الشيخ المفيد ومذهب الإمامية
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 5/9/1446 هـ
تعريف:

الشيخ المفيد ومذهب الإمامية

كتابة الفاضل علي السعيد

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله، السلام عليك وعلى ابن عمك أمير المؤمنين، وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين، صلى الله عليك يا سيدي ويا مولاي يا أبا عبدالله الحسين، ما خاب من تمسك بكم، وأمن من لجأ إليكم، يا ليتنا كنا معكم، فنفوز فوزا عظيما، لكنما الأمر لله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} سورة الشعراء (227)، والعاقبة للمتقين، عطروا مجالسكم بذكر محمد وآل محمد، اللهم صل على محمد وآل محمد. قال الله العظيم في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 9]، آمنا بالله صدق الله العلي العظيم، عطروا مجالسكم بذكر محمد وآل محمد. حديثنا هذه الليلة هو استكمال للحديث عن دور :(الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي)، المتوفى سنة (413) هجرية، وذلك في اليوم الـ(3) من شهر رمضان، يعني في مثل يوم أمس تصادف ذكرى وفاة هذا الشيخ الجليل. وقد ذكرنا في ليلة مضت شيئا من سيرته وحياته، وفي هذه الليلة نستكمل الحديث حول دوره بالنسبة إلى مذهب أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فإن الشيخ المفيد في تأثيره في هذا المذهب، وصيانة حدوده من الاختراق، وبناء أبعاده، كان له الدور الأكبر بما سيتبين بعد قليل إن شاء الله. الشيخ المفيد رحمه الله كانت ولادته كما سبق وأن ذكرنا في سنة (336) هجرية، أي بعد حوالي (6) سنوات من بدء الغيبة الكبرى للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ووصل إلى المرجعية العامة للشيعة والمرجعية العليا في سن الـ(40)، ومن القلائل الذين يحصل لهم مثل هذا الأمر، حيث إن العادة أن المرجع الأعلى يصبح مرجعا كذلك، ومرجعيته عامة بعد مرور فترة طويلة من الزمان، لكنهم يذكرون أن مرجعية الشيخ المفيد العامة، كانت وعمره (40) سنة. هذه المرجعية ترافقت مع دور مهم جدا بالنسبة إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام، لا تزال آثار ذلك الدور شاهدة عليه بما خلف لنا هذا الشيخ من الكتب والمعارف والعلوم، ذكرنا فيما مضى أن المذكور أنه ألَّف رحمة الله عليه نحو (200) كتاب في مختلف الفنون الإسلامية من فقه، وأصول الفقه، والفقه المقارن، والفقه الاستدلالي، والتفسير، والسيرة والتاريخ، ومن المناقشات والمناظرات في التوحيد، والإمامة، والعدل، والمعاد، والشفاعة، وفي قضية العاصي هل يكون كافرا أو مؤمنا أو بين الاثنين، وهي من المسائل التي كانت في ذلك الوقت مطروحة للنقاش بشكل واسع. من جملة ما يتفرد به هذا الشيخ، ما ذُكِر عنه في أنه كان يذهب إلى الكتاتيب، أو يُرسل إليهم فينظر أي ولد كانت له حافظة قوية، وذهن مستعد، يصطفيه وينتخبه من بين هؤلاء، ويعطي والده المال، ويقول له بدل أن تعطي الأموال إلى الكتاب ابعث ابنك عندنا، نعلمه القرآن الكريم، مباحث الدين، نربيه كعالم من العلماء الكبار، ونحن نقدم لك الأموال، وإذا كنت ترجو منهم مثلا في المستقبل أن يعيلك، نحن من الآن نعجل هذا الأمر، وهذه فكرة في غاية الروعة، أنه كان لا يترك أمر طلب العلم لمن أحب وأراد، سواء كان مهيأ أو غير مهيأ، هو ينتخب، في ذلك الزمان كانت الكتاتيب هي التي تعلم. الآن لو فرضنا أن شخصا يصنع هكذا، لنفترض يُرسِل مبعوثين على المدارس الابتدائية، ويقول للأساتذة من رأيتموه مثلا ذكيا، حافظا، له استعداد ذهني، فأخبرونا عنه ننتخبه للحوزة العلمية، ونرسله على حسابنا، ويبدأ في هذا المشوار، لو أن شخصا فعل هذا الفعل في هذا الزمان لا ريب أن الحوزة العلمية تُطَعَّم بالنماذج القادرة والمستعدة والقوية في ذهنها، لا يعني ذلك أنه يمنع على غير هؤلاء الذهاب، وإنما بمثل هذا يمكن لك أن تبني في فترة قصيرة على كفاءات متطورة، هذا مما ينقل عن الشيء المفيد رحمه الله في انتخابه لطلاب العلم والمعرفة الدينية. أما عن أحواله الشخصية فيُذْكَر الكثير، لكن نشير إشارة عابرة لعلها تكون محل اقتداء منا، صهره (الشريف أبو يعلى الجعفري)، زوج ابنة الشيخ المفيد، يذكر عن حياته، يقول ما كان (أبو عبد الله)، وهذه كنية الشيخ المفيد، ويكنى أيضا بـ(ابن المعلم)، ويلقب بـ(المفيد) كما مر علينا، يقول ما كان (أبو عبد الله) ينام من الليل إلا (هجعة قصيرة)، ثم يقوم فيصلي، ويطالع، ويكتب، ويتلو القرآن حتى يطلع الفجر، (هجعة قصيرة) من الليل، وبهذا استطاع أن يكتب كل هذه الكتب، (200) كتاب كتبها، وكل كتاب فيه مجلدات، وفي مباحث علمية دقيقة وفي مواضيع مختلفة، ما تتناسب مع شخص لا يكون جادا. بعضنا نحن مثلي وأمثالي ينام (10) ساعات، هذه كيف تكون (هجعة من الليل)؟، هذه نومة أهل الكهف، أو أن بعضهم بعدما ينام طول النهار، كما نُقل عن بعضهم، ينام من الفجر إلى قبل المغرب بقليل، يقوم بسرعة يصلي صلاة الظهر والعصر، بعد ذلك يقول الصوم يُعَطِّش كثيرا، أنت متى كنت مستيقظا حتى تشعر بالجوع والعطش؟ طيلة الوقت كنت نائما، هذه نومة أهل الكهف وليست (هجعة من الليل). هذا الشيخ الجليل يصفه العارف به، وهو صهره، يقول ما كان ينام من الليل إلا (هجعة قصيرة)، وليست نومة، ولا نومة طويلة، وإنما (هجعة قصيرة) ثم يقوم فيصلي، ويطالع، ويكتب، ويتلو القرآن. بهذه الطريقة علماؤنا حفظوا هذا المذهب، حقيقة شكر الله مسعاهم، حقيقة جزاهم الله خير الجزاء، ولو كانوا يفعلون كما نفعل، وأقصد نفسي لما قامت لهذا الدين قائمة، ولا انتشر فيه العلم، ولا عرفه الناس، لكن الله قَيَّظ بفضله لهذا الدين، ولهذا المذهب مثل هذا الرجل، وأمثاله، فقام الدين على سوقه، وانتشر علما، ووعيا، ومعرفة. كان في فترة كما ذكرنا هي فترة سيطرة (الدولة البويهية) أو (الأسرة البويهية) على بغداد، أحب أن أَبْسط الكلام شيئا ما حول هذا الموضوع، لأن هناك بعض الإثارات ترتبط بهذا الموضوع، الدولة العباسية مرت بأدوار مختلفة من القوة والضعف، لكن من بداية سنوات (300) فصاعدا أخذ الضعف ينخر في بدنها وهيكلها، خلفاء يأتون من غير مؤهلات، ثم يقضون أوقاتهم عادة في الشهوات، شيء حصل عليه لأن أباه خليفة هو أيضا جاء خليفة، لا تعبان فيها، لا ضرب فيها بسيف، ولا طعن فيها برمح، ولا جاء أيضا على أساس اختيار إلهي، ولا حتى اختيار شعبي. فكان الضعف هو الصفة الغالبة عليها، لكن كان رمز الدولة العباسية اسم وكل ما ذهب خليفة قام ابنه أو أخوه مكانه، هذا يسمي نفسه (القادر بالله)، ذاك يسمي نفسه (الطائع)، إلى آخره من الأسماء، فبقي أن يلقبوا بـ(أعوذ بالله)، فهذه الدولة لم تكن مؤهلة للصمود بهذه المقاييس. هناك (أسرة بني بويه) باللغة العربية، وبالفارسية يقولون باللفظ (بویی)، هذه الأسرة كانت مكونة من (3) إخوة، (أحمد) و(الحسن) و(علي)، وهؤلاء تعاضدوا فيما بينهم، وهم من (الديلم)، (الديلم) وراء خراسان، بما يشمل الآن الجمهوريات السوفييتية التي استقلت، هناك بدؤوا حركتهم، واستطاعوا أن يسيطروا على البلد، أخذوا حكم (الديلم)، بعد ذلك جاؤوا إلى خراسان، فأخذوا خراسان، بعد ذلك جاؤوا إلى بغداد، أخذوا بغداد بأسهل ما يكون لما ذكرنا، ولكن أبقوا الخليفة العباسي في مكانه، لم يمسوه بسوء، قالوا له نحن ندير البلد، وأنت على مكانك، وشهواتك، وأموالك، ولعبك، وعبثك، ابق عليه، لكن إدارة البلد نحن نديرها، وكان ذلك في سنة (334) هجرية، واستمرت سيطرتهم على بغداد بهذا النحو (120) سنة، يعني قريبا من (450) تقريبا كانوا مسيطرين على بغداد، والخلفاء العباسيون يتبدلون، وهؤلاء (بني بويه) أيضا يتبدلون. الزمان الذي صادف فيه الشيخ المفيد رحمه الله، كما ذكرنا كان زمانا جيدا من حيث الانفتاح العلمي والفكري والديني، لما جاء (بنو بويه)، فتحوا الأبواب أمام الجميع، للأحناف كمذاهب فقهية، الشافعية، المالكية، الحنابلة، الزيدية، والإمامية الاثني عشرية، هؤلاء كانوا كمذاهب فقهية، وفتحوا الباب أيضا في النقاش للمدارس الكلامية والعقائدية، أشاعرة، معتزلة، خوارج، مرجئة، شيعة، هؤلاء بحوثهم في العقائد الأساسية، وأولئك في المذاهب الفقهية، وكان الوضع هكذا، وذكرنا أن الشيعة لا يحتاجون إلى وضع أحسن من هذا الوضع، أن يكون الباب مفتوحا للجميع، والشيعة أحد هؤلاء الجميع، يبينون مبادئهم، وأفكارهم، وفقههم، فبدأ كل فريق يبدي آراءه ونظرياته. الشيخ المفيد رحمه الله تعالى كان هذا في أوج نشاطه وشبابه، بعد (334) هجرية، وبقي الشيخ المفيد إلى (413)، حيث كانت وفاته، هذه الفترة كانت ذهبية بالنسبة إليه، فبدأ بالتصنيف، والتأليف، والمناظرة، والمناقشة، وقد أُوْتي قوة عقلية متميزة، تَغَلَّب بها على المعتزلة الذين تخصصهم في هذا، المعتزلة درسوا مثلا (المنطق الأرسطي)، (المنطق الأرسطي) في فنون الجدل، المناظرة، الاستدلال، وغير ذلك، يعلمك كيف تستدل، كيف تناقش، كيف تنقض على الخصم، كيف تتغلب عليه، هذا كان فن المعتزلة، الشيخ المفيد كان له في هذا الباب الذراع والباع الأطول. فواجه هؤلاء كما واجه غيرهم، من جهة بقدرة متميزة في الاستدلال والبرهنة والمناقشات، ولديه مخزون علمي هائل هو تراث آل بيت محمد عليهم السلام، من أيام رسول الله، وأمير المؤمنين والحسنين والصادقين وبقية الأئمة، هذه الذي تكلمنا عنها الأصول الـ(400)، وبعد ذلك جاء الذين كتبوا الكتب مثل (الكافي) للكليني رحمه الله، ومثل (من لا يحضره الفقيه) للشيخ الصدوق، وهكذا، هذا مخزون كبير جدا وكان بين يدي الشيخ المفيد، طبعا لم يلحق على (الشيخ الطوسي) لأن (الشيخ الطوسي) تلميذ من تلامذته. أخذه ومزجه بقدرته العقلية، وقدرته في المناقشة، والمجادلة، والبرهان، فناقش وجادل كل الفرق، فترى مثلا في الفقه عنده مناظرات ومناقشات فقهية مقارنة، كتاب (المسائل الصاغانية)، (صاغان) بلدة في (خوارزم)، أيضا في تلك المنطقة من خراسان، وما بعدها، كان هناك فقيه حنفي، وكان فيها بعض الشيعة، فقال لهم هذا الفقيه الحنفي، أنه جمع (10) مسائل من الآراء الفقهية الشيعة، هذه المسائل حكمها غريب، ولا يوجد دليل عليه، لا في سنة رسول الله، ولا من أقوال أهل المذاهب، من أين جئتم بها بالله عليكم؟ فسمع هذا الكلام رجل، فقال لا عليك، أنت اكتب المسائل وقدمها، وأنا أرسلها لمن يجيبك عليها، وهذه هي الحكمة، أنا لست متخصصا في الفقه، أذهب وأرسلها إلى الفقيه، أنا لست متخصصا في علم العقائد، لا أرسلها للفقيه، بل أرسلها لمتخصص العقائد، أنا لست متخصصا في التاريخ، لا أرسلها إلى الفقيه إذا لم يكن متخصصا في التاريخ، وإنما أرسلها إلى العالم بالتاريخ، وهكذا. فأخذ المسائل الـ(10) وأعطاها إلى الشيخ المفيد، الشيخ المفيد كتب عليها ردا مفصلا استدلاليا مقارنا، يعني استشهد بآراء المذاهب الأخرى، استشهد بأحاديث هم يقبلونها، بالإضافة إلى أحاديث أهل البيت عليهم السلام، وسلمها إلى هذا الرجل، وأرسلها له، وقال له هذه هي البضاعة التي تقول عنها مستغربة، هذه موجودة في فقه بقية المذاهب، موجودة في أحاديث رسول الله، موجودة في أحاديث العترة النبوية. فهو من جهة في الفقه طبعا الإحاطة بالفقه الاستدلالي المقارن، هذا يحتاج إلى مرحلة متقدمة، طالب العلم ممكن أن يكون لديه معرفة بأحكام أهل البيت عليهم السلام، لكن ليست لديه معرفة بأحكام الشافعي، وليست لديه خبرة بآراء مالك بن أنس، ليست لديه قدرة على معرفة آراء أبي حنيفة، لا يحفظها، يقول لك أنا ماذا أفعل بهذه؟ يا الله يا الله أنا أحفظ أحاديث أهل البيت عليهم السلام، وأحفظ مسائلنا الشرعية، فإذا كان الشخص قادرا على أن يناظر الخصوم بفقههم، ويستدل عليهم بما لديهم، هذا يتبين ما لديه من علم وما كانت لديه من قدرة. في المناظرات الأخرى، في مع (الأشاعرة)، (الأشاعرة) هم تقريبا أغلبية العالم الإسلامي غير الشيعي وغير السلفي، يعني نقسمها (3) أقسام: السلفية من مدرسة الخلفاء، الشيعة من مدرسة أهل البيت، القسم الباقي بين هذين في المعتقدات هم (أشاعرة)، (الأشاعرة) نُسِبوا إلى (أبي الحسن الأشعري) أحد كبار علمائهم والذي نَظَّر إلى هذه الفكرة، وهذا المعتقد، وكتب فيه، وناظر، أكثر العالم الإسلامي غير الشيعي من مدرسة الخلفاء هم (أشاعرة)، استثنِ منهم السلفيين وأهل الحديث الباقي هكذا. فهؤلاء يختلفون اختلافات كثيرة مع الإمامية، في العقائد يختلفون، في الفقه يختلفون، لأن في فقههم ينقسمون إلى (4) مذاهب، وهي المعروفة الآن، وإن كانت المذاهب في مدرسة الخلفاء أكثر من هذا، لكن التي صارت قانونية ورسمية، ومُنع غيرها هي هذه الأربعة: (الحنبلي)، و(المالكي)، و(الشافعي)، و(الحنفي). الشيخ المفيد رحمه الله كان يناظر (الأشاعرة) في معتقداتهم، وعنده كتب كثيرة في هذا الباب، ونقوض عليهم، وبرهنة واستدلال، كان يناظر (المرجئة)، (المرجئة) هؤلاء وهو في الأصل كما يقولون (الإرجاء) مذهب أموي، لماذا؟ لأنه يقول لك أنت لا عليك من الناس، (هذا زين)، و(ذاك مو زين)، و(هذا أساء)، و(هذا أحسن)، ما عندك مع يزيد؟ كيف تحكم أنه (مو زين)؟ (أرجئه) إلى يوم القيامة، لا تحكم عليه أنه أحسن أو أساء هنا في هذه الدنيا، طبعا هذا المذهب يخدم بني أمية خدمة كبيرة، الخليفة الفلاني الوليد بن يزيد أو الوليد بن عبد الملك، أنت ليست لك علاقة به، (أرجئه) إلى يوم القيامة، الله يتجاوز معه، فناظرهم، وتفوق عليهم، وأظهر عجز أدلتهم عن النهوض. ناظر (الخوارج)، (الخوارج) كانوا مذهبا كلاميا، وربما فقهيا أيضا، لكن أساسهم كان في بعض المعتقدات، ومنها مثلا تخطئة أمير المؤمنين عليه السلام مما بعد التحكيم إلى قتاله للخوارج، إلى قبل هذه المرحلة كانوا يقولون أن علي بن أبي طالب إمام حق، من بعد هذا، ليس كذلك، وهنا يختلفون بين (التخطئة) ويصل بعضهم إلى (التكفير)، الآن الموجود منهم لا يقولون بالتكفير، وهذا له بحث ذكرناه قبل عدة سنوات في الحديث عن الإباضية، فالمهم أن الشيخ المفيد ناظر الخوارج أيضا في قضية أمير المؤمنين عليه السلام، وتغلب عليهم، وألف وكتب. الفئة الحرجة كانت أمام الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه، كانت هي (المعتزلة)، (المعتزلة) الآن كما قلنا لا يوجد معتزلة في مدرسة الخلفاء إلا أعداد قليلة، وعلى مستوى النخب، أما كشعوب وجماعات فلا توجد، قضوا عليهم، من بداية أيام المتوكل العباسي (اشتغل عليهم من فوق ومن تحت)، ولم يبقِ لهم قائمة، والذين جاؤوا من بعده أيضا ساروا على نفس المنهاج، فاضمحلت (المعتزلة) من الحاضرة الإسلامية. (المعتزلة) لديهم مع الشيعة نقاط اشتراك، أرجو أن تلتفتوا إلى هذا المعنى حتى يتبين العمل الهندسي العجيب الذي قام به الشيخ المفيد رحمه الله، إلى درجة أن بعض غير الفاهمين قال أساسا المفيد هو اللي أسس التشيع، هو اللي خلق الشيعة الاثني عشرية، هناك جماعة تقول ذلك، الشيخ المفيد في رأيهم هو الذي خلق المذهب الإمامي الاثني عشري بمساعدة البويهيين، الإنسان إذا ما عنده تتبع، وما عنده بحث، وما عنده مراجعة، يأتي مما هب ودب. وبالنسبة إلى التشيع سبحان الله تحيرنا مع هؤلاء الناس، تأتي وتسأل شخصا عن التشيع يقول لك نعم هذا أسسه عبد الله بن سبأ في زمان علي بن أبي طالب، هذا قسم من المسلمين يقنعون أتباعهم هكذا، بأن الذي أسس التشيع هو عبد الله بن سبأ، تأتي تسأل شخصا آخر من الذي أسس التشيع؟ يقول لك الذي أسس التشيع هم الفرس، لماذا؟ لأن علي بن الحسين ابن ابنتهم، (شهربانو) امرأة فارسية، فالفرس مجاملة إلى ابن ابنتهم أسسوا التشيع، هنا صار الفرس وليس عبد الله بن سبأ، تأتي وتسأل من الذي أسس التشيع؟ يقول لك المعتزلة، المعتزلة لأنه كان بينهم وبين الشيعة نقاط اشتراك، فالشيعة أخذوا مذهب المعتزلة، وصنعوا لهم مذهبا، تأتي وتسأل شخصا رابعا، من الذي أسس التشيع؟ يقول لك الشيخ المفيد في زمان البويهيين، تأتي وتسأل خامسا وسادسا من الذي أسس التشيع؟ يقول لك الطوسي، شيخ الطائفة الطوسي هو الذي أسسه، حسب التعبير (تحيرنا وياكم)، ارسوا على بر حتى الواحد يستطيع أن يناقش، أما مثل حبة (النگاسة)، يوم هنا ويوم هناك، لا يجوز ذلك. نقول لهؤلاء إذا المقصود من التأسيس معناه وجود دور كبير ومهم؟ فهذا حقيقة في الشيخ المفيد، الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه وأعلى الله مقامه قام بدور عظيم جدا في أمر مذهب أهل البيت عليهم السلام، سأبين لكم بعد قليل لماذا، وأما أنه أسسه؟ أسسه ما هو معناه؟ يعني جاء وخلقه؟ مذهب أهل البيت إما أن يكون عقائدا أو أن يكون أحكاما شرعية، بالإضافة إلى الأخلاق، والأخلاق أمرها سهل، العقائد، عقائد المذهب القسم الكبير منها كان قد تحدث عنه أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، صفات الله، توحيد الله عز وجل، عدل الله عز وجل، أسماؤه الحسنى، عدله الإلهي، هذه كلها في زمان الإمام أمير المؤمنين تحدث عنها، وعنه أي أمير المؤمنين أخذ غيره، كيف المفيد جاء وأسسه؟ استشهد الإمام علي سنة (40) هجرية، وتوفي الشيخ المفيد (413) هجرية، بين الإمام علي عليه السلام والشيخ المفيد رضوان الله عليه (400) سنة تقريبا، هل هناك عاقل يتكلم بهذا الكلام؟! ثم بعد أمير المؤمنين استلم هذه العقائد أبناؤه الأئمة عليهم السلام، نحن نلاحظ أن ما جاء من الروايات عن الإمامين الباقرين، الباقر والصادق، بل عن زين العابدين في أدعيته، فضلا عما جاء بعد ذلك من الإمام الرضا والكاظم عليهم السلام جميعا، كانت العقائد موجودة، حول صفات الله عز وجل، حول الإمامة والأئمة، عدد الأئمة، ضرورة الإمامة، وعدد الأئمة، وعصمة الأئمة، وخاتم الأئمة قائم آل محمد، هذا هو الأساس الذي يقوم عليه التشيع، ولذلك يسمون بالإمامية، ويسمون بالإثني عشرية، ولدور الإمام الصادق في نشر هذه الأمور، يقال لهم الجعفرية. رأيت فيديو إلى واحد من المتعصبين يمكن أن تعرفه فما يحتاج تأتي باسمه، من المتعصبين ضد المذهب يأتي ويتحدث ويقول هؤلاء أي الشيعة لهم أقسام كثيرة، فمنهم قسم يسمى بـ(الإمامية)، وقسم يسمى بـ(الاثني عشرية)، وقسم يسمى بـ(الجعفرية)، يا رجل (الإمامية) هم (الاثنا عشرية)، (الإمامية) هم (الجعفرية)، هم واحد، أنت قسمتهم إلى (3) باعتبارك باحث، ومتخصص في الفرق والمذاهب؟ (عفيه على هذا التخصص)، فـ(الإمامية) هم (الاثنا عشرية) و(الجعفرية) أساس مذهبهم قضية الإمامة، التوحيد، تنزيه الله عز وجل، وهذه العقائد كلها موجودة من قبل الشيخ المفيد، والشيخ المفيد جاء وأخذها، وصاغها، ورتبها، واستدل بها. لا تذهب بعيدا الشيخ (الكليني) رحمه الله، وهو بمثابة أستاذ المفيد، بينه وبين المفيد حوالي (100) سنة، الشيخ المفيد توفي (413) هجرية، والشيخ الكليني توفي (329) هجرية، (100) سنة بينهما تقريبا، هذا الشيخ (الكليني) عبَّأ كتابه (الكافي) مباحث التوحيد، ومباحث الحجة، والنبوة، والمعاد بمئات من الروايات، فكيف يأتي شخص ويقول بأن الشيخ المفيد هو الذي جاء وأسس المذهب، وخلق المذهب؟ نعم كان له دور عظيم، الآن سأقول لك ما هو ذلك الدور. ذلك الدور مثل دور المهندس الذي يفصل بين الأراضي، الآن هناك أراض متعددة، في السابق ماذا كانوا يفعلون؟ لعل الآباء لحقوا على ذلك، بين بستان فلان وبستان فلان يقولون الفاصل (مشرب)، فاصل (مسگى) يخلون جريان الماء فيه، هذه الجهة مزرعة فلان، وتلك الجهة مزرعة فلان، في هذه الأزمنة اختلف الوضع، يقول لك هذه خطوط هندسية يرسمها المهندس، يقول من ذاك الطرف أرض فلان، ومن هذا الطرف أرض فلان، وبعد ذلك أذا أُريد البناء يقيم البناء على هذا الأساس، لا هذا يتعدى هذه الجهة، ولا ذاك يتعدى على تلك الجهة. الذي صنع السياج والفاصل الهندسي بين الإمامية وبين سائر المذاهب الأخرى، وأعطى للمذهب بالتالي شخصيته الخاصة من دون اختلاط بتلك المذاهب هو الشيخ المفيد، لماذا فعل هذا؟ لأن التشيع مع كل مذهب من المذاهب لديه نقطة اشتراك أو أكثر، وهذا نحن نعتقد فيه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله كما ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: (أنال في الناس وأنال وأنال، وإنا أهل البيت معاقل العلم وأبواب الحكم وضياء الأمر)، أعطى لكل واحد مقدار، لكن الإمام الصادق يقول عندنا أصول العلم، نحن لدينا أصول العلم والبرنامج التام، لكن لا يمنع أن المذهب الفلاني لديه فكرة صحيحة، ولديه فقه صحيح في المسألة الفلانية، لا نقول كله خطأ، لكن الأصول العلمية التامة والكاملة، إنما أفيضت على الأئمة من رسول الله محمد صلى الله عليه وآله. من الأمور مثلا، باعتبار أن المعتزلة كان لديهم منهج عقلي، فكانوا يشتركون مع الإمامية في قسم من الأفكار، مثلا هم يقولون كما الإمامية باستحالة رؤية الله عز وجل في الدنيا والآخرة من أي واحد من البشر، لا في اليقظة، ولا في المنام، ولا في الدنيا، ولا في الآخرة، هذه نقطة اشتراك بيننا وبين المعتزلة. نقطة اشتراك أخرى، العدل الإلهي، أن الله عز وجل لا يجبر الناس على فعل السوء والخطيئة، وإنما لديهم مقدار من الاختيار، ولذلك يحاسبهم عليه، من ذلك أيضا أن الله لا يشبهه شيء، ولا يشبه شيئا، ليست لديه يد كما يقول بعض أهل الحديث، وليست لديه رِجْل كالرِجْل المعهودة للمخلوقات، وليست لديه عين، لا يُشَبَّه بأحد من خلقه، ولا يمكن أن يُجَسَّم، أي حديث أيضا ينتهي إلى التجسيم يُرفض، هذه نقاط اشتراك بين الإمامية وبين المعتزلة، ولذلك يسمونهم بـ(العدلية)، (العدلية) نسبة إلى (العدل). لكن هناك نقاط افتراق، أهم نقاط الافتراق بين الإمامية وبين المعتزلة الذي أكد عليها الشيخ المفيد، هي قضية الإمامة، المعتزلة لا يؤمنون بالإمامة التي يؤمن بها شيعة أهل البيت، يقولون بأن الإمامة أساسا ليست أمرا إلهيا، وإنما هي انتخاب الناس، كيف تنتخبون في الجمعية؟ جماعة يترشحون، والناس ينتخبون شخصا من هؤلاء، أصابوا أو أخطؤوا، اختاروا (الزين)، اختاروا الـ(مو الزين)، هذا انتخاب الناس، فالإمامة، وقيادة الأمة، والهيمنة على القرآن، وتوجيه المجتمعات باختيار الناس. الشيخ المفيد مع أحدهم قال هذا فعله الناس، الآن نحن في وضعنا المسلم الآن في ذاك الزمان، بل في غيره، هل هذا الوضع الذي يريده الله من الإسلام ومن المسلمين؟ لو صارت بينهم حروب، وصارت بينهم مشاكل، وصارت انحرافات، وكل واحد يذهب برأي وفقه متعدد، وعقائد متعددة، وآراء مختلفة، وأهواء متشتتة، وتفرق وتشرذم، هذا الذي اختاره الناس، لا تكفيكم هذه التجربة؟ إنما انتخب الله سبحانه وتعالى أئمة كما انتخب نبيه محمدا صلى الله عليه وآله، وهؤلاء الأئمة أخبر عنهم رسول الله، وما ورد من الروايات الكثيرة من الفريقين، وأنهم اثنا عشر كما ورد من الفريقين، وأنهم معروفون بأسمائهم بمفاد حديث اللوح الذي يروى عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قد دخل على فاطمة الزهراء عليها السلام فطلب منها ما أخبر عنه رسول الله من أسماء الأئمة، فقدمت له لوحا فيه أسماء الأئمة من أولهم إلى آخرهم، وهكذا، هذه نقطة اختلاف. عدد الأئمة نقطة اختلاف، لأنه بالشورى من الممكن إلى يوم القيامة يصير إلى (700) أو (800) إمام، بينما حددت الأحاديث أن الأئمة (12)، هؤلاء أيضا معصومون لأنهم لو لم يكونوا معصومين لساقوا الناس إلى الخطأ، ولقد أخطأت الأمة شرع ربها، فلابد أن يكونوا معصومين. استدل الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه على هذا بأدلة كثيرة، فصنع فاصلا بين المعتزلة وبين الإمامية، كان في السابق مثل (المشرب) بينهما، مثل الخط، الآن صار جدار، يتبين لك كيف أنه اشتبه الأمر على قسم من الناس أنه حتى بعض كبار المؤرخين من مدرسة الخلفاء لما يأتي ويتحدث عن الشريف المرتضى، الشريف المرتضى تلميذ الشيخ المفيد، وهو من أعلام الطائفة، ونتحدث عنه يوما من الأيام، يقول كان معتزليا، غلطان يا رجل، توجد هناك بعض نقاط الاشتراك بين المعتزلة وبين الإمامية، والإمامية هم فرق أيضا، وليس كلهم يستخدمون العقل، الله لا يُرى لا في الدنيا، ولا في الآخرة، ولا في اليقظة، ولا في المنام. المعتزلة يقولون لماذا؟ بدليل عقلي أن الشيء المرئي لابد أن تكون له أبعاد، هذه الإسطوانة لها طول ولها عرض ولها عمق، فلذلك تُرى، لو كان شيئا ليست له أبعاد، هواء مثلا لا يُرى، ويلزم منه التجسيم والمكان، أن يكون حتى ترى الله لابد أن تنظر إليه في جهة معينة حتى يكون فيها، ويلزم منه أن يكون محويا من مكان، ويلزم منه، وغير ذلك، الإمامية لما يأتون إلى هذه المسألة أيضا يأتون بالأدلة العقلية، وأيضا يقولون وقال الكريم: ﴿لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [سورة الأنعام: 103]، وقال أيضا: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: 143]، وقال: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾،[سورة طه: 110]، والرؤية نوع من أنواع الإحاطة العلمية، هذا في القرآن الكريم. وأما من السنة النبوية فهناك الكثير، ومنها ما ورد عن فاطمة الزهراء عليها السلام: (الممتنع من الأبصار رؤيتُه، ومِن الألسن صفتُه، ومن الأوهام كيفيَّته)، الله لا يمكن أن يُرى، الكلام عن الإمام الرضا عليه السلام، والإمام الباقر، والإمام الصادق، كثير في هذا، ليس فقط تستدل الإمامية بالعقل، (العقل زائد القرآن) (زائد روايات أهل البيت)، وحتى في المسائل التي نتفق فيها مع المعتزلة، يقول الشيخ المفيد حتى في المسائل المتفقين فيها، نحن نختلف في طريق الوصول إليها، هم لديهم طريق واحد، نحن لدينا (3) طرق، هم لا يقدمون الروايات، نحن نأتي بالروايات لاعتقادنا بها، نأتي بالقرآن لاعتقادنا أن القرآن ناظر إلى هذه المسألة. فالشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه جاء ووضع الفواصل بوضوح (بين التشيع وبين الأشاعرة)، (بين التشيع وبين الخوارج)، (بين التشيع وبين المعتزلة)، هذا على صعيد المذاهب الكلامية والعقائدية، وعلى صعيد مسائل الفقه أيضا بما ورد من أحاديث الأئمة عليهم السلام، فقد كتب كتاب (المقنعة)، واستدل عليه بروايات مختصرة، جاء الشيخ الطوسي رضوان الله تعالى عليه وحشَّى عليه، وعلق عليه بسائر الروايات والذي أصبح كتاب (تهذيب الأحكام)، وهو الآن من أهم الكتب التي يستند إليها الفقهاء. فدور الشيخ المفيد إذن دور محوري، مهم، كبير، واسع، وغاية هذا الأمر أنه صنع الفواصل الواضحة، تستطيع الآن تقول هذه المسألة بهذا التقريب تنتمي إلى تيار المعتزلة، وبهذا التقريب تنتهي إلى أهل البيت، لا تختلط المبادئ، لا تتداخل القضايا، لا يأتي شخص من الخارج يقول أن الشريف المرتضى معتزلي، وفلان من الشيعة معتزلي، لا، يتفق المعتزلة مع الشيعة في بعض القضايا، ويختلفون في أهم القضايا، وهي قضية الإمامة بتفرعاتها المختلفة. كل ذلك فعله الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه دفاعا عن دين رسول الله صلى الله عليه وآله الذي يعتقد أنه هو الصحيح والأصيل المتمثل في مذهب أهل البيت عليهم السلام، واشتغل عليه في كل الأبعاد، وبذل جُل عمره في هذا الاتجاه، وهذه مسؤولية كل واحد منا، أنا كما أنا مسؤول عن الدفاع عن أسرتي، أنا مسؤول عن نصر ديني، مثلما هو مطلوب مني أن أطعم عيالي، مطلوب مني بما أستطيع، وبحسب قدراتي، وبما تقتضيه الظروف أن أنصر دين رسول الله، ومذهب أهل بيته صلوات الله عليهم، لا يستطيع أن يقول الإنسان لا يخصني ذلك، هذا العمل من جهة العلماء والمراجع والمفكرين، لا، أنت أيضا مسؤول بما تستطيع، وبقدر ما تتيحه لك الظروف، والأمر بينك وبين الله عز وجل. هذا يجب أن يكون شعارنا: (والله إن قطعتم يميني إني أحامي أبدا عن ديني، وعن إمام صادق اليقين)، أدافع عن المنهج، وأدافع عن الإمامة الحقة، وهذا ليس كلام العباس سلام الله عليه فقط، وإنما لكي يعلمنا إياه، ذكرنا ذات مرة هذا المعنى، وأشير إليه، إنه الفرق بين معسكر بني أمية ومعسكر الحسين أن معسكر يزيد في الغالب (صم بكم عمي) أثناء القتال، نادر أن نرى ارتجازا لواحد إلا إذا كانت ارتجازه نكبة عليه، مثل: املا ركابي فضة وذهبا * أنا قتلت الملك المحجبا قتلت خير الناس اما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا قال له يا لعين: (إذا كنت تعلم أنه خير الناس أما وأبا، فلما قتلته؟) وأما الباقي فـ(صم بكم)، لا يتكلمون، هل رأيت هذا الرشاش؟ لا يهزج ولا ينشد شعرا، يطلق الرصاص فقط، قسم من هؤلاء هكذا لا يتكلمون بشيء، لكن من هذه الجهة، فنادر أن أحدا من معسكر الحسين خرج ولم يرتجز، قال نافع بن هلال: أنا الغلام الجملي، أنا على دين علي. وقال حبيب بن مظاهر الأسدي: أنا حبيب وأبي مظهر * فارس هيجاء وحرب تسعر وقال القاسم بن الحسن: إن تنكروني فأنا ابن الحسن * سبط النبي المصطفى والمؤتمن هذا حسين كالأسير المرتهن * بين أناس لاسقوا صوب المزن وهكذا كل واحد يتكلم ويُعرف بنفسه، ويُعرف بمنهجه أيضا، أبو الفضل العباس كان من هذا القبيل، عَرَّف بنفسه وعَرَّف بمنهجه، وقال: والله إن قطعتم يميني * إني أحامي أبدا عن ديني وعن إمام صادق اليقين * نجل النبي الطاهر الأمين نسألك اللهم وندعوك باسمك الأعظم، الأعز الأجل الأكرم، يا الله، بنبيك المصطفى رسول الله، بوصيك المرتضى ولي الله، وبآل بيت آل الله، فرج عنا يا الله، اغفر لنا ذنوبنا، كفر عنا سيئاتنا، آمنا في أوطاننا، لا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآله طرفة عين أبدا، احفظ اللهم إخواني السامعين فردا فردا، واقض حوائجهم، شاف اللهم مرضاهم، لا سيما المرضى المنظورين ومن أوصانا بالدعاء، واقض اللهم حوائج المحتاجين، وفرج عن المكروبين، وتقبل اللهم عمل المؤسسين بأحسن القبول، إلى موتاهم وموتى السامعين نهدي ثواب الفاتحة تسبقها الصلوات على محمد وآل محمد، اللهم صل على محمد وآل محمد.
مرات العرض: 5723
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 31705.69 KB
تشغيل:

الشيخ المفيد محمد بن النعمان العكبري
الشريف الرضي محمد بن الحسين الموسوي