منطلقات النهضة الحسينية عند المؤرخين
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 15/1/1429 هـ
تعريف:

                منطلقات النهضة الحسينية عند المؤرخين

كتابة الفاضلة ليلى الشافعي

    حديثنا يتناول الصورة التي كتبها المؤرخين والكتاب في تحليل جوهر الصراع بين الإمام الحسين عليه السلام وبين الحكم الأموي ويزيد على وجه الخصوص .

   لماذا اتخذ الإمام الحسين عليه السلام هذا الموقف الحاسم والحازم والقوي تجاه السلطة الأموية وتجاه يزيد تحديدًا ؟ 

   نحن نتعرض هذه الليلة إلى كلام قاله بعض المؤرخين ونحاول مناقشته قبل أن نتعرض في ليلةٍ أخرى إلى منطلقات الإمام الحسين من خلال كلماته .

   ما قاله المؤرخون ينتهي إلى أن هناك عددًا من الأسباب كانت تجعل العلاقة متشنجةً بين الإمام الحسين وبين يزيد . يقول هؤلاء أن السبب الأول في الموقف الذي اتخذه الإمام الحسين تجاه يزيد في قضيةٍ سابقةٍ في موضوع زواجه من امرأةٍ تسمى أرينب بنت إسحاق جعل العلاقة متشنجةً بين الإمام الحسين ويزيد بن معاوية وانتهى ذلك إلى أمر القتال بينهما   

   ماهي هذه القضية ؟ وهل تصح لدى التحليل التاريخي أو لا ؟ 

   ذكر ابن قتيبة الدينوري في كتابه (الإمامة والسياسة) القضية التالية : أن يزيد بن معاوية كان يحب امرأةً تسمى أرينب بنت إسحاق وكانت امرأة فاتنة الجمال وكانت أخلاقها في القمة وبعضهم يسميها أم أبيها والمعروف أنها أرينب . تعلق بها يزيد بن معاوية وكانت ذات بعل وزوجها يسمى عبدالله بن سلام وكان من المتحالفين مع بني أمية حتى ذكر بعضهم أنه كان واليًا لمعاوية على البصرة وبعضهم قال أن اسمه عبدالله بن عامر وتذكر هذه من جملة مطاعن ومثالب معاوية وتذكر أحيانًا في جملة أخلاقيات الإمام الحسين ومروءته . وننقل لكم الآن أصل القضية ثم نعلق عليها .

    لما شغف بها حبًا وتعلق بها وملكت عليه قلبه بدا ذلك عليه وأسرً إلى بعض ندمائه وكان مهمومًا حزينا لأنه لم يحضى بها وهذا النديم ذهب لمعاوية وأخبره أن وضع يزيد النفسي سيء جدًا ولديه هموم تثقله فلو طلبته وسألته عما كان عنده ، فطلب يزيد وقال له إن لدي هموم ولا أستطيع أن أقولها لك لكني أقولها لمن يقولها لك فتحدث لذلك الرجل وأخبره بما يعاني منه . ولما وصل الخبر لأبيه معاوية بدأ يفكر في الحيلة ، لذلك يقال أن هذا الاحتيال الذي قام به معاوية لا يليق بخليفةٍ للمسلمين فتذكر في جملة مطاعنه وممن ذكر ذلك الحافظ بن عقيل في كتابه (النصائح الكافية لمن يتولى معاوية)

   بدأ معاوية يخطط كي يحضى ولده يزيد بهذه المرأة فاستدعى عبدالله بن سلام أنه نريدك في أمر ضروري فتعال إلى الشام ، فجاء إلى الشام وأنزل منزلًا راقيًا وأكرم كرامةً كبيرة ثم قال له أنه أنا عندي بنت بلغت مبالغ النساء  وأريد أن أختار لها زوجًا ورأيت فيك ذلك الزوج المناسب في دينك وأخلاقك وأنت أيضًا منا وفينا ووالي عندنا فتصير بيننا نوع من الصلة والقرابة . فبطبيعة الحال قال : أن هذا شيء يشرفني . فقال له : هذا رأيي وأنا أريد إقناعها ولكن إن شئت نرسل لها من يكلمها . يقول الراوي في كتاب الإمامة والسياسة فأرسل إليها أبا هريرة وأبا الدرداء حتى يتكلما معها في القضية . طبعًا هو في السابق كان قد أخبرها بمخططه ، فقالت لهما : ما دام والدي يقبل بالأمر فلا مانع عندي ولكنني امرأة غيورة لا أستطيع أن أشترك مع امرأةٍ أخرى في رجلٍ واحد . فإذا كان يريدني فليتخلى عن زوجته أو يتركني حرة . 

    طبعًا هو رأى أن هذه شابة صغيرة وبنت الخليفة ولديها أموال وأبوها راغب به ، فقال لها : لك ذلك أطلق زوجتي السابقة وأتزوجك . وذهب إلى معاوية وقال له لا مانع لدي أتزوج ابنتك وأطلق زوجتي فقال له لك ذلك الآن طلقها فطلقها  وأشهد من حضر . 

    ثم أراد أن يعقد عليهاها فقال له لا بد أن تفرغ من زوجتك أولًا فهي لا تزال في العدة فمن الممكن أنك تتزوجها مرة أخرى ، فلتخرج من عدتها أولًا . قضت أيام عدتها وبانت الزوجة الأولى وانتهى أمره معها . وهنا شاع الخبر بأن معاوية لعب على ذقنه وجعله يطلق زوجته كي يزوجها من ابنه يزيد . فصار هذا يضغط على معاوية أين وعدك ؟ لماذا لا أعقد على ابنتك . فقال له بنت معاوية : أنا بعد البحث والسؤال عنك تبين لي أن عندك بعض الأخلاق التي لا أرتضيها ، فالمعذرة وأنا لا أستطيع الإقدام على هذه الخطوة . هنا عرف أنه قد خدع وتلك المرأة أرينب بطبيعة الحال قد تأثرت لأنه طلقها بلا سبب ووصل إليها الخبر بأنه قد طلقها من أجل أن يتزوج بنت معاوية . فالآن لا يستطيع أن يواجهها ويطلب منها أن يعقد عليها من جديد . فالمسكين خسر زوجته الأولى ولم يحظ ببنت معاوية . 

   هنا معاوية أرسل إما أبا هريرة أو أبا الدرداء حسب ما ينقلون إلى البصرة كي يخطب أرينب إلى يزيد ، وهذا الرسول سواء في أثناء ذهابه للبصرة مر على المدينة فيلتقي بالحسين عليه السلام وقيل بالحسن فسأله : إلى أين أنت ذاهب ؟ فقال : أنا جئت من الشام و جئت إلى المدينة كي أزور النبي وسأذهب إلى البصرة كي أخطب أرينب التي طلقها زوجها عبدالله بن سلام إلى يزيد . فقال له الحسين : اذكرني عندها ولها من المهر مثل ما بذل يزيد . فيذهب هذا الخاطب إلى أرينب فيقول : أن يزيد بن معاوية يخطبك ومررت في طريقي إلى المدينة فالتقيت بالحسين بن علي بن أبي طالب أيضًا ذكرك وقال : لها من الأمر مثل ما يعطيها يزيد .

    فقالت له : لو كنت ابنتك من تختار لي ؟ فقال : ما كنت لأضم إلى نحري إلا نحرًا اعتنقه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . فقالت : ذلك ما أردت فتولى أنت أمري وزوجني بالحسين فزوجها بالحسين . ورجع بالخبر إلى الشام ، فتنقل بعض الروايات أن معاوية خاطبه قائلًا : إنما أنت حمار ما أرسلناك لهذا؟ إنما أرسلناك حتى لترتب الأمر كما طلبنا منك لا لتعرض عليها شخص آخر وتروحها من يدنا . 

    بعض الكتاب يقولون أن هذه الحادثة جعلت من يزيد يتخذ موقفًا شديدًا وعنيفًا من الإمام الحسين عليه السلام وأنه لا يقبل منه إلا القتال وأن يقضي عليه . فالذين يريدون هذه القضية في باب أخلاق الإمام الحسين يقولون إن عبدالله بن سلام لما عرف أن الحسين خطبها جاءه وقال له : أنه بقي عندي شيء من المال أمانة عند فلانة وأنت الآن بما أنك زوجها أخبرها عن ذلك . فلما جاء عبدالله بن سلام إلى زوجته السابقة كي يستلم المال تذكرا ما كانا عليه من الصفاء فبكيا . ووصل الخبر إلى الإمام الحسين عليه السلام فقال : أنا إلى الآن ما دخلت بها فهي طالق وارجع إلى زوجتك ولكن بعقد جديد . فهذا يعتبرونه نوع من أنواع المروءة العالية بأن يسلك شخص هذا المسلك كي يرجع شخصًا لزوجته وفي نفس الوقت يذكرونه من مثالب معاوية باعتبار أن خليفة المسلمين يقوم بهذه الحيلة التي تستبطن الكذب الصحيح والتخطيط ضد أحد ولاته ، فإذا كان يتعامل مع واليه بهذه الطريقة فما ظنك بأعدائه . 

   البعض يقول أنها قصة مختلقة ونفس كتاب ( الإمامة والسياسة ) ليس معلومًا أنه بكامله لمؤلفه ابن قتيبة وإنما تمت الزيادة فيه والنقيصة وأن حادثةًً من هذا النوع لم تكن قد وقعت . وسواءً قلنا أن هذه الحادثة موجودة أو لم تكن نحن نستفيد منها بعض النتائج :

النتيجة الأولى : نتيجة أخلاقية أشرنا إليها ، أي مقدار من السمو عند الحسين عليه السلام الذي هو من الناحية الشرعية صار زوجًا ولم يصنع شيئًا ومع ذلك تراه يتنازل عن تلك الجهة كي يرد المرأة إلى زوجها في مقابل تلك الحالة من التسافل الموجودة عند الطرف الآخر في التآمر على شخص مسلم وتطليقه من زوجته وإعداد الخطط من أجل التفريق بين زوجين . غير أنه مع ذلك لو فرضنا أن هذه الحادثة صحيحة إلا أنها قد تبرر مقدار حقد يزيد على الحسين ولكنها لا تبرر أبدًا ثورة الحسين على يزيد . فالإمام الحسين لم يكن منطلقًا من منطلقٍ شخصي في ثورته وحركته ضد بني أمية وحتى لو كان الحسين يريد أن يقف حاجزًا في عدم وصول يزيد إليها إنما كان ليوقف هذا المسلسل من المكر والخديعة الذي قام به القائد الأعلى للمسلمين ظاهرًا وبالتعاون مع ابنه للتفريق بين الزوجين .

   فلو فرضنا أن هذه الحادثة صحيحة فهي تبرر مقدار حقد ذلك الطرف الأموي ولكنها لا تفسر لماذا ثار الحسين على يزيد فلم يثر عليه لأنه كان عنده مشكلة معه حول امرأة ؟

  البعض ذهب إلى هذا ومن العجيب أنه حتى بعض المحققبن الرائعين مثل العقاد وهو رجل فحل في تحليله فذهب في كتابه أبو الشهداء والذي يعتبر حقيقةً من الكتب الجميلة والرائعة والتي ينبغي أن يقرأها الشباب لكنه مع هذا رأى أن هذا من الأسباب التي جعلت العلاقة متشنجةً بين خطين : خط يمثل الصفاء والأريحية والقيم الدينية والشهادة وبين خط آخر يمثل الدنيا والشهوات والهوى وهو الخط الأموي . 

    سبب آخر يذكره المؤرخون أن من جملة ماكان بين الإمام الحسين عليه السلام وبين يزيد بن معاوية هو امتداد للصراع الموجود تاريخيًا بين أمية وبين هاشم ثم بين حرب وعبد المطلب ثم بين أبي سفيان ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم معاوية وأمير المؤمنين ثم بين الحسين ويزيد ، فالقضية في نظر هؤلاء ترتبط بحالة من الصراع القبلي بين قبيلتين وفئتين وعشيرتين متقابلتين فيذكرون أنه أول ما ولد لعبد مناف لأن بني هاشم وبني أمية يلتقون في عبد مناف فجدهم الأعلى عبدمناف ولد له ولدان هاشم وأمية فيقولون أنه لما ولد لعبد مناف هاشم وأمية كانا ملتصقين من جهة الظهر (مثل التوائم السيامية الآن ) ففصلا بالسيف ثم كويا وعاشا هذين الولدين هاشم وأمية لكن الكهنة قالوا أنه سيكون الدم والسيف بين هذين الأخوين ...مثل هذا التوجه يقول أن الصراع بين الإمام الحسين عليه السلام وبين يزيد ليس حالة طارئة وإنما هي حالة تاريخية ممتدة إلى الأجداد وآباء الأجداد وأجداد الأجداد فهذا أيضًا ضمن هذا المسلسل مثل العشائر الموجودة حاليًا آل فلان وآل فلان وترى العداوات بين الجيل الأول والثاني والثالث وهكذا تستمر العملية إلى أن ينتصر أحد الطرفين على الطرف الآخر انتصارًا تامًا ويسلم الثاني ، فالقضية في نظر هؤلاء كانت قضيةً قبليةً مرتبطةً بالصراع التاريخي بين هاشم وأمية الذين صار بينهما منافرات وحروب وتنافس فهذا يطعم بمقدار وذاك بمقدار أكثر كي يكسره وذاك يجهز بمقدار وذاك بضعفه حتى يكسر سمعته وهكذا حتى حصل حتى تطور من التنافس إلى الصراع والحرب بينهما ، وربما يشير أبو سفيان لشيء من هذا القبيل في بعض كلماته أنه لماذا أنت لا تؤمن برسول الله بعد ما استبان لك ؟ فقال : كنا وبنو هاشم يطعمون فنطعم ويرفدون فنرفد ويجهزون فنجهز إلى أن قالوا منا نبي فهل تريد منا أن نستسلم بهذه الطريقة إنما لا بد أن نواجه . 

فإذن هذا سبب آخر يذكره بعض المؤرخين .

والجواب على هذا الكلام أنه من الممكن أن يفسر هذا الأمر موقف بني أمية ( موقف أبو سفيان موقف معاوية موقف حرب وموقف يزيد فيما بعد  ) من بني هاشم ومن الحسين عليه السلام هذا ممكن وعندنا شواهد على هذا الأمر فأبو سفيان حين يرى جثة حمزة بن عبد المطلب يتعامل معه ضمن الصراع التاريخي من الانتقام الذي يمثل به وينتزع كبده ثم تحاول زوجته هند أن تقضم كبده ضمن هذا الصراع . أو معاوية كما ينقل عنه ابن الوليد بن المغيرة فكان يقول أن المغيرة بن شعبة كان يجالس معاوية فيرجع إلى بيته وهو معجب بسياسة معاوية وبقول ( هكذا لتكن الملوك ) إلى أنه في إحدى الليالي جاء وكان جدًا مستاء فخشيت أن تكون منزلته وحضوته عند معاوية قد سقطت فسألته : ما الأمر ؟ فقال : جئتك من عند أخبث الناس . فقلت من : قال معاوية . فقال : ما كان رأيك فيه هكذا . فقال له : نعم في هذه الليلة قلت له بعد أن تبسط في الكلام ، قلت له : إنك الآن قد ظهرت أصبحت صاحب دولة والكل سلم لك ، فلو نظرت إلى بني عمك من بني هاشم فوصلت رحمهم وأنعشت محتاجهم كان ذلك أحسن . فقال : لا إن أخا تيمٍ حكم فعدل يقصد الخليفة الأول فما عدا أن هلك وهلك ذكره وإن أخا عديٍ يقصد الخليفة الثاني قد حكم فعدل فما عدا أن هلك فهلك ذكره ثم ملك أخونا عثمان فما عدا هلك فهلك ذكره وهذا ابن أبي كبشة ( يعني رسول الله ) يصرخ به في كل يوم خمس مرات لا والله إلا دفنًا دفنًا ( يعني أنا لا يهدأ لي بال إلا أن أطمس هذا الأثر )

فأكبرت منه هذا الأمر . 

   فمثل هؤلاء بالفعل ينظرون للقضية على أنها صراع تاريخي بين قبيلتين حتى لقد ذكروا أن مروان بن الحكم أرسله معاوية كي يخطب بنت عبدالله بن جعفر يعني بنت زينب الكبرى لولده يزيد فقام مروان بن الحكم في مجتمع بني هاشم وقال : إن أمير المؤمنين معاوية أرسلني خاطبًا بنت عبدالله بن جعفر لولده يزيد والمهر بالغًا ما بلغ وعلى صلح الحيين هاشم وأمية . وهنا الشاهد أنه بعد الزواج يكون الصلح وتنفرج الأمور بيننا . فقام الحسين عليه السلام وقال : أما قولك تزويج فلانة لفلان فإني زوجتها لابن عمها فلان وأما قولك صلح ما بين الحيين فإن الذي فرق هذين الحيين هو أحكام الله تعالى فلا يصلحه الزيجات والمجاملات .

نريد أن نبين أنه بعض الإشارات يستفاد منها هذا المعنى ، لكن قضية أن الموقف الحسيني كان في وجه بني أمية لأن التاريخ كان هكذا غير صحيح .

    نعم كان الخط الأموي معاديًا للرسالة ومتآمرًا على رسول الله صلى الله عليه وآله ويريد القضاء على هذه الرسالة فهو في الأساس خط شهواني منحرف غير متدين غير أخلاقي وكان من الطبيعي أن يصطدم معه الخط المحمدي والخط العلوي فيما بعد والخط الحسيني فيما بعد وهكذا إلى سلسلة المعصومين عليهم السلام ومتى ما عدل هذا الخط أمره ولو بشكل نسبي كما حصل أيام عمر بن عبد العزيز بشكل نسبي تم التعديل فقد رفع اللعن عن الإمام علي عليه السلام وخفف من تحدي القيم الدينية نسبيًا  وإن كان أصل الخلافة فيها كلام  .

فإذن هذا التوجه الذي يقول أن أساس الصراع كان بسبب قضية تاريخية وعائلية وقبلية لا يمكن أن يقبل على إطلاقه نعم هو من جهة بنو أمية كانوا يواجهون أهل البيت ضمن أطر منها الإطار القبلي وأما أهل البيت عليهم السلام فإنهم كانوا يواجهون بنو أمية ضمن الإطار المبدئي والرسالي ولذلك وجدنا بعض بني أمية من المقربين للأئمة كسعد الخير وهو سعد بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم وهو من خلص أصحاب الإمام زين العابدين عليه السلام وله معه أحاديث كثيرة ويأتي للإمام ويقول له كلما أتذكر حالي وأني من الشجرة الملعونة أتأذى فيهدئه الإمام زين العابدين ويقول له أنت منا أهل البيت وهو اللقب الذي منح لعدة أشخاص منهم هذا الأموي حفيد مروان بن الحكم .

التوجه الثالث : أن سبب حركة الإمام الحسين عليه السلام كانت بسبب خديعة أهل الكوفة له برسائلهم وأن الإمام الحسين لم يقدر الظروف بشكل جيد وخرج وتورط حسب ما ينقلون وأعرب عن هذا الكلام ولو بشكل غير مباشر عبدالرحمن بن خلدون صاحب المقدمة المعروفة مقدمة ابن خلدون والذي بنفس المقدار التي كانت مقدمته قوية ومتينة لكنه حين يبحث في التاريخ تجد الركة والتهافت والضعف واضح ، فيقول أن الحسين لم يقدر الأمر الدنيوي بشكل صحيح فما لبث أن جاءته كتب أهل الكوفة وخدع بها حتى قام في وجه حكومة قوية ناهضة وبالتالي اصطدم بها وانتهى أمره إلى الموت .

طبعًا هو يقول من الناحية الدينية لا غبار على الإمام الحسين عليه السلام قام بوظيفته الدينية ولكن من الناحية الدنيوية كان غير مقدر للأوضاع .

ونحن هنا نقول كلام واحد فقط وهو: أنه متى وصلت كتب الكوفة للإمام الحسين ؟    

أقرب وقت لوصول كتبهم إليه كان في شهر رمضان بعد ما وصل إلى مكة المكرمة.

متى خرج الإمام الحسين عليه السلام معلنًا أنه لا يبايع وأنه خارجٌ للإصلاح ؟

كان في السادس والعشرين من رجب 

فبين شهر رجب وشهر رمضان ثلاثة أشهر تحرك فيها الإمام الحسين ونهض وأعلن أنه لا يبايع وأن يزيد رجلٌ فاسق فاجر عاملٌ بالفجور شاربٌ للخمور ومثلي لا يبايع مثله وإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا وإنما أريد الإصلاح في أمة جدي ، وهذا الكلام كان قبل ثلاثة أشهر من وصول كتب الكوفة إليه ومعنى ذلك أنه لم يكن لها أثرٌ في انطلاقته وفي حركته لأن الإمام تحرك بالفعل قبلها .

ماذا كان أثر هذه الكتب ؟ نتحدث عنه إن شاءالله في ليلة أخرى  ومالذي فعلت وصنعت هذه الكتب بالنسبة للإمام الحسين عليه السلام .

هذه جملة مما ذكره الكتاب والمؤرخون في منطلقات الثورة الحسينية .

ومن الأشياء التي استفاد منها الإمام الحسين في موضوع الكتب هي قضية المحاكمة لأهل الكوفة ، أنه أنتم كتبتم لي وأنتم دعوتموني وأنت يا شبث بن ربعي ويا حجار بن أبجر ويا فلان وأنت يا فلان كتبتم لي وهذه كتبكم ورسائلكم ، وهذا شيء مهم في قضية الاحتجاج نتعرض له فيما بعد إن شاء الله . 

فالإمام الحسين استفاد من هذه الكتب بهذا المقدار بحيث يرسل مسلم بن عقيل كرائد استطلاع والشيء الثاني أن يستطيع الاحتجاج والمحاكمة لهؤلاء وهذا يخدمه لتغيير ثقافة الجند كما سيأتي في بقية الحديث مفصلًا . 

   خاطبهم أنتم كتبتم لي وأرسلتم رسائلكم فلما حجهم لم يملكوا جوابًا ، ففي الخطبة الأولى لم يجيبوا بشيء ، وبعد ذلك في الخطبة الثانية كما سمعتم عندما خرج عليهم بهيئة رسول الله وقال فلم تقاتلوني قال بعضهم طاعةً للأمير ابن زياد فخطب فيهم : تبًا لكم أيتها الجماعة وترحًا أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفًا لنا في أيمانكم وحششتم علينا نارًا اقتدحناها على عدونا وعدوكم بغير عدلٍ أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم فهلا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشين والرأي لما يستحصف ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا وتداعيتم عليها كتداعي الفراش أجل غدرٌ والله فيكم قديم وشجت عليه أصولكم وتآزرت عله فروعكم .

هذا الخطاب هو موجه للفئة المسيطرة أكثر مما هو موجه لأولئك الجنود الصغار فهو موجه لجماعة عندهم سلطة وسطوة ويستطيعون أن يؤثرون مثل شبث بن ربعي ومحمد بن الأشعث والحجاج بن أبجر والحصين بن نمير الذين كانوا شخصيات اجتماعية . ولكن ...

      لم أنسه إذ قام فيهم خاطبًا       فإذا هم لا يملكون خطابًا 

     يدعو ألست أنا بن بنت نبيكم    وملاذكم إن صرف دهرٍ نابا

    هل جئت في دين المبي ببدعةً   أم كنت عن أحكامه مرتابا 

أولم يوصي بنا النبي وأودع         الثقلين فيكم عترةً وكتابًا   

فغدوا حيارى لا يرون لوعظه      إلا الأسنة والرماح جوابا


مرات العرض: 5722
المدة: 00:53:39
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 6.14 MB
تشغيل:

نعم الله في دعاء الحسين عليه السلام
منطلقات النهضة في كلمات الحسين عليه السلام