21 الجواري وأمهات الأولاد في كربلاء
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 21/1/1441 هـ
تعريف:

الجواري وامهات الأولاد في كربلاء

كتابة فاضلة مؤمنة

كانوا من ضمن النساء في ثورة عاشوراء
حديثنا يتناول فئة من الفئات الإجتماعية من النساء اللاتي كنا في كربلاء ويستحق أن يقتدى بهن ،هذه الفئة هي فئة المَولَيَات أو الجواري من النساء اللاتي جئنا إلى كربلاء إما مع الهاشميات أو مع غيرهن .

في البداية نورد لكم تعريفاَ مبسطاَ لمعنى الجارية والمولى :
الجَارِيَة : لفظ يُستخدم للإشارة للعبيد الإناث، الذين استعبدوا عبر السلب أو النهب في الحروب أو من قبل قطاع الطرق أو من ولدت لأمة وعبد مملوك تسمى جارية، وأمة.
أما المولي: بفتح فسكون جمع موال ، يطلق على معان منها : السيد ، والعبد ، والمعتق والمعتق ، والمحب المتابع ، والحليف .
 العبد المعتق ، و المعــتَــق ( مختار الصحاح)
مثلاَ نافع مولى ابن عمر، وكذلك ابن عمر مولاه..
و المولى: المالك و العبد والمعتـــِق و المعــتَــق (القاموس المحيط)
فعلى هذا يقال للعبد ما دام مملوكا ( عبداً أو مولى )، لكن حينما يُــعــتَـق لا يقال له الا (مولى فلان ) ولا يقال له بعد العتق مولى دون الإضافة لأنها دون الإضافة تفيد الملكية. ومع الإضافة تفيدهما ، أما المالك المعتق فكذلك يقال له مولى..
كان هناك في كربلاء عدد من النساء اللآتي كنا من ضمن التصنيف الإجتماعي إما في الأساس غير متحررات يعني في حكم الجارية المملوكة أو في حكم المولى.
أحيانا المالك يعتق عبده أو أمته قربة إلى الله تعالى ولكن يبقى علاقة الولاء معها يعني بعد أن يكون حراً فإن انتمائه يكون لهذا المالك وله آثار فقهية تترتب عليه ذكرها العلماء في كتبهم الفقهية.

كربلاء مدرسة لكل الناس والأعمار:
نحن الآن نريد أن نشيرإلى قضية وهي قضية كربلاء التي كانت من السعة والدروس والعبر بحيث يستطيع الإنسان المسلم أيانا كان سنه وأياَ كان موقعه الاجتماعي فإنه يستطيع الإقتداء بنموذج أو نماذج كانت في كربلاء .
فعندما ننظر لتلك الزوايا والشخوص نجد أن للأطفال قدوة ممن كان عمره في سن الطفولة ومع ذلك مارسوا أدواراَ في في نصرة الحسين عليه السلام وهؤلاء بالإمكان أن نقدمهم كنماذج للطفل المسلم أينما كان، بأنه يمكنك أن تمارس خدمة الإسلام والتضحية من أجله والعطاء في سبيله كما فعل هؤلاء الصغار.
كما نجد منهم في سن الشباب أيضاَ، كذلك كان عندنا رجالا ناضجون بل ومكتهلون وعندنا كبار في السن وشيوخ قد طعنوا في العمر ومع ذلك قدموا نماذجاَ ودروساَ في نصرة الدين وخدمة العقيدة فبالإماكن أن يقدم كل واحدٍ من هؤلاء لصنف من الناس .
ولنفترض أن هناك فئة واحدة وهي فئة الرجال والناضجين عند ذاك لاتسطيع أن تقدم نموذج الرجل الناضج إلى طفل كي يقتدي به لإختلاف الوعي بينهما والمشاعر والأحاسيس والإدراكات.
فلابد أن تقدم له شخصية شبيهة له قريب منه وتقول له فعل هذا ففعل مثله وهذا لايقتصر فقط على الرجال بل يمتد أيضاَ ليشمل النساء.
ولايقتصر بالتصنيف الإجتماعي بالأحرار بل على من يصنفون أيضا بالعبيد والمماليك والأرقاء والموالي أيضاَ.

ماذا صنع الاسلام لمشكلة الرقيق والعبيد؟!
سوف نأتي ببعض الأمثلة على بعض النساء اللآتي يصنفن على غير الحرائر غالباَ ونقدم لذلك بمقدمة ، محاولةَ للإجابة على سؤالٍ قديم لكنه متجدد الآن خصوصاَ مع ذهاب أبنائنا للدراسة في الخارج هذا السؤال يتكرر عليهم، وهو أنه ماذا صنع الاسلام لمشكلة الرقيق والعبيد؟!
وفي رأيهم أن الدين الإسلامي لم يصنع شيئاَ وهذا يخالف حقوق الإنسان ، بل هذا الدين ليس إنسانياَ بل على خلاف ماتؤدي إليه مبادئ حقوق الإنسان المقرة في العالم ، فهناك بعض المحاورين والأساتذه والمبشرين الذين إما يريدون أن يدعوا أبنائنا لديانتهم أو حتى يكتفي بإلقاء الشبهة حول الإسلام فيطرح هذا السؤال من جملة هذه الأسئلة ، إن الإسلام لم يصنع في قضية العبيد وتحريرهم شيئاَ فبناءَ على ذلك فهو يخالف حق الإنسان في الحرية.
من ثم سوف يكون لنا مقدمة في الإجابة على هذا التساؤل ، وبعدها يكون لنا ذهاب إلى نماذج في كربلاء في صنف النساء .
لو نظرنا إلى العالم في زمان مجيء الرسالة الإسلامية سوف نجد أن وجود العبيد والأرقاء بمعنى أن شخصاَ يملك شخصاَ آخر ويتصرف فيه ويشتريه ويبيعه ويتحكم فيه وهكذا ، هذه الحالة كانت جزءاَ من النظام الإجتماعي والإقتصادي على مستوى العالم .
الآن على سبيل المثال بعض النقد هو على مستوى العالم جزء من الإقتصاد العالمي ، فنجد أن تعامل الناس اليوم بالدولار والذهب هو جزء من نظام الإقتصاد العالمي ، لايوجد أحد أقرره ولكن العالم يتعامل مع هذه السلعة على إنها سلعة قيمة وتقيم بها الأشياء ، وكذلك كان امتلاك العبيد والأرقاء في ذلك الوقت أيضاَ جزء من الإقتصاد العالمي لديهم بل وكان جزء من النظام الإجتماعي بحيث أن الشخص كان مثلما كان يمتلك جزء من المال كذا وجزء من الأغنام كذا كان يمتلك من الرقيق كذا ومن الرجال المملوكين له ومن النساء اللآتي يبيع ويشتري منهن كذا  بالإضافة إلى أنه جزء من النظام الاجتماعي أيضاَ بحيث أن أصحاب الأموال لم يكونوا يستطيعوا أن يديروا حياتهم بشكل طبيعي إلا مع وجود عدد من هؤلاء الرجال أو النساء عبيداَ وجواري و إماء ، هذا كان الوضع العام والسائد حينها.
جاء الإسلام ضمن هذا الظرف وكان لهذ الموضوع منافذ متعددة وليس منفذاَ واحداَ.
من أين جائت مصاد الرقيق والإماء؟
كانت هناك منافذ شخصية بمعني : أن يكون هناك شخص فقير أو مديون فيقوم بتسديد دينه هو بنفسه بهذا الحل وهو ببيع أولاده أو بعض بناته أو يبيع نفسه أحياناَ من أجل أن يسدد هذا الدين ، النظام الإجتماعي حينها كان يقبل ذلك في ذلك الوقت ويراه أمراَ طبيعياَ حتى أنه إلى عهدٍ قريب نجد في الهند على سبيل المثال هناك طبقة المنبوذين حيث يعيشون حياة قريبة من هذا المعنى وهذا منفذ من هذه المنافذ بالنسبة لهم.
منفذ آخر وهوالنهب والاختطاف الذي كان يحصل بين القبائل والعشائر ، هذه القبيلة قوية فتهجم على قبيلة أخرى ضعيفة و تخطف وتسرترق رجالها ونسائها حتى إن زيد ابن حارثة الشيباني مع انه عربي من قبيلة بني شيبان إلا أنه اختطف في فترة من فترات حياته وصار إلى سوق مكة واُشتري من سوق مكة ، حيث اشترته السيدة خديجة سلام الله عليها وأهدته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قام رسول الله بعتقه فيما بعد .
فهذا لم يكن على أثر فقر شخصي أو دين إنما كان على أثرهجوم شنته قبيلة أخرى معادية فأٌسر واختطف حين غنموا منها هذا مصدر آخر.
والمصدر الثالث كانت الحروب التي تحدث بين المجتمعات الأخرى ،فكانت تسوق مجاميع من الناس إلى مثل هذه الأسواق ، أسواق البيع والنخاسة وقد جاء الإسلام في هذا الوضع .
الطرق التي أوجدها الإسلام للتخلص من ظاهرة الرق والعبودية:
جاء الإسلام وقام بعدة أمور سوف تنتهي على المدى البعيد إلى تجفيف هذه القضايا ، فأول شيء كان المصدر لهذه الأمور منعه فحرم على كل إنسان أن يبيع نفسه أو أن يبيع حراَ أو أن يشتري حراَ ، بمعنى أنه على كل من يعتنق الإسلام فإنه لايجوز له أن يبع نفسه حتى لو بلغت ديونه مابلغت (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ) البقرة 280
فلايستطيع الإنسان أن يبيع نفسه أو أحداَ من عياله من أجل تسديد دينه ولايحق للدائن أن يصنع ذلك فهذا الباب مغلقٌ ومسدود.
ثم نجده حرم الغزو المتبادل بين القبائل لأنه اعتداءٌ وظلم وكل ما يترتب عليه يعتبر باطلاً حتى لو أٌخد لك إبريق على أثر الهجوم على قبيلة أخرى فلابد أن ترجعه فضلاً لوكان إنساناً.
وفي قضية الحروب الكبرى نجده تعامل معها على أساس أن يتم التبادل بين من يؤسر بين المسلمين وبين من يؤسر من أولئك.
فالمصادر والمنابع الَّتي ينبع منها هؤلاء العبيد والأرقاء أغلقها، ثم أتينا إلى هؤلاء الموجودين الآن في الأسواق حيث توجد كمية من العبيد والأرقاء والجواري الموجودة في السوق لاتزال تتبادل ،فهذه أموال لابد أن يعوض عنها هؤلاء الملاك بقدر ما أٌخد منهم.
فعلى سبيل المثال : أنت قلت إن الحرلايباع ولايشترى وأنا اشريت هذا المملوك بألف دينا فهل ستعوضني قيمتها ؟
الترغيب بالعتق وأنه قربة لله تعالى وخلاص ونجاة من النار
هنا جاء الإسلام بحل لها فجاء بمجموعة أمور أخرى للتعويض وهي جعل تكفير الذنوب للإنسان يمرعبرتحريررقبة وعتق العبيد وعند عمل حسبة بسيطة فستجد أنه يبخر هذه الظاهرة بنسبة كبيرة فلوحسبت الآن في عصرنا هذا فهناك مليار وسبع مائة مليون مسلم في العالم تقريبا ، لوفرضنا أن منهم فقط مليون مسلم على سبيل المثال أفطروا يوماً واحداً في شهر رمضان متعمداً فماذا يصنع؟!
هنا كانت أول خصال الكفارة المرغب فيها هو تحرير رقبة وهي بلاريب أسهل من صوم شهرين متتابعين ، فأعطي له خيار أن يكون له خيار تحرير رقبة وهي من الوسائل التي انهت هذا التشريع وهو التخلص مما في أيدي الناس من الجواري والعبيد وليس هذا وحسب بل كثير من الكفارات مثل كفارات الإفطار على محرم إذا حنث بيمين أو قتل خطاء أو ظاهر من زجته بأن قال أنتي علي كظهر أمي كأنما صارت حرام عليه (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۚ ) المجادلة3 ، فتعددت الأسباب التي تؤدي للكفارات التي ترتبط بتحرير رقبة وعتقها فهي واحد من الأمور التي من خلالها تم تجفيف أمر وجود الجواري والعبيد في المجتمع .
أمر آخر ندب الشرع إلى أصل العتق حتى لم يكن عليك ذنب ، لهذه الدرجة من عظم عتق الرقبة قربة إلى الله أعتق الله رقبته من النار ،عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من أعتق مسلما أعتق الله العزيز الجبار بكل عضو منه عضوا من النار.) وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي - ج ٢٣ - الصفحة ٩
وهذه متاجرة مربحة جداً للإنسان وصارت بعض الأعمال تثمن بعتق الرقبة كمن اعتمر في كذا كان كمن اعتق رقبة وكهذا ، فندب إلى ذلك فهناك واجب ومستحب وهناك توافق اجتماعي وتعاقد اجتماعي وهو مانسميه في الفقه بالمكاتبة.
فشرع الإسلام المُكاتبة : وهي أن يُكاتب العبد سيّده على مبلغٍ من المال مقابل أن يعتقه، وأوجب الإسلام معاونة المسلمين العبيد حتّى يُخلّصوا أنفسهم من العبوديّة.
فلنفرض أن لدي عبداً أو جارية يريدوا التحرر، فيتفق مع مالكه أن يسدد قيمته بأن يسددها على دفعات أو أن يعمل عنده لفترة معينة مقابل أن يحرره ويعتق رقبته فإن قبل يكون هذا العقد لازم له فيكون هذا العبد حراً بعدها مقابل هذا المال .
هذه الطرق المتعددة صارت من أجل القضاء على هذه الظاهرة الإجتماعية فيأكل بعضها بالتدريج وينهيها مع رضى الناس ومع وعدهم بالأجر والثواب مقابلها ، ومن دون أن يقرر قراراً قد لايطبق ، وبالفعل تراجعت هذه الظاهرة تراجعاً كبيراً إلا مانجده عند قسماً من الخلفاء والسلاطين وأصحاب الإستكبار والترف ، أما عند أغلب الناس المتأثرين بتعاليم الإسلام فقد تراجعت إلى درجة كبيرة ، لاسيما مع جهة أخرى أن بعض الجواري والعبيد عندما جاؤا عند بعض البيوت الرفيعة التصقوا بهم فصاروا لايريدون أن يفارقوهم لدرجة أنك لوأخبرته أنك أصبحت حراً وبإمكانك الإبتعاد عني فإنه لايقبل ، فكانت تلك فرصة بأن يعتقه ويبقى له ولائه.
كمثل قنبرمولى أمير المؤمنين علي عليه السلام أعتقه ولكن بقى ولائه للإمام وكان في إكرامه بهذا المقدار بأن أمير المؤمنين كان يشتري لنفسه ثوباً بخمس دراهم ولقنبر ثوباً بعشر دراهم فكانت تلك العناية من أمير المؤمنين لقنبر وتلك المعاملة له وهو الغريب عن البلاد والأهل  جعلته أن يبقى على ولائه و في كنف أمير المؤمنين وأن لايفارقة ابداً .
كذلك نقل عن أباذر الغفاري ، حتى أن قنبر قال لأمير المؤمنين ( إنك تخطب في الناس وتحتاج لثوب يليق بمكانك فقال أمير المؤمنين لقنبر لا أنت شاب ولك شرهة الشباب ).
هذا بشكل إجمالي ما يرتبط بخطوات الإسلام بإلغاء هذه الظاهرة بشكل تدريجي وتراجعها ، نعم فيما بعد أصبح هناك قانوناً دوليا منذ نحو قرنا من الزمان أنه لايوجد رق في أي مكان وأنه تحت قانون دولي يجرمه ، وهذا كان بعد زمن طويل بعد أن بخرت السوق وأنتهت بعد الخطوات التي ذكرناها.
إضافة لذلك جاء الدين واعتبر أن لهم من الكرامة بحسب أفعالهم وبحسب أعمالهم ، لدرجة أننا وجدنا أن بعضهم يتبوأ مواقع اجتماعية مهمة.
ننتقل الآن لصلب حديثنا في اتجاه النساء في كربلاء وإلا فهناك أمثلة كثيرة في حياة الناس عامة لذلك فإننا نسنرد بعض الأمثلة في هذا الإتجاه.
نساء موالي في كربلاء
في كربلاء نحن نجد بعض النساء اللآتي جئنا مع السيدات من بني هاشم اللآتي عشن حياتهن مع هذه النساء من أمثلة ذلك ماينقل عن فضة الحبشية وهي امرأة مشهورة على ألسن المؤرخين وأنها جلبت عند رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك أهداها الرسول لفاطمة عليها السلام حتى تعينها في أمورالمنزل ، حيث كانت عند زواجها عليها السلام في العاشرة من العمر وتتابع عليها أمر الحمل والولادة بشكل متتابع فأنجبت بعد زواجها بنحو عام أو أقل الإمام الحسن عليه السلام وبعدها جاء الإمام الحسين عليه السلام لم يفصل بينهما سوى أشهر ثم أنجبت االسيدة زينب عليها السلام فكانت تعتني بالأولاد وتهتم بشؤونهم إضافة لعمل البيت ففي الحديث أن فاطمة طحنت بالرحى حتى مجلت يداها.
أي ظهرت انتفاخ باليد بسبب كثرت الإمساك بالأشياء الثقيلة واشبه ذلك فقد استقت بالقربة حتى أثر في صدرها، وجرت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها.
فأصابها من ذلك ضرر كبير بالإضافة إلى وجود الصغيرين فأهدى لها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فضة الحبشية وبعد استشهادها سلام الله عليها انتقلت فضة إلى منزل السيدة زينب عليها السلام وكانت مع السيدة زينب في كربلاء وشهدت معها كل تفاصيلها وحالة السبي والرجوع للمدينة فتذكر عنها قصص كثيرة بعضها يحتاج للتدقيق والتحقيق لكن في الإجمال يظهر منها أنها كانت على مستوى غيرعادي من معرفتها بالقرآن الكريم أيضاً وقد زوجت في زمان أمير المؤمنين عليه السلام من أبي ثعلبة الحبشي وأنجبت أبناء وبنات وهاهي واحدة من حفيداتها كما نقلوا تنقل عنها هذه القصة حين كانت في طريق الحج فلقيها بعضهم وسألها إلى أين تذهبين فقالت له (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ ) آل عمران 97 قال لها من معك (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ (هود46 ، (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ)طه17
فكانت تتحدث عن أبنائها الّذين كانوا معها في الطريق وكان ذلك بالإستشهاد بآيات القرآن الكريم ، إذا تمت هذه القصة فهي تكشف عن شيء متقدم من المعرفة بالقرآن والإستشهاد به والحوار حوار طويل ، وهي امرأة كانت من ضمن السبايا وينقل عنها بعض القضايا في كربلاء ذكرتها بعض الكتب المتأخرة وغيرها، يظهر لها نحو فضيلة في هذا الاتجاه هذه واحدة.

وأما المرأة الأخرى فهي فكيهة زوجة عبد الله بن اريقط، وكانت محبة لأهل البيت عليهم السلام ، فخدمت زوجة الإمام الحسين الرباب بنت ابن امرء القيس من أوائل زواجها أي من حدود ما قبل سنة 20 إلى سنة 61 هجرية أي قرابة 40عاماَ ، وقد زوج الإمام عليه السلام هذه الجارية برجل من نظرائها وهو عبد الله الدؤلي ، أبوه عبد الله كان دليل النبي صلى الله عليه وآله وسلم  في هجرته إلى المدينة ، فولدت لهما ولداَ كان أحد شهداء كربلاء واسمه قارب ، وبناءاً عليه قيل للقارب مولى الحسين عليه السلام ، دفعته لأن يقاتل بين يدي إمام زمانه الحسين بن علي، فخرج معه من المدينة إلى مكة ثم إلى كربلا، فتقدم مبارزاً حتى نال شرف الشهادة في أرض كربلاء، واستشهد في الحملة الأولى قبيل ظهيرة عاشوراء بساعة.
ثم نال الشرف الآخر حين جاء اسمه في زيارة الناحية المقدسة في الزيارة التي زاره الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف فيها قائلاً: (السلام على قارب مولى الحسين بن علي) بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج ٩٨ - الصفحة ٢٧١/ الاقبال ص 44 - 45.
أما أمه فكيهة رضوان الله عليها، فقد انضمت إلى ركب الأسارى الذين بعثهم ابن زياد إلى الشام، حيث واست هذه المرأة النجيبة آل البيت عليهم السلام بما جرى عليهم من الاذى.    أبصار العين في أنصار الحسين (ع) - الشيخ محمد السماوي - الصفحة ٩٦
وتلك جارية أخرى من جواري سيد الشهداء، تدعى حسنية، هي والدة منجح بن سهم، وكان الإمام الحسين عليه السلام قد اشتراها من نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، ثم زوجها من سهم فولدت منه غلاماً شهماً هو منجح جاءت به امه الكريمة المؤمنة الى واقعة الطف بكربلاء، وشهدت معه تلك المشاهد المهولة، فدعته الى نصرة امامه ابي عبد الله الحسين، فلبى لا يأمل الا الشرف الرفيع حتى ناله.
قال اصحاب المقاتل: خرج منجح بن سهم من المدينة مع ولد الامام الحسن في صحبة الامام الحسين عليهما السلام، ولما تبارز الفريقان في كربلاء، قاتل منجح قتال الابرار، فعطف عليه حسان بن بكر الحنظلي فقتله، وذلك في اوائل المعركة يوم عاشوراء.. فكلله الامام المهدي المنتظر صلوات الله عليه بزيارته قائلاً:  (السلام على منجح مولى الحسين بن علي، السلام عليكم يا خير أنصار، السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، بؤأكم الله مبوأ الأبرار)  زيارة الناحية المقدسة غير المشهورة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج 98 ب 24 ص 317 ح 8 .
أما أم منجح حسنية، وهي المفجوعة بولدها، ثم بامامها، كانت أيضاً من ضمن السبايا إلى الكوفة ثم الشام، حتى عادت مع الركب الحسيني الشريف إلى المدينة، فعاشت في بيت الامام زين العابدين علي بن الحسين سلام الله عليه ، وطوت حياتها على الحزن بعد ان شهدت تلك المصائب وواست آل المصطفى.
ومن ضمن النساء أيضاَ المرأة الصالحة كبشة وهي من الجواري الّتي انتقلن بهدية الإمام الحسين عليه السلام إلى أم اسحاق زوجته ، وهي أم اسحاق التيمية والدة السيدة فاطمة بنت الحسين عليه السلام وذكرنا شيئا من أمورها وقضاياها وهذه الجارية كانت عندها بمثابة معاونة ومساعدة لها.
زَوَجها الإمام عليه السلام من أبورزين ، وهذه من الأمور التي كان الأئمة عليهم السلام يهتمون بها وبهؤلاء الذين هم تحت أيديهم ، فعلى الرغم من أنهم مملوكين إلا أن لهم احتياجات أيضا فكانوا يساعدونهم في تكوين حياة وأسرٍ لهم ، وإذا أحبوا أن يعتقوا وينصرفوا فكان الأئمة يصنعون لهم ذلك ، لكن أغلب هؤلاء يحبذون أن يبقوا تحت رعاية الإمام لشدة مايلقوه من الإكرام عند الأئمة عليهم السلام ، هذه المرأة وزوجها أبورزين ولد لهم ولد اسمياه سليمان.
وسليمان هذا هو الذي ارسله الامام الحسين صلوات الله عليه بكتب الى رؤساء الأخماس والأشراف بالبصرة حيث كان عليه السلام ما يزال في مكة قبل انطلاقه الى كربلاء،هكذا ذكر أرباب السير والمقاتل، فجاء سليمان بالكتاب بنسخة واحدة إلى جميع أشراف البصرة، فرحبوا به وَ وعدوه بالنصر عدا واحد منهم وهو المنذر ابن جارود العبدي الذي وشى به إلى عبيد الله بن زياد ، فقد خاف أن تكون هذه القضية مؤامرة من عبيد الله الذي هو صهره، حيث كان ابن زياد قد تزوج من بحريّة بنت الجارود، فقام ابن الجارود فسلّم سليمان والكتاب إلى صهره عبيد الله، ليطمئنة بأنه مخلص لهم وأنه في صفه ولايتحالف مع غيره عليه، وكان ذلك عشية مغادرة عبيد الله البصرة باتجاه الكوفة، فقرأ الكتاب وأمر بضرب عنق سليمان،  وفي خبر آخر أخذ عبيد الله الرسول - أي: سليمان – فصلبه.
وقيل بأن منذ بن الجارود قدمه إلى عبيد الله بن زياد حينما كان والياً على البصرة، فأمر بضرب عنقه.
أما أمه كبشة فقد قدمت مع الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء، وشاهدت كل ما جرى على آل الرسول من مصائب ورزايا وصبرت واحتسبت وانضمت إلى ركب السبايا من آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
وقد خصه الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بسلام خاص في زيارته في زيارة الناحية المقدسة لشهداء كربلاء فقال: السلام على سليمان، مولى الحسين بن امير المؤمنين، ولعن الله قاتله سليمان بن عوف الحضرمي.
بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج ٩٨ - الصفحة ٢٧١/ الاقبال ص 44 - 45.
فأمه واحدة من هذه النساء اللآتي كن يحسبن من ضمن من يحسبن من الجواري والمولايات ، ولعله أول شهداء الثورة الحسينية قد يكون بعد أوقبل مسلم ابن عقيل.

وهنا لنا وقفة صغيرة على أمرين :
الأول : مع المنذر اين جارود فقد ورد فيه ذم حتى من أيام أمير المؤمنين فكان هناك كلام غير حسن عنه .
المنذر بن الجارود العبدي ، واسم الجارود بشر بن عمرو بن حبيش، من صحابة الإمام علي عليه السلام وكان على قسم صغير من جيشه في معركة الجمل.
ولاه الإمام عليه السلام على إصطخر، وكان حسن الظاهر لكنه مضطرب الباطن، وليس له ثبات.
خان المنذر الإمام عليه السلام في بيت المال، فعزله الإمام عليه السلام ،وحكم عليه بدفع ثلاثين ألف درهم، وحبسه، ثم أطلقه بشفاعة صعصعة بن صوحان .
و قد ورد أن عليا عليه السلام كتب إلى المنذر بن الجارود في كتابه اليه حين أمر بعزله وهو على إصطخر: أما بعد، فإن صلاح أبيك غرني منك – أي لم تكن نعم الخلف الأبيك ، (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ) مريم59
موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ - محمد الريشهري - ج ١٢ - الصفحة ٣١٦ / تاريخ اليعقوبي: ٢  203.

 

 

 


والأمر الأخر: مع من يقول نحن العبديون ونحن المقربون ونحن من أنصار الأئمة عليهم السلام هذا صحيح في الجملة ، ولكن هذا المجتمع كسائر المجتماعات هناك المخلصون الطيبون الشجعان وهم على مستوى عالي من الفداء وهناك المصلحيون الّذين يقدمون الآخرة على الدنيا وهذا واحد منهم ، فهذا مرة ابن العبدي الذي قاتل علي الأكبر،أخوه الآخر رجاء ابن منقذ العبدي أيضا كان ممن أعان على الحسين عليه السلام ولكن أختهم ماريا بنت منقذ العبدي رفعت رأسها حيث كان عندها مايشبه الحسينيات في عصرنا الحاضر ومنها انطلق العبديون الّذين خرجوا لنصرة الحسين عليه السلام ،
فهي من الشيعة المخلصين ودارها مألف لهم يتحدثون فيه فضل أهل البيت وقد قتل زوجها وأولادها يوم الجمل مع أمير المؤمنين عليه السلام. ولما بلغها أن الحسين عليه السلام كاتب أشراف أهل البصرة ودعاهم إلى نصرته جاءت وجلست بباب مجلسها وجعلت تبكي. حتى علا صراخها فقام الناس في وجهها وقالوا لها: ما عندك ومن أغضبك؟ ، لأنه في عرف العرب وأخلاقهم، أن المرأة إذا صرخت وَ ولولت يفزع لها أرحامها وعشيرتها أو سائرالناس ويهتمون لها.
قالت: ويلكم. ما أغضبني أحد. ولكن أنا امرأة ما أصنع؟! ويلكم سمعت أن الحسين ابن بنت نبيّكم استنصركم وأنتم لا تنصرونه. فأخذوا يعتذرون منها لعدم السلاح والراحلة. فقالت: أهذا الذي يمنعكم؟ قالوا: نعم؛ فالتفتت إلى جاريتها وقالت لها: انطلقي إلى الحجرة وآتيني بالكيس الفلاني، فانطلقت الجارية وأقبلت بالكيس إلى مولاتها. فأخذت مولاتها الكيس وصبته وإذا هو كيساً مليئاً بالدنانيروالدراهم. وقالت: فليأخذ كل رجل منكم ما يحتاجه وينطلق إلى نصرة سيدي ومولاي الحسين.
وهذا الجهاد نوع من أنواع الجهاد، جهاد بالأموال عندنا وجهاد بالقلم وجهاد باللسان، وما فاتني نصركم باللسان إذا فاتني نصركم باليد، واكثر من هذا التأريخ يقول أنه و بسببها تحرك عدد آخر من قبيلتها وممن سمع ندائها، وأنها صرفت أموالها في هذا المجال وكانت تسأل ما صار بالحسين؟ ما الذي حصل للحسين؟ متعطشة، واذا تأتي الاخبار، بمصرع الحسين فأقامت الدنيا عزاءاً وعقدت المآتم حتى لحقت بربها وهي في هذا التوجه وبهذا السبيل.
كل هذا تسببت به هذه المرأة مارية العبدي فكانت مصداقاً للحديث الشريف(فوالله لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم.) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣٩ - الصفحة ١٢
أي مصداقية للصداقة مع الحسين والتعامل مع الحسين بصدق كهذا.
فلايصيرعند بعض المجتمعات من الإعتداد وأننا نحن عندنا الخيروعند غيرنا الشر، ففي كل مجتمع يوجد ذاك الصنف وذاك.

الشاهد هنا أن الانسان ينبغي له أن يجعل نفسه في صنف الصالحين بالعمل لا بالإدعاء ،بالممارسة لا بالعداون ، فهذا الرجل المنذر ابن جارود قدم سليمان ابن أبي رزين لإبن زياد إلى أن قتل ،فكان سليمان هو الحر رغم أنه ابن مملوكين وكان خير سفيرا للحسين عليه السلام ، وكان والمنذر عبدا لشهواته ، عبداَ للشهوة والخوف والطمع ،عبداَ الابن زياد.

فهذه من النماذج أوغيره من النساء اللآتي كن أيضاَ في هذا الإتجاه والوقت لايتسع للحديث أكثر في كون أن امراءة من الطبقة الإجتماعية الظاهرية مثلا جارية أو مولاة أو ام ولد لايؤثر كثيراَ فيها لا في مقامها في الآخرة و لامقامها في الدنيا إنما يؤثر عملها وفعلها وممارستا فهذ أم القاسم ابن الحسن عليهم السلام وقد اشتهرت بعدة ألقاب وأسماء بين نرجس ونجمة ونفيلة وغير ذلك لكن الإسم المشهور في الألسن والمرويات التاريخية هو رملة الرومية لأنها كانت من سبي الروم في بعض المعارك وهذا كله ليس بمهم لكن المهم أنها انجبت هؤلاء الصفوة مثل القاسم ابن الحسن.
يكفي هذه المرأة فخراً أنها الزوجة المخلصة للإمام الحسن بن علي عليهما السلام والأم الحنون التي ربّت أبناءها ومنهم ذلك الشاب الغيور،القاسم حتى شجعته لنصرة امام زمانه الحسين سلام الله عليه ، ولم يكن القاسم قد بلغ الحلم، فبرز على صغر سنّه يقاتل قتال الابطال،هذا وهي تنظره خلف خيمتها، تراه وقد مزقت بدنه الطاهر السيوف، كما كانت ضمن ركب السبا والأسر.

وهكذا كانت المرأة في الطفّ، المقاتلة الشهيدة، والمضحية بأولادها وزواجها، والصامدة، الصابرة حيال فجائعها، مثالاً حياً وشاخصاً في التضحية والفداء ما تستحق به خلود.
من هنا جائت الحاجة لأهمية تسليط الضوء على دور هؤلاء النسوة سواء كان اجتماعيا أو اعلامياَ، بجانب الدور الرسالي الذي أدته المرأة، بواقعة الطف ومابعدها، لتقف وتثبت للمشككين بأن الحسين عليه السلام خرج لطلب الإصلاح في أمة جده (صلواته تعالى عليه وعلى آله) مدركة حجم الثورة التي سيقودها، ولتعيش كربلاء خالدة على مر العصور و الدهور،
لتحمل بذلك رسالة واضحة للبشرية، بمكانة المرأة في القضايا المصيرية، خاصة وأن كربلاء من أهم عوامل بقاء الدين والعقيدة  . 

 

مرات العرض: 3505
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2564) حجم الملف: 59342.34 KB
تشغيل:

22 بطولة نساء قبل وأثناء وبعد عاشوراء .
بين رحمة النبي وعقوبات الشريعة الاسلامية