شرح دعاء الافتتاح (1)
تأكيد القرآن والمعصومين على الدعاء
تحرير الفاضل أحمد الحسين
هذه الاحاديث ترتبط بدعاء الافتتاح والتأمل فيه واستجلاء العبر، والدروس منه.
وحيث أن الدعاء على وجه العموم - وهذا الدعاء على وجه الخصوص- يمثل مدرسة معرفية في أكثر من جانب - كما سيأتي الحديث عنه - لذا لابد قبل البدء بالحديث في ذات الدعاء وفي معانيه أن نقدم ببعض المقدمات:
منها تأكيد القرآن الكريم والمعصومين عليهم السلام على الدعاء باعتباره مخ العبادة وسلاح المؤمن والطريق الأقرب والأقصر إلى الله سبحانه وتعالى، فقد وجدنا أن التركيز على الدعاء والتوجيه إليه أخذ حيزا كبيرا من التوجيهات الدينية.
ففي القرآن الكريم يخاطب ربنا سبحانه وتعالى الخلائق: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ). أي أنّ الله مستغن عنكم لا يحتاج اليكم بل انتم في موقع الحاجة، وأنّ الذي يجعل الله سبحانه وتعالى يلتفت اليكم، ويرعاكم، ويحفظكم، ويرزقكم، هو توجهكم اليه ودعاءكم اياه.
وعندما يتساءل المسلمون من نبيهم صل الله عليه وآله عن الله تعالى: هل أن الله قريب حتى يناجى ام انه بعيد حتى ينادى؟ تجيب الآية المباركة (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
وهكذا يرتب الله استجابته للناس على اثر دعاؤهم اياه، (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فاذا قمتم بالدعاء فإنه يقتضي الاجابة من الله عز وجل.
بالنسبة للسنة الشريفة سواء من لسان النبي ص أو من أئمة الهدى ع فإننا نجد في ذلك شيء واسعا جدا في أصل التأكيد على الدعاء، وفي موجبات استجابة الدعاء، وفي آدابه وسننه. ولا يختص بذلك فقط، فتوجد أيضا المعاني الضخمة والمفصلة لقضايا العقيدة، وحاجات الانسان، وتطلعاته في مستقبل حياته.
كل هذه الأمور تحتويها تلك الادعية وتلك النصوص، ففي الخبر المروي عن رسول الله (يدخل الجنة رجلان كانا يعملان عملا واحدا فيرى أحدهما صاحبه فوقه، فيقول: يا رب بما أعطيته وكان عملنا واحدا؟ فيقول الله تبارك وتعالى: سألني ولم تسألني) ... يظهر من الروايات الواردة في صفة الجنة أن الناس هناك يطلعون في الجملة على منازل غيرهم ممن هم أعلى منهم، فيقول يارب: بما اعطيته وكان عملنا واحدا؟ فيقول تعالى لهذا السائل: "سألني ولم تسألني" كانا يعملان عملا واحدا ولكن هذا الطرف كان أكثر طموحا في السؤال، كان يسال الله اعلى الدرجات واقصى المراتب، فبلغه الله اياها، بينما قعد هذا عن سؤال ربه فكان نصيبه ذلك المكان المتواضع. فإذا مراتب الجنة والتعالي فيها بدرجاتها يرتبط بمقدار سؤال الانسان لربه .
في وصية لأمير المؤمنين لابنه الحسن فيما يرتبط بالدعاء "يابني اعلم ان الذي بيديه خزائن ملكوت الدنيا والاخرة قد اذن لدعائك وتكفل لاجابتك عندما قال (فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) وأيضا قال (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فهوقد تكفل للاجابة، وامرك أن تسأله ليعطيك، وهو رحيم كريم لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك الى من يشفع لك اليه، ثم جعل في يدك مفاتيح خزائنه بما اذن فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء ابواب خزائنه " ومن أصدق من الله حديثا؟! ومن أصدق من الله قيلا وعدة؟!•
" وامرك أن تسأله ليعطيك" ما أمر الله بالسؤال حتى يمنع العطية ولكن جعل السؤال طريقا لزيادة العطاء وأمرك أن تسأله ليعطيك.
• "وهو رحيم كريم لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه" حتى الشيطان لا يستطيع ان يحجب الانسان عن ربه الا اذا جعل الانسان ذلك الشيطان حاجبا وحاجزا، فلا يمكن للشهوة ان تكون بذاتها حاجبا وحاجزا بين الإنسان ربه الا اذا منع الانسان نفسه عن استقبال عطاء الله؛ بأن خفى نفسه وراء رداء الشهوة وحجاب الغريزة.
• "ولم يلجئك الى من يشفع لك اليه ثم جعل في يدك مفاتيح خزائنه بما اذن فيه من مسألته" ألقى الله سبحانه وتعالى مفتايح خزائنه بين يديك أيها العبد، هذا مفتاح الرزق فافتح خزائن الرزق الالهية، و ذاك مفتاح العلم فافتح خزائن العلم الالهية، و ذاك مفتاح التوفيق فافتح خزائن التوفيق الالهية هذه المفاتيح بين يديك وهي جمل الدعاء التي تخاطب بها ربك.
• "فمتى شئت استفتحت بالدعاء ابواب خزائنه" اذا كانت خزائن البنوك وخزائن البيوت لا تفتح الا في اوقات معينة، فإن خزائن الله لا وقت محدد فيها فأنت تستطيع ان تستفتح بالدعاء ليلا، وتستطيع أن تفعل ذلك نهارا، وتستطيع في اول الفجر.. ف هلم ايها المؤمن لكي تفتح بالدعاء خزائن الله التي لا تنفد.
روي عن الامام الحسن ع: "ما فتح الله على احد باب مسألة فخزن عنه باب الاجابة" عليك أيها المؤمن عمل بسيط بأن ترفع يديك الى الله سبحانه وتعالى، كما يقول رسول الله ص "فاسألو الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة" حتى يعطيك الله ما تشاء من خزائنه
|