نص الشريط
الصحبة والأصحاب قواعد وأسس
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 5/1/1432 هـ
تعريف:

 الصُّحبة والأصحاب قواعد وأُسُس

تفريغ نصي الفاضلة أم أحمد
قال سيدنا ومولانا أبو الحسن _ زين العابدين _ عليُّ بن الحسين سلام الله عليه : ( إيَّكَ ومُصاحَبَةَ الكذَّاب فإنَّهُ كالسرابِ يُقَرِّبُ لكَ البعيدويُبَعِّدُ عليكَ القريب ، إياكَ ومُصاحَبةَ الفاجِر فإنَّهُ يبِيعُكَ بِأكلَةٍ وأقلَّ من ذلك ، إياكَ ومُصاحَبةَ البخيل فإنهُ يخْذُلُكَ في مالِهِ حيثُ تحتاجُ إليه ، إياكَ ومُصاحبة القاطِعِ لِرَحِمِهِ فإني وجدْتُهُ ملعوناً في كتاب الله ) صدق سيدنا ومولانا زين العابدين صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليه ...
حديثُنا يتناول موضوعَ الصُّحبَةِ والأصحاب في قواعِدِها وأُسُسِها .. لا يستطيع الإنسان أن يعيش لوحدِهِ دونَ حياةٍ اجتماعية ، مادام موجوداً في المُجتمع فلا بُد أن يكون لهُ أصحاب ، ومُحيط اجتماعي يتفاعلُ معهُ ، وأيضاً من جهةٍ أخرى لا يستطيعُ أن يُصاحِبَ كلَّ الناس ؛ لأن عمُرَهُ لا يفي بذلك ، ووقتُهُ لا يكفيه ؛ لأن الصُّحبةَ والعلاقة الاجتماعية فيها ارتباطات ، وتكاليف والتِزامات ، ولا يستطيع الإنسان أن يُهمِل مثلاً أُمورَ معاشِهِ وحياتِهِ الزوجية وغير ذلك من أجلِ رعاية هذه الالتزامات الاجتماعية ، فلا بُد أن يختار طوائف يجتنبها ، وطوائف يسعى لصُحْبَتِها ..
الأحاديث الشريفة عيَّنَت جُملة من القواعد في قضية العلاقات والصُّحبة ، وعيَّنَت طوائف تُجْتَنَب ، وطوائف يُسعى لِمُصاحبتِها ... كالحديث السابق  .. وهو وارد عن الإمام الصادق عن أبيه الإمام الباقر عن جدِّه الإمام السجاد ، مع  بعض التغييرات في الألفاظ مروِيٌّ عن الإمام علي والإمام الحسن عليهم السلام ، فهذا الموضوع يستقطب اهتمام 5 من المعصومين ؛ لأنه من جملة القضايا الحياتية المهمة ..
الطوائف التي تحددها الآيات القرآنية والأحاديث :
       1/ الفئة الفاقِدة للمنفعة في الدين أو في الدنيا : فالناس حولك إما أن ينفعوك في دُنياك أو ينفعوكَ في دينِك ، عنده مال يعطيك ، عندهُ محيط اجتماعي تستطيع أن تتفاعل معهُ ، أو بنفعك في دنك بتقوية إيمانك ، مساعدتك على أمور الدين وغير ذلك .. وأناس ليس عندهم لا منفعة دُنيوية ولا منفعة أخروية ، ليس عنده شيءٌ يُقدمه لك ، فالصحبةُ مع هذه الفئة هي صُحبة بلا مضمون ، ولا فائدة لأيٍّ من الطرفين ، لا ينبغي أن يكون الإنسانُ انتهازِياً ، إما أن يُعطيني وينفعني وإلا لن أُصاحِبهُ ، الانتهازية والصداقة من أجل المصلحة فقط غير مطلوبة ، ولكن في الطرف المقابل أي صحبة تحتاج إلى مضمون : سواء كان دُنيوياً أو أخروياً ،  فإذا لم تشتمل على أحدهما فما نفْعُ هذه الصحبة ؟ قال أحدُ الشُّعراء لِصاحِبهِ ذي الطلبات الكثيرة :
أعلى الصراط تُريدُ رؤيةَ ذِمَّتي   ***   أم في الحساب تجودُ في الإنعامِ ؟
فهذه الفئة لا ينبغي الحرص على الصُّحبة معها ... الإمام الحسين عليه السلام في طريقه ، وخروجِهِ من مكة المكرَّمة ، جاءهُ واحدٌ من أبناءِ الصحابة فعرض عليه الإمام أن ينصُرَهُ ، ( فإن ظهرنا فلك مسؤولية دينية ، وإن لم نظهر فأنت تكون قد رعيت حُرمةَ النبي صلى الله عليه وآله ) ، فقال له الرجل : أرِني أين كان يُقبلُك رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فأشار له هنا وهنا .. فقال له : أتأذنُ لي أن أقَبِّلك في هذين الموضِعَين ؟ قال له : نعم . فقبَّلهُ ثم مشى عنه .. فسأله : أين تذهب ؟ يا فلان اتقِ الله ولا تدَعَنَّ نُصرَتي .. الصداقة والمحبة والعلاقة تتبيَّن حينما تنصُرًني ، أما هذه القُبُلات فلا فائدة منها .. فهذا الشخص نموذج للفئة التي لا فائدة منها ..
        2/ الفئة الضّالَّة المُضِلَّة : الإنسان الضال قد تكون عنده أفكار غير حسنة أو سُلوكِيات خاطئة ، وقد يكون فوق هذا أيضاً مُضِل ، يدعو إلى الانحراف ، أو عدم الإيمان ، أو إلى الأفكار الخاطِئة ، أو إلى عدم الإلتزام ، أو إلى الانحلال ،
مثلاً : شابَّة قد لا تكون مُلتَزِمة ، وإذا صادقت شابة أخرى مع الأيام قد تُدخلها ضمن العلاقات غير المشروعة وتُوَرِّطها في أمور مشبوهة .. هذا إضلال ينبغي على الإنسان أن يلتفِت إلى عدم التورُّط في علاقة مع ضالٍّ مُضِل ، أو أن يُصاحِبه ، إلا مع نيَّة  هدايته أو مع ضمان عدم التأثُّر به ...
     3/ فئة أضرارُها على صاحِبِها : وهي الفئة التي ذكر الإمام السجاد أمثلةً منها  .** الفاجر : يبيعك بأكلةٍ فأقلَّ من ذلك .. مرة يكون الصاحب كسولاً فكسلُهُ على نفسِه لا يضر أحد ، ومرة يكون الصاحبُ فاجِراً لا يلتزِمُ بأي قيمة من القِيَم ، ولا يرعى حُرمَةً لأحد ، ليست عندهُ حدود ، فقد يبيعُ أمَّه وأباهُ ودينهُ من أجل المال ، أو الشهوة ، فكيف بصديقِه ؟!!!
في الرواية المروية عن الإمام علي عليه السلام ؛ ( إياكَ ومُصاحبة الفاجر فإنه يبيعُكَ بالتافِه ) .. مَعْقِل هو أحد الرجال في الكوفة ، لما أتى عُبيد الله بنُ زياد إلى الكوفة وأراد السيطرة عليها سَلَكَ عدة طُرُق لذلك ، واحدة منها أراد معرفة مكان مسلم بن عقيل ؛ لِيُخطِّط لاعتقاله ، فدعا معقِل وطلب منه معرفة مكان مسلم ، فقال له : أن لا أعرفُه . فأمرهُ بالذهاب إلى مسجد الكوفة ويرى أيهم أكثرُ عبادة فإنه من الشيعة . فصاحبه وقُل له بأنك أتيتَ من الشام ، أن من موالي ذي الكَلاع الحِمْيَري _ من الموالين لأمير المؤمنين ، لكنه لم يترك الشام _ وعندي منه أموالاً خاصة للإمام الحسين عليه السلام ، وقد علِمتُ أن أحد سفراء الإمام الحسين عليه السلام هنا ، وأريد أن أوصِلها إليه ( فالكوفة مُختلَطة : فيها خوارج ، وأتباع لبني أمية ، وشيعة . والشيعة معروفون بكثرة الصلاة وقراءة القرآن )  ، وبالفعل ذهب مَعقِل إلى مسجد الكوفة وشاهد عند الأسطوان رجلاً كثير التعبُّد لله بالصلاة وقراءةِ القرآن فذهب إليه _ وكان هو مسلم بن عَوْسَجَة الأسدي من شهداءِ كربلاء _ فقال له كما طلب منه عُبيدُ الله بنُ زياد  ، فنفى مسلم رؤيته لمسلم ونفى معرفته بالإمام الحسين .. فقال مَعْقِل : انظُر ، لقد أتيتُك وأخبرتُكَ بما عندي ، فإذا لم تصِل الأموال إلى الحسين عليه السلام سأوقِفك يوم القيامةِ على الصراط  ، فأنت المسؤول .. فطلب منه أن ينتظِر قليلاً ، فلما فرغ المسجد بالكامِل أخذهُ معهُ وذهبا إلى مجلِس هاني بن عُرْوَة المُرادي لوجود مسلم هناك ، فبقي مَعقِل أكثر من يوم يأتي أول الناس ويخرج آخرهم  حتى عرف أكثر الحاضرين وأخبر عُبيدَ الله بنَ زياد بكل ما رآه ... معقِل لم يقبَض على هذا العمل سوى 5000 درهم ، هذا الفاجر لو طلب ال 5000 درهم من مسلم بن عوسجة لأعطاه إياها ن المبلغ صغير ، ولكنهُ ضيَّع رئيس قبيلة مَذْحَجْ ، حيث استدرجَه عبيدُ الله بنُ زياد إلى القصر وقتله  ، وأيضاً اضطُرَّ مسلم بن عقيل إلى أن يخرج  وقُتِل ، كل هذا لأجلِ 5000 درهم ..
** الكذاب ، يكذب عليك ، يقول لك إن هذا الطريق ممتاز فَسِرْ عليه ، وإذا  مشيت عليه ترى نفسكَ واقِعاً في بئرٍ عميقة ، كمن يلبس نظارة على غير قياسِه ، الكذاب هكذا ، وهكذا بالنسبة إلى باقي الصفات التي ذُكِرَت للفئات التي لا ينبغي مُصاحَبتُها ، ؛ لأن لديها صفات تنعكِسُ أضرارُها بشكلٍ مباشِرعلى الصاحب ..
قواعد الصُّحبَة :
لو رأينا شخصاً صالِحاً طيِّباً لا يكذِب ، ولا يخون ، وقد ينفعُنا في الدنيا والآخرة ، فحتى علاقتي به يجب أن تكون لها قواعِد أخلاقية ، منها :
1/ أحْبِبْ حبيبَكَ هوناً ما ، عسى أن يكون بَغِيضَكَ يوماً ما ، وأبغِضْ بَغِيضَكَ هوْناً ما ، عسى أن يكون حبيبَكَ يوماً ما  – في قولِ أمير المؤمنين عليه السلام _ 
لا أحد يضمن الظروف ، حتى الشخص نفسه قد يتغيَّر على صاحبِه ، فينْبغي أن يُصادِقَهُ ، لكن لا تَقُل : هذا ذهب نازل من السماء لم يأتي أحد في السايق ولا في اللاحق سيأتي شخصٌ مثل هذا الإنسان .. لااا هذه المقولة خاطئة ، إنه إنسان عادي ، عندهُ مثلاً 80% إيجابيات ، لكن لا تنسى عنده أيضاً 20 % سلبيات قد لا تراها الآن ، فأَحْبِبْه هوْناً ما ؛ لاحتمالِ أن تتغيَّر عليه ، أو يتغيَّر هو عليك ، لتكُن علاقتُكَ به معقولة ، لا تكن مثل بعض الشعراء الذي قد يمدح اليوم شخصاً ويرفعُهُ إلى السماء ، وغداً إذا اختلف معه يذُمَّه ، ويمسح بوجهه الأرض    *** قضية المتنبي مع كافور الإخشيدي ، الإخشِيدِيون أصلهم عبيد جاءوا على أساس يخدموا في البلاط ، وشيئاً فشيئاً سيطرُوا على مصر ، ثم على بلاد الشام ، في زمان كانت الدولة الحمدانية في حلب ، فالمتنبي كانت عنده علاقة مع الحمدانيين ، وكان يمدح سيف الدولة وأمراءها ، حصل بينه وبينهم خلاف فتركهم ... الإخشِيدِيون أعداء الحمدانيين فالمتنبي كان فرصةً لهم ، إذ اعتبروه جهازاً إعلامياً ضخماً ، فهو من أعظم شعراء اللغة العربية ، فأرسلوا إليه ورحَّبوا بهِ ، فبدأ يمدح كافور الذي هو  عبد أسود زنجي أفطس وو _ كما نُقِل – فمدحهُ مدحاً عجيباً ، يقول :
       فجاءت بهِ إنسانُ عينِ زمانِها    ***   وخلَّت بياضاً خلفهُ ومآقِيا    
      قواصِدُ كافورٍ توارِكُ غيرِهِ ومَن   ***   قصْد البحرِ استقلَّ السواقِيا
عين الإنسان فيها سواد وفيها بياض ، والإنسان يرى بالسواد أما الباقي _ البياض _ فهو مُجرَّد شَحَم ... فعين الزمان – عين الدنيا هو كافور نفسُه ، وأما باقي الناس كلهم _ شَحَم _ لا فائدة منهم ، البياض الذي لا ينفع ولا يؤثِّر ، فالذين يقصِدون كافور يتركون غيرَهُ ، لا يحتاجون لهم ، لأنهم قصدوا البحر ، فما حاجتهم للسواقي الصغيرة ؟!! ... وبعد مُدةٍ من الزمان اختلف معهم ، فقال :
      لا تشتري العبدَ إلا والعصا معهُ    ***   إن العبيدَ لأنجاسٌ مَناكِيفُ
     مَن علَّم الأسود المَخْصِيَّ مَكْرُمَةً  ***   أ قومُهُ البِيض أم آباؤهُ السودُ
       أم أذنُهُ في يدِ النَّخَّاس دامِيَةٌ    ***    أم قَدْرُهُ وهوبالفِلْسَيْنِ مردودُ ؟
إذا تشتري عبد لا بد وأن تشتري معه عصا ؛ لأنهم أنجاس وعندهم نَكَف ... هؤلاء ليسوا من أهل المكارِم والشرف ، إذا عرَضْت أحدَهم في السوق بفِلْسَيْن لم تجِد أحداً يشتريهِ ، فأين عين الزمان ؟ وأين ذاك المديح ؟
_ إذا أحبَبْت فلْيكُن حبُك بِتعقُّل ، وإذا أْبْغَضتَ فأبْغِض بِتعقُّل ؛ لأنك تجهل الظروف وتغيُّراتِها من الجهتَيْن ، فالإنسان المعقول لن يُواجهَ مُشكِلة ،  لكن من يُحِبُّ بلا حساب ، ويبغَض بلا حِساب فسيَرْتَطِم بالجِدار ..
  2 / أن لا تُكثِر من العتاب :  فالعتاب مَقبرة الصُّحبة والأصحاب ، نعم قِسمٌ من العِتاب الذي يُبدي فيهِ الإنسان محبَّتَهُ ، وعلى انفِراد تقول له : لِمَ هذه الغيبةُ الطويلة ؟ نحن نفتقِدُك ، لكن أكثر أنواع العِتاب يكون في العَلَن ، وهذا يُسْقِطمن شخصية الإنسان ، وبعض الناس يُعاتِبون لِيُسَجِّلوا نقاط 1 و 2 و3 وهذا يُعطي إحساس بالتفضُّل ، يُعقِّد الصداقة ويُفسِدُها ، قلِّل من العِتاب مهما أمكن ، وليكُنِ العِتابُ على انفِراد ، ولْيُعبِّر عن المحبة ..
           *وتوجد حدودٌ شرعية للعِتاب أيضاً :
     # تارةً تكون العَلاقة بين مُتَماثِلَيْن _ شاب مع شاب  أو شابَّة مع شابَّة _ وهذه لها مُحدِّدات شرعية ، من سن 13 فصاعِداً بالنسبة إلى الشباب ، وفي البنات من قبل هذه السن تنشأ علاقات قوية بينهم إلى حد :
واحد من الشباب ترك حضور الصلاة في المسجد ؛ لتأزُّم نفسيَّتِه بسبب مُصادقة صديقِه المُقَرَّب جداً عندَهُ لِصديقٍ آخر معهُ ، فصارت عندهُ مشكلة ، كيف يُصاحِب شخص غيري ؟!!   وهذا الأمر عند الفتيات أكثر وأشد ، إلى هنا لا مُشكِلةَ في الأمر ، لكن قد ينطوَّر الأمرُ أحياناً إلى ما فيهِ شائبَةٌ جِنسِية من جرَّاء الاحتِضان والقُبُلات الكثيرة غير الطبيعية ، فقد تكون فيها شائبة شَهَوِية ، هنا لا بُد من المبادرة حتى لا يتطوَّر الأمر إلى ما هو أسوأ  ...  وكذلك النوم في فِراشٍ واحد من المُمكِن أن يتطوَّر إلى شيءٍ من المُلامَسة اليدوِيَّة ، وفي الشرعِ يُحكَم بالتعزير إذا وُجِد شابَّان مُتَجَرَّدان في فِراشٍ واحد ، حتى لو لم يفعلوا الفعل الشنيع .. وكذلك الحال بالنسبة للمرأة والفتاة فيها تعزيرٌ شرعي ، ونهى النبيُّ – صلى الله عليه وآله وسلم – عن المُكَاعَمَة .. قيل : وما المُكاعَمة ؟ قال : الرجلُ يُقبِّل الرجلَ بِشهوَة ، والمرأة تُقبِّلُ المرأة بِشهوَة . هذا غيرُ جائز .. فضلاً عمَّا بعدها من الأمور ، فأمرُهُ واضِح  ..
تارة يكونا مُتماثِلَيْنِ جَنسِياً ،، وتارة غير مُتماثِلَيْن _ شاب مع شابة _ هنا تزداد القيود ، إلى أن تصِل إلى بعض المُقدِّمات التي يُخشَى منها الوُقوع في الحرام ، كالخلوة على سبيلِ المِثال ، وهو كون الشاب والشابة في مكانٍ يأمنانِ من دُخولِ أحد _ مُقفَل _ فيُخشَى من وقوعِ الحرام بينهما .. فهذه الخلوة غير جائزة .. بعض العلماء قالوا : إن أصل الخلوة غير جائزة ، لكن المشهور عندنا أن الخلوة التي يُخشى منها الوقوع في الحرام غير جائزة ، هذه الخلوة قد تكون لها مُقدِّمات كالنظرة الشهَوِية ، والمُلامَسة ، وما شابه ذلك .. كلها من المحرمات ..
 *كذلك بعض الأمور التي تؤدي إلى الأمور المحرمة كوسائل التواصل الاجتماعي مِحوَر المُخاطبة وأجواؤها ، ونوعية الحديث وغير ذلك من الأمور المُوقِعَة في الحرام كلها من المُحرَّمات ، فالإسلام بالتالي يريد أن لا يصل الإنسان إلى أن يَقَع في مُستنقَع الحرام ، فيقطع الطرق التي تُوصِل إلى ذلك  ، ونحن كذلك ينبغي أن نُلاحِظ ، لكن ليس بمعنى أن أقفِل الغرفة على ابني أو ابنتي ، فالتربية هي : الإحاطة والحنان والعاطِفة والحب هو البديل ، أما الضرب بمُجَرَّد رؤية مُراسلات للبنت مع أحد ، فهذا الضربُ ليس حلاً ، فهي إنما صنعت هذا الشيء لِفراغٍ عاطِفي ؛ لِعدم وجود حب وحنان داخل الأسرة ، فالأب بهذا الضرب يُبرِّر لآبنته بأن ما فعلته هو الصحيح ؛ لأن المنزلَ ليس فيه حنان وطريقها فيه حنان .. يوجَد طريقٌ آخر غير الضرب بدِّله بالمحبة والشفقة والعطف والتواصل والتعارُف والانفِتاح على البنت ؛ لآحتوائها ...  فإذن كما أن هذه الصحبة لها مُحدِّدات أخلاقية ، كذلك لها مُحدِّدات شرعية  للإنسان عندما يُصاحِب ...

مرات العرض: 5721
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 18029.71 KB
تشغيل:
بقول الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) : "إياك ومصاحبة الكذاب ، فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد، ويبعد عنك القريب، وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بايعك بأكلة أو أقل من ذلك ، وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصاحبة الأحمق ، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك ، وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه ، فإني وجدته ملعونا في كتاب الله". وبين سماحته أن الإنسان لايفي عمره بأن يصاحب كل الناس، لذا لا بد من الانتخاب لمن يكون مناسبا، واجتناب من يجب اجتنابه. وهذا الحديث مروي عن أمير المؤمنين والإمام الحسن (عليهما السلام) بعبارة مشابهة، مما يبين لنا قاعدة التوجيه بحسن اختيار الصاحب، حيث يشير الحديث إلى صفات خاصة لأناس يجب اجتنابهم. ووسع سماحته الحديث في الذين ينبغي اجتنابهم، ممن لا منفعة لهم في الدنيا، في إشارة للآية الكريمة: "نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" (الزخرف آية 32) ، حيث تحث على الانتفاع من الصحبة من الجهة الدنيوية بالحسنى وكذلك في الدين حيث التوجيه لما هو اقوم وافضل. وأشار كذلك إلى وجوب الابتعاد عن المضلين والفجار وهو من قال عنهم الإمام (عليه السلام) في الحديث المذكور: "فإنه يبيعك بأكلة أو أقل من ذلك" ضاربا المثل بمعقل مولى ابن زياد الذي كان سببا في وصول ابن زياد لهاني بن عروة ومسلم بن عقيل وقتلهما وكان المقابل ثلاثمائة درهم فقط. وأضاف سماحته إلى هؤلاء، ممن يجب اجتنابهم، النمام الذي يفسد بين الاصحاب. ثم تطرق سماحته إلى أسس وقواعد الصحبة، واشار فيها الى المحددات الأخلاقية ومن اهمها التوازن في المحبة بين الأصحاب وقد قال الإمام علي (عليهما السلام) في ذلك:" أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، واكره بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما" وهو معنى أن تكون بين الأصحاب مودة كاملة وليس ثقة كاملة.ومنها ايضا تقليل العتاب قدر المستطاع لما يفسد العتاب من العلاقات. وذكر المحددات الشرعية التي يؤكد الشرع فيها على مجموعة احكام في التعامل مع الأصحاب منها ماهو مندوب واخر مكروه والثالث محرم وفي هذا السياق شدد سماحته على الإبتعاد عن التعاملات المشبوهة بين الجنسين كالخلوة او بين الجنس الواحد كالإثارات الجنسية المختلفة فهي من الأمور التي تبعد عن روح الدين وتهبط بالأخلاق الى اسافل الدرجات، مركزا على الإنتباه للاجواء الشبابية في المدارس والمحافل المختلفة كي لا تنفلت الى مهاو منكرة. ان الصحبة هي التعامل بالحسنى و ان اختيار المتقين من بين الأصحاب هي واحدة من مقاصد الدين التي تؤمن للفرد طيبا في العيش في الدنيا و حسن العاقبة في الآخرة قال تعالى: " الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ" (الزخرف آية 67) و مشيرا الى قول الحسين (عليه السلام) في اصحابه يوم عاشوراء : "فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي" فالينظر الموالون كيف انتهت بهم هذه الصحبة الى نعيم مقيم وذكر جميل يتمنى الأولون والآخرون ان يكونوا مثلهم ليفوزوا به وذلك الفوز العظيم. الجدير ذكره ان حضور مجالس العزاء بدأت تزدحم بالمؤمنين رجالا ونساءا مع اقتراب المصيبة ويتسابق القائمون على المجالس كل حسب وسعه لتأمين جوا مناسبا وخدمة مميزة لمستمعي مصيبة اهل بيت النبوة (عليهم السلام) في هذه الأيام راجين القبول من الله تعالى.

سبل معرفة الإمام المعصوم
كفاءات المجتمع بين التقدير و التحقير( الجزء الاول)