التفكيك بين نظامين ثقافيين
التاريخ: 31/12/2022 م
تعريف:

التفكيك بين نظامين ثقافيين

كتابة الفاضلة ليلى الشافعي

لا يزال حديثنا في بعض المغالطات الفكرية التي قد تتسرب إلى ذهن قسمٍ من الناس دون أن يستشعروا بها وبخطورتها . من هذه المغالطات ما نسميه باختلاط النظامين الإسلامي الديني والغربي الوضعي . فلا ريب أن الغرب اليوم يؤثر في ثقافتنا المسلمة بثقافته وبعاداته وبطريقة سيرته وحياته ، ووسائله في ذلك كثيرة ومتعددة . وهو في ذلك يعتمد على نظامٍ ثقافيٍ واجتماعيٍ وهذا النظام غالبًا هو متخالفٌ مع النظام الإسلامي في عقائده وفي طريقة حياته فيصير اختلاط فبدل أن أستلم أفكاري وثقافتي وطريقة حياتي خالصةً من الإسلام والدين بدل ذلك آخذ قسم من هنا وقسم من هناك وأتأثر إما بكلا النظامين أو في بعض الأحيان أتأثر أكثر بذلك النظام الغربي الوضعي فيأخذ الإنسان أحيانًا من كلا النظامين يختلف المختلفين فبالتالي إلى حدٍ ما تتناقض سيرته ومسيرته . مثلًا في النظام الغربي أنت مسؤولٌ أمام الدولة فقط ولست مسؤولًا أمام أحدٍ إطلاقًا لا أب ولا أم ولا جار ولا مجتمع ولا عالم دين ، فأي واحدٍ من هؤلاء لايشكل بالنسبة لك مصدر أحكام ولذلك من السهل جدًا لو أن الولد ( الابن أو البنت ) أراد والده أن يوجهه باتجاه معين ولم يقبل هذا الابن هذا التوجيه فبإمكانه أن يشتكي عليه وبإمكانه أن يرفع قضية ويعزلونه عنه وهذه إحدى مشاكل الجاليات في البلاد الغربية ، أن فتاة مثلًا عمرها 12 أو 13 أو 14سنة تريد أن تأتي لها بشابٍ في البيت أو تخرج معه فمن هذه الجاليات مسلمون لا يقبلون هذا الأمر لا من الناحية الدينية ولا الاجتماعية فيرفض الأب فتقدم عليه ابنته دعوى فيعطون البنت سكنًا ويعزلون أباها عنها ولا حق له أبدًا أن يتدخل في أمرها ، وحصلت هذه كثيرًا . ولهذا يتبين أن الصورة الوردية الجميلة لقضايا اللجوء وأنهم يعطون أموال للاجئين ليست هكذا . فإذا رفع عليك ابنك دعوى بأنك تعنفه تعنيف لفظي أو بدني أو غير ذلك من الممكن أن يلقي بك في السجن فضلًا عن فصله عنك ، لماذا ؟ هذا ليس تعمدًا ضدك وإنما هذا نظام يقول أنت كوالد لا حق لك على هذا الولد ولا على هذه البنت إنما الدولة هي التي تقرر ماذا يصنع وماذا تصنع فهو حر وهي حرةٌ أيضًا فالتركيز على حالة الحرية والاختيار المطلق وأنت لا تستطيع التدخل في شيء فهذا نظام . أو ترى مثلًا منظرًا غير حسن مخالف للأخلاق في ديننا ففي البلاد الغربية لو تكلمت مع أحد لنفترض امرأة غير محجبة أو شبه عارية من الممكن أن ترفع عليك قضية أنك تتحرش بها وتلقي بك في سجن حتى لو لم يكن تحرش فبمجرد أن تقول لها مثلًا هذا اللباس غير مناسب . لماذا ؟ هذا ليس ضدك وإنما هذا النظام . فلا يوجد أحدٌ يسأل أحدًا إلا الدولة والنظام السياسي الحاكم فله سياسة وقوانين وأنت لست الدولة ولست مأمورًا من قبلها فإذا لم يكن كذلك فأنت متحرش . أما في النظام الإسلامي فالأمر يختلف فصاحب الولاية العظمى هو الله سبحانه وتعالى ومن فرض الله ولايته بل ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) فهناك في الغرب هذا الكلام غير موجود لا الله ولا رسوله ولا إنسان مؤمن بل هناك الدولة والحكم القائم وأي واحد آخر يحاول أن يمارس ولايته على غير ما قررته الدولة والنظام فإنه يتعرض للعقوبة حتى لو كان ابنك أو ابنتك ، فابني هذا الطفل الصغير تأديبًا ضغطت عليه لمصلحته فورًا يفصلونه عنك ويرسلونه إلى إحدى حضانات الأطفال وتنتهي من حياته وينتهي من حياتك وكم وكم حصل مثل هذا ! أما في النظام الإسلامي فليس الأمر هكذا فقبل الدولة وقبل السلطة الله سبحانه وتعالى هو صاحب الولاية العظمى ( الله ولي الذين آمنوا ) وهو الآمر الناهي وكل أمرٍ ونهيٍ هو دون أمر الله ونهيه ، ثم بعد ذلك من أرسل من رسله كنبينا المصطفى محمد (ص) إذ جعل لهذا النبي ولاية ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) فيأمر وينهى ويوجه ويمنع وكذلك فيما نعتقده في أئمة الهدى عليهم السلام نفس المرتبة بل وحتى الفقيه في مرتبةٍ من المراتب حسب اعتقاد الإمامية فالفقيه له نحو ولاية ونتفق أو نختلف في ضيقها أو سعتها ولكن له ولاية بل حتى المؤمن له ولاية ( ومفهوم الولاية من المفاهيم العجيبة التي تحمل معاني متعددة فولي يعني جاء وراءه مباشرةً فتشير إلى شدة القرب والالتصاق ، والولاية نحو من أنحاء المودة والمحبة والمعنى الثالث نحو هيمنةٍ وسيطرةٍ فتختلف مناشئها ) فنفس هذه الكلمة فيها قرب وفيها حب ومودة وفيها سيطرة وهيمنة وعلو فتقول فلان ولي فلان يعني صاحب أمره ، من العبد والرق ، أو تقول فلان ولي الصغير يعني صاحب كلمة عليه ، أو تقول فلان له ولايةٌ على ابنته في أمر النكاح فهو نحو استعلاء وهيمنة وتوجيه يعني أن كلمته ليست دون كلمة المولى عليه ولا مساوية وإنما فوق . وتوجد عندنا في الإسلام ولاية حتى للمؤمن ( المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) جدًا قريبين من بعض فيتلو بعضهم بعضًا ويحب بعضهم بعضًا ويوجه بعضهم بعضًا ، فحين تقصيرك ذاك المؤمن غير المقصر له هذا النحو من الحق في النصيحة بل جُعل الدين النصيحة كما ورد في بعض الروايات . فأين هذا النظام من ذاك النظام الذي يقول لك أنك إذا تنتقد فعل من أفعالي أو تحاول توجيهي أن أفعل أو لا أفعل هذا يعتبر تحرش وستساق إلى المحكمة وهذا بالنسبة لأقاربك فضلا عن الآخرين ، فابنك لا ولاية لك عليه وابنتك لا ولاية لك عليها فضلا عن الآخرين بينما الإسلام يقول لك ذاك الأجنبي الغريب عنك لك ولاية بهذا المعنى فأنت قريبٌ منه وأنت محبٌ له وأنت ناصحٌ له أيضًا . فالناصح هو نحو استعلاء و المنصوح هو في المرتبة الأدنى في هذا القياس . وحين نأتي لمجتمعنا نجد أن هناك اختلاط بين هذا النظام وذاك النظام فحين تجد أن فلان أخلاقه غير جيدة فتقول له من الجيد أن تكون أخلاق الإنسان جيدة لماذا أنت عصبي ، فلو كان هذا مخالفٌ للأحكام الشرعية متجاوز للقوانين الأخلاقية فحين تنصحه ولو بلسانٍ كما يقول القرآن( قولًا بليغًا ) بأسلوب جميل لطيف ، فيرد عليك : ليس أنت من تحاسبني ، الله هو من يحاسبني ، فهذا لا ينتمي لهذا النظام وإنما ينتمي لذاك النظام لكنه مغلف بغلاف الله يحاسبني كأنه يريد أن يقول لا حق لأحدٍ أن ينصحني فقط لأنه في مجتمع مسلم لكن تغلف هذه المغالطات بأغلفة دينية . ألا يقول الله ( عليكم أنفسكم ) فاذهب واعمل لنفسك . لكن الله نفسه الذي يقول عليكم أنفسكم وأنت فهمتها بشكل مغلوط هو نفسه يقول ( كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) ويقول ( ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) ويقول ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) فلمَ التفت لتلك الآية ولم تلتفت لباقي آيات القرآن الكريم ؟ وهنا يصير اختلاط بين النظامين دون أن يستشعر قائل ذلك وأحيانًا مع شعوره بهذا الأمر . فلا بد أن يفكر الإنسان أنه يستلم من أي نظام ؟ من النظام الديني أو من النظام والثقافة الأجنبية ؟ لا سيما إذا قالوا أنت لستم وكلاء الله في الأرض . فهذه الكلمة لم تأتِ من هنا وإنما أتت من الخارج ففي وقت من الأوقات وعلى أثر انحراف بعض أرباب الكنيسة المسيحية أخذوا يتحكمون في المسيحيين بالظلم وبغير ما أنزل الله سبحانه وتعالى فأصبحوا يأخذون الأموال من غير حقها ويصرفونها في غير حلها ويتحكمون في حياة الناس بما لا يجوز لهم على أثر انحراف هؤلاء الأحبار والرهبان وانحراف الكنيسة مما أدى إلى رفض وحد الحالة الدينية في الغرب ‘ فصارت مسألة أنه لا يوجد واسطة بيننا وبين الله وأنتم لستم وكلاء الله ،فمن يريد عبادة ربه يعبده بشكل مباشر وأنتم لا دخل لكم . وبعضنا أخذ هذه الجملة لستم وكلاء الله في الأرض فإذن لا تقل لي صلي أو صم أو افعل الخير أوغيره .. أنت مخطئ ومشتبه فعندما قال أولئك الغربيون لأحبارهم ورهبانهم لستم وكلاء الله كان على إثر انحراف كبير وطويل مما مارسه أولئك فتحكموا في كل شيء وسيطروا على كل شيء ومنعوا العلم ومنعوا كثير من الأمور المباحة على الناس باسم الدين وباسم الله عز وجل ، فانقلب الناس عليهم واتخذت ردة فعل إلى حد أنها حذفت الكنيسة وحذفت الدين المسيحي من الحياة . أين هذا من المنهج الإسلامي الذي يقول ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) فأنت مكلف أن تدع إلى سبيل ربك والصورة المثلى للأمة التي أخرجت للناس هي أنهم يأمرون بالمعروف ويدعون إلى الخير ولا أحد في هذه الأمة يقول للآخرين لا تدعُ إلى الخير لأنك لست من وكلاء الله في الأرض ولا تأمر بالمعروف ، فإما أن تقول أنك لست مسلم ولا تنتمي لهذا الدين وأما إذا قلت أنك مسلم فيجب أن تحتكم لهذا الدين .نعم ليس هناك في هذا الدين وكلاء لله تعالى في هذه الأرض سوى النبي والأئمة المعينون لكن هناك أنظمة هي شأن كل المجتمع كالدعوة إلى الخير في مقابل الدعوة إلى الشر والأمر بالمعروف في مقابل الأمر بالفساد والمنكر وإشاعة الفاحشة والفساد بل ينبغي للمسلم أن يدعو لكل ما هو معروفٌ لدى الشرع بمختلف أنواع الحكمة والموعظة الحسنة . نعم قد يستعين هؤلاء بنماذج سيئة وخاطئة فيقول أنت صرت طالبان رقم اثنين أو داعش رقم ثلاثة أو صرت رقم أربعة لمن يمارسون الأمر بالمعروف بالضرب والعصي وبغير ما أنزل الله ويتعدون على ما لا يحق لهم ... هذا ليس صحيحًا ( ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين ) فهذا ليس حسن وإنما لا يوجد أحسن منه أن تدعو إلى الله وإلى شرع الله وإلى نهج الله . نعم هذه الدعوة في آيات أخر قيدت ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) جادلهم ليس بالحسن وإنما بالتي هي أحسن بأبلغ الطرق بالأساليب التي لا تستفز الطرف الآخر فينفر عن الطاعة . فلو كنت بين خيارين أحدهما احتمال التأثير فيه سبعين في المائة والثاني احتمال التأثير فيه تسعين في المائة فاستخدم الأسلوب الثاني . ولو كان هناك احتمال أن ينفر منك هذا وألا يتأثر فلا تذهب وراءه وإنما اذهب وراء من يتأثر ومن تحتمل أن يتأثر وبالطريقة المؤثرة . هذا الكلام الذي نجده هو خلط ( أنت لا شغل لك بي ، أنا الذي سيحاسب وسيعذب واذهب وانشغل بنفسك وبأهلك وبأسرتك ....نعم من واجبي أن أنشغل بنفسي وبأسرتي لكن من واجباتي كما قال القرآن الكريم ( المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ ) فأنت إذا كنت مؤمنًا فأنت وليي وأنا وليك أنت قريبٌ مني وأنا قريبٌ منك أنت محبٌ لي وأنا محبٌ لك وأنا عليي مسؤولية تصحيح خطأك قدر الإمكان وأنت عليك مسؤولية تصحيح خطئي حتى يتسامى المجتمع ويتكامل . فلا توجد فئة خاصة للدعوة إلى الخير بل كل المجتمع يتحمل هذه المسؤولية وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه المجتمع الغربي وظن البعض في مجتمعنا أنه قسمٌ من الناس شغلهم الأمر بالمعروف والقسم الآخر يأتمرون بأمرهم كلا وإنما الكل آمرٌ والكل مؤتمرٌ والكل داعٍ والكل مدعوٌ والكل يمارس هذه الوظيفة بأحسن الأساليب وأفضلها . هذه الأفكار وأمثالها وهي للأسف غير قليلة وتحتاج إلى رصد هي عبارة عن هبات سيئة وافدة من الخارج جاءت إلينا إما مغلفة وإما غير مغلفة . ففي بعض الأحيان لا تُقبل في صورتها الغير مغلفة فمثلًا تشريع وتقنين الشذوذ بحيث في بعض البلاد الغربية أصبح أن يعيش رجلٌ مع رجلٍ عيشة الأزواج أمرًا قانونيًا فيسجلون ويسكنون في بيتٍ واحد وكذلك امرأة مع امرأة بشكل رسمي . فمثل هذه الفكرة حين تأتي إلى مجتمعنا بهذه الفجاجة لا يقبلها ، فتحتاج أن تغلف بغلاف يزينها ويلمعها أن هذه حرية شخصية وهذا نوع من أنواع الأمراض أصل جيناته هكذا ولا يمكن للإنسان أن يسيطر على جيناته ولا أن يخلق جينات جديدة فجاء بهذا التركيب وعلينا أن نسلم له بهذا الأمر ونتفهمه ونحترم اختياراتهم وإذا انتقدتهم تجرم ، إلى هذا الحد . فذاك عنده برنامج وهو يريد أن يكون هذا البرنامج ليس عنده فقط وإنما عندك وفي بيتك وفي مجتمعك وإذا لم تقبل فسيفرض عقوبات على دولتك وعلى تجارتك وعلى اقتصادك وعلى وسائل الإعلام وغير ذلك . فمن المهم جدًا أن نفصل بين النظامين النظام المسلم في أفكاره وعقائده وثقافته وفي ممارساته حيث لله الولاية ولرسوله وللمعصومين بل وللمؤمنين الولاية بالمعنى الذي تحدثنا عنه وحيث النصيحة في هذا المجتمع هي كل الدين ( الدين النصيحة ) فبين نظام الإسلام هذا وبين نظام آخر يقول لا أحد مسؤول عن أحد ولا تأمر أحدًا ولا تنهى أحدًا بل سيعد ذلك تحرشًا منك تعاقب عليه فليس لك ولاية على أحد حتى على ابنك وابنتك ولا على زوجتك فقبل عدة سنوات صارت قضية في فرنسا وهو أن الزوجة تأتي برجال إلى المنزل فالزوج غضب من الأمر فقالت أن هذه حريتي ، بل وعندما رفعت دعوى في المحكمة كسبتها . فهنا علينا أن نفصل بين النظامين فإذا كان غير مسلم فشأنه أما إذا كان مسلمًا ويقول أنا أصوم وأصلي فهذه الفكرة والممارسة لا تنتمي لهذا النظام وإنما ينبغي أن أرجع إلى القرآن وإلى أحاديث المعصومين لكي أتبين ما يقوله القرآن في هذا الجانب . نسأل الله تعالى أن يكتب لنا ولكم جميعًا الالتزام الكامل بأحكام الله وشرائعه وأن يعيننا على تطبيقه إنه على كل شيءٍ قدير.
مرات العرض: 6577
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 69920.96 KB
تشغيل:

لا اله الا الله أول الاذكار
معرفة العقائد بخطبة الزهراء عليها السلام