السرقة تهدم اقتصاد المجتمع
تفريغ نصي الفاضلة فاطمة الخويلدي
تصحيح الأخ الفاضل أبي محمد
( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )[1]
حديثنا بعون الله يتناول موضوع السرقة باعتبارها أحد الذنوب الكبيرة التي ورد ذكرها في نصوص الروايات، وأنها من الكبائر بالإضافة إلى انطباق أحد التعاريف الكبيرة عليها، فالذنوب التي تكون لها حدٌ مقررٌ في القرآن الكريم تكون من الكبائر، ومن الحدود القليلة التي وردت في القرآن الكريم على بعض الذنوب كان حد السرقة في قوله تعالى ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
قبل أن نتحدث عن حكم السرقة وكيفية الحد المرتبط بها نشير إلى بعض الدوافع التي تدفع السارق للسرقة وهي ذات جهة اجتماعية:
دوافع السرقة:
1-اعتقاد السارق بأن له الحق فيما أخذه:
أحد الدوافع التي تدفع من يسرق للسرقة هو اعتقاده أو تبريره بأن له حقاً في المال المسروق، عندما يقدم بعض الناس على أخذ شيئاً وسرقته يبرر لنفسه ويعلل الفعل بأن له حقاً في هذا المال المسروق فهو يأخذ حقه وهذا أمر طبيعي، مثلاً قسم من الناس عندما يعملون في مؤسسة حكومية كأمين مخزن أو تحت يده مقدار من الميزانية أو غير ذلك، فبينه وبين نفسه يقول هذه الحكومة حكومة ظالمة وأنا من الشعب المظلوم وأموال الدولة تأتي من منطقتنا فإذن لو أخذت شيئاً من هذا المال من الميزانية أو اخذت جهازاً من الأجهزة فإنما أخذ حقي من هذه الحكومة التي لا تعدل بين الناس، فأنا استلم مالاً فيه حقٌ ولست بسارق، بل ربما يظن أن حقه اكبر من هذا ولكنه متنازل عن الباقي فمن المفترض في ظنه أن يسرق أكثر.
هذا الكلام كلام باطل وغير صحيح، أولاً ليس معلوماً أن له حقاً، وإذا علم أن له حق ليس معلوماً أن حقه في هذا الشيء الذي سرقه وإذا علم أن حقه في هذا الجهاز مثلاً فهو حقٌ على نحو الاشاعة لا على نحو التعيين، فيحتاج إلى معين والمعين هو صاحب الولاية الشرعية أو المالك، الحكومة لنفترض لا تملك يبقى صاحب الولاية الشرعية وهو الحاكم الشرعي والمرجع والمجتهد فيحتاج للذهاب للمرجع ويستأذن ويقول له: باعتبارك صاحب ولاية شرعية هل يجوز لي أن أأخذ هذا المقدار من المال أو لا يجوز؟ هل يجوز لي أن أأخذ هذا الجهاز أو لا يجوز؟ لا يستطيع بنفسه هو أن يتصرف وأن يأخذ. هذا غير جائز وما ذكر من المبررات ليس صحيحاً، هذا فضلاً عن أنه لو أن عامة الناس اعتقدوا بهذه الفكرة، كفلان اعتقد انه له في أخذ مصباح كهرباء كبير ويقول هذا من أموال الدولة آخذه وأضعه داخل بيتي وفلان آخر اعتقدت أن له حق في أخذ مولد كهرباء فيأخذه ويضعه في بيته، وآخر اعتقد أن مخزن الأدوات الطبية الحكومي له فيه حق فيأخذ الأجهزة ويذهب لبيعها، هذه الأعمال تؤدي إلى خلل في النظام الاجتماعي، وتؤدي إلى انهيار المجتمع، ولا ريب أن الاخلال بالنظام الاجتماعي أمرٌ غير جائز شرعاً، فقد يبرر واحد هكذا ويدفعه ذلك للسرقة.
أو على المستوى الفردي مثلاً بين العامل ورب العمل، عامل بينه وبين نفسه يقول أنا أعمل من الساعة الثامنة صباحاً إلى الساعة الرابعة عصراً واستلم مقابل ذلك الفين او ثلاثة ألاف ريال، ورب العمل في راحة ويأتيه ربح يومي بخمسين الف ريال كيف هذا؟! أنا حقي أكثر من هذا وهو لا يعطيني إياه! إذن ما يصل لى يدي سوف أدخله في جيبي. هذا ايضاً غير جائز فأنت محكومٍ بعقد واتفاق بينك وبين رب العمل، إذا لم تقبل بهذا العقد أفسخه، أما إذا قَبِلت به فلا يجوز لك أن تتجاوزه وأن تأخذ أكثر مما هو مقرر لك خفية وخلسة لأن هذا نوع من انواعٍ السرقة.
أو قد تكون السرقة على مستوى البيوت والأسر، الزوجة تعتقد أنه الزوج يجب يعطيها، لماذا فلانة بنت فلان لديها ذهب تتزين به وأنا لا أملك شيء؟! هذا الزوج لا يعطيني سوى مبلغ بسيط كخمسة مائة ريال شهرياً، أنا لي حق أكثر من هذا، فإذا جاء على عادتي أأخذ من جيبه نقود دون أن يحس هذا غير جائز، هذا نحو من انحاء السرقة، نعم لو كان لا يعطيها مقدار النفقة الواجبة عليه وراجعته ولم يستجب، فقط في النفقة الواجبة تأخذ كالطعام والكسوة العامة وليس لتشتري اشياء هو غير مسئول عنها، إذا كان كذلك يجوز لها في حالة أنه يحرمها من النفقة العامة الواجبة لها وراجعته ولم يعطيها، فيجوز لها أن تأخذ من ماله بمقدارها بمقدار الثياب المتعارف عليها بأنها تستر بدنها وبمقدار الطعام المتعارف الذي تأكله، وهذا ما يستفاد من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله عندما قال لهند بنت عتبة زوجة ابي سفيان وقد جاءت تشتكي على أبي سفيان، قالت: يا رسول الله أن أبا سفيان رجلٌ شحيح بخيل لا يعطيني شيئاً، وأنا احتاج إلى أكل وشرب ونفقة على الأولاد، فقال لها خذي لك ولولدك ما يكفي بالمعروف لا تجعلي يدك مفتوحة، فقط خذي ما يكفيك مع اولادك بالمعروف ما دام أنت تراجعينه وهو لا يستجيب. فعلاً هكذا تدخل عليه أموال ومع ذلك إذا يصرف على أهله كأنما روحه تخرج مع الأموال فأمرها ان تأخذ لها ولولدها ما يكفي بالمعروف، بهذا المقدار يجوز وهذا نهديه إلى معاوية عندما نقل عنه أنه لو ولد أبو سفيان الناس كلهم لولدهم كرماء حلماء، هذا الكرم الذي جعل زوجته تذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وتشتكيه على أنه بخيل شحيح لا يعطي شيئاً كيف يلد حلماء وكرماء؟!
وهذه القصة ليست فقط في مصادرنا وإنما في مصادر غيرنا فهي موجودة ويستشهد بها في الفقه عند الفريقين في باب نفقة الزوجة.
أحياناً الزوج هكذا والزوجة احياناً هكذا، بعض الأزواج عندما تكون زوجته موظفة يطلبون من زوجاتهم بإيداع رواتبهن في حساباتهم، لماذا؟ يقولون لهن لأن حقنا عليكن أعظم من هذا، ألم تسمعي النبي صلى الله عليه وآله يقول: ( لو كنت آمراً أحد أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها )،هذا لا يجوز لمثل هؤلاء الرجال أن يأخذوا منهن درهماً واحداً بدون رضا قلبها، بعض النساء يشتكين أنه إذا لم نعطي الزوج ما يريد من مال يطلقني، هذا ليس رضى وحتى لو أخبرها بأنه سوف يصرف هذه النقود عليها، لا يجوز له ذلك.
مقدار الواجب أن تصرف عليها من جيبك فهذه هي مسئوليتك، أما تأخذ نقودها وتصرفه على أولادك فغير جائز، هذه تعتبر سرقة واستيلاء على مال الغير من غير مبررٍ صحيح.
ولكن هنا نشير إلى عدة أمثلة:
عندما يعتبر الشخص نفسه صاحب حقٍ في هذا المال الذي استولى عليه وسرقه، مرة يعتقد نقود الحكومة حقه ومرة يعتقد نقود رب العمل حقه ومرة يعتقد نقود زوجته حقه ومرة تعتقد هي أن نقود زوجها من حقها، هذا كله غير صحيح، لأنه يقترن بعدم الإذن وعدم طيب القلب من الطرف الذي يملك المال هذا من جهة، من جهة أخرى من الدوافع اعتبار الانسان نفسه صاحب حق، هذا يدفعه إلى الاستيلاء على مال الغير وعلى السرقة، فالبعض يأتي ويقول لك هذا الرجل غني وذو ثروة طائلة ماذا سيفعل بها؟ لماذا لا يلتفت إلى هؤلاء الشباب الذين لم يتزوجوا؟ دعنا نذهب ونسرق ما عنده، ما هذا الكلام فليكن لديه مال قارون، فإذا اكتسبها من حلها وأدى حقها، فليس لك حق عليه حتى تأخذ منه، نظراً لأنه يملك المال وأنت لا تملك المال فلا يوجد اي مسوغ شرعي يسوغ لك هذا.
2-الرغبة في التباهي والتفاخر:
أحد الدوافع أيضاً التي تدفع البعض للاتجاه إلى السرقة ولاسيما في الفئة المراهقة الشبابية هو الرغبة في التفاخر والتباهي إما على مستوى المقتنيات أو على مستوى الصفات، بعض الشباب مثلاً عمره ١٧ أو 18 سنة أقل أو أكثر، يريد أن يتفاخر بين أقرانه بأنه يمتلك أجهزة حديثة متطورة كالعطورات الغالية الثمن أو ملابس ذات الماركات العالمية أو سيارة فارهة أو ما شابه ذلك، وغيره من الشباب يرى نفسه محروم من هذه القضية فلكي يقوم بنفس الأمر يحتاج إلى سنين طويلة ليحقق جزء منها فهو يحتاج إلى أن يتخرج ويعمل ويجمع الأموال فيحتاج إلى عشر سنوات أو أكثر، فلا يوجد لديه استعداد لانتظار كل هذه المدة، فأقصر طريق أن يذهب إلى السرقة حتى يشتري هذه الاشياء ويتباهى بها ويتفاخر بين أقرانه، فيستعرض ما عنده أمامهم لأن في نظره هذه الأشياء هي التي ترفع من قيمته، فآخر ما نزل في سوق من هواتف ذكية أو عطور يقتنيها اعتقاداً منه بأن هذه الأشياء ترفع من شخصيته وقيمته وتصبح مهمة بقيمة ما يشتري من الأشياء فقط، وليس بعقله ولا بشخصيته ولا بعمله ولا بنجاحه ولا بدوره في المجتمع.
فقسم من الناس يدفعهم التفاخر بالأشياء والمقتنيات الغالية الثمن إلى توفيرها بأي طريقة من الطرق حتى لو من السرقة أو احيانا ًتفاخر بالصفات هو انه أنا شجاع جريء وليس جبان مثل غيره، لاسيما إذا كان معه رفقة من هذا النوع.
3-إثبات الرجولة والقوة:
بعض المجموعات من الشباب تجدهم يتفاخرون فيما بينهم فيقولون هذه الليلة عندنا (تسيارة) مكان ما ، كل أسبوع مرة نقتحم مكان ونخرج وجيوبنا ممتلئة. هكذا هي البطولة لابد للواحد أن يكون قلبه حديد لا يهتم لشيء ولا يخاف من شيء، يزينون له ذلك وكأنما هذه شجاعة وجرأة ورجولة وحتى لا يكون هو شاذ بينهم وبعيد عنهم فيقول أنا معهم حتى اصبح شجاع وأصبح قوي وقلبي حديد ولا أخاف من شيء، فيتورط معهم في هذا الطريق، ففي بدايته تكون حلاوة لأنه يحصل على نقود بوقت قليل، وهذا يساعده على الاستمرار في السرقة.
4-العوز والحاجة:
حالات العوز والحاجة وما شابه ذلك التي تدفع الإنسان لسد حاجته.
السرقة ليست فقط ذنب من الذنوب الكبيرة التي أثرها على الانسان نفسه، يوجد سرقة تخرب نفس الانسان لأنها تغير مساره الطبيعي، المسار الطبيعي للانسان يمشي على اساس ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[2] والثروة أمر تدريجي يمر عبر السعي والتفكير والجهد والتراكم إلى ان يصبح الانسان صاحب ثروة وصاحب أملاك، هذا النظام الذي هو نظام الهي صحيح مختل عنده، فيقول له لا هناك طريق أسرع من هذا وأقل جهد، وهو أن الإنسان يذهب باتجاه صفقة أو صفقتين أو ثلاث بشكل سريع واستريح في باقي الأيام، خير من العمل الرسمي اليومي وأحصل من خلاله على راتب في نهاية الشهر، فهذا مختل التوازن الصحيح عنده، والأثر الأخطر من هذا وهو الأثر على المجتمع إذا شاعت فيه السرقة والاستيلاء على الأموال مما يؤدي بالتدريج إلى انهيار اقتصاده فيصبح الكل يجري في هذا المسار فلماذا يعمل الواحد بشكل طبيعي ويجهد بشكل طبيعي ما دام هناك مسار أن الانسان يسرق ويستولي على مال الآخرين بشتى الوسائل مرة يسرق من الحرز ومرة من خلال سرقة البطاقة الائتمانية ومرة باحتيال الكتروني ومرة بتزوير وغش وغيرها من الأساليب المنحرفة، فلماذا ينحى نحو الاطار الطبيعي وهو يرى أن هذه الأمور اسهل وأسرع فإذا اصبحت هناك فئة كبيرة من المجتمع متوجهة نحو هذا الاطار الخاطئ ستفقد المجتمع الثقة بهذا الاقتصاد فينهار اقتصاده.
نيجيريا مثال صارخ على عمليات الاحتيال الإلكتروني على مستوى العالم:
من الاشياء التي تذكر في هذا الزمان أن من أسوء اقتصادات العالم من حيث الثقة كما يذكرون هو في نيجيريا مع أن عدد السكان فيها لآخر احصائية صدرت في 25/01/2019 هو 193,3 مليون نسمة حيث أن هذا البلد فيه ثروات جيدة ولكن اقتصادها يعد من أسوء الاقتصادات الطاردة للاستثمار، ليس فقط للمستثمرين الأجانب بل حتى أصحاب رؤوس الأموال المحليين يستثمرون خارجها، لماذا؟ لأنها مشهورة على مستوى الاحتيال والسرقة بشتى أصنافها، وهي تعتبر من أوائل بلدان العالم في هذا الجانب، كما أنها تعتبر من أكثر البلدان التي يوجد فيها عمليات احتيال الكتروني، فالرسائل الكثيرة جداً التي تأتي عبر الجوال والبريد الإلكتروني لمختلف الأفراد في الدول ولا سيما دول الخليج، أنه أنا مثلاً ابنة أحد الأمراء السابقين وما شابهها عندي عشرة ملايين دولار وأريد ان أحولها إلى حساب في خارج بلدي، فمن يعطيني رقم حسابه اعطيه نصف هذا المبلغ أو ثلثه، فلو أن هناك شخص كل رأس ماله هو مئة ألف ريال وشخص يحكي له عن خمسة ملايين دولار، فهذا سيطير عقله إن كان عاقلاً، وقد حصل هذا قبل مدة من الزمان، حيث كُتب عن أن أحدهم في صحيفة الحياة يقول وصلني بريد إلكتروني من نيجيريا، انه نحن عندنا أموال كثيرة تصل إلى المليون أو أكثر نريد رقم الحساب حتى يتم تحويلها لي وإذا تم التحويل إلى رقم الحساب نتقاسم المبلغ، فقلت هذه سهلة فقط أعطيهم رقم حسابي فيحولون لي المبلغ وبعدها احصل على نصيبي من غير جهد. فهل يوجد شخص في الدنيا يعطي مثلاً خمسة ملايين دولار لشخص آخر هكذا قربة لله تعالى؟! فيقول: فعلاً أنا تجاوبت معهم فأرسلت لهم رسالة نعم لا يوجد لدي مانع، طلبوا في البداية رقم حسابي في البنك فأرسلته لهم، ثم بعد ذلك طلبوا رقم البطاقة الائتمانية فأرسلته لهم، وطلبوا مني وكالة حتى يتمكنوا من إنهاء اجراءات العملية المالية فقالوا: ارسل لنا ورقة موقعة منك حتى نعمل التوكيل هنا لنستخدم رقم حسابك، فأرسلته لهم، بعد مدة قالوا لي ان التحويل من حساب إلى حساب يحتاج إلى مبلغ ولأن المبلغ عالي جداً خمسة ملايين مثلاً ولو فرضنا انهم يحتاجون خمسة بالمئة بالتالي هم يحتاجون مبالغ، بعد ذلك قالوا له الضرائب مطلوبة علينا من قبل الدولة فنحن نحتاج لمبالغ أيضاً، وأنا أرسل لهم ما يطلبون إلى أن وصل أن وصل المبلغ إلى مئة ألف دولار تقريباً، فقلت طالما أني سوف أتحصل مقابلها على خمسة ملايين دولار فهذا جيد، لكن بعد ذلك مضت شهور حوالي سبعة أشهر فقلت لهم: أرسلت لكم نقودي لماذا لا تحولون لي شيء، قالوا لي: مع السلامة وأغلقوا الهاتف وغيروا البريد الإلكتروني إلى أخره.
مثل هذه الامور يعتمد فيها على الاحتيال على سرقة أموال الآخرين سواء سرقة الكترونية أو سرقة مباشرة او غير ذلك، هذا تدريجياً يفقد الثقة بالمجتمع.
عقوبة السرقة في الإسلام:
وجدنا أن عقوبة السرقة في الاسلام عقوبة جداً شديدة، انا لم أرى عقوبة مثل عقوبة السرقة في شدتها استثني القتل الذي عقوبته القصاص، لكن السرقة كما أرى أكثر بكثير في سائر الحدود لماذا؟ لأن افترض مثلاً الزنا فيه الرجم لكن السرقة إذا سرق رجلٍ ما مقداره مئة وأربعين ريال تقريباً من حرزٍ واجتمعت فيه الشرائط تقطع الأصابع الأربعة من يده اليمنى، مئة وأربعين ريال يعني 37 دولار يعني كل أصبع أقل من عشرة دولار، وهذا الذي جعل مثل أبو العلاء المعري يخرج عن طوره فيقول:
يدٌ بخمس مئين عسجد وديت
ما بالها قطعت في ربع دينار
(هذه اليد إذا شخص ما قطعها، لابد أن يدفع ديتها وهي خمسمائة دينار ذهب، هل تعلم كم تساوي؟ قريب من مائتين وخمسين الف ريال، هذه اليد التي قيمتها في حالة الجناية هو ربع مليون ريال ، كيف تقطع الآن بربع دينار؟!
بالمناسبة في حالة السرقة تقطع أصابع يده اليمنى الأربعة عندنا وعلى رأي المذاهب الأربعة تقطع اليد من الكف كامل.
لكن هو يتساءل معترض معتبراً ذلك تناقضٌ ما لنا إلا السكوت له وان نعوذ بمولانا من النار انا لا افهم هذا الكلام لكن استعيذ بالله من نار جهنم.
الشريف المرتضى اعلى الله مقامه كان معاصراً لأبي العلاء المعري وأبو العلاء كان يحترم الشريف المرتضى احترام عظيم جداً حتى قال فيه: لو جئته لرأيت الناس في رجلٌ والدهر في ساعة والأرض دار يعني خلاصة البشرية هو الشريف المرتضى، فقال له: الشريف المرتضى
عز الأمانة أغلاها وأرخصها
ذل الخيانة فافهم حكمة الباري
وفى رواية: حراسة الدم أغلاها وأرخصها
بمعنى عندما كان الله تعالى في مقام تشريع حفظ أعضاء الانسان ولكي يحرس دمه وأعضائه صارت هذه غالية لكن لما صارت خائنة تقطع لأجل حراسة المال فقطعت في ربع دينار، ومن العقوبات الشديدة التي جعلت على السرقة هو هذا الحد في شي ء بسيط أبسط مما نعتقد وهو مئة وأربعين ريال تقطع أصابع يده اليمنى إذا اجتمعت كل الشرائط كالسرقة من حرزٍ وكان بالغاً وعاقلاً ولم يكن في عام مجاعة إلى غير ذلك من الامور التي ذكرها الفقهاء.
الاستيلاء على الأشياء من أماكن عامة هل تعتبر سرقة من حرز ويقام عليها الحد؟
لو أن أحداً اخذ شيئاً من أماكن عامة فلا تعتبر حرز، نفترض أن شخص ما اتى إلى المسجد ورأى ثريا من ثريات المسجد فعجبته فأخذها ومضى، ليس فيها قطع يد ولكنها حرام شرعاً وحرمتها تتضاعف لقداسة المكان، لكن هذا المكان عام وبالتالي ليس حرز وهكذا، الحرز مكان خاص قد يقفل لا يمكن ان يدخل عليه أي إنسان كصندوق او ما شابه ذلك او حتى البيت الخاص الذي لا يدخله إلا أهله فهذا يعتبر حرز لكن بالنسبة إلى الزوجة هو ليس فلو أخذت نقود زوجها أو بالعكس الزوج اخذ نقود زوجته من الدولاب فهذا الزوج أو الزوجة لم يأخذا من حرز لأنهما يعيشان مع بعض في داخل البيت، لكن لو توفرت كل الشروط الاخرى وكان من حرزٍ من مكان خاص يمكن ان يقفل عليه وما شابه، هنا يحد هذا السارق بقطع أصابع يده اليمنى كما هو عندنا الامامية.
استدلال الإمام الجواد عيه السلام بحد السارق:
هناك حادثة تشير إلى معرفة حد السارق وذلك في القصة المشهورة عن حوار الامام الجواد ابي جعفر سلام الله عليه (٢١٨ - ٢٢٥) مع فقهاء المذاهب في عصر الخليفة المعتصم العباسي، حيث جمع الامام الجواد عليه السلام مع عدد من الفقهاء (مجلس فتوى) حيث أتوا بسارق سرق مقدار نصاب أو أكثر، لنفترض دينار ونصف أو خمس مئة ريال أكثر أو أقل فأتوا بهذا السارق وشهد عليه الشهود وهذه النقود بيده ولكي يقام عليه الحد سأل المعتصم العباسي الفقهاء الحاضرين من أين نقطع يده؟ فقال قسم منهم: القرآن يقول ( فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) اليد تقطع من الكتف، قسم أخر قالوا: لا من هنا زيادة، تقطع من من المرفق لماذا؟ قال: لان الله تعالى يقول في أية الوضوء ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ )[3]، هناك كان موجود أبو عبيد الله أحمد بن أبي دؤاد الإيادي الذي كان مفتي في ذلك الوقت وهو شيخ الإفتاء في زمان المعتصم العباسي وكان عالماً كبيراً- قال: لا ليس من هنا ولا من هنا، وإنما هو من هنا ما يسمى بيد التيمم بدليل القرآن الكريم يقول: (َفَاسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ)[4] فمن هنا نمسح بالتيمم فبهذا المقدار نقطع اليد من المفصل، الامام الجواد عليه السلام جالس وساكت فالتفت إليه المعتصم وقال له: ما تقول يا ابا جعفر؟ فقال له: الامام الجواد عليه السلام: قد افتاك القوم قالوا ما عندهم، قال: لا، أريد قولك - هؤلاء الخلفاء عموماً وان كانوا في موقفهم السياسي ضد أهل البيت ولكن يعتقدون ان لدي أهل البيت علومٍ جمة - قال له: اعفني يا أمير المؤمنين - في مثل هذه المواقع إذا الإمام خطأ كلماتهم سيحقدون عليه - فقال له: لا أعفيك لابد لك من ذلك، قال له: إذا كان ولا بد فأرى ان تقطعوا يده من أصابعه الأربعة وتترك يده من غير قطع، قالوا ما هذا الكلام ما هو دليلك على ذلك من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: قد رويتم وروى المسلمون عن رسول الله أن السجود يكون على سبعة مساجد وواحد منها هذه الراحة صحيح ام لا؟ وقد قال الله عزو جل ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[5]
فهذا واحد من المساجد هذا احد معنى هذه الآية وأحد بطونها، وإلا من خلال هذا الكلام وكلام أخر يتبين في الآية بطون متعددة وإنما يفهم القرآن بتمام بطونه مثل الأئمة عليهم السلام، واحد من بطون الآية ومعانيها هو هذا، قال النبي صلى الله عليه وآله: تسجد على سبعة مساجد، وقال: إن المساجد لله، فإذا قطعت اليد من الكتف أو من المرفق أو من الكف لم يبقى له مسجد لكن لو قطع من هذا المكان ( أصابع اليد ) فيبقى له ما يسجد عليه وهذا يصدق عليه يد ايضاً، يد الكتابة ما هي؟ تقول كتبت بيدي مع إنك كتبت بأربعة اصابع في الواقع، فلما رأوا استدلال الامام عليه السلام خضعوا له، والمعتصم الذي موقفه السياسي مخالف للإمام عليه السلام رأى كلام الامام مقنعاً، فأمر ان يقطع أربع أصابع من اليد اليمنى.
بالإضافة إلى وجوه اعتبارية بأن الدين لم يأتي ليكون مصدر عذاب وهلاك وإنما لكي يكون مؤدباً، وهذا المقدار من القطع يأتى التأديب به، لكن لو قطعت بالكامل تكون قد خلقت له إعاقة.
إذن أنت تلاحظ أن الامامية التزموا بالقطع من حد أربعة اصابع ومع ذلك هذا القطع هو صعب على الانسان، فلو أن شخصاً فكر بانه سوف تقطع أصابعه بعد سرقة خمسمائة ريال أكثر أو أقل لن يقدم على السرقة، لكن الشيء الشائع الآن في أكثر البلاد هو انه إذا سرق شخص ما ذهبوا به إلى السجن، وهناك يأكل ويشرب فيحتك بالسراق وأصحاب المخدرات والجنايات في السجن فإذا خرج منه يخرج وهو خبير محترف ويعتبر هذا السجن بالنسبة له بمثابة نزهة حيث يجلس فيه ستة أشهر أو سنة شكل داخله علاقات جديدة مع عصابات جديدة، وهذا في الحقيقة ليس فيه ردع، الردع هو عندما يتحمل مسئولية ذلك فتحسم أصابعه فتضل تذكره باستمرار أنه هل كانت تستحق القضية أن يذهب ويسرق؟ وحتى يرى أمامه آثار السرقة ولا يفكر مرة أخرى في الاقدام على السرقة.
قصة المأمون مع السارق:
نعم هناك مستثنيات في السرقة قد نشير إليها في وقتٍ أخر ان شاء الله وهنا لا يختلف الحال في السرقة فالناس سواسية أمام حكم القانون بين أن يكون السارق صغيراً أو أن يكون كبيراً،حاكماً أو محكوماً، الحاكم في كثير من الأحيان أولى بالقطع من المحكوم لأن إذا هذا سرق ألف ريال، فذاك سرق المليارات، وقد حصة قصة في زمان الإمام الرضا عليه السلام مع المأمون، خلاصتها أنهم أتوا برجل قد سرق طعاماً يساوي مقدار النصاب فلنفترض مثلاً بمقدار مئة وأربعين ريال، فقدموا السارق إلى المأمون حتى يحكم بقطع يده، فبدأ المأمون يوبخه ألا تستحي مثلك رجل وذو شيبة وتسرق؟! سوف نقطع يدك، قال: سبحان الله سارق السر يقطع وسارق العلانية وأشار إلى المأمون لا يقطع، قال له: من هو سارق العلانية؟ قال له: انت لا غيرك، ثم كيف تقطعني وأنت ملك لي انت عبد من عبيدي، قال: كيف أنا عبد من عبيدك وأنا خليفة المسلمين؟ قل ما بدا لك، قال اما أنا سارق إذا أسرق، أسرق حتى اشبع جوعتي وأنا محتاج إلى المال لأنك منعت مال الله عني وعن امثالي من الفقراء، انا اسرق حتى أأكل وأنت تسرق عشرات الآلاف من الدنانير يومياً من دون حاجة منك إليها، أنت تسرقها في العلن لا تُقطع وأنا اسرقها في السر لأكلي وطعامي فأُقطع، سكت المامون ثم قال له: كيف تقول أنا عبدك؟ قال له: بلى أنت أمك جارية مملوكة اشتراها أبوك هارون وليست حرة فأباك اشتراها من بيت مال المسلمين فمعنى ذلك أن كل المسلمين شركاء في هذه الجارية لأنها ليست من ملكه ولا من ماله بل من مال المسلمين وأنا واحد من المسلمين فلي فيها سهم وأنا غير راضٍ عن أبيك عندما أخذ سهمي من بيت مال المسلمين فجزءٌ منك ملكٌ لي، فكيف أنت تقطعني والحال أنه أنا أملك جزء من عندك، تعجب المأمون من هذا الكلام فالتفت إلى الامام الرضا عليه السلام فقال له: ماذا يقول هذا الرجل؟ قال له: والله حجة هذا الرجل قوية.
الشاهد انه أحياناً يحصل في بعض مجتمعات المسلمين أن عامة الناس يسرقون على مستوى العشرات والمئات وحكام المسلمين يسرقون على مستوى المليارات السارق العادي يؤذى ويسجن ويعاتب ويعاقب وسارق المليارات لا يحصل له أي شيء على الاطلاق وهذا الذي يدفع أهل الاصلاح وأهل التغيير لكي يرفعوا عقيرتهم هنا وهناك تاريخياً ومعاصراً.
الامام الحسين عليه السلام ما الذي جعله يرفع صوته ويخرج للإصلاح؟ لأن الافساد بكل مستوياته الدنيا والدينية صنعه بنو أمية في المجتمع الاسلامي، لذلك نهض للإصلاح صلوات ربي وسلامه عليه وخاض تلك المعركة البطولية حتى يبقى لواء الكرامة والعزة للأجيال كما يقول بولس سلامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) سورة المائدة آية 38
[2] ) سورة تبارك آية 15
[3] ) سورة المائدة آية 6
[4] ) سورة الكائدة آية 6
[5] ) سورة الجن آية 18 |