سيرة الامام جعفر الصادق من الميلاد إلى الاستشهاد
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 25/10/1440 هـ
تعريف:


سيرة الإمام الصادق عليه السلام من الميلاد إلى الإستشهاد

تفريغ نصي الفاضلة أم سيد رضا

كما نعلم أننا لا نستطيع ان نحيط بحياة هذا الإمام العظيم والحجم الكبير للمناقب والفضائل الذي يحتويه شخصه وكمالاته، فإن بعض العلماء قد ألف في حياة الإمام الصادق عليه السلام ما تجاوز الأربعين مجلداً، ومع ذلك لم يبلغ كامل حياته ولم يستطع الإحاطة بكل سيرته.

ولادة الإمام الصادق عليه السلام: على المشهور كانت في عام 83 للهجرة، وهناك بعض الآراء تقول أنها كانت في عام 80 للهجرة.

شهادته: مانت في عام 148 للهجرة، وبناءً على الرواية المشهورة في ولادته فإن عمره الشريف يكون حين استشهاده 65 عاماً، وعلى الرواية غير المشهورة فإن عمره عند الإستشهاد يكون 68 عاماً.

هذه الفترة الطويلة نسبياً في العمر والتي قد لا نجد لها نظائر في حياة باقي المعصومين عليهم السلام أعطت فرصة واسعة للإمام الصادق عليه السلام حتى يمارس دوره في تبليغ الشريعة ونشر المعرفة الدينية، ولهذا أيضاً كانت فترة إمامته فترة طويلة امتدت إلى ما يزيد عن 34 عاماً وهي تعتبر فترو واسعة تتيح للإمام أن يبلغ بعض غاياته فيها.

في قضية ولادة الإمام الصادق عليه السلام سنشير إلى قضية عادةً ما تطرح في أثناء السجال العقدي والمذهبي وهي ما روي عنه عليه السلام انه قال: ( ولدني أبي بكر مرتين )، باعتبار أن أم الإمام الصادق عليه السلام كانت ( ام فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر )، والقاسم بن محمد كان من فقهاء المدينة وأبوه محمد المعروف بأنه كان من ولاة أمير المؤمنين عليه السلام.

إذاً حفيدة الخليفة هي أم الإمام الصادق عليه السلام ووالدها هو القاسم وامها أسماء بنت أبي بكر، فأمه صلوات الله عليه تنتسب إلى الخليفة الاول من الجهتين ولهذا ينقل في مصادر مدرسة الخلفاء كثيراً هذا الكلام عن الإمام عليه السلام بان أبي بكر ولده مرتين.

في مصادرنا الإمامية نقل هذا الحديث العلامة الإربلي رحمه الله المتوفى في سنة 693 للهجرة أي قبل سنة 700 للهجرة، ولديه كتاب في أصول الأئمة اسمه ( كشف الغمة في احوال الأئمة)، وقد نقل فيه هذا النص أيضاً.

البعض يقول بان هذا النص لم يرد بسند معتبر في مصادرنا الحديثية الأساسية وإنما ورد في مصادر السيرة في وقت متأخر، والإربلي كتب في مقدمة كتابه أنه استشهد غالباً بما رواه الجمهور أي مدرسة الخلفاء، فذلك أدعي للقبول منهم أي انه نوع من أنواع الإلزام، مثل عندما نأتي لشخص باحاديث هو يعتقد بها فهذا يكون سبباً للتصديق وهذا يسمى إلزام، والإربلي يقول بان أكثر ما في هذا الكتاب هو من مصادر الجمهور من المدرسة الاخرى والغرض منه هو الإلزام للطرف الآخر.

الصحيح ان في مصادرنا الحديثية الرئيسية بسند معتبر لم يرد هذا النص، أما في مصادر مدرسة الخلفاء فقد ورد عندهم كثيراً، وأن كان بحسب تقييمات البعض بأنهم يقولون أن به علة في السند بسبب أحد الرواة.

لنفترض ان هذا الحديث موجود:

تارة نفهم هذا الحديث بإعتبار أنه توضيح لقضية نسب، مثل عندما ياتي شخص ويقول أن فلان أبوه فلان وأمه فلانة وكهذا لتوضيح النسب فقط، وهذا ليس به باس وليس به محظور.

وتارة يراد توظيف هذا الكلام، فإن صح صدوره عن الإمام فلإخفاء مشروعية على خلافة معينة أو تصحيح طريقة خاطئة، كملاحظة عامة : يلاحظ بعض الباحثين أن هناك سعياً من قسم من المسلمين لربط اهل البيت بالمدرسة المقابلة وبيان ان الامور كانت طبيعية جداً وأن الإنسجام في الافكار كان قائماً وأن هذا المنهج ينسجم مع المنهج الآخر، كما يقول بعض الأشخاص لتأكيد ذلك الإنسجام بان الإمام علي عليه السلام سمى بعض أبنائه بأسماء بعض الخلفاء وأنه لو لم يكن يحب هؤلاء الخلفاء محبة كبيرة لما سمى أبناءه بأسمائهم، وأيضاً عندما يقولون أن رجل أموي تزوج من امرأة علوية او ان رجل تيمي تزوج من امرأة هاشمية والأكثر من ذلك أنهم يقولون أن الإمام الصادق عليه السلام يفتخر بأنه ولد من الخليفة الاول وأنهم في غاية الإنسجام ومناهجهم تامة التطابق وأن خلافتهم مشروعة بل ويفتخر الإمام بهم.

هذا الكلام يعتبر تحميل للأمر فوق ما يحتمل، فلو أن الإمام على افتراض صدور هذا الكلام منه فإنه يريد بيان النسب فقط وقد كانت هناك أحاديث عن الإمام الصادق عليه السلام في قضية أمه أم فروة وأنها بلغت الغاية في الإيمان والمعرفة وهذا لا يوجد به محظور أبداً.

أما عندما يراد الإستفادة من هذا الكلام في دائرة أوسع فهنا يكون محل النقاش، ومنشأ هذا النقاش هو:

أنه على رأي المدرسة الاخرى فإنهم يعتقدون أنه لا يوجد ارتباط بين الأبن وبين الأب، وقد يكون الإبن نبياً والأب كافراً شقياً في رأيهم، وكما ان إبراهيم عليه السلام وهو شيخ الانبياء فقد كان أبوه آزر كافراً شقياً.

نحن لا نعتقد بذلك لأن آزر يكون عم النبي إبراهيم وأن أباه كان اسمه تارخ وأن آباء الانبياء موحدون كما نعتقد في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، بل الأسوأ من ذلك أنهم يقولون أن نبينا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان أبوه وجده من أهل النار، وهذا الكلام مكتوب في كتبهم الحديثية بان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأحد رجال قريش: أن أبي وأباك في النار.

فعندما يقولون أنه لا يوجد ارتباط بين الأب والأبن وأن الأب قد يكون كافراً والأبن قد يكون نبي مقرب، فكيف يكون ارتباط بين الإمام الصادق عليه السلام وبين الخليفة الأول؟ هذا يسمى جواب نقضي وهذه الطريقة في تحليل الأمور هي طريقة غير صحيحة، فالإمام عليه السلام يبين نسبه وفي المقابل أيضاً فإن الخلافة يبينها أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة الشقشقية وهذا لا يناقض الآخر، فإن أردنا الإستفادة من هذا الكلام إن صح صدوره من الإمام في بيان الخلافة ومنهجها وطريقتها وأسلوبها وأنه كان محل افتخار من الإمام الصادق عليه السلام، فهذا الكلام لا يتحمل مثل هذا المعنى.

فضلاً عن مسألة هي أقرب إلى المسائل العقدية وهي مدى تطابق وانسجام مدرسة أهل البيت مع سائر المدارس الأخرى، فهذه التفاته وإشارة أشرنا إليها لأنه يلاحظ أن كل من ترجم للإمام الصادق عليه السلام من غير مدرسة أهل البيت يكون كل تركيزه على هذا الموضوع لتوظيفه في المسألة العقائدية.

إذاً: والدة الإمام عليه السلام المكرمة الممدوحة من قبل الإمام هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأن القاسم من فقهاء المدينة وقد أخذ العلم من الإمام زين العابدين عليه السلام.

عاش الإمام الصادق عليه السلام وعاصر الإمام السجاد مدة 13 عاماً على المشهور، ولا ريب أنه قد لحظ في الإمام السجاد عليه السلام ما كان ظاهراً منه في قضية إحياء موضوع كربلاء وإحياء مأساتها، وأيضاً في الجوانب الأخرى كاهتمام الإمام بالدعاء وما شابه ذلك، وبعد ذلك صار في زمان أبيه الإمام الباقر عليه السلام، ونلاحظ ان الإمام الصادق كان لصيقاً بأبيه ، كما نلاحظ أيضاً حضور الإمام الصادق في سفرات أبيه الباقر عليه السلام بمثابة العضد واليمين له.

فعلى سبيل المثال: ما يذكره الغمام الصادق عليه السلام بأن هشام بن عبد الملك استدعى أباه من المدينة إلى الشام فصاحبه الإمام الصادق عليه السلام، وان هشام بن عبد الملك أراد أن يخجل الإمام الباقر بإمتحانه في رمي السهام ووضع نيشان لتهديف رمي السهام على مكان معين وقد جاء برماة يرمون في هذا الهدف، ثم قال للإمام الباقر عليه السلام: ارمي يا أبا جعفر، وقد كان الإمام عليه السلام في ذلك الوقت كبيراً في السن ولا يناسب منه ذلك الأمر فأراد هشام أن يخجل الإمام ويجعل منه محط سخرية فلم يعفي الإمام من رمي السهام، فقام الإمام عليه السلام ورمى اول سهماً في قلب الغرض تماماً فذهل هشام والحاضرون، فأمره هشام أن يرمي رمية أخرى فرمى الغمام عليه السلام رمية شق فيها نصل السهم الاول وكان هذا رمي غير طبيعي، فلما رأى هشام ذلك الامر أمر الإمام بالإكتفاء وقال له: من أين تعلمت هذا الرمي يا ابا جعفر؟ فقال الإمام: عرفته.

نحن نعتقد ان الله تعالى يدافع عن الذين آمنوا في الحياة الدنيا وهو أولى أن يدافع عن الأئمة الذين آمنوا وأن ينصرهم ويؤيدهم كما نصر الإمام الباقر عليه السلام، فالشاهد الذي ينقل هذه القصة هو الإمام الصادق عليه السلام حيث كان مع أبيه، وفي تتمتها يقول ان هشام عندما رأي ذلك أمر الإمام أن يخرج فوراً من المدينة حتى لا يكون الحديث والكلام في هذا الموضوع من قبل الناس.

قال الإمام الصادق عليه السلام: فخرجنا ورأينا اناساً يذهبون إلى دير ( أي ازدحام شديد )، فسألنا عن هذا الامر فقالوا أنه عالم النصارى ( الباقي ) وهو أكبر مرجعية مسيحية يأتي مرة واحدة كل سنة فيجتمع الناس حوله، وأنه يسأل المسلمين ويعجزهم بأسئلة لا يعرفون لها جواباً، فجاء الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام ولم يظهرا انفسهما انهما من علماء هذه الأمة، فسأله الإمام الباقر عليه السلام أسئلة فعجز عنها هذا العالم المسيحي، كما أن العالم النصراني سأل الإمام عليه السلام أسئلة فأجابها كلها ولم يتوقف فيها، وكان ذلك مدعاة إلى تثبيت عقائد المسلمين ومواقفهم على دينهم ببركة الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام.

إن هذه القصة بتفاصيلها وبالأسئلة التي وجهت للإمام والتي وجهها الإمام ينقلها الإمام الصادق عليه السلام كما كان للإمام الصادق عليه السلام في مسجد المدينة دروس وتعليم وتربية للناس حتى في زمان أبيه الباقر عليه السلام، لكن ما حدث من الإنتشار لعلومه كان بعد استشهاد أبيه الإمام الباقي عليه السلام وتسلمه للإمامة، فقد صادف هذا ظروفاً سياسية مكنت الإمام من ان يبث علمه، ومن تلك الظروف هي:
•انشغال أهل السياسة بسياستهم، فقد كان الامويون في صدد القضاء على الحركات المعارضة لهم وحصلت ثورة الشهيد زيد بن الحسين بن علي في الكوفة في عام 122 للهجرة وهو عم الإمام الصادق عليه السلام، وكانت سبب تلك الثورة هو ان زيد بن علي رأى أن الفساد منشر في الأمة ووصل غلى حد كبير، كما يقول زيد أيضاً انه دخل على مجلس هشام بن عبد الملك فرأي أحدهم يشتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يرد عليه أحدن ولهذا قام زيد بهذه الثورة.
•استثمر العباسيون جهود العلويين وهم ابناء وأحفاد حمد بن الحنفية أي احفاد علي بن أبي طالب عليه السلام، وسرقوا تضحياتهم التي بدأوا بها، حيث انهم بدأوا بحركة مضادة للأمويين وعملوا لهم نشاطاً معارضاً للأمويين في بلاد الشام والكوفة ومناطق مختلفة، وقد قام الأمويون بتسميم قائد الثورة وهو في طريقه إلى المدينة، وحتى لا تضيع أسرار وجهود تلك الثورة قام هذا القائد بإدلائها إلى شخص يسمى إبراهيم الإمام وهو من العباسيين كان معه في الطريق، فأخذ كل تلك الجهود والأسرار وجير النهضة والحركة بأكملها تجاه العباسيين وأخرج العلويين من تلك القضية.

إذاً: فإن هذه الحركة وأصل شعارها وأصل جهدها هو الدعوة إلى الرضا عليه السلام وهي للعلويين وأساسها كان الإنتقام من الامويين لدماء الحسين عليه السلام، لكن العباسيون أخذوها تجاههم وقامت الدعوة العباسية والتي لم يقبل بها العلويون.

الشاهد هنا أن هذا الوضع السياسي جعل اهل السياسة من الامويين والعباسيين مشغولين بأمورهم السياسية ومعاركهم، فأصبحت الفرصة سانحة للإمام عليه السلام ليقوم بدوره الأساسي في بيان الشريعة وتبليغ الدين وان يكمل ما بدأه أمير المؤمنين عليه السلام أولاً والإمام الباقر ثانياً، لكن الإنفجار العلمي الذي أصبح في زمان الإمام الصادق عليه السلام كان أكبر من كل شيء.

ينقل ابن عقدة الهمداني المتوفى في عام 333 للهجرة وهو ومن حفاظ الحديث ومن الرجاليين الكبار ومعتمد في المدرستين يقول أنه بلغ عدد الرواة والتلامذة الذين كانوا عند جعفر بن محمد أربعة آلاف شخص وقد أخذوا العلم من الإمام الصادق عليه السلام، مثل جابر بن حيان الكوفي الذي ألف ما يقارب ثلاث آلاف كتاب ورسالة وأكثرها في فنون العلم الحديثة كالكيمياء وما يتبعها من أمور، وقد أخذ الاوربيون هذا التراث العلمي الضخم واستفادوا منه استفادات كثيرة.

وكذلك أبان بن تغلب الكوفي الذي قال فيه الإمام الصادق عليه السلام: لقد أوجع قلبي موت أبان، ولقد أخذ أبان بن تغلب ما يقارب ثلاثين ألف حديث عن الإمام الباقر عليه السلام، وغير هؤلاء من الذين تلقوا العلم من الإمام الصادق عليه السلام.

وهناك أيضاً من رواة الإمام الكاظم والإمام الرضا عليهما السلام وهو الحسن بن علي الوشاء، فقد جاء له شخص من بلاد الري يطلب منه حديثاً فقال له الحسن بأن يأتي في اليوم التالي ولكن هذا الرجل رفض ذلك لأنه لا يضمن عمره إلى يوم غد، فقال له الحسن: لو كنت أعلم أن في الناس من يطلب الحديث مثل طلبك لأكثرت منه فإني قد أدركت في مسجد الكوفة 900 راو وكلهم يقول حدثني جعفر بن محمد عليه السلام.

فالأساتذة بين كلام ابن عقدة وعددهم 4000 وهم من كل النواحي ( المدينة، الكوفة، وغيرها من الاماكن )، وبين كلام الحسن بن علي الوشاء بأن عددهم 900 في مسجد الكوفة فقط، مع العلم بأن الإمام عليه السلام قد مكث في الكوفة سنتين فقط وكان سبب ذهابه إليها لأن أبي العباس السفاح وهو أول خلفاء بني العباس قد استدعى الإمام إلى الكوفة وأبقاه هناك، وكان الناس يزدحمون عليه وهاتان السنتان أنتجتا 900 راو في مسجد الكوفة.

هناك عدد ثالث وهو الأصول الأربع مئة وهو عبارة عن مصنفات وكتب وهو أرضية الموسوعات الحديثية لمعتمدة الآن عند الشيعة كالكافي والصدوق في كتابه ( من لا يحضره الفقيه )، فقد اعتمدوا على الأصول الأربع مئة وقد كان الرواة يسمعون من الإمام مباشرة ويدونون في هذا الكتاب مثل حريز ويونس بن عبد الرحمن فقد كانوا يسمعون من الأئمة مباشرة ويدونون، وأكثر هذه المصنفات في الأصول الأربع مئة هي لتلامذة الإمام الصادق عليه السلام أو لتلامذة تلامذته، وهذه أرقام فقط وإن أردنا تفاصيل لذلك فهناك كتب مفصلة ومنها كتاب للعلامة الشيخ أسد حيدر اسمه ( الإمام الصادق والمذاهب الأربعة )، وهو كتاب يحتوي على تأريخ الوضع العلمي للإمام الصادق عليه السلام وعلاقته مع سائر المذاهب وتأثيره في أربابها وفقهائها ورؤسائها وهذا جزء مما كان يقوم به الإمام عليه السلام، فالإمام الصادق عليه السلام بحر من المعارف والمعاني، فلا نجد قاعدة فقهية ولا قاعدة كلامية ولا استدلالات عقائدية إلا ويستند فيها للإمام الصادق عليه السلام، ولذلك لا غرابة في ان ينسب كل المذهب لجعفر بن محمد ويقال له المذهب الجعفري، فسلام الله على هذا الإمام العظيم الذي نشر شريعة جده وأظهر معالم الدين في أبهى صورها وأحسن تفاصيلها، والحمد لله بأن أكثر تراث الإمام وأحاديثه موجودة ومحفوظة ومدونة وعلى أساسها يستنبط العلماء احكامهم.

الإمام الصادق عليه السلام في الوقت الذي بث فيه العلم بهذا المقدار قد ركز على نقد بعض المناهج الخاطئة في التفكير والعلم، ومن ذلك ما كان قد نقد فيه منهج القياس البشري الذي كان يعتمد عليه الأحناف ( أبو حنيفة وتلامذته ).

لماذا كان الإمام أكثر تركيزه على هذا المنهج مع أن مواقف أبي حنيفة العامة أحسن بالقياس إلى مواقف غيره وخصوصاً من الناحية السياسية والعاطفية؟

السبب هو أن منهج القياس أقرب إلى البشر ومقبوليته وتفاعل الناس معه أكثر، لذلك قسم من الناس أصبح لا مانع لديه من أن يتجاوز آيات قطعية في صدورها وواضحة في دلالتها من أجل بعض القياسات الذهنية والإجتهادات الشخصية، ومن الامثلة على ذلك أنه عندما يقول القرآن: (( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ))وهي آية واضحة وصريحة ومع ذلك نجد قسم من الناس في هذه الأزمنة بناءً على القراءات الجديدة يقولون أن هذه الآية كانت لزمان معين وفترة محددة وأن الدين الجديد يقون أن الذكر يساوي الأنثى في الميراث.

من الأمور التي تساعد نشر ذلك هي الإجتهادات الظنية والإستنباطات القياسية والتي على أساسها يتغير الحكم الشرعي، ولذلك ركز الإمام على نقد هذا المنهج لأنه أقرب إلى النفوس البشرية.

ينقل في هذه الحادثة أن أبي حنيفة كان يدخل ويتردد على الإمام الصادق عليه السلام، وذات مره جاء غلى المدينة واستأذن الإمام في الدخول فحجبه الإمام أي رفض مقابلته، فمكث أبو حنيفة قليلاً حتى جاءت جماعة من أهل المدينة يريدون أن يسلموا على الإمام فخلط أبو حنيفة نفسه بينهم ودخل وعندما جلس قال للإمام: يا أبا عبد الله لم لا تأمر أصحابك أن يكفوا عن شتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟، فقال له الإمام: أمرتهم فلا يسمعون قولي، فقال له أبو حنيفة بأنه يجب عليهم أن يسمعوا لقوله، فقال له الإمام: أنت أولهم لا تسمع قولي فقد دخلت داري بدون إذني وتكلمت بمحضري بدون إذني قم إنك تقول بالقياس وأنا لا أقول به، فقال له أبو حنيفة: بلى أقول بالقياس، فسأله الإمام عليه السلام: أيهما أعظم عندك القتل أم الزنا؟ فأجاب: بل القتل أعظم وهو إزهاق للنفس، فقال له الإمام: فلم لم يرضى ربنا في الزنا إلا بأربعة شهود ورضي في القتل بإثنين؟ أخبرني أيهما أشد نجاسة البول ام المني؟ فأجاب: بل البول أشد نجاسة، قال له الإمام: فلم لم يرضى الله في المني إلا بالغسل للصلاة ورضي في البول بالوضوء؟ وظل هكذا يتكلم معه الإمام وينقض عليه بأشياء ويخبره بأن تلك الامور لا تنضبط بالقياسات وأن دين الله لا يصاب بالعقول في هذه الاحكام، فإن في العقائد الأساسية يكون العقل هو الهادي والمرشد ولكن في تفاصيل الاحكام ومعرفة عللها القطعية لا يستطيع الإنسان حلها بالقياس .

الإمام الصادق عليه السلام كما نشر ذلك الأفق الواسع من العلم فقد كان له أيضاً توجيه في نقد بعض المناهج الخاطئة والتي قد تحدث في المستقبل وليس في زمانه فقط، وكان من الحري بهذه الأمة ان تلتفت إلى هذا المقام الشامخ للإمام الصادق عليه السلام وأن تعتني به وتجثو بين يديه متعلمة من على مستوى الخلفاء إلى مستوى العلماء إلى عامة الناس، لكن للأسف فقد واجهت خلافة الإمام الصادق عليه السلام كثير من الجحود والظلم والإيذاء ولا سيما في زمان المنصور الدوانيقي الذي كان من أسوأ الخلفاء في تعامله مع الإمام وهو يعرف منزلته، ولكن قضية الحسد والحقد والخوف على المنصب ودناءة النفس تنتهي إلى مثل ذلك الامر بان يأمر واليه على المدينة أن يحرق بيت الإمام الصادق عليه السلام وهذه حالة من الإيذاء الذي تعرض له الإمام، فقد كان المنصور اللعين أيضاً يجلب الإمام بصورة مهينة ومؤذية على الحالة التي هو عليها وكان ذلك مبالغة في إيذاء الإمام ولكنه عليه السلام كان صابراً كاظماً للغيظ، إلى قام المنصور بأمر محمد بن سليمان واليه على المدينة أن يدس إلى الإمام سماً نقيعاً قتالاً حتى استشهد صلوات الله وسلامه عليه.

 

 

 

 

 

 

 

مرات العرض: 3428
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2551) حجم الملف: 67319.86 KB
تشغيل:

الحياة الأسرية للامام موسى الكاظم عليه السلام
بين رحمة النبي وعقوبات الشريعة الاسلامية