ولكني آسى ، مع أنه لو كانت القضية قضيتي فلا مشكلة ..ألقي حبلها على غاربها، ولكن المشكلة عندي هي أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها فيفسدوا العملية الاقتصادية ويتخذوا مال الله دولا ، يعني عوض أن يكون هذا المال خادما لكل المجتمع ضمن دورة واسعة يحرك طاقة العمل في المجتمع كله ..وآنئذ حتى الفقير يستطيع أن يستفيد من هذا المال المتحرك ، بدلا من ذلك يبقى هذا المال متداولا بين مجموعة من الكبار الذي سمّاهم الإمام بالسفهاء والفجار يتداولونه فيما بينهم من دون أن ينال منه بقية أبناء المجتمع إلا الفتات .
ويلاحظ هنا أن التعبير فيه عناية ..المال لمن هو ؟ يقول الإمام هذا مال الله على نحو الحقيقة ، كما في الحديث القدسي عن الله : المال مالي ، والفقراء عيالي ، والأغنياء وكلائي ، فمن بخل بمالي على عيالي أدخله النار ولا أبالي ) المال هو في الواقع مال الله ، باعتبار أنك وما تملك ومن تملك وما عليك وما أكلت وما لبست أنت وكل شيء لله سبحانه وتعالى ..( إنا لله )..نحن ملك لله ملكية حقيقية غير قابلة للانتقال ولا التغيير ولا الإلغاء..بينما سائر الملكيات معرضة للتزلزل ،للإلغاء للإنتقال .
ومن يملك المال في هذه الدنيا إنما هو وكيل عن الله سبحانه في التصرف فيه بالنحو الصحيح في أمور حياته والعود على من يحتاج من الناس ، فإن فعل ذلك فقد قام بحق الوكالة والوديعة وإلا كان قد ارتكب حراما كما في الحديث عن الامام الصادق : عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : أترى الله أعطى من أعطى من كرامته عليه ، ومنع من منع من هوان به عليه ، كلا ، ولكن المال مال الله يضعه عند الرجل ودائع وجوز لهم أن يأكلوا قصدا ويشربوا قصدا ، ويلبسوا قصدا ، وينكحوا قصدا ، ويركبوا قصدا ، ويعودوا بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين ويرموا به شعثهم ، فمن فعل ذلك كان ما يأكل حلالا ، ويشرب حلالا ، ويركب حلالا ، وينكح حلالا ، ومن عدا ذلك كان عليه حراما ، ثم قال : ( لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) أترى الله ائتمن رجلا على مال يقول له : أن يشتري فرسا بعشرة آلاف درهم ، وتجزيه فرس بعشرين درهما ، ويشتري جارية بألف وتجزيه جارية بعشرين دينارا ، ثم قال : ( لا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين ) .
فكأنما شرط تمليكه إياه أن يعمل فيه بهذه الطريقة السليمة ، من دون إسراف أو تبذير ، أو احتكار عن الغير ..لم يرفض محبة المال بل جعله زينة الحياة الدنيا ، ولم يمنع عن الاستكثار في المال أو يحدده بمقدار معين بل طلب منه إدارته بشكل صحيح .
وقد ورد في الحديث أن ( التقدير نصف المعيشة ) ، و ( ما عال من اقتصد) وقال الإمام في وصف المتقين أن ( ملبسهم الاقتصاد ).
بعد هذا أشرك الإسلام المجتمع مع هذا الإنسان في ماله ، قائلا أن مالك جزء من دورة اقتصادية في المجتمع ،فلابد أن تساهم في هذا المجتمع . بل إن هذا المال الذي بيدك لم يكن ليصل إليها من دون مشاركة المجتمع في ذلك .والشاهد على ذلك أنك لو أخذت أموالك إلى مكان ليس فيه أحد ، لا تستطيع أن تستثمرها أو تنميها .هل ينمو مال في الصحراء ؟ هل يتكثر من غير مجتمع ؟ إن أدنى شيء تحتاج إليه هو أن يوجد متعاملون معك ؟ وأن يكون هناك طريق تمشي عليه ، وسوق تسعى فيه ! ومواصلات تسهل اتصالاتك وهكذا ، فلو أردت بنفسك أن تقوم بكل ذلك لكان عليك أن تنفق جزءا من ثروتك لتشق لنفسك طريقا يوصلك إلى مقصدك ..وهكذا الحال بالنسبة إلى سائر المرافق الأخرى ، فما تدفعه هو شيء بسيط جدا في المشاركة الاجتماعية .
يخاطب الاسلام هذا المالك فيقول له هذا المجتمع الذي خدمك ونمّى ثروتك شريك لك ..لذلك إذا لم تنمُ ثرواتك ..لا أحد يطالبك بشيء من الخمس مثلا .وهكذا الحال بالنسبة إلى الزكاة لو لم تبلغ النصاب .وفرض زكاة الفطرة الواجبة .
كما ندب ورغب إلى العطايا المستحبة أيضا، كالصدقة المستحبة والأثلاث و الوصايا والأوقاف .. وغيرها من أجل أن تشارك المجتمع حيث أنه بنى جزءا من ثروتك .
وحاصل كل ذلك أن جعل المال خادما لمالكه ، دون أن ينعكس الأمر فإنه يحدث أحيانا أن يكون الشخص هو الخادم ، والمال هو السيد ، فتراه يهلك صحته ، وينهي وجوده الاجتماعي ، ويفسد علاقاته ، من أجل صيانة ماله وتجارته .. حتى إذا انتهى الجزء الأكبر والمفيد من العمر استيقظ آنئذ إلى أن ماله لم يكن ليصنع له شيئا !
ولصيانة الجهة الاجتماعية منع الإسلام من العمليات الكاذبة في كسب الربح والثروة والتي يعبر عنها الفقهاء بأكل المال بالباطل (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) ، فمنع الربا لأن الربا بنوعيه القرضي والمعاملي من الأكل بالباطل ، فأنت لم تفعل شيئا! أقرضت إنسانا مالا بشرط أن تسدده له بزيادة ، أنت لم تنفع بهذا المال غيرك بل أهلكته فلو كان لديه زيادة لم يمكن يقترض الناقص ، لو كان لديه ألف ومائتان ما كان يقترض الألف منك ! لو كان يستطيع أن يدفع رأس المال لما جاء واقترض ..وأنت فوق هذا أيضا تزيد عليه بمائتين.
آلات القمار حرمت لأنها أيضا من طرق أكل المال بالباطل وما يتبعها من المقامرة ، محرمة عند الفقهاء ..هذا لا ينمي المال العام ولا ينمي المجتمع ( وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله )هذه ليست تنمية حقيقية .
المال في جهته الفردية والاجتماعية
|
|
|
ولكني آسى ، مع أنه لو كانت القضية قضيتي فلا مشكلة ..ألقي حبلها على غاربها، ولكن المشكلة عندي هي أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها فيفسدوا العملية الاقتصادية ويتخذوا مال الله دولا ، يعني عوض أن يكون هذا المال خادما لكل المجتمع ضمن دورة واسعة يحرك طاقة العمل في المجتمع كله ..وآنئذ حتى الفقير يستطيع أن يستفيد من هذا المال المتحرك ، بدلا من ذلك يبقى هذا المال متداولا بين مجموعة من الكبار الذي سمّاهم الإمام بالسفهاء والفجار يتداولونه فيما بينهم من دون أن ينال منه بقية أبناء المجتمع إلا الفتات .
ويلاحظ هنا أن التعبير فيه عناية ..المال لمن هو ؟ يقول الإمام هذا مال الله على نحو الحقيقة ، كما في الحديث القدسي عن الله : المال مالي ، والفقراء عيالي ، والأغنياء وكلائي ، فمن بخل بمالي على عيالي أدخله النار ولا أبالي ) المال هو في الواقع مال الله ، باعتبار أنك وما تملك ومن تملك وما عليك وما أكلت وما لبست أنت وكل شيء لله سبحانه وتعالى ..( إنا لله )..نحن ملك لله ملكية حقيقية غير قابلة للانتقال ولا التغيير ولا الإلغاء..بينما سائر الملكيات معرضة للتزلزل ،للإلغاء للإنتقال .
ومن يملك المال في هذه الدنيا إنما هو وكيل عن الله سبحانه في التصرف فيه بالنحو الصحيح في أمور حياته والعود على من يحتاج من الناس ، فإن فعل ذلك فقد قام بحق الوكالة والوديعة وإلا كان قد ارتكب حراما كما في الحديث عن الامام الصادق : عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : أترى الله أعطى من أعطى من كرامته عليه ، ومنع من منع من هوان به عليه ، كلا ، ولكن المال مال الله يضعه عند الرجل ودائع وجوز لهم أن يأكلوا قصدا ويشربوا قصدا ، ويلبسوا قصدا ، وينكحوا قصدا ، ويركبوا قصدا ، ويعودوا بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين ويرموا به شعثهم ، فمن فعل ذلك كان ما يأكل حلالا ، ويشرب حلالا ، ويركب حلالا ، وينكح حلالا ، ومن عدا ذلك كان عليه حراما ، ثم قال : ( لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) أترى الله ائتمن رجلا على مال يقول له : أن يشتري فرسا بعشرة آلاف درهم ، وتجزيه فرس بعشرين درهما ، ويشتري جارية بألف وتجزيه جارية بعشرين دينارا ، ثم قال : ( لا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين ) .
فكأنما شرط تمليكه إياه أن يعمل فيه بهذه الطريقة السليمة ، من دون إسراف أو تبذير ، أو احتكار عن الغير ..لم يرفض محبة المال بل جعله زينة الحياة الدنيا ، ولم يمنع عن الاستكثار في المال أو يحدده بمقدار معين بل طلب منه إدارته بشكل صحيح .
وقد ورد في الحديث أن ( التقدير نصف المعيشة ) ، و ( ما عال من اقتصد) وقال الإمام في وصف المتقين أن ( ملبسهم الاقتصاد ).
بعد هذا أشرك الإسلام المجتمع مع هذا الإنسان في ماله ، قائلا أن مالك جزء من دورة اقتصادية في المجتمع ،فلابد أن تساهم في هذا المجتمع . بل إن هذا المال الذي بيدك لم يكن ليصل إليها من دون مشاركة المجتمع في ذلك .والشاهد على ذلك أنك لو أخذت أموالك إلى مكان ليس فيه أحد ، لا تستطيع أن تستثمرها أو تنميها .هل ينمو مال في الصحراء ؟ هل يتكثر من غير مجتمع ؟ إن أدنى شيء تحتاج إليه هو أن يوجد متعاملون معك ؟ وأن يكون هناك طريق تمشي عليه ، وسوق تسعى فيه ! ومواصلات تسهل اتصالاتك وهكذا ، فلو أردت بنفسك أن تقوم بكل ذلك لكان عليك أن تنفق جزءا من ثروتك لتشق لنفسك طريقا يوصلك إلى مقصدك ..وهكذا الحال بالنسبة إلى سائر المرافق الأخرى ، فما تدفعه هو شيء بسيط جدا في المشاركة الاجتماعية .
يخاطب الاسلام هذا المالك فيقول له هذا المجتمع الذي خدمك ونمّى ثروتك شريك لك ..لذلك إذا لم تنمُ ثرواتك ..لا أحد يطالبك بشيء من الخمس مثلا .وهكذا الحال بالنسبة إلى الزكاة لو لم تبلغ النصاب .وفرض زكاة الفطرة الواجبة .
كما ندب ورغب إلى العطايا المستحبة أيضا، كالصدقة المستحبة والأثلاث و الوصايا والأوقاف .. وغيرها من أجل أن تشارك المجتمع حيث أنه بنى جزءا من ثروتك .
وحاصل كل ذلك أن جعل المال خادما لمالكه ، دون أن ينعكس الأمر فإنه يحدث أحيانا أن يكون الشخص هو الخادم ، والمال هو السيد ، فتراه يهلك صحته ، وينهي وجوده الاجتماعي ، ويفسد علاقاته ، من أجل صيانة ماله وتجارته .. حتى إذا انتهى الجزء الأكبر والمفيد من العمر استيقظ آنئذ إلى أن ماله لم يكن ليصنع له شيئا !
ولصيانة الجهة الاجتماعية منع الإسلام من العمليات الكاذبة في كسب الربح والثروة والتي يعبر عنها الفقهاء بأكل المال بالباطل (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) ، فمنع الربا لأن الربا بنوعيه القرضي والمعاملي من الأكل بالباطل ، فأنت لم تفعل شيئا! أقرضت إنسانا مالا بشرط أن تسدده له بزيادة ، أنت لم تنفع بهذا المال غيرك بل أهلكته فلو كان لديه زيادة لم يمكن يقترض الناقص ، لو كان لديه ألف ومائتان ما كان يقترض الألف منك ! لو كان يستطيع أن يدفع رأس المال لما جاء واقترض ..وأنت فوق هذا أيضا تزيد عليه بمائتين.
آلات القمار حرمت لأنها أيضا من طرق أكل المال بالباطل وما يتبعها من المقامرة ، محرمة عند الفقهاء ..هذا لا ينمي المال العام ولا ينمي المجتمع ( وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله )هذه ليست تنمية حقيقية .




