مقاييس الثواب الالهي 22
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 27/8/1440 هـ
تعريف:

مقاييس الثواب الإلهي

تفريغ الأخت الفاضلة أم سيد رضا

قال الله العظيم في كتابه الكريم: (( من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون )).

المقاييس الإلهية في الثواب والجزاء والأجر هي مقاييس تتناسب مع الله سبحانه وتعالى ولا تتناسب مع ضيق العبد ولا صغر العمل وقلته، وحيث ان الإنسان عادة ينظر إلى الأشياء بمقاديره ومقاييسه لذلك قد يتعجب احياناً ويتساءل ويتشكك في مقدار العطاء الإلهي، وهذا راجع إلى ضيق وعاء الإنسان وإلى حدوده الصغيرة والقليلة، فلو أن رجلاً متوسط في المستوى المادي قال لأحدهم بأنه سوف يهديه هدية ثمينة فإن هذا الشخص سوف يأتي في ذهنه بأن هذه الهدية الثمينة لن تتجاوز الخمسة آلاف ريال مثلاً لأن المستوى المادي للرجل متوسط، فالإنسان يرى أن الهدايا التي تهدى في هذه الدنيا هي ضمن هذا الإطار ويرى بأن سعة الإنسان وقدرته وأمواله هي ضمن هذه الحدود فلا يعقل أن يعطيه هديه بخمس ملايين مثلاً لأن كل ثروته هي بهذا المقدار، ولذلك فإن الإنسان يقيس هدايا الإله وجزاءه بمقداره هو وبمقدار ما يعطيه سائر الناس وعامتهم، فلو انه انتقل إلى خارج هذا المقياس إلى مقياس الله عز وجل الذي لا تزيده كثرة العطاء إلا جوداً وكرماً فإنه ينبغي أن يغير مقياسه.

نلاحظ في القرآن الكريم بأنه جاءت آيات متعددة تتحدث عن مقاييس الله عز وجل ومنها: (( من جاء بالحسنة فله خير منها ))، فالذي يأتي بالحسنة يحصل على خير منها، ومعنى خير هنا إما ان يكون بمعنى التفضيل كأن يقول هذه السيارة أفضل من تلك السيارة وقد تأتي بمعنى خيرات عائدة عليه من تلك الحسنة أي انه سيرجع إليه الخير النابع من تلك الحسنة التي فعلها.

 هناك مقياس آخر أيضاً في قوله تعالى: ((من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها))، فالحسنة بعشر أضعاف ومنه ما ورد في الأحاديث بأنه من صام ثلاثة أيام من آخر شهر شعبان ووصلها بشهر رمضان فهو صوم شهرين متتابعين لأن صيام هذه الثلاثة أيام من شعبان هي حسنات والحسنة بعشر امثالها فتكون ثلاثين حسنة أي صيام شهر كامل مع شهر رمضان فيصبح شهران متتابعين، ولعل أكثر الأعمال الصالحة والحسنات هي بهذا المقدار ( 1=10 ).

المقياس الثالث في قوله تعالى: ((من ذا الذي يقرض الله قرضاَ حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة))، هذا يأتي  في معنى خصوص القرض إذا تقيدنا بكلمة من يقرض الله وقد ورد في روايات أنك إذا أقرضت أخالك المؤمن فكأنما أقرضت الله عز وجل، فقد ورد عن المعصومين عليهم السلام انه إذا جاء يوم القيامة يسأل الله العبد فيقول: (يا عبدي مرضت فلم تزرني، افتقرت فلم تعطني، احتجت فلم تقرضني، فيجيب العبد: أنك يا إلهي أجل من أن تمرض واجل من ان تفتقر وأجل من ان تحتاج، فيقول عز وجل: ذاك عبدي المؤمن مرض ولم تزره وافتقر لم تعطه واحتاج ولم تقرضه)، وقد يأتي بمعنى آخر أيضاً كأن يعطي صدقة أو عطاء مثلاً فهي هنا بعنوان القرض، فيضاعفه له أضعافاً كثيرة ومعنى كثيرة هنا إما أن نقول كما فسره أئمتنا عليهم أفضل الصلاة والسلام بأنها ما زاد على ثمانين، فقد سُئل الإمام عليه السلام أنه إذا نذر أن يتصدق لله بدراهم كثيرة فكم يعطي؟ فقال عليه السلام: بل بثمانين وما زاد، فإن أخذنا كلمة كثيرة بهذا المعنى فهذا يعني أن الله تعالى يضاعف للمؤمن الذي يقرض الله تعالى بثمانين ضعفاً وهذا شيء كثير جداً.

مقياس رابع وهو ما ورد في آية الإنفاق في سورة البقرة قوله تعالى: ((مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء)).

مقياس آخر وهو قوله تعالى: (( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ))، فمثلاً لو ان شخصاً ظلم إنسان فصبر على دينه وقوى إيمانه وازداد توكلاً على الله عز وجل بدل من أن يجزع أو أن يتخلخل إيمانه فهنا سوف يكون مصداق الصابرين، فالصبر على تربية الاولاد والأجيال وفي بقاء الأسرة هو صبر لله  فهؤلاء سيوفون أجرهم بغير حساب، وفي المقابل فإن الشخص الظالم سوف ينال عقابه ويـأتي يوم القيامة بصورته كما قال تعالى: ((مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء))، ((سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار)).

ففي تفسير قوله تعالى((فمن عفا وأصلح فأجره على الله))، فإن الصابرون كذلك اجرهم على الله، من هاجر من بلده إلى الله فأجره على الله وهناك موارد كثيرة وردت بهذا التعبير، فقد جاءت رواية عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (إن اول مناد يوم القيامة من عند الله يقول: أين الذين أجرهم على الله؟ فيقوم من عفا في الدنيا، فيقول الله: أنتم الذين عفوتم لي بوأتكم الجنة).

أعظم المقاييس ما نجده في شهر رمضان كما جاء في الخطبة المعروفة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونشير إلى بعض ما يرتبط بنا:

بعد أن يقول عليه الصلاة والسلام: ( أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامته، شهر ايامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليلي وساعاته افضل الساعات... إلى أن يقول أنفاسكم فيه تسبيح )، فهذا من العطاء الذي يحار الإنسان فيه، فالأحاديث السابقة كلها مرتبطة بالأعمال الصالحة التي يقوم فيها الإنسان بإختياره ولكن في هذا الشهر الفضيل فإن التسبيح لا يكون بإختيار الإنسان ولا بإرادته وإنما هي قدرة كونية لا يستطيع الإنسان إيقافه وهو النفس فيتحول هذا النفس إلى تسبيح، فيكمل عليه الصلاة والسلام ويقول: ( ونومكم فيه عبادة ودعاءكم فيه مستجاب وعملكم فيه مقبول)، فلو فرضنا أن دعاءنا الذي دعينا يحتاج إلى عشرة شروط حتى يستجاب فإنه في شهر رمضان يحتاج إلى شرطين أو ثلاثة شروط فقط ونلاحظ ما جاء في الأعداد بأن من قرأ آية في هذا الشهر فكأنما ختم القرآن في غيره من الشهور، فالمشهور بأن عدد الآيات هو 6236 وبعضهم قال 6280 وبعضهم قال بالوسط، فلو فرضنا بأن عدد الآيات هو 6236 آية، فمن تلا آية في هذا الشهر فإن ثوابها وأجرها يتضاعف إلى 6236 مره، وأكمل عليه السلام: ( فسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه )، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم والمسلمين جميعاً لصيامه وقيامه وتلاوة كتابه والعمل بأحكامه.

مرات العرض: 3445
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2576) حجم الملف: 30086.75 KB
تشغيل:

التهاون بالصلاة ..روايات ومسائل 22
يوفون  بالنذر : الحادثة والدلالات