تدبير المعيشة في النص الديني
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 2/1/1438 هـ
تعريف:

تدبير المعيشة في النص الديني


تفريغ نصي الفاضلة أم أحمد
( بسم الله الرحمن الرحيم .. يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) 
كما تمُرُّ على المجتمعات فتراتُ رفاهِيةٍ وخصبٍ كذلك أيضاً يمُرُّ بها فتراتُ قحْطٍ وكساد ، القرآن الكريم يُقدِّمُ لنا نموذَجاً في المعالجة قام بهِ نبيٌّ من أنبياءِ الله عزَّ وجل ربما لأجل الإشارةِ إلى أن الأنبياء كما يصْلِحونَ آخرةَ الناس كذلك يُصلحونَ دُنْياهم وكما يهدونهم إلى الجنةِ في الآخرة يقودونهم أيضاً إلى السعادةِ في الدنيا ،هذهِ التجرُبة من التجارب التي قدذمها القرآن الكريم أيضاً لِبيانِ أن حالةَ الكساد ، القحط ، التراجُعِ الاقتصادي من الممكن أن يحدُثَ في أخصَبِ الأماكن ، في أفضلِ الأماكن من ناحية إمكانات الثروة ..

قبل حوالي ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة أي سنة ألف وخمسمائة قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام حصلت في بلاد الشام شِحَّة في الأمطار وطبيعي تلك البلاد تعتمد على ماء المطر سواءً في قضية الزراعة أو في الرعي وتنمية الثروة الحيوانية ، لما قلَّ المطر وتوقَّف أصيبت فلسطين أو ما يُسمى في ذلك الزمان بأرضِ كنعان وجوارها الشام ولبنان هذه منطقة بلاد الشام الكبير ، أَصيبَتْ بقَحْطٍ شديد ،مصر أيضاً أُصيبَت لكن بِدرَجةٍ أخف نظراً لأن مصر بالإضافة إلى اعتمادها على الأمطار ، كانت تعتمِدُ على نهرِ النيل ، وإلى يومِنا هذا وفرة مائية ، ولكن مع ذلك أيضاً كان عندهم سنواتُ كساد ، شاءت إرادةُ اللهِ سبحانه وتعالى أن يكون معالجةُ هذا الكساد الاقتصادي والتراجع الموجود في تلك البلاد عبى يدِ نبيٍّ من أنبيائهِ  هو النبيُّ يوسُف ، وجُعِل مدخل ذلك قضية الرؤيا التي رآها الملك المصري في أنه رأى سبعَ بقراتٍ سِمانٍ يأكُلُهُنَّ سبْعٌ عِجاف ، وأيضاً سبعٌ سُنْبُلاتٍ خُضْر تلْتفُّ عليها سبعُ سنابلَ يابِسة ، قد يكون إيرادُ الحلُم هنا لا لأن الملك حُجَّةٌ من الحُجَج وإنما ؛ لِيكونَ مدخلاً لكي يأتي نبي الله يوسُف ، ويُقدِّمُ تفسيره له ، ثم يُولَّى بعد ذلك على إدارة هذا المُعْضِل الاقتصادي  ، ربما لو لم يكن هذا الحُلُم لم يكُن هناك طريق اعتيادي لكي يأتي نبي الله يوسُف ويقول : أنا لأحلُّ لكم المشكلة ، فجاء نبي الله يوسُف ، أولاً قال لهم يجب أن تزرعوا سبعَ سنينَ دأَباً ، بجِدِّية كافية ، وتعزِلون قِسماً بسيطاً منهُ للأكل ، والاقي تجعلونهُ في نفسِ السنابل ..

بعض الباحثين الزراعيين كما ذكروا في مقالاتهم ، قالوا : بِحسبِ التجرِبة تَبَيَّن أن البقاء للقمحَةِ في السُّنبُلة يحميها لفترة تتراوح بين سنة وأقصى مُدَّة 15 سنة ، بعد ال 15 سنة لا تحفظ السُنبُلة ، تتعفَّن تتسرَّب إليها الرطوبة ، تأتي إليها الدودة بعد 15 سنة ، وأما لو لم تكُن محفوظةفي سنابِلِها ، من الممكن في السنةِ الأولىأن تتعفَّن تجتذِبُ الرطوبة فتتعفَّن ، تجتذِبُ الدودة فتفسُد ،ولذلك خطّط يوسُف أن يُجعَلَ هذا ( فذَرُوهٌ في سُنْبُلِهِ إلاَّ قليلاً مِمَّا تأكُلُون ) ، بعد ذلك السنوات السبع التالية ستكون سنوات عِجاف صعبة ليس فيها ناتج ، فأنتم سوف تستهلِكون ما كُنتم قد خزَّنْتُموه ، ويكون أيضاً توزيعٌ دقيق ، وبعضُ الباحثين يُشير إلى أن نبي الله يوسُف أولاً قام بإحصاءِ الناتج العام للبلد ، يعني  ، كم من القمحِ والحِنطةِ تُنتِجُ أرضَ مِصر مع هذه الأوضاعِ الخاصَّةِ ؟ وكم عدد السُّكان ؟ وكم نسبة الزيادة السكانية خلال 15 سنة ؟ وحسبَ هذا الحِساب ، ثم وزَّعَ الحِصصَ للأكل بِحسبِ هذا ، ولذلك تم تجاوُزهذه السنوات العِجاف ، ووصلوا إلى الطرف الآخر من الأمن الاقتصادي ... وعلى أثَرِ هذا فوَّضَ الملكُ المِصري أمر البلدِ إلى نبي الله يوسف بعد هذه التجرُبة الناجِحة .. وهذا كان طريقاً لإحلالِ عقيدة التوحيد والإيمانِ بالله في ذلك البلد ، أي تجربة من التجارب  التي يُقدِّمُها القرآن الكريم ن والتي حدثت قبل حوالي 3500 سنة من افزمان .. بلد فيه مُقوِّمات الثروة ـ الشام ومِصر ـ ومع ذلك يحدث فيها حالة قحْط ، جدْب ، كساد اقتصادي ، قِلَّة زراعة ، تناقُص الثروة الحيوانية ،، تحتاج هذه إلى أن يتعامل المجتمع مع هذا الوضع الخاص بطريقةٍ يتجاوزون بها هذه الأزمة .. هذا في التاريخ القديم .. في التاريخ الحديث يتحدَّثون عما يُسمُّونهُ الكساد الكبير في أمريكا في سنة 1929 م وامتدت فترة الكساد لمدة 11 سنة  إلى عام 1940 م .. أمريكا التي هي الاقتصاد الأعظم في فترة من الفترات ـ تلك العشر سنوات ـ مرَّت بفترة كسادً وانكِسارٍ لا مثيلَ له ، بحيث فقدت 50 % من ناتجها ... تتصوَّر أن تاجراأ يفقِد نصف ثروتهِ مرةً واحدة ، كيف سيكون الوضع ؟ بالفعل يقولون الناتج القومي الأمريكي في ذلك الوقت كان 120 مليار دولار ، نزل إلى أقل من 60 مليار دولار ونتج عن ذلك ، أن عدد العاطلين عن العمل ـ باعتبار أن أول المظاهر الطبيعية الناتجةعن الكساد الاقتصادي هو تسريح العُمَّال ـ الشركة إذا خسرت نصف رأ مالها أول ما تُفكِّر به هو تخفيف النفقات وهذا يعني التخلُّص من عدد من العمال ... ويتسلسل الأمر طبعياً بكون العامل في الشارع ، فهو إما يذهب للجريمة ؛ لِتحصيلِ رِزْقِه ، أو يتحوّل إلى مشكِلة إجتماعية يعيش حالةً من الفقر . ولذلك قالوا أن عدد غير فليل من هؤلاءِ العمال كانوا يعيشونَ في بُيوتٍ من الكرتون ، ويقتاتونَ على بقايا ما يُلقى في القمامة ، لا أموال ولا عمل والبلد في ركود وكساد .. لا يوجد مَن يستقبِل عامِلاً لكي يعمل ، قطاع البناء والانشاءات توقّف تماماً ووصل إلى درجةِ الصفر ..والأسهم نزلت للأرض .. الحاصل هذه يُسمُّونها فترة الكساد الكبير في أمريكا ، .

اجتمع بعض الخُبراء الاقتصاديين ودرسوا هذا الأمر ؛ ليَضَعوا الخُطط لذلك البلد بحيث أته في سنة 1940 بدأ شبح الكساد يتراجع ، والخُطط تؤتي ثمارها إلى أن أصبح الاقتصاد الأمريكي هو الاقتصاد الأول في العالم اليوم كما هو معلوم .هذا يفيدنا أن المجتمعات كما تمُرُّ بفتراتُ رفاهِيةٍ وغِنىً وثروة كذلك أيضاً تمُرُّ بفتراتُ قحْطٍ وفقرٍ وفساد وما شابهَ ذلك ... هذا طبيعي غاية ما في الأمر هل أنه يتقدم أو يتأخر ؟ هل يُعالج بشكلٍ صحيح أو بِشكلِ خاطيء .. في مثل هذا الموضوع حيث أن قِسماً من مجتمعاتنا المسلمة تتعرَّض إلى مثلِ هذه الحالة من التراجع الاقتصادي والكساد ، كيف يُمكِنُ لنا أن نتعامل معها ؟ هناك خطَّان : الخط الأول خط الحكومات والسياسات الرسميةوالمسؤولين السياسيين ، وهذا لا نتحدَّثُ فيهِ .. والخط الآخر هو خط أبناءُ هذه البلدان : ما الذي ينبغي أن يعملوا ؟ وكيف يديرون أمرَ معيشتهم في مثلِ هذه الأوضاع ؟ هذا الأمر يرتبط بنا ، بل بكُلِّ واحدٍ منا ، وعليه أن يُفكِّرفيهِ بِنَحْوٍ من الأنحاء .. وحديثُنا في هذا الاتجاه . أول فكرة ينبغي أن نؤكِّدَ عليها ـ وهي فكرة ذات مضمون عقائدي وأخلاقي ، أن هذه الحالات من الكساد والتراجع الاقتصادي ينبغي أن تُنَبِّه الانسان المؤمن إلى أن استثماره الحقيقي والنهائي لا ينبغي أن يكون في هذه الدنيا ، وإنما بنبغي أن يكون في استثمارٍ مضمونٍ ومُرْبِحٍ دائماً وهو الاستثمار الأخروي .. أنت أيها الانسان المؤمن لا تستهلِك حياتك ووجودَك من أجلِ هذه الدنيا . اعمَل فيها .. تنَعَّم فيها ولكن لِيكُن هدفَكَ غيرَها وهو الآخرة .. القرآن الكريم في تعبيره يقول : {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك} .ما أعطاك اللهُ إياه ابتغِ قيهِ الدار الآخرة لأجلِ الدار الآخرة . ولا تنسَ نصيبك من الدنيا ..الاستثمار النهائي هناك ، هذه الدنيا مُتقلِّبة مُتغيِّرة مُتبدِّلة . ألم يقُلْ سيدُنا الامام الجسين عليه السلام  في يومِ العاشرِ من المُحرَّم في خُطْبتِه : ( الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلخا دار فناءٍ وزوال مُتَقَلِّبَةً بأهلها حالاً بعد حال ، فالمغرورُ مَنْ غرَّتْهُ والشقيُّ مَنْ فَتَنَتْهُ ) .

استثمارك المضمون هناك ، استثمارك الثابت هناك ، استثمارك الرابح هناك .. هناك ليس كما يخدعُك بعضُهم هنا ، هناك الربحُ حقيقةً .. هناك كما يقول الرآن :  مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ 261  هناك : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ )
 فالانسان العاقل حتى وهو في هذه الدنيا سعيُهُ لذلك ، ابتغاؤه  من أجلِ ذلك ، حركتُهُ من أجلِ ذلك .ولكنه يجب ان يكون له نصيبٌ في هذه الدنيا ، يجب أن يكون جادًّا في هذه الدنيا ، ولا يوجد تعارُضٍ بينهما ..هذه الفكرة أنكَ أنت خُلِقتَ لغير هذه فاعبروها ولا تعمُروها . هذه الحياة لن تبقى فيها بل هي معبَرٌ لك فاجعاها معبَراً جيداً ولكن اجعل سعيَكَ ومبتغاك هو الدار الآخرة
أما ما يرتبط بكيف يتعامل الانسان مع هذه الأزمات ؟

أولاَ : ينبغي أن يكون الانسان مُتَيَقِّظاً وليس مُسْتَرْسِلاً ، النسان المُسترسِل الغافل كما قول الامام أمير المؤمنين عليه السلام فإن صَرْعَةَ الاستِرْسالِ لا تُسْتقال .. أثناء القيادة يجب أن تنظُرَ للشارِعِ بدِقَّةٍ لا تغفل ؛ لأن الحدَث يأتي مرة واحة على حين غفلة ، في هذه الدنيا أنت تحتاج لأن تكون مُتَيَقِّظاً ؛ لأن التغيرات والتبدلات هي من شأنِ هذه الدنيا ، وإن كان الانسان ليس بالضرورةِ أن يلتفِتَ إليها  ، من كان يتوقع قبل 25 سنة أو قبل 20 سنة أن يكون الآن في وضعٍ اقتصيٍّ مُتراجِع ؟   القليل النادر من الناس كان يُفكِّر في هذا الأمر فلا يُصدِّقه حتى يراه رأي العين ، فلا ينبغي أن يكون الانسان في باقي عمره مُسْترْسِلاً ، بل ينبغي أن يكون مُتَيَقِّظاً ، ويترتَّبُ عليهِ أن يكون جادًّا في عملِهِ وتحصيلِ رِزْقِهِ  .. قال نبي الله يوسُف ( تزرَعُونَ سبعَ سِنِينَ دَأَباً ) بجِدِّية ، بإخلاص في العمل  ، ولا تتصوَّر أن العمل بجدِّية يتعارض مع الآخرة ، كلا ، أنت هنا تحصل على الرزقِ لماذا ؟ إن كان عملُك لأجلِ هذه الدنيا  تُصبِحْ دُنيوياً وإن كُنت تعمل في رزقِك من أجل أن تُنَعِّمَ أهلكَ ونفسَكَ وتدَّخِرَ لآخرتِك وتصرِف في سبيل الله فأنت تعملُ كل ذلك من أجل الآخرة ، تبتغي هذا للآخِرة . آتاك الله . لكن أنت تبتغي بذلك الدارَ الآخِرة وتعمل لها .. إذا نعَّمت أهلك ونفسك ، وصرفت على المحتاجِ والفقيرِ والمشروعِ الديني والاجتماعي ، فأنت تبتغي بهذا الرزق الآخرة  ، جِدِّيَّةُ الانسانِ لا تتعارضُ مع زُهدِهِ . هل نعتقد بأن أئمة أهل البيت سلام الله عليهم كانوا زاهدين أو لا ؟ لا ريب أننا نعتقِد أنهم كانوا في أعلى درجاتِ الزُّهد ، ومع ذلك كانو ينظرون إلى العمل نظرةً جادَّةً ويُعلِّموننا مثل هذا المعنى .. عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يقول : ( إني لأخرُجُفي حرِّ الظهيرة للحاجة قد كُفيتُها ولكن أُحِبُّ أن يرانِيَ اللهُ أتعبُ في طلبِ الحلال ) .وهو قد كان في عمر 40 أو 45 سنة مع أنه كان ممكن أن يُرسِل أحد غِلمانِهِ ، لكنه مع ذلك يخرُج بنفسِه في هذا السن وفي حرِّ الظهيرة ؛ حتى يراني الله أطلب الرزق الحلال ؛ حتى لا أكون عالةً على الغير ، وطلب الحلال من موجِباتِ محبَّةِ اللهِ عزِّ وجل .. أين هذا الامام وذلك الشخص الذي يُقال له عملُك على بُعْدِ 50 كيلومترٍ فيستثقل الذهاب ،، يقال له شغلُك يحتاج لجُهْدٍ عضلي فيتكاسل ويقول أنا أريدُ عملاً مكتبِيًّا .. فالمام هنا يُعلِّمُنا الجِدِّيَّة في طلبِ الرزق .. في حديثٍ آخر ، دخل عليه أحدُ مَواليهِ واسمُه مُصادِف فأعطاهُ 1700 دينار وقال له : اتَّجِرْ لي في هذا المبلغ ـ عندنا تأكيد كبير في موضوع التجارة ، والاقتصاديون اليوم يؤكِّدونعليه باعتبارأن في التجارة كل عمل الانسان يعود إليه بخلاف المُوَظّف الذي يعودُ جزءٌ كبيرٌ من عملِهِ إلى مسؤولِه وصاحِبِ شرِكتِه  ـ  يقول الامام عليه السلام : ووالله ليس لي حاجةٌ في فوائدِه ولكن أُحِبُّ أن يرانيَ الله أتعرَّضُ لفوائدِهِ  .  يعني أحب أن يراني الله وانا ذاهب وراء تحصيل الرزق ... ذهب الامام الصادق عليه السلام لأحد أصحابه واسمه مَعاد بن كُثَيِّر ، وقال له : مالي أراك أعْرَضْتَ عن تجارتك ؟ هل كبِرتَ أو زهِدْت ؟ فقال له كُثَيِّر : ما ضعُفتُ عنها ولا زهِدْتُ فيها . قال : فما لك ؟ قال : عندي مالٌ كثير ، وهو في يدي ، وليس لأحدٍ عليَّ شيء ، ولا أراني آكُلُهُ حتى أموت . فقال عليه السلام : يا معاذ لا تترُكها فإن تركها مذهبةٌ للعقل ... عقلك يذهب ، فِكرك ينقُص قُدرَتك على التخطيط تتراجع ، انتباهك ينكسر وهذا أمر طبيعي فالتاجر يفكر باستمرار ويخطط ويبكِّر في الذهاب ويتحرّك هن وهناك ، يُشغِل عقله وذهنه إذا ترك كل ذلك فترة من الزمان هذه الأمور كلها تتراجع أيضاً .. وهذا معنى ( مذهبةٌ للعقل ) .. قضية الجدية في العمل ، لاينبغي أن يركن الانسان للكسل والاستراحة ..لاحِظوا في القرآن يحث المسلمين على التعطيل يوم الجمعة من أجل الصلاة ، لكن انتبِهوا ماذا يقول : ( فإذا قُضِيَت الصَّلاَةُ  فانتَشِرُوا في الأرض ـ ثم ماذا ؟ ـ وابْتَغُوا من فَضْلِ الله  واذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً ) .. ونحن في مجتمعاتنا الجمعة والسبت عطلة وفي المناسبات والوفيات عطلة ووو.... القرآن يقول يوم الجمعة أنت تفتح المحل منذ الصباح ولكن إذا نودي للصلاة في ذلك الوقت اترك البيع بهذا المقدار وبعد الصلاة تعود للعمل .. عجيب !!! إذن يوم الجمعة ليس يوم عطلةٍ رسميةٍ يرتاح فيها الانسان !! هذه جِدِّيَّة الدين التي يُعلِّمُنا إياها هذه الحياة ، واعمل هذا من أجل الآخرة ، اكسب رزقك بشكلٍ جيد وادفع للمسجد أو للفقير أوللمشروع الاجتماعي .. هذا كله ابتغاء الدار الآخرة ...

الأمر الثالث : نحن نحتاج إلى ثقافة جديدة في الاستهلاك والصرف ، بل إلى ثقافة في عموم نظرتنا إلى الحياة والمال وإدارة هذا المال في الحياة ..  ربما قسم منا عاش جزء كبير من حياته على أساس : أنفِق مافي الجيب يأتِك ما في الغيب ، راتبك 5000 اصرفه في الأسبوع الأول ثم الله يسهِّلها فيما بعد ،، لو أن نبي الله يوسف عمل بهذه القاعدة لمات الشعب كله في السنة الثانية من القحط ... الحالة الاستهلاكية التي تسرَّبت لمجتمعِنا عبْرَ التقليد ،ثقافة الماركات وعبادتها .. فهذه الحقيبة جميلة وتؤدي الغرض ب200 ريال ولكن تلك المشابهة لها من ماركة ديور مثلاً ب 5000 فاشتري تلك الحقيبة من تلك الماركة ويجب أن يرى الجميع الاسم مكتوباً عليها هذه العبادة وافدة علينا من أجل التفاخر ، وهي في الحقيقة تغطية لنقص ، فأنا ليس عندي في وجودي شخصية فأحاول إخفاء هذا العيب بهذه المظاهر ،،، وهذا قد يكون في الرجال أيضاً .. فهي لا معنى لها لا عقلاً ولا شرعاً ولا عُرفاً وإنما هي تعبير عن الحاجة للاهتمام ؛لِنَقصٍ في داخلي .. حالات الاستهلاك الإضافية كالإسراف في الأعراس والحفلات التي لا حاجة لها ،، وخصوصاً إذا كانت الأمور تسير نحو التراجع الاقتصادي وعدم الوفرة .. الحديث الوارد عن رسول الله محمد اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وعجِّل فرجهم الذي نقله العالم الجليل ابن أبي جمهور الأحسائي ـ من علماء الأحساء الأعاظم له كتابات كثيرة وكتب متعددة وهو من روَّد الوحدة الإسلامية في وتٍ مُبكِّر وبطريقةٍ مهمة ، ليس فقط على مستوى الشعار ، بل على مستوى تأسيس المشتركات الدينية ، كتابه عوالي اللآليء أو غوالي اللآليء ـ ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول : ( إني لا أخاف على أمتي الفقر ولكن أخاف عليهم سوء التدبير في المعيشة ) كل الثروات موجودة عندهم ولكن لسوء تدبيرهم لمعيشتهم يُخشى عليهم من الانهيار الاقتصادي  ... في حديثٍ آخر عن الامام الصادق عليه السلام يقول : ( أربعة لا يُستَجابُ لهم ، الرجل يجلس في بيته ويقول اللهم ارزقني ـ ليس عنده جدِّيَّة لا يبحث عن عمل ولا يسعى في مناكب الأرض لا يتعرض لفوائد الله في حر الظهيرة  ويدعو الله أن يرزقه ـ فيُقال له ألم آمُرْكَ بالطلب ؟ ورجلٌ كان له مالٌ فأفسدهُ ـ عنده مال ولكن خدعه شخص بحجة الربح السريع والوفير وهوربما يتجر بالمخدرات وهي حرام والتجار بها سُحت فضاعت أمواله ـ فيقال له : ألم آمُرْكَ بالاقتصاد ؟ فالانسان عليه أن يكون مُفكِّراً في تدبير معيشته مقتصِداً يستشير حتى لا يُخدَع ، فبناء الثروة إنما هو نموٌ تدريجيٌّ طبيعي كالذين توثبوا على ثروات هذه الأمة ومصائرها كبني أمية دون خبرة ولا علم ولا تدبير وإنما هي مكائد وخيانة وعدم الوفاء بالعهود ..

مرات العرض: 5721
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 60085.77 KB
تشغيل:

إعلام النهضة الحسينية و إعلامنا المعاصر
أجواء خروج الامام الحسين من مكة