الشجرة الملعونة ورؤيا الأنبياء
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 21/1/1431 هـ
تعريف:

الشجرة الملعونة ورؤى الأنبياء


‏تفريغ نصي الفاضلة ليلى أم أحمد ياسر

(وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ۚ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ۚ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا )

هذه الآية المباركة من سورة الإسراء تأتي في سياق الحديث مع رسول الله صلى الله عليه وآله لكي تهدئ خاطره وتطمئن باله عن إن قسماً من الناس لن  يهتدو إلى طريق الحق والفضيلة وأن هذا ليس بسبب أن النبي صلى الله عليه وآله مقصرٌ في الإرشاد وإنما لأن طبيعة المجتمع الإنساني بعدما كان أفراده يمتلكون الإرادة والإختيار فمنهم من يؤمن ومنهم من يكفر ، ومنهم من يرى أقل آية من الآيات فيؤمن على أثرها ومنهم من يرى أعضم الآيات فلا يغير فيه شيئا ، والله سبحانه وتعالى قد أحاط بالناس جميعاً .

وهنا قد يتبادر سؤال إلى أذهان بعض الناس وهو أنه (ولحل هذه النزاعات التي تحدث في الأمة الإسلامية) لماذا لم يأت القرآن بنص واضح وصريح يقطع الألسنة ،في موضوع الإمامة مثلاً؟!

وأن يكون هناك نصٌ على إمامة الإمام علي عليه السلام بمواد قانونية صريحة وواضحة ولا مجال فيها للتفسير والتأويل فتنتهي المشكلة عند ذلك ؟!

لقد طرح مثل هذا السؤال في زمان الأنبياء ، أنه لماذا لا يبعث  الله مع الأنبياء آيات معجزة قوية بحيث أن كل من يراها من الناس يتأثر بها فوراً؟!

ويقول الله تعالى أيضاً في آية أخرى  (لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة )لماذا  لايكون ذلك بالفرض التكويني ؟ و كما جعل الناس تمشي على رجلين لماذا لايجعل الناس كلها على اتجاه واحد لا ينحرف يميناً ولا شمالاً ؟! إنه لو  كان الأمر كذلك فلا معنى عندئذٍ للثواب والعقاب ولا معنى لإرسال الرسل ولا معنى للفتنة ولا معنى لاختيار الإنسان ولا معنى حتى للحياة أصلاً ، وما الداعي لخلق هذه الحياة لو  كانت بهذه الطريقة؟!! لا حاجة للرسل والأوصياء ، ولا حاجة للجهاد في سبيل العقيدة ولا حاجة للتفكير في سبيل المبدأ و التحليل للأمور ويتعطل الدور الإنساني ككل .

لقد أجاب  الله تعالى عن مثل هذا السؤال في القرآن وذلك في الآيات التي تسبق هذه الآية التي يخبر الله فيها أنه قد أرسل رسلاً بآيات ، ولكن كذب بها الأولون ، وخوَّف بالآيات ( وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) ولكن هناك قسمٌ آمن وقسمٌ بقي على جحوده .

فهذا أيضاً ينطبق على هذه الآية (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ) فهذه الإحاطة من الله تعالى وعدم إجبار الناس على طريقة معينة تجعل بعض الناس يختار طريق الهدى والبعض يختار طريق الغواية.. (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ) وهذه الرؤيا هي أن الله تعالى أخبر نبيه في رؤياه ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين) وهذا قبل صلح الحديبية.

فالرسول صلى الله عليه وآله أخبر المسلمين وقال إن الله تعالى وعدني أننا ندخل محلقين مقصرين آمنين ومنتصرين ولما صار صلح الحديبية وبعد هذه الرؤيا وصار الإتفاق أن يرجع المسلمون وأن لايدخلو مكة ، انقسم المسلمون إلى قسمين  قسم من المشككين جاءو إلى رسول الله ،فقالو ألست رسول الله ؟ قال بلى ، فقالو أولم تقل أن ربك وعدك أن تدخل مكة؟ فقال بلى ، فقالو فكيف ذلك وأنت تأمرنا بالرجوع إلى المدينة؟

فقال صلى الله عليه وآله أنني قلت لكم أننا سندخل مكة ولكنني لم أقل لكم أن ذلك في هذا العام،فالله قد قال ( لتدخلن المسجد الحرام ) ولكنه لم يقل أن هذا يكون في هذا العام.. فقسم من المسلمين شكك في ذلك ، وقسم آخر قالو إننا نأتمن رسول الله على خبر السماء وعلى سائر العبادات ، أفلا نأتمنه على أمر دخولنا إلى مكة؟!! فنحن نصدق هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله.. وهذه الرؤيا التي ذكرها الله في القرآن إنما هي فتنة واختبار لأولائك المسلمين ، ( وما جعلنا الرؤيا إلا  فتنة للناس والشجرة) أي أنه كذلك الشجرة الملعونة في القرآن ما جعلناها إلا فتنة ويبين ذلك حرف العطف الواو في قوله ( و الشجرة) ولم ينبغي تكرارها  في هذه الآية ، ذلك أن البلاغة في القرآن تقتضي عدم التكرار، ولا ينبغي أيضاً أن يجعل العبارتين بجانب بعضهما ،فتكون ما جعلنا الرؤيا ألا فتنة وما جعلنا الشجرة إلا فتنة ،فذلك يخل بأسلوب القرآن البلاغي ، ولذلك قال ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ ) الشجرة الملعونة هي أيضاً رآها رسول الله صلى الله عليه وآله في منامه. والرؤى في المنام قد تكون من الأنبياء ، وقد تكون من عامة الناس ، ولكلٍ أحكامه . تحدث القرآن أن هناك من الأنبياء من قد رأى رؤيا وقد تحققت هذه الرؤيا ، مثل رؤيا نبي الله إبراهيم ( قال يابني إني أرى في المنام أن أذبحك فانظر ماذ ترى قال يا أبت افعل ما ترى  ( ستجدني إن شاء الله من الصابرين )

وهذه من الإبتلاءات التي تعرض لها نبي الله إبراهيم عليه السلام ( وإذ ابتلى إبراهيم َربهُ ، بكلمات ) فالله هو المبتلي ، وإبراهيم هو المبتلى وقد قُدم المفعول به في الآية على الفاعل ، حتى لا يتكرر إسم إبراهيم ، فلو قال وإذ ابتلى ربُ إبراهيم إبراهيم، فإن هذا لا يناسب البلاغة القرآنية ، ولذلك قال (وإذ ابتلى إبراهيم َربهُ ، بكلمات ) وهذه الإبتلاءات منها ماورد في روايات اهل البيت عليهم السلام بقضية الأسماء المقدسة لأهل الكساء صلوات الله عليهم. ومن هذه الإبتلاءات أيضاً ماورد من هجرته إلى مكة وتركه لزوجته هاجر وولده إسماعيل في أرض قفر لا أنيس فيها ولا زرع ولا ضرع حيث تركهما توكلاً على الله ، و هذا الإبتلاء هو في تقديم الله تعالى على الروابط الأسرية ، بل أكثر من هذا فإنه ابتلي  فيما بعد بذبح ولده إسماعيل ، وهو من أصعب الإمتحانات أن يؤمر شخص بذبح ولده الكبير الذي يمثل امتداده واستمراره. ولما أتم إبراهيم هذه الإبتلاءات قال الله إني جاعلك للناس إماما، وهي فوق مرتبة النبوة كم هو مفاد تفسير هذه الآية المباركة. كذلك من الأنبياء الذين ذكر الله عنهم رأوا رؤيا في المنام وتحققت هذه الرؤيا نبي الله يوسف عليه السلام   قال إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) وقد تحققت فيما بعد عندما صار عليه السلام عزيز مصر وألقت إليه الأرض أزمتها وصار الحاكم الديني والدنيوي في تلك الأماكن ، وأتها أبوه نبي الله يعقوب ومعه أولاده وخرو ليوسف سجداً ( أي لجهته) فالسجود هو لله تعالى .

وكذلك ذكر القرآن ثلاث رؤى لرسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، منه ماهو في قضية بدر ، وهي أن الله أرى نبيه في المنام أن حجم المشركين قليل جدا، ( ليقضي الله أمراً كان مفعولا) وهم في الواقع قلة من حيث القوة المعنوية ومن حيث التأييد الإلهي ومن حيث الحالة النفسية ، وإن كان عددهم كبير ، ولكن كانو قلة والشاهد على ذلك أن المسلمين مع عددهم وهو ثلث عدد المشركين استطاعو وهم غير مسلحين أن يتغلبوا  على المشركين الذين بلغوا ألفاً وهم مسلحين بأحدث أنواع الأسلحة في ذلك الوقت ولهذا يتضح أنهم كانو قلة من حيث المعنى على خلاف الضاهر وهو أنهم كانو كثيري العدد .

الرؤيا الثانية أن الله تعالى أرى نبيه أنهم سيدخلون مكة المكرمة وقال فيما بعد عندما تحقق ذلك في السنة الثانية للهجرة ( لقد صدق الله رسول الرؤيا ، لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ، محلقين رؤوسكم ومقصرين ) .

الرؤيا الثالثة الشجرة الملعونة في القرآن وهي فتنة أيضاً جعلت للناس فما هي الشجرة الملعونة في القرآن وماذا قال فيها المفسرون ؟ وما هو موقفنا نحن تجاه قضية الرؤى والأحلام التي نراها في المنام ؟ ذكر المفسرون ثلاثة آراء حول الشجرة الملعونة في القرآن

الرأي الأول ذهب بعض المفسرين إلى أن الشجرة الملعونة في القرآن هي شجرة الزقوم التي تنبت في نار جهنم ، وقد ذُكر في القرآن ( إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ، كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم) وهذه الشجرة في قعر نار جهنم يلوذ بها الخاطؤون والكفار والفسقة من سكنة نار جهنم بزعم ان في هذه الشجرة ثمار، أو ما يبلل ريقهم عن الضمأ ، فيأتون إليها ويكونون كالمستجير من الضمأ بالنار ، فإذا بهم يشربو مهلاً سائلاً أسود قذر يغلي في البطون كغلي الحميم . وكذلك هذه الشجرة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تطعم الإنسان اللاجئ إليها . فيقول بعض المفسرون أن هذه الشجرة ذكرت في القرآن الكريم، ولأنها طعام الأثيم ، وطعام المجرمين فهي شجرة ملعونة ،وبذلك تكون الشجرة الملعونة في القرآن هي إشارة إلى شجرة الزقوم .

وللجواب على هذا الكلام نشير إلى بعض النقاط ، ١ - أن شجرة الزقوم طعام الأثيم ، ليس فيها درس ينسجم مع الآية المباركة ( ما جعلنا الرؤيا إلا فتنة للناس) ما هو الرابط بين هذا المعنى في الإمتحان وبين الشجرة الموجودة في نار جهنم  وفي ابتلاء الناس بقضية الإستقامة والضلالة؟ ! فسياق الآية المباركة لا ينسجم مع قضية شجرة الزقوم .

٢- لا معنى لأن تكون الشجرة ملعونة لوجودها في نار جهنم ، فالله تعالى قد خلقها لعذاب الكافرين وهي مطيعة لأمر ربها في ذلك الأمر، ومثل ذلك النار التي تطيع ربها في إحراق المجرمين فهي ليست ملعونة ، لأنها مطيعة لأمر ربها . فإذن لامعنى من خلال السياق ولا من خلال آيات شجرة الزقوم أن يقال أنه الشجرة الملعونة .

قسمٌ آخر من المفسرين قالوا أن الشجرة الملعونة هم اليهود وذلك لأنهم لعنوا في القرآن الكريم  ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ، يحرفون الكلم عن مواضعه) وقد لعنوا في أكثر من آية في القرآن الكريم وبذلك يكونون هم الشجرة الملعونة في القرآن . وللجواب على ذلك نقول :

أن الذين لعنوا في القرآن الكريم أصناف كثيرة ومنهم الكفار من المسيحين ( الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ) وكذلك الذين يؤذون رسول الله من المسلمين أيضاً لعنوا واليهود لعنوا والذين يصرون على الكبائر  كذلك لعنوا في القرآن الكريم ، فلماذا خصص اليهود بالشجرة الملعونة في القرآن ؟! فلا معنى إذاً للتخصيص .

الرأي الثالث والذي يذهب إليه أغلب مفسري الشيعة والمحققون من مفسري غير الشيعة أن الشجرة الملعونة في القرآن هي فئة من الأمة الإسلامية تجتمع فيه عدة صفات وهي أنها شجرة وليس فرداً ينتهي أمده ، بل هم جماعة توالدوا وتناسلوا وكانو يسيطرون على أمور المسلمين وقد آذوا النبي صلى الله عليه وآله وغيروا المسار الإسلامي وقاموا بأعمال سيئة في حق الأمة ، وهذه علامات ظاهرية تتوفر وتنطبق على بني أمية لأنهم آذوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أيام حياته ، وقد لعن عدداً منهم .

وتنقل المصادر السنية والشيعية ما هو في حق مروان ابن الحكم فتخاطبه زوجة النبي عائشة ، (أشهد أن الله قد لعنك وأنت في صلب أبيك فأنت فضضٌ من لعنة رسول الله أو قيل )( بعض من لعنه رسول الله) إذن فالفئة التي تنطبق عليها ما يوجب اللعن في القرآن الكريم هي هذه الفئة وهي شجرة ممتدة قد حكمت وتواصلت ولها فروع وسيطرة، وبالإضافة إلى ذلك وردت رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه صحا من نومه ذات يوم فرؤي مكتئباً ، ولما سئل عن ذلك قال أني رأيت في منامي أن بني أمية ينزون على منبري كما تنزوا القردة أما وجه التكدير هنا فهو لأن منبر رسول الله مقر لقيادة المسلمين  ومركز لاجتماع كل جهود رسول الله صلى الله عليه وآله ،ومركز الهيبة والرئاسة الدينية والدنيوية ونتاج كل جهود رسول الله تتمثل في هذا المنبر ،وإذا كان هكذا فإن من يرث منبر النبي ويشرب الخمر تحت هذا المنبر، فإن هذا مما يوجب الكدر لخاطر رسول الله واستيائه ،لأنه يرى عدوه يستولي على مابذله من جهد فيفسده فالحسرة تكون مبالغة ، والألم يكون مضاعفاً.

فالمنبر الذي كانت تنتشر منه الفضيلة بات ينتشر منه خلاف الفضيلة ، وأعداءه الذين لعنهم صاروا حكاماً مسيطرين على الأمر والنهي ،ومن خلال هذا المنبر يقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله. وكما فعل والي المدينة حين استدعى الحسين عليه السلام لكي يبايع يزيد ابن معاوية وإلا فإنه يُقتل وفي مكة المكرمة تُرسل إليه أشخاص لكي يبايع وإلا يقتل .

فلذلك قيل أن النبي بعد تلك الرؤيا كان حزينا على هذا الأمر ، ولكن القرآن واسى النبي فقال ( ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر ) وأن الله يبعث لهذه الأرض من يطهرها وهو المهدي من آل محمد صلى الله عليه وآله . وبالنسبة لرؤى الأنبياء عموماً فإنها لاتتخطى الواقع ، وحالهم في رؤية الأشياء في المنام كحالهم في رؤية الأشياء في اليقظة  وهذا الفرق بين الإنسان المعصوم وبين الإنسان العادي ، وهو أن الإنسان العادي عندما ينام تنفصل روحه عن بدنه فتبدأ روحه تطلع على بعض الأشياء فأما أن تكون روحه غير صافية وغير نقية بالكامل فلا ترى الحقائق كما هي ،وذلك كما في المرآة عندما لا تكون نظيفة فإنك لا ترى الصورة فيها بشكل واضح ودقيق وإما أن تكون روحه صافية ولكن تأتيه الحواجز والتشويشات أثناء النوم ويأتي الشيطان فيجعل حاجزاً بين هذه الروح وبين رؤية الأشياء الواقعية .

وهذين الأمرين بالنسبة للأنبياء والأوصياء ليس وارداً ، وذلك لأن أرواحهم صافية ونقية وأن الشيطان لم يجعل له سبيل عليهم ، ولذلك يرون الحقائق كما هي من دون اختلاف ( إني أرى في المنام أني أذبحك )فهو يرى ذلك كما يراه في الواقع وكذلك النبي يوسف يرى الشمس والقمر والكواكب كما يرى أباه وأمه وأخوته ساجدين له ، فلا يوجد اختلاف بين الحقائق الواقعية وبين ما يراه النبي والإمام في المنام .

ورؤى الأنبياء هنا لاترتبط بنا نحن وأن ما يرتبط بنا هو ما ينبغي أن نفعله نحن عندما نرى رؤية في المنام . ذكر أحدهم أنه سُرق ماله ورأى في المنام أن فلاناً من الناس هو من سرق ماله ، فيقول هل يجوز أن أذهب فأطالبه ؟ فقيل له إن أنت طالبته ولم تثبت عليه ذلك بمثبت شرعي ، فإنه يستطيع أن يقيم عليك دعوة تعزير ، لأن هذا الإتهام من غير وجه شرعي ، وهتك لحرمة هذا الإنسان وأيذاء له ولشخصيته بدون مبرر. أذن الرؤى بالنسبة إلى عامة الناس قاعدة تامة لا تشكل موقفاً شرعياً ولايمكن أن تثبت اتهام على الآخرين ولا أن تثبت لنا حكماً شرعياً ، كمن يصلي أو يصوم بكيفية معينة لمجرد أنه رأى في المنام هذه الكيفية . ولهذا لم يقبل فقهاء الإمامية ما ذكرته مصادر الجمهور ومدرسة الخلافة في قضية تشريع الأذان. لقد ذكرت للأذان بين المسلمين نظريتان

الأولى يذهب إليها الإمامية فيقولون أنه لمَّا كان الأذان أهم شعار من شعارات الإسلام ،فهو يعتبر تعبير عن شخصية المجتمع الإسلامي وبه تعرف إذا كنت في بلاد غريبة إن كانت أسلام أم لا. وما نراه الآن في الغرب من نزاعات ليس بسبب منارة مرتفعة في السماء ،  فأنه بإمكانك أن  تبني مئة طابق ، ولكن لا تعلن هذا الصوت ، لأنه يؤثر بشكلٍ ما ويثير سؤالاً ويعبر عن شخصيةٍ لمجتمع تخالف بزعمهم ذلك المجتمع الغربي .

ولقد صوت السويسريون على استفساء بمنع المآذن باعتبار أنها ينطلق منها صوت الأذان الذي يثير الأسئلة حول كلماته وفصوله ليشير إلى وجود مجتمع إسلامي في هذا المكان ، ولذلك تمت معارضته. وهذا يدل على أنهم يستوعبون المعنى بشكل صحيح وهذا يعد تشخيصاً دقيقاً للموضوع (وإن كان قرارهم غير صحيح )لأنهم يعتبرون أن الأذان يغير من شخصية المجتمع الغربي. والأذان هو حقاً يعد تعبيراً عن شخصية المجتمع الإسلامي لفصوله المختارة بدقة ، حيث يبدأ بالتكبير ثم يتبعه بالشهادتين ثم يذكر الذكر حي على الصلاة وحي على الفلاح وحي على خير العمل ثم ينتهي بذكر لا إله إلا الله ، حيث يذكر إيم الله في نهاية الأذان كما بدأ بذكر إسم الله في التكبير فهو شعار للمجتمع الإسلامي، ويلخص أصول العقائد الإسلامية في العقائد وفي الحياة .

إذن فنظرية الشيعة في الأذان أنهم يقولون أنه وحيٌ كسائر الأمور ، وهو أهم من المسائل الشرعية التي تأتينا بالوحي فكيف بشعار المجتمع الإسلامي! وقد أُذِن بهذا الأذان أمام رسول الله صلى الله عليه وآله عندما أمَّ النبيين والملائكة في قضية المعراج، ثم نزل جبرائيل على النبي فيما بعد بنفس الصيغة .

أما رأي المدرسة الأخرى من غير الإمامية فإنهم يقولون أن النبي كان متحيراً بعد أن وصل إلى المدينة ، ويريد أن يدعوا إلى الصلاة ، فماذا يصنع ؟ فكر في أن يضرب بالناقوس مثل النصارى كم يفعلون في كنائسهم ، واليهود في ذلك الوقت كانوا ينفخون في البوق إيذاناً لوقت عبادتهم وصلاتهم ، أم المجوس فكانوا يشعلون النار، وبحسب اعتقادهم قالو أن رسول الله بينما كان متحيراً في هذا الأمر إذ جاءه أحد الأصحاب اسمه عبدالله ابن زيد وقال يارسول الله إني رأيت في منامي البارحة أن أحدهم علمني صيغة الأذان ولما سمع من رسول الله ذلك قال له أخبر بلال ليؤذن بهذه الطريقة وهذه الصيغة ، وهم في هذا يعتبرون أن الأذان عبارة عن ناتج رؤيا رآها بعض المسلمين . ونحن هنا نقول أن الرؤيا لا تعيِّن لنا موقفاً حتى في أبسط المسائل الشرعية فكيف بالأذان الذي يشكل شعار لأمة الإسلام من زمان النبي إلى قيام الساعة . إذن فإن ما يراه الإنسان لايشكل موقفاً شرعياً . والتهم والدعاوى على الآخرين لا تقام بمجرد  الأحلام ، والمفاضلة بين الآراء كذلك لاتنتهي إلى الرؤى.

وكل ما يرتبط بعامة الناس لاتشكل الأحلام فيه حكماً شرعياً،ولا ينبغي اتباع الأحلام في تحديد المواقف والقضايا الدينية والإجتماعية . وهذ يختلف في أمر الأنبياء والأوصياء لصفاء أرواحهم ، ولأن الشيطان لا سبيل له  عليهم ، وهذا ما حدث مع سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام حين رأى جده صلى الله عليه وآله في المنام فنحن نعتقد أن هذا الواقع الذي رآه الإمام الحسين عليه السلام.

مرات العرض: 5739
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 14519.94 KB
تشغيل:

سيرة الامام السجاد من الولادة الى كربلاء
بين أهل الكهف وقضية كربلاء