كتابة الاخت الفاضلة سلمى آل حمود
بسم الله الرحْمَن الرّحيم " مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا" (1)
نشأة (القرآنيون) والفكرة التي تبنوها.
مُختصرْ فكرة هؤلاء هو أنّهم يستغنون عن سنّة رسول الله صَلى الله عليّه وآله بالاعتماد على القرآنْ الكريم فقط لا غير، و نظراً لهذا التيّار والذي كان منشأه مدْرَسة الخُلفاء فمن باب أولى عندهم أن لا يعتمدوا على أحاديث أهل البيت عليهم السلام. إضافة إلى ذلك، نجد أنّه بإمكان أتباع هذا التيار الاستغناء عن سنّة رسُول الله صَلى الله عليّه وآله وعن أحاديثه والاعتماد على القرآن الكريم في حياتهم الدينيّة.
كان في الهند رجلٌ يقال له (أحمد خان) وتلقى تعليم الحديث منذُ أن كانت الهند تحت الاستعمار البريطاني، فأخذ علومه العالية. بعد ذلك، رأى هذا الرجل قسماً كبيراً مما راجعه من كتب الصحاح في مدرسة الخُلفاء تتعارض تعارضاً كبيراً، النتائج العلمية المُكتسبة كما يتعارض بعضها في رأيه مع نتَائج العقل. فقال بأنّ هذه الأحاديث من سُنّة رسول الله صَلى الله عليّه وآله ورواياته غيرُ صالحة للأمة لأنها مُخالِفة للعقل،فبدلاً من أن نبقى على الدين الإسلامي بكامله، لنبقى على الدين الإسلامي ونعتمد على القرآن فهو كتاب الله عزّ وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولنحذف السنّة النبويّة والأحاديث الواصلة والموجودة في الكتب من تداول الناس، فلا نحتاج إلى هذه الأحاديث وهذه الرواياتْ، لماذا لا نحتاج؟ قال: لأنّ في القرآن الكريم كل شيء كقوله تعالى "مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ" (2)، وقوله عزّ وجل "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" (3).
كان للخوارجْ كلماتٌ مُشابهة لأقوال الفئة التي لا تعتمد على السنة النبوية في زمانْ أمير المؤمنين عليه السلام.هو وجود رواية في مصادر مدرسة الخُلفاءتنسب للنبي (أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الحَدِيثُ عَنِّي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ ، فَيَقُولُ : بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلَالًا اسْتَحْلَلْنَاهُ . وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ، وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ) (5).
بداية تبَلور النظريّة الحقيقية (للقرآنيونْ)
بدأتْ من الهند وذهبَ بها إلى باكستان، ثم وصل إلى مصر، وأصبح له أتباع وشخصيات، وأصبَح لديه كتب ثم وصل إلى تركيا. بل حتى أنّ هُناك خشية من وصولها إلى الدائرة الشيعية لوجود بعض من يُبالغون في الاهتمام بالموضوع القرآني إذ نجد بعض الأشخاص شيئاً فشيء يقولون أنّه نحنُ لا يُهمنا ما يقوله الفقيه الفلاني، وما يقوله المرجع الفلاني، بل يهمنا ما يقوله القرآن الكريم فحسبْ، حتى إذا جئنا لأحدهم لنسأله عن رواية معينة عن أهل البيت عليهم السلام نجده يُجيبنا بأنّه لديه القرآن ويعتمد عليه فقط.
فهناك تخوّفٌ أيضاً من انتقال هذا التيار إلى نطاقٌ أوسع، لأنّ ظاهره ظاهرٌ حسن وباطنه باطنٌ سيء كما سيأتي بعد قليل. إذن، كانت البداية هكذا في الهند و بشكلٌ أوضح نجده كان بواسطة أحد رجال هذا التيار وكان اسمه (عبدالله جكرالوي) في باكستان وهو من أسس جمعية أو حزب باسم (أهل القرآن) في باكستان في سنة 1902 ميلادي، أي ما قبل مائة وسبعة عشر أو ثمانية عشر سنة تقريباً. فتحدث هذا الرجل ولعله كان يُعبر عن أصحاب هذا التيار فيقول: أنا قرأت القرآن الكريم ووجدت في قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا موسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً" (6) أيّ أنّه كانت جماعة من بني اسرائيل قد آذت نبي الله موسى عليه السلام وكانوا يقولون عنه كلاماً غيرُ طيب فبرّأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً. اعتماداً على التفسير الوارد في بعض صحاح مدرسة الخُلفاء، ورَدَ أنّ بنو إسرائيل قالوا: إنّ نبي الله موسى عليه السلام آذر ، والآذر تأتي بمعنى الشخص الذي يتصف بوجود رضٌ أو تشوّه في أعضاءه التناسلية و يكون ذلك في البيضتين على وجه الخُصوص، فقالوا ذلك اعتماداً على استتاره وقالوا بأنّه: يُبالغ في الاستتار على الرّغم من أنّ الاستتار هو من صفات المؤمنين! فقالوا بما إنه يبالغ في الاستتار، فذلك يعني أنه يُعاني من عيبِ في أعضاءه فكانوا يؤذونه بهذا الكلام، وكان هذا بحَسب بعض مصادر مدرسة الخلفاء.
هذا الرجل (جكرالوي) قال بأنّه: راجع في مصادر مدرسة الخلفاء والتي تصَنّف بأنها من الصحاح، فرأيتْ هذه الرواية وهي مختصة بنبي الله موسى عليه السلام وهو أنّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يبرأه مما قاله عنه بني إسرائيل، فقّدّرَ له أنْ يذهب ليغتسل ويستحم في النهر، فجعل ملابسه بما فيهم الملابس الداخليّة على صخرة ، ففرّت ملابسه جميعها فقام النبي موسى عليه السلام و أخذ يرْكض وراء الحجر لكي يراه النّاس وينظروا إلى أعضاءه وليتبينوا أنه مكانِ طبيعي ولا يوجد به مشكلة، فبهذه الطريقة تمّت تبرأة النبي إذ لحِق بالحجر و أخذ ملابسه ثمّ أخذ يضرب هذا الحجر بسبب غضبه من فعلته بأخذه لجميع ملابسه وركضه بها. فيقول (جكرالوي): رأيتْ أنّه مثل هذه الرواية و أمثالها لا يُمكن أنْ تُتقبل ولا تُقبل فعلى مثل هذه الرواية توجد روايات أخرى. وفي رأيه أيضاً: أنّ نهضة المسلمين وتديّنهم يكون بجعلهم يتمسكون بالقرآن فقط، وبعيداً عن السّنة والروايات المُخالة للعقل، مخالِفة للعلم، مخالفة للأصول ولا نستطيع تقبلها، لأنّ القرآن الكريم يوجد به جميع ما نريد ولا نحتاج للسنة أصلاً.
عندما وصل كلامه إلى مصر في حوالي الستينات إلى السبعينات الميلادية، ووصلت إلى بعض الكتّاب والمفكرين، نجد أنّهم زادوا أموراً أخرى عليها، وكان ذلك بأجمعه في إطار مدرسة الخلفاء لأن البعض قال: بأنّ سنة النبي صلى الله عليه وآله الموجودة في كتب الصحاح هي موثوقة ومرتبطة بالقرآن تماماً ولا تختلف عنه، ثمّ جاء قسمٌ في مصرْ وقالوا: أنّ ذلك لم يكن في هذا الجانب فحسب، بل إنكم تقولون في الكتب والسيرة والصحاح: أنّ النبي صَلى الله عليّه وآله نهى بنفسه عن الكتابة، أي نهى عن كتابة الأحاديث، وذلك واردٌ في مدرسة الخلفاء أنّ النبيّ منع من ذلك وأمر بأن يُمحى ما كُتب ويجردوا القرآن، أيّ أنّه أمرهم أنه إذا وُجد حديث فيه تفسيرٌ للقرآن بأن يمحوه ويمحو غيره، وهذا رأيٌ معروف في مدرسة الخلفاء ولذلك منع الخلفاء من تدوين الحديث وهذا مسجل في كتب الصحاح وكتب التاريخ.
و أكثر من ذلك، فإنّ السيرة الرسمية للخلافة باستثناء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والتي سنتناولها فيما بعد، فإن السيرة الرّسميّة للخلفاء من بعد رسول الله صَلى الله عليّه وآله إلى زمان الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز أي حوالي سنة 99هـ، كانت السيرة الرّسمية تنُص بمنع كتابة سيرة الرسول صَلى الله عليّه وآله وسُننه. جاء هؤلاء المفكرين وقالوا: بأنّه لو كانت السنة يجب أن يُعتمَد عليها والعمل بها لما نهى عن تدوينها النبي صَلى الله عليّه وآله على حد قولكم من نهي النبي والخلفاء، إذ كانت السنوات إلى ما قبل المائة تنص على ذلك أيضاً، فنحنُ رجعنا إلى ذلك المصدَر. فهذه كانت كلماتهم عن تدوين الأحاديث والسنة النبوية.
هل يوجد ( قرآنيون ) في الشيعة الامامية ؟
سنقوم فيما بعد بتحليل مقولات المفكرين المبتعدين عن السنة، ونقوم بالإشارة إلى الأخطاء والنتائج الكارثيّة التي ستوقع من يؤمن بهذه الأفكار وينتهي إليها ولكن أأذنوا لي بفتح قوساً في هذا الجانب وهو أنّه: ( إذا وُجد أحد الشيعة الموالين لأهل البيت من يؤمن ويفكر بالطريقة نفسها التي يعتمدها المفكرين القرآنين) في الواقع يوجد لدينا الكثير وخاصّة عندما تأتي وتقدّم له تفسيراً لأحد الفقهاء فيقول: ولماذا؟ أنا استطيع مباشرة إلى القرآن الكريم واستنتج ذلك فلا يوجد داعي لأن أذهَب إلى ذلك الفقيه لأنه ليس بأفضَل مني! إذ يوجد قسمٌ آخر ممن يشجعونه بقول: نعم فإن عقلك كبير ويُفترض أن يكون استنتاجك قضيّة فكريّة ولا تحتاج إلى فقيه ولا رواية ولا إمامْ، وبالتالي لن تحتاج إلى سُنة. ونحن نقول: بأنّ الانسان مصدر ذلك التيار باعتبار ما ورد في الصحاح عندهم كما يقول القرآنيون بأنّه مخلفٌ للعقل، مخالفٌ للأصول الدينية، ونحن أيضاً لا ننص بصحته ولكن نقول: أنّه لو كان كذلك فلنذهب إلى أن الكتب في مدرسة الخلفاء تعتبرْ كُتُب الصحاح موثوقة ولا نقاشَ فيها بل أنّ بعضها يتلو الكتاب مُباشرةً وفي تعبيرات بعضهم: فإنه لا يوجد في الأرض كتابٌ أصدَق من البخاري بعدَ كتاب الله عز وجل، أي أنّ كل الذي ورد فيه هو صحيح وصادق. في الواقع، هذا الكلام لا يوجد لدنيا في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فلا يحمل هذه الصفة الكافي للكليني مثلاً، ولا يحمل هذه الصفة التهذيب للطوسي، ولا يحمل هذه الصفة فقيه من لا يحضره الفقيه للصدوق، فلا يوجد لدينا كتاب ونقول بأنّه صحيح.
العلماء في مدرسة أهل البيت يقولون: بأنّ هذه الكتب فيها الصحيحْ وفيهَا السقيم ونحنُ بدَورنا تجاه أيّ حديثٌ من الأحاديث أن يعرضه المُتخصصون على علم الرجال وعلم الدراية، ثم ينظرون إلى دلالته في عدم ما يُخالف فيها و يناقض العقل والأحكام والأصول الدينيّة، وفي حال اجتماع كل هذه الشرائط ستُقبَل الرواية وعلى العكس من ذلك، فإنّ الرواية سوف لن تُقبل في حال عدم اجتماع هذه الشرائط وغيرُ ذلك.
أما ما وُجدَ في المدرسة الأخرى فإنهم يقولون بأنّه في حال وجود الرواية في كتاب البخاري فإن هذا الكتاب صحيح لأن قيمته تُعد كقيمة القرآن الكريم، ولا تستطيع أن ترده ولا تناقش فيه، ولا يحق لك أن تقبل هذه الرواية أو تناقش فيها في مدرسة أخرى.
لكنّك أيها الشخص الإمامي: فإنّ المشكلة التي تواجهك قد لا تواجه غيرك، أي أنك تستطيع أن تذهب إلى رواية من الروايات إذا كنت من أصل التخصص أو لتكن من أهل التخصصْ إذ لا يستطيع أيّ شخص بأن يأتي ليُفتي في الأدوية وهو ليسَ مُتخصصاً، و لا تستطيع أن تُفتي في الهندسة إذا لم تكن مُتخصصاً فالأفضل هو ذهابنا لنتخصص ومن ثم نستطيع أن نُفتي في الأدوية وغيرها من العلوم. كذلك في علم الرجال والحديث والفقه إذ أنها من العلوم ونجد فيها أن الإمام لا تواجهه مشكلة ما كما هي عند غيره، فما الذي يدفع هذا الرجل القرآني أنْ يقول بأنّه ما دام في السنة مخالفات للعقل والعلم فإنه سيتركها ويعتمد على القرآن، إذ أنّ ذلك لا يدعونا للاكتفاء بالقرآن، لا سيما وأن رسول الله صَلى الله عليّه وآله قال: (ما إن تمسكتم بهما) (7)، وهذا هو معنى ما فرّطنا في الكتاب من شيء أي أنّ الذي جاء بالسماء بآية "مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ" (8) هو نفسه القائل بـ (ما إن تمسكتم بهما)، والذي جاء واستلم هذه الآية من السماء "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ"(9)، هو نفسه القائل بـ ( كتاب الله وعترتي أهل بيتي)(10)، فبناءً على ما هو الصحيح وكتب الإمامية، أو بناءً على ما قاله الرأي الآخر ( كتاب الله وعترتي أهل بيتي) فالمُهم هو أن السنة باقية. ولو كان الاكتفاء بالقرآن فقط لقال النبي صَلى الله عليّه وآله: ما إن تمسكتم به وليس ما تمسكتم بهما. لذلك نتحدث مع بعض الإمامية ممن قد يتأثر بهذا التيار، أنّه إذا كان للطرف الآخر مُبررٌ لسلك هذا الطريق وهو مبررٌ نسبي و إلا فإن التيار خاطئ، فأنت أيها الأمامي لا يوجد لديك أي نسبة من التبرير.
هذا بالنسبة إلى رؤية تاريخية ، و إلى نسبة ممن يسلكون هذا التيار إذ قالوا: نكتفي بما جاء في القرآن وأنّ السنة النبوية عبارة عن أخبار صحيحة وغير صحيحة، وأخبارٌ يقال بأن النبي صَلى الله عليّه وآله نهى عنها وأن الخلافة والأمة طيلة قرن من الزمان أو أقل كان بعضهم يقول بأن التدوين الحقيقي في مدرسة الخلفاء لم يبدأ إلا في عهد الإمام مالك بن أنس وهو المتوفي سنة 179هـ ولم يكن في أيام عمر بن عبدالعزيز و إنما كانت بداية الفكرة في عهده، و أما التدوين الأول فكان أيام مالك أي بعد 179 سنة من بعد هجرة رسول الله صَلى الله عليّه وآله.
طبعاً هذا الكلام يكون بعيداً عن الإماميّة تمام البعد لأن الأئمة عليهم السلام يرفضون تمام الرفض القول المزعوم عن النبي صَلى الله عليّه وآله نهى عن كتابة السنة، و يقولون بأنه ليس صَحيحاً لأنّه يُوجد لدَينا روايات عن رسول الله صَلى الله عليّه وآله عن طريق أهل البيت حول ضرورة تدوين العلم. راجعوا (الكافي) فلديه فصلٌ كامل في كتاب تدوين العلم بل إن سائر الشيعة وكتبهم الحديثية كانت تبدأ بفصول تحتوي على مسألة كتابة العلم، أي أنّه ينبغي كتابة العلم و أنكم ستحتاجون إليها وبعض الروايات كانت عن الإمام الحسن، والإمام الحسين والإمام أمير المؤمنين عليهم السلام وعن رسول الله صَلى الله عليّه وآله. و قد مارس الأئمة والمعصومين الكتابة فعلاً، فلدينا كتاب (علي بن أبي طالب) ولعلّه سيأتينا فصلٌ وسنتحدث عن هذا الكتاب في نصوصنا وكان يحتوي على كلام ينص على احتياج الناس على معرفة إملاء رسول الله حتى أرشَ الخدش أي (الجرح) فكان ذلك موجوداً لهذه الدرجة مما أملاه رسول الله على أمير المؤمنين.
كلامُهم أن النبي نهَى عن كتابة الحَديث فهو غيرُ صحيح وغير مَوجوداً لدى الإمامية، وعلى العكس من ذلك فكان رسول الله صَلى الله عليّه وآله يصرْ على الكتابة و يحثُّ عليها وقد مارسوها فعلاً، وعندنا مُصْحف فاطمَة الزّهراء عليهَا السلام وهذا ليس بقرآن ولكنّ فيه ما يرتبط بشؤون العلم ويوجد به تفسيرْ القُرآن و أخبَار المُستقبل، وفيه أموراً كثيرة ونلاحظ ذلك من ضخامته إذ أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام اسْتُشهدت في سنة 11 هـ، فإذا كان التدوين موجوداً في ذلك الوقت، ولا يوجد لدينا ما يُثبت أن الأمر ممنوعاً إلى سنة 179.
بناءً على رؤى المدرسة الأخرى فإنّ الإشكال كان وارداً لديهم ولكن الطريق غير صحيح، فنقول بأنّ: لو كان هذا الاتجاه الذي يُسمي نفسه بـ (القرآنيون) صحيحاً لسلكه عُلماؤنا المتخصصون الذين كانت ردة فعلهم من ذلك بأنهم قالوا: أنّه لا يوجد كتاب حديثي صحيح تماماً 100%، وأنّ هذه جهودٌ بشريّة فأيّ حديث يردهم يعرضونه على الموازين والمقاييس، وتجرى عليه القواعد، ونضعه في موضع امتحان وفي حال اجتيازه لمقاييس التصحيح نعمل به و إذا لم يجتاز المقاييس فلا نعمل به وهذه هي الطريقة الصحيحة.
الآن لو قيل لك أنّه في البلد الفلاني لا يوجد دكاترة حقيقين وجميع شهاداتهم مزيفة، وتكثُر لديهم أعمال النصب، أو قد يكون لديه شهادة حقيقية ولكنّه يُغلف الأجرة ويجعلها أضعافاً على المريض، فهل سنأتي نحن ونقول سوف نترك الطب؟ إنما يجب علينا أن نذهب بأنفسنا و نتحقق، ثمّ نبتعد عن الطبيب الذي لا يحمل شهادة وغيرُ موثوق، ونذهب إلى الطبيب الأمين، فهذه هي الطريقة الصحيحة للناس. فمثلاً: نجد أن بعض التجار غشاشون فلا ينبغي لنا أن نقول مادام هذا الوضع قائماً فسأترك التجارة! إنما يجب علينا أن نذهب إلى التجار الموثوقون والأمناء ونبذل قصارى جهدنا فيه، إذن هذا هو الخطأ الذي وقع فيه هؤلاء القرآنيون إذ كان من المفترض أن يقولو بأنّ فكرة الصحاح أنها أوثق الكتب بعد القرآن فكرةٌ غير صحيحة لأن قائلها هو مجرد إنسان عادي، وهو ليس بمعصومٍ ولم ينزل من السماء، و إنما هو كتابٌ عادي كسائر الكتب، فالقرآن معصوم وسائر الكتب ليست كذلك.
تأثير تيّار القرآنيون على فئة الشباب
يجب علينا تجاه أي رواية بأن نضعها على طاولة البحث سواءً كانت صحيحة أو غير صحيحة فهذا هو قانون البحث، الذي حصل هو للأسف خلاف ذلك وكان أثره نشوء تيار يعتمد على القرآن فقط أبعدَ السنة وما يرتبط بها. بالطبع فإن هذا يُشبع غروراً لدى الإنسان وأكثر ما نجد نفوذ هذا التيار على فئة الشباب خاصةً، إذ يبينون لهم أنهم يفهمون ويستوعبون بدلاً من ارتباطهم بتقليد هذا الفقيه أو ذاك لأنّ للفقهاء آراء فمنهم من يجد أنّ المسألة المعينة يكون حكمها على الأحوط وجوباً وآخر يقول الأحوط استحباباً ولن تتخلص من الاختلاف فالأفضل أن تعتمد على القرآن وتترك كل ذلك وستجد حكم الله تعالى مباشرةً، فيخاطبونه من باب أنّه لديك عقلٌ واعٍ فلا تُسلم عقلك إلى غيرك فالله سبحانه خاطبك بنفسك و أرسل لك القرآن لنفسك فلتجد الحكم بنفسك وهذا حقيقةً يُشبع غرور الإنسان وخاصةً عندما يُقال له بأنّك قادر على الاستنباط وعقلك قادرٌ على الاستيعاب، فيتوسع بهذه الطريقة كهذا التيار، فإلى أين ينتهي هذا التيار؟
اصطدام القرآنيين بمفاد القرآن
في الواقع، سيجد متبع هذا التيار أنّه متورط في تياره و خاصّةً عند وقوفه عند بعض الآيات التي تنص على طاعة الله تعالى ورسوله وأتباع الرسول صَلى الله عليّه وآله، أيّ أنّه من يطع الله تعالى سيُطيع رسوله ولا خلاف في ذلك في زمن النبي حيثُ كان يأمرهم و يوجههم في الجهاد وغيره بشكلٍ مُباشر ولكن ماذا عنا نحنُ في زماننا؟ إنما نطيعه إذا عملنا بأوامره فأين هي أوامره؟ إنما هي في سنته وحديثه و أمّا القرآن الكريم فهو طاعة لله سبحانه وتعالى كقوله عزّ وجل " وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ" (11)، فكيف لي أن لا أطيع الرسول ويقول سبحانه " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ" (12) و " من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه" (13)، فكيف أطيعه و أنا في هذا الزمان؟ إذا لم نتبع سنته و أحكامه التي وصلت بطريق معتبر وصحيح فلا يُعتبر أنه لدي مجالاً لطاعته، ولن تؤثر فينا هذه الآية " أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ" فإذا قلنا بأننا لسنا بجانب الرسول الآن فهذا يعني بأنّ الطاعة محدودة إلى سنة 11هـ فقط، ومن سنة 11هـ إلى 1440أو 1450هـ فإن الآية ستكون معطلة ولا نستطيع أن نقوم بطاعة الرسول! وعلى العكس من ذلك فإن الذي يقول أنّ طاعة الرسول مستمرة عن طريق أوامره المباشرة في حياته والأحكام التي خلّفها بعده جاءت لنا بطريقٍ معتبر ويعتبر طاعة للرسول صَلى الله عليّه وآله، فهم سيتورطون بها أيضاً.
الورطة الثانية: فيما يرتبط بالعبادات لأنّه لا يوجد لها كيفيات في القرآن الكريم إذ أنّه حقاً قوله عزّ وجل " مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ" ولكنّه مشروطٌ هذا في رأي الإماميّة بـ(عترَتي)وهم الأئمة عليهم السلام والعارفون بها و يعملون بها، ومرتبطين برسول الله فهو العالم بالقرآن، فعلى سبيل المثال: عندما أريد أن أصلي صلاة الصبح و أنا إنسانٌ قرآني مثلاً، وليس عندي ارتباطٌ بالسنة و أحاديث المعصومين الآخرين، فلن اعرف ماذا يقرأ فيها وماهي كيفيّة هذه الصلاة، ولذلك اتخذ بعضهم إحدى الطريقتين، الطريقة الأولى: قالوا بأنّ الصلاة هي أحد طرق الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى كأنْ يقف ويتفكر في الله تعالى فهذا يعد صلاة، أو مثلاً: يقف أحدهم فإن ذلك يعتبر لديهم صلاة، أو أن يركع سيعتبر صلاة، أو يسجد فإن ذلك يعتبر صلاة إذ أنّ الكيفيّة غير محددة فالله سبحانه وتعالى " وأقيموا الصلاة "فلتكن بأيّ طريقة كأنْ يعمل إيماءات كالمسيحية مثلاً سيعتبرونه صلاة، فالصلاة لدى هؤلاء غير محددة بالكيفيّة بناءً على هذا المسلك.
وعلى سبيل المثال: في حال رغبتهم بالذهاب إلى الحج، فإنّهم يعتبرونه طوافٌ فقط ولا يوجد له عددٌ محدد ولا كيفيّة محددة كأن يبدأ من اليمين إلى اليسار أو العكس من ذلك، أو أن يبدأ من الحجر الأسود أو غيره، أو أن يكون شوطاً كاملاً أم ثلاث أرباع الشوط، أو نصفُ شوط، فهذا كله غيرُ محدد لديهم وإنما يقولون أنّ في القرآن الكريم توجد آية " طَوَّافُونَ عَلَيْكُم"(14) فهي في نظرهم تُعتبر قضية الحرم فحسب و أنّ ذلك يعتبر طوافاً كأنْ يذهبون من الحرم إلى البيت ومن البيت إلى الحرم فهذا في نظرهم يُعتبر طوافاً، أو أن يذهبوا فيجلسوا في الحرم فهذا يعتبر طوافاً، أو أن يكونوا في حالة الدوران حول الكعبة سيعتبر لديهم طوافاً، وفي حال عدم دورانهم فلا بأس باعتباره طوافاً، إذن نستنتج تورطهم فيما يخص قضيّة العبادات.
قسمٌ آخر لتورط القرآنيون: حيثُ أنها قضية شنيعة استناداً على المثَل العامّي (أردوا أن يكحلوها فعموها)، فالآن طارت الصلوات و العبادات، الحج، الزكاة...الخ فطار الدين بأكمله عليّهم، فقالوا: أن العبادات وصلت إليهم عن طريق التواتر من مرحلة إلى أخرى أيّ أنّ الناس رأوا رسول الله صَلى الله عليّه وآله فنقلوها ووصلت إلينا إذ يتبيّن لنا هنا إشكالان، الإشكال الأول: الوسائل المستحدثة عند الإنسان حيثُ أن الصلاة التي نُقلتْ بكيفيّة مختلفة أيضاً، أيّ أنّ الصلاة المعتمدة في مدرسة الخلفاء تختلف بالنسبة إلى الصلاة التي ينقلها أتباع أهل البيت عليهم السلام، ولو اتفقنا على الكيفيّة فما بالُ مسائل الشك، النسيان، خطأٌ في الغسل، خطأٌ في الوضوء؟ ليس لديّهم أيُّ جوابٍ بالطبع.
والذي يُجزم بأنّ الصلاة نُقلت إلينا عن طريق التواتر، فهذا بحد ذاته يعتبرُ تناقضاً شديداً لأنّهم أغفلوا السنة والروايات من تيّارهم وجميع الأحاديث حُذفت لديهم ثمّ يقولون أنّها منقولة ً إليهم، فكيف لهم أن يهربوا منها في بادئ الأمر ثم يرجعوا إليها! فهذه مشكلة.
إضافةً إلى ما يرتبط بغير العبادات، نجد خللاً شديداً في قسم المُعاملات أيضاً، فعلى سبيل المثال: كم عدد المُحرمات لديهم في الشريعة؟ فنحنُ نملك عدداً من المؤلفات والمجلدات وخاصّة في عدد المحرمات في مدرسة أهل البيت ككتاب (فقه المحرمات) للشيرازي رُضوان الله عليه فهذا الكتاب عبارة عن مجلدٌ كامل، ولدينا الشيخ آصف محسني من أفغانستان وهو معاصرٌ موجود أيضاً ولديه كتاب ( حدود الشريعة المحرمات) وهو أيضاً مجلدٌ كبير وقد يكون فيه 300إلى 400 محرم أيّ التي تمّ عدها من قِبله طبعاً مع أدلتها.
هؤلاء القرآنيون بلا هذه الروايات فكم حاصل المحرمات لديّهم، ففي قوله تعالى " قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فإنّه رجسٌ أو فسقاً أهلّ لغيْرِ اللهِ به" فهذه هي أربعة أشياءِ محرمة ذُكرت في القرآن الكريم وهي (الميتة، دماً مسفوحاً، ولحم الخنزير، وفسقاً أهل لغير الله به)وما عدا ذلك فلا بأس بهم إن أردوا أنْ يأكلوا كلباً مثلاً، أو أن يأكلوا أسُوداً أو نموراً فلهم ما يشاؤون من دابة الأرض وحتى إن أرادوا أن يأكلوا خشبةً فلا بأس أيضاً كأن يذبحا ويقرأ البسملة ثمّ يأكل، لماذا؟ لأن الموجود في القرآن من المحرمات هو أربعة أشياء فقط ولا يوجد غير مُحرّم على طاعم يطعمه! فهذا جانب.
الجانب الآخر، بالنّسبة للمحرمات في العلاقات الأسريّة فمثلاً: من المَعروف أن الخال والخالة هم من المحارم بالنّسبة إلى بنت الأخ أيّ أنّ الخال يستطيع النظر إلى ابنة اخته بلا حجاب وعلى العكس من ذلك، كذلك بالنّسبة إلى الخالة والعمّة إذ يستطيع ابن الاخ والاخت النظر إليهم بلا حجاب، لكنّ القرآنيون قالوا: بأنّه لم يوجد في القرآن الكريم بما يخص ذلك وإنما وُجدت آية " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ" ولم يُذكر خلاتكم، أخوالكم، عماتكم و أعمامكم، فهم في نظرهم ليسوا من المحارم فيجب أن تتحجب الخالة والعمة عن أبناء الأخ و بنات الأخت، وكذلك تتحجب البنت عن خالها وعمها لأنّهم أجانب عنها، وعلى هذا المنوال لك أن تقيس على ما سواه كقوله تعالى "يوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ" (15) فلديّهم أنّ الابن يرث أبيه و إن كان كافراً على الرّغم من اجماع العلماء على أنّ الابن الكافر لا يرث من المسلم، لكنّهم قالوا بأنّ القرآن الكريم بيّن في الآية " يوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ " على أنّ الابن يرث ولم يُحدد فيما إنْ كان كافراً من غيره.
والأمثلة من ذلك كثيرةٌ جداً كالزنا والعياذ بالله، إذ يقولون بأنّه: لا يوجد تفصيل فيما إن كان محصناً أو غيرُ محصن لأنّ هذا شاب وشهوته ثائرةٌ عنيفة و شديدة وفي حال قيامه بعملية الزنا فإنّه يُجلد بإجماع المسلمين وبالقرآن الكريم. لكنّ الاجماع الحقيقي بين المسلمين و جميع الروايات هو رجم المُحصن وذلك لأنّ زوجته بجانبه وبقربه ويستطيع أن يقضي شهوته متى شاء لأنها في متناول يديه، ففي حال تركها والذهاب إلى غيرها فذلك يُعتبر عدوانٌ على حكم الله تعالى لأنّه قام بعمليّة الزنا على الرغم من وجود زوجته في متناول يديّه وقد حصل ذلك في زمان المعصومين عليهم السلام، لكنّ القرآنيون يقولون بأنّه: لا يكون ذلك لأن القرآن يقول:" الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا"(16)، ولم يُحدد بأنّه محصن أو غيرُ محصن.
وعلى هذا المعُدل فإنّهم استنتجوا من القرآن الكثير من الأحكام المخالفة بعيداً عن الأخبار والسنة، فخالفوا الكثير مما قام عليه الإجماع وما أمر الله عزّ وجل به بواسطة نبيّه، وربما لهذا السبب كان النبي صلى الله عليه و آله يتكلم دائماً عن ثنائي الكتاب والإمام والعترة، وأيضاً كان يوصي و يأمر بأن تُتبع سنته مثل (صلوا كما رأيتموني أصلي)(17)، و (خذوا عني مناسككم)، وكذلك ما بدأنا به من الآية الكريمة " مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا"، وهؤلاء سينتظرون عقابهم وجزاءهم يوم القيامة فلا تكترث إليهم يا رسول الله.
|