قسم من الناس، ومن تلك العوارض الجانبية: تكريس الإعتماد على المرجع الخاص وعلى الخط الذي يمثله فلم ينفتح هذا المقلد على سائر المدارس ولا على سائر العلماء. ومع الأسف وصل الحال في بعض الآفاق الشيعية بأنه ( انا ومرجعي وبعد ذلك الطوفان)، كأن يتهجم على المرجع الآخر ويطعن فيه ويتحدث عنه بعنف وشدة وهذا طريق خطير جداً وغير صحيح، وكان الإنسان يقول ان الله سبحانه وتعالى خلق الجنة التي عرضها السماوات والأرض له ولبعض الأشخاص الذين يقلدون هذا المرجع فقط، وسائر الناس لا يدخلونها. لذا ينبغي على الإنسان في هذا الزمان أن يتفكر ويتعرف ويدرس القيم والمفاهيم ويتذكر الانبياء والاوصياء والأئمة ومعاناتهم ومصائبهم ويحزن عليهم، فهذا يعطيه ثباتاً على الدين الإسلامي وثباتاً على المبادئ والقيم الصحيحة. كما قال الشاعر الجواهري ( وحزناً عليك بحبس النفوس على نهجك النير الاروع ).