العبادات بين الصورة والهدف
فرض الله الإيمان تطهيرا من الشرك ، والصلاة تنزيها عن الكبر ، والزكاة تسبيبا للرزق ، والصيام ابتلاء لإخلاص الخلق ، والحج تقربة للدين ، والجهاد عزا للاسلام ، والأمر بالمعروف مصلحة للعوام ، والنهي عن المنكر ردعا للسفهاء ، وصلة الرحم منماة للعدد ، والقصاص حقنا للدماء ، وإقامة الحدود إعظاما للمحارم وترك شرب الخمر تحصينا للعقل ، ومجانبة السرقة إيجابا للعفة ، وترك الزنا تحصينا للنسب ، وترك اللواط تكثيرا للنسل ، والشهادة استظهارا على المجاحدات ، وترك الكذب تشريفا للصدق ، والسلام أمانا من المخاوف ، والأمانة نظاما للأمة ، والطاعة تعظيما للإمامة ) أمير المؤمنين . تخضع التشريعات الإسلامية عبادية كانت أو معاملاتية لقاعدة المصلحة والمفسدة ووجود الغرض من تشريعها كما عليه رأي العدلية من المسلمين ( الشيعة والمعتزلة ) ,فلا يمكن أن يشرع الله حكما إلزاميا سواء في جانب الفعل أو في جانب الترك ما لم يكن في فعله مصلحة وما لم يكن في المحرم مفسدة . لا يمكن أن يشرع الله هذا التشريع الإلزامي لأنه حينئذ يغدو عبثا كأن يوجب شيئا بلا هدف ويلزم بأمر بلا حكمة بل يكشف هذا عن نقص في الموجب والآمر , فإن العقلاء إذا رأوا شخصا كرب العمل مثلا يوجب عملا لا فائدة فيه أصلا لا للآمر ولا للمأمور ولا لغيرهما ، فلابد أن ينسبوه إلى النقص أوالجهل .فيقال إنه يوجب هذا الشيء لكي يسد فراغا في نفسه وهو التسلط والتحكم . بالنسبة لله سبحانه وتعالى لا يتصور أمر الجهل بعواقب الأمور، وأن هذا الفعل فيه مصلحة أو مفسدة..كذلك لا يحتاج الله سبحانه وتعالى إلى أن يثبت ذاته..ليس عنده نقص حتى يكمله بالتحكم في عباده وإنما يستأديهم بالتعبد والإمتثال لمصالح يعلمها .وتلك المصالح إما أن تكون بالنسبة لكل شخص في فعل تلك الأفعال أو بالنسبة إلى عموم المجتمع . لذلك اتفق العلماء على أن التشريعات الإسلامية الإلزامية إيجابا وتحريما تخضع لقاعدة المصلحة والمفسدة و لابد أن يكون فيها هدف وحكمة .وهنا نتحدث على وفق مسلك العدلية ، وإلا فإن الأشاعرة من المسلمين لا يعترفون بهذه النظرية ..و يقولون لا تجري أي قاعدة بالنسبة لله، وأنه( لا يُسأل عما يفعل ) فمن الممكن أن يوجب شيئا لا فائدة فيه ,مثلا لو كان الطواف حول الكعبة غير ذي مصلحة لك أو لغيرك فلا مانع من أن يوجبه الله !. ولكن هذا الكلام قد أثبت العلماء والمتكلمون ـ في موضعه ـ أنه كلام متهافت لأن الله سبحانه وتعالى هو رب العقل وخالقه لا يفعل شيئا إلا بعد أن يحكم العقل بأنه حسن. ومما يأتي في هذا البحث ما ذكر من مقاصد وحكم لتشريعات الاسلام تعرض إليها من علماء الشيعة الشهيد الأول في كتابه القواعد والفوائد وتعرض لها من علماء السنة الإمام الغزالي في بعض كتبه والقرافي المالكي في كتابه الفروق ( ت 684 هـ ). وذكروا أن من أهداف تلك التشريعات حفظ الدين.ومن تشريعات حفظ الدين حكم الجهاد، فالجهاد ليس فيه مصلحة للإنسان المجاهد لأنه قد يقتل و يفقد حياته .. فمن الناحية الظاهرية بالنسبة لشخص هذا الإنسان لا توجد مصلحة . لكن هناك مصلحة في عزة الإسلام و حفظ الدين. وهذا المعنى يشير إليه أمير المؤمنين


