من التراث العلمي للامام علي عليه السلام 20
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 20/9/1439 هـ
تعريف:

من التراث العلمي للإمام علي عليه السلام

كتابة الأخت الفاضلة زهراء محمد   

                  
قال رسول الله صلى الله عليه وآلة وسلم: (أنا مدينة العلم وعليٌ بابُها)
• أهمية البحث..


تأتي أهمية هذا البحث لأنه يتناول جوانب من التعريف بحياة أمير المؤمنين عليه السلام وأبعاد شخصيته العظيمة إضافة إلى استهداف أنفسنا وأبناء مجتمعنا لكي ينهضوا في طريق العلم في أعلى درجاته ، فإن الإنسان الذي يتّبع شخصية معينه ويعتبرها المثل الأعلى ينبغي أن يتمثل خطواتها وأن يجعلها قدوة له ولو كان ذلك بمقداره، وأمير المؤمنين عليه السلام شخصية عظيمة ومباركة وهو باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآلة ، لهذا لابد لأتباعه من التحلّي بمنهاجه فيكونون في كل جهات العلم في أعلى الدرجات سواء كانت علوماً دينيه او دنيوية.
 مصادر الرواية...


تعددت وكثُرت مصادر هذه الرواية الشريفة في كلا المدرستين ففي مدرسة الإمامية يُعتبر هذا الحديث من الأحاديث المشهورة في فضل أمير المؤمنين عليه السلام وعليه فإن المصادر التي نقلت هذه الرواية الشريفة كثيرة جداً ، أما في مدرسة الخُلفاء فقد ذُكرت في كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النيشابوري، وتتلخص فكرة هذا الكتاب الذي يوازي صحيحي البخاري ومسلم في الأهمية ،في أن الأحاديث الصحيحة التي لم تُذكر في كتاب البخاري ومسلم لسبب ما أو لآخر ، قام الحاكم النيشابوري وألف كتاب المستدرك على الصحيحين ودوّن فيه ما فات الصحيحين من الروايات الصحيحة بحسب المقاييس والمعايير الرجالية عندهم وقد جاء من جُملتها هذا الحديث والكثير من الأحاديث التي تحكي عن فضائل ومناقب أمير المؤمنين عليه السلام، وكذلك نقله الترمذي في كتابه السُنن وفي المعجم للطبراني والصواعق المحرقة لأبن حجر.
• تأملات في الرواية...
*نلاحظ في التركيب اللغوي للرواية انها تحتوي على تشبيه والتشبيه يحتاج إلى مشبه ومشبه به وجهة تشبيه وهنا يُشبه رسول الله صلى الله عليه وآلة نفسه بمدينة العلم ويُشبه عليُ عليه السلام بباب هذه المدينة أما جهة التشبيه فتتمثل في أكثر من جهة:
1/ أن أي مدينة_ لا سيما إن كانت على النمط القديم _أو بيت لا بد لهم من أبواب فإذا أتيت المدينة أو البيت من الباب فهذه هي القاعدة التي تقول( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ  )، إذاً إن المخزون العلمي الهائل الذي هو عند رسول الله صلى الله عليه وآلة له باب وطريق للأخذ والاغتراف منه و مُحدد من قِبله وليس للإنسان أن يُخالف ويتجاوز هذه البوابة العظيمة  فيُعتبر بذلك مخالف ومتجاوز للأمر النبوي  الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وآلة وهو اللجوء لباب مدينة علمه وهو أمير المؤمنين علي عليه السلام حيث أنه قال صلى الله عليه وآلة (ستكثر عليَّ الكذّابة والكذبة) وستتضارب الأقوال والنقول عن رسول الله فلا بد من التحصُن بباب علم النبي والتزود بها للوصول إلى  حقيقة علمه صلوات الله عليه وعلى آلة أجمعين.
2/ إن الباب سواء كان ذلك في المدينة او البيت له غرض الحفظ، وبيت من غير باب يكون عُرضة للطامعين والسارقين كذلك العلم لا يصح أن يتناوله أي أحد من غير أهل التقوى و الاختصاص لأن هناك أنواع من العلوم لم يحن الوقت ولم تتهيأ الأنفس لاستقبالها فلا بد من إقفال بابها وفتحه في حينه ، كما أن البيوت لها وقت للاستقبال ووقت للإقفال كذلك العلم أيضاً وكان أهل البيت عليهم السلام وفي طليعتهم أمير المؤمنين عليه السلام أهلٌ لهذه المهمة فينشرون العلم بمقدار ما يسمح به زمان كل منهم. 
3/ إن الذي يُعتبر باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآلة وهو أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وهي مرتبة عظيمة لم يبلغها أحد من أصحاب رسول الله لذلك قال أمير المؤمنين ( سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني فما من آية نزلت في ليل أو نهار إلا وعرفتها وعرفت في من نزلت ، سلوني فما من راية تهدي مئة أو تُضل مئة إلا و أنا أعرف بسائقها وناعقها ،سلوني عن طرق السماوات فلأنا أعلم بها من طرق الأرض) وفي ذلك يقول شمس الدين الذهبي_ وهو ليس من علماء المدرسة الامامية_ ناقلا عن سعيد ابن المسيب( لم يكن أحد من أصحاب رسول الله يستطيع أن يقول سلوني قبل أن تفقدوني إلا علي ابن ابي طالب) وكان ذلك أيضاً قد ذكر في مسند أحمل ابن حنبل في طباعته القديمة إلا أنه لم يعد موجوداً الآن لأن ذلك يُعتبر منقبة لأمير المؤمنين عليه السلام.

• بعض النماذج والأمثلة في علم أمير المؤمنين عليه السلام...
1/ الصحيفة الجامعة: وهي من الآثار الغير موجوده الآن وقد تُسمى في الروايات (بكتاب علي) وهي كما وصفها الإمام الصادق عليه السلام لأبي بصير عندما آراها له أنها عبارة عن لفائف مكتوبة بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآلة وبخط عليّ عليه السلام ويبلغ طولها 70 ذراعاً (ما يقارب 35 متر أو أكثر) وعرضها بعرض الأديم، وتحتوي من القواعد والأصول التي تمكن الإنسان من الإحاطة بمسائل الحلال والحرام إلى يوم القيامة، وهذا ليس بغريب فالمعلم رسول الله صلى الله عليه وآلة والتلميذ علي عليه السلام وهو القائل: ( علمني رسول الله ألف باب من العلم ينفتح لي من كل باب ألف باب).
 وكذلك قسم من روايات هذه الصحيفة وصل للمجاميع الحديثة في زمان المدونين والمحدثين الأوائل كالكُليني والصدوق والطوسي أما القسم الأكبر فهو عند صاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف وبذلك تكون شريعة رسول الله في يد إمام بإملاء رسول الله وبخط وليّ الله عليهم جميعا التحية والسلام.
2/ إحاطة وعلم أمير المؤمنين عليه السلام بتفاصيل ودقائق أحكام التشريعات الديانات السماوية السابقة قبل أن تُحرف وتُزيف ولقد أُثر القول عنه ( لو ثُنيت لي الوسادة لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم).
ولكن للأسف لم يتسنى للإمام من نشر هذه العلوم المكنونة بسبب الفتن والحروب التي فُرضت عليه من قِبل المعادين له .
3/ نهج البلاغة: وهو من آثار علم أمير المؤمنين التي تتواجد بين أيدينا اليوم وهو جزء مما أفرغه أمير المؤمنين خلال تلك الفترات العصيبة في زمان خلافته الظاهرية
*ما هي فكرة نهج البلاغة؟
نهج البلاغة كتاب معروف جمعة الشريف الرضي رضوان الله عليه المتوفي سنة 404ه قيل في زمان الشيخ الطوسي وهو من تلامذة الشيخ المفيد، وكان أديباً وشاعراً وعالماً كبيراً وكان الشريف الرضي قد شرع في تأليف الخصائص النبوية فلم أنتهى منها بدأ في كتابة خصائص الأئمة عليهم السلام وكان فاتحتها خصائص أمير المؤمنين عليه السلام فأورد جزء من كلمات أمير المؤمنين عليه السلام المبتكرة في معانيها والبليغة في أسلوبها في كتابه، وكان هناك بعض ممن نظر في هذه الكلمات الغير مسبوقة في فصاحتها وبلاغتها ومعانيها فأكد في نفس الشريف الرضي أن أجمع ما استطعت من كلام أمير المؤمنين ، فبدأ الشريف الرضي بجمع كلمات الإمام عليه السلام والتي كانت متداولة ومعروفة ومشهورة قبل زمان الشريف الرضي حتى أن بعض كبار الخطباء والكُتاب ممن عُرفوا في كتاباتهم بالفصاحة والبلاغة أرجعوا ذلك إلى أنهم كانوا يحفظون فصولاً من خُطب أمير المؤمنين عليه السلام كابن نباته وعبدالحميد، وكان أيضاً المرحوم الخطيب الحسيني البارع والمحقق صاحب كتاب (نهج البلاغة وأسانيده ) السيد عبد الزهرا الحُسيني ممن أرجع كل خطبه من خطب أمير المؤمنين إلى أسانيدها حتى يُفند كل من قال أن هذه الخُطب لا تُنسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام.
محتوى نهج البلاغة..
*يحتوي نهج البلاغة على الكثير من الخُطب والمواعظ والحِكم في القضايا السياسية وفي ما حدث بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآلة ومسألة الخلافة ، تبيان لبرنامجه في الحُكم ،وفيه جانب من الترغيب في الآخرة والتزهيد في الدنيا وفيه أيضاً من قصار الحِكم 480 حكمة قصيرة ،كذلك من أراد التزكية والتربية الروحية الأخلاقية فهي في هذا المحتوى الفريد، و يحتوي أيضاً على الخُطب التوحيدية التي تُعلم الإنسان العقيدة الصحيحة  في صفات الباري عزّ وجلّ وخلقه للكون وأسمائه وتوحيده وتنزيهه في مقابل تيارات الحشو والتشبيه والتجسيم التي انتشرت خصوصاً في تلك الفترة مع انتشار توجه الحشويه والمحدثين، وفي مباحث التوحيد لأمير المؤمنين عليه السلام يقول الذهبي وابن خلكان أن هذه المباحث عالية جداً في الفلسفة والحكمة والعقائد ليس بمقدور الناس في ذاك الزمان أن يفهموها فكيف يكون قد قالها عليُّ وهو صحابي ذاك الزمان؟ وفي ذلك نقول هذا هو الفرق بين علي ابن ابي طالب عليه السلام وبين أصحاب رسول الله وهذا هو الفرق بين باب مدينة علم رسول الله وبين من كان خارج المدينة وهذا هو الفرق بين من يقول سلوني قبل أن تفقدوني وبين من لا يقدر على التفوه بها.
*وهناك العديد والكثير من الشروح لهذا النهج المنير والذي يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء رضوان الله عليه أنه إلى تلك السنة أي قبل 80 سنه وصلت الأخبار إلى انه هناك 66 شرح كامل لنهج البلاغة و90 شرح للخطب مجزئة، أما الآن فالعدد أكثر .• الأدعية المروية عن أمير المؤمنين عليه السلام...
4/ ان أدعية أهل البيت عليهم السلام هي مخازن علم وبحور معرفة وإنارة فكر لمن تأملها وبكى وهذّب النفس بها ومن هذه الأدعية المروية عن أمير المؤمنين :
1/ دعاء الجوشن الكبير:
هذا الدعاء ينقله الإمام زين العابدين عن أبيه الحسين عن جده أمير المؤمنين عليهم السلام: أنه نزل جبرائيل على رسول الله صلى الله عليه وآلة وكان في إحدى المعارك وقد لبس جوشن ثقيل آلمه فقال له جبرائيل: العليّ الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك أنزع عنك هذا الجوشن واقرأ هذا الدعاء وعلّمه أمتك فبدأ يقرأه عليه .
ورسول الله علمه أمير المؤمنين والإمام الحسين نقله عن أبيه والإمام السجاد نقله عن أبيه عليهم السلام، ويحتوي هذا الدعاء على ألف صفة واسم لله عز وجل وفيه طلب لله تعالى بعد تنزيهه عن العجز والنقص والتشبيه وكل ما يُشين الخلاص من النار، والحقيقة في أن هذا الدُعاء هو الحصن والأمان والدرع الحقيقي لهذه الأُمة لأنه وحي من الله وإكرام منه لرسوله في اخباره بهذه الصفات وتعريفه إياه وتعليم أمير المؤمنين عليه السلام وهو أروع وأعظم نص في توحيد الله عزّ وجلّ.
2/ دعاء  الصباح:
وهو أيضاً من طُرق معرفة الله تعالى ومن المناهج القيمة في طريقة توحيد الله يقول أمير المؤمنين عليه السلام ( يا من دلّ على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته وجلّ عن ملائمة كيفياته).
3/ دعاء كميل:
وهو من الأدعية التي تُنقل عن أمير المؤمنين عليه السلام وهو دعاء الخضر ودلالة ذلك إحاطة علم أمير المؤمنين لما كان لدى الأنبياء والأوصياء والصالحين ، ولا ننسى مبادرة كميل ابن زياد النخعي لتعلم هذا الدعاء من أمير المؤمنين عليه السلام ونقله عنه ويحتوي هذا الدعاء على كثير من المضامين العالية للمتدبرين في هذه الكنوز الجمة.
4/ المناجاة الشعبانية:
وهي أيضاً مروية عن أمير المؤمنين عليه السلام وهي من النصوص التي تُجسد أعلى درجات الخضوع بين يدي الله تعالى ( واسمع دُعائي إذا دعوتك واسمع ندائي إذا ناديتك واقبل عليَّ إذا ناجيتك فقد هربت إليك ووقفت بين يديك راجياً لما لديك ثوابي وتخبر حاجتي وتعلم ضميري ولا يخفى عليك أمر مُنقلبي ومثواي).
*هذه كُلها تُشير إلى بعض ما خرج من علم أمير المؤمنين عليه السلام وللأسف الظروف والمجتمع الذي عاش فيه الأمير لم يُساعده أداء رسالته خير أداء بل كان بعضهم عامل  تعويق وتأخير للإمام حتى أنه قال ( أما أني قد مللتهم وملوني وسأمتهم وسأموني فأبدلني خير منهم وأبدلهم بي شرا).

 

 

 

 

 

 

 

مرات العرض: 3476
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2555) حجم الملف: 60885.23 KB
تشغيل:

مقاصد التشريع الأسلامي في خطبة الزهراء
مقامات الرسول العظيم في القرآن الكريم