قال الله في كتابه الكريم (قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس)
حديثنا في معاني الاذكار التي يستحب للإنسان أن يداوم عليها باستمرار لما تخلفه من أثار على مستوى الثواب والاجر وعلى مستوى تركيز العقائد الدينية لدى الانسان وأيضا ما يحصل للإنسان من فوائد عمليه وخارجية لبعض هذه الاذكار.
ونحن بصدد ذكر الاستعاذة كقول أعوذوا بالله من الشيطان الرجيم وقول أعوذ به منه اي استعيذ بالله من سخط الله وغضبه وعقابه ونعوذ به من شر أنفسنا ونعوذ به من جار السوء ....
وأحيانا تكون الاستعاذة بالله من خلق سيء، ومن الفقر والمرض وغيرها من الامور السيئة، فالاستعاذة تكون بالله من كل أمر فيه خطر على الانسان كالشيطان او خلق سيء لا يرغب الانسان ان يتخلق به وأحيانا تكون الاستعاذة من قوة خارجية لا يستطيع الانسان أن يدفعها عن نفسه بدون الالتجاء لله عز وجل كالسلطان الجائر.
والمعوذتين تقرأ على صيغة فاعل وليس على صيغة المفعول، فالمعوذ هو الانسان نفسه او أهله، حينما يقرأ الانسان المعوذتين فهو يعيذ نفسه واهله من اي شر يريد الاستعاذة بالله منه.
وفي الخبر أن النبي محمد صل الله عليه واله وسلم كان يعوذ الحسن والحسين بقراءة المعوذتين عليهما.
وسورتي الناس والفلق معوذتان لانهما تبدأن بقول قل أعوذ برب الناس وقل أعوذ برب الفلق.
الوارد في الروايات أن هاتين الصورتين لكل شر يستطيع أن يعوذ الانسان نفسه بهما بأي طريقة كقراتهما على ماء وشربه او الاغتسال به، او قرأتهما في لحظة الخوف من الخطر الذي قد يصيب الانسان فيتعوذ بالله ويستعين به لدفع الخطر عنه.
السؤال كيف يكون الاستعانة بقراءة هاتين السورتين لدفع المرض والخطر والشر عن قارئهما، فالمرض يدفع بالأدوية فكيف ندفعه من خلال قراءة هاتين السورتين، كما ان ظلم العدو يدفع بالسلاح وبالاستعانة بمن هو أقوى منه فكيف تكون لهاتين السورتين القدرة على دفع العدو الظالم.
الجواب عن هذا السؤال عبر أمرين:
اولا أنه ليس بممتنع بل هو ممكن وواقع بان يقرن الله بين مادة من المواد ومادة أخرى لكي تأثر في علاج مرض الانسان، وهذا ما يرتكز عليه الطب بأن يصف دواء معين ليعالج به المرض الذي يشكوا منه اي مريض ولكنه لا يعالج جميع الاوجاع والامراض وانما يصف علاج محدد لأمراض محددة فلكل مرض دواء مختلف لا يمكن علاج مرض أخر به والسبب ان المواد الموجودة في الدواء الموصوف لمرض معين لها تأثير خاص بعلاج العضو المريض.
ثانيا هناك أمور يكون تأثير الكلام قوي جدا فالكلمة التي تقال اما تسبب المرض او العلاج فبعض الكلمات تصيب النفس بالمرض والأذى ، كما أن بعض الكلام يريح النفس ويزيل عنها الوهن والتعب كقول وأفوض أمري وحالي الى الله ان الله بصير بالعباد يريح النفس في وقت الشده والمصائب ، فالكلام من الممكن ان يأثر في نفس الانسان اما بالسوء او الحسن كما أن الكلام قد يؤثر على جسد الانسان فحينما يسمع شخص بخبر سيء قد يغمى عليه بسبب ذلك الخبر فيكون تأثير الكلمة على اعضاء الجسد قويه فتسبب له الوهن والمرض ، وقد يصل الامر الى الموت بسبب سماع كلام مسيء .
لهذا لابد ان يعود الانسان نفسه على الكلام الحسن والطيب مع الاخرين لان له الاثر القوي على نفس السامع.
والمعوذتين حسب ما ورد في الروايات يحتمى بهما من الاخطار كالمرض والعدو وما يقال من السحر والحسد والعين من الممكن ابطاله بقراءة هاتين السورتين المباركتين، فمن المفروض أن يحمي الانسان نفسه بقراءتهما لدفع الشرور عن نفسه وجذب البركة والخير والرزق فانهما حصنان يسيران جعلهما الله عز وجل في اختيار الانسان.
وكما ورد في المدارس الاخرى حول المعوذتين ففي البخاري ورد ينقل صدي أبن عجلان أن رسول الله صل الله عليه واله قال له (الا أعلمك ثلاث سور لم ينزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلهن - قل هو الله أحد، قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس - فاذا كان الامر كذلك وهي خفيفة المؤمنة ويسيرة الفعل والعمل فليتعوذ الانسان بها من أي شر يخافه ففي هذه السور علمنا الله كيفية الاستعاذة به من الشرور والمخاوف.
وروي أن النبي كان إذا أوى الى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ فيهما قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الناس وقل أعوذ برب الفلق ثم يمسح بهما ما أستطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات، ولدينا في مدرسة أهل البيت تأكيد على الاستعاذة بهاتين السورتين.
يبقى مسألة وهي أنه ذكر في مصادر مدرسة الخلفاء تقريبا بأجمعها قضية نعتقد أنها غير صحيحة عند الامامية وهي ما قالوه انه استعاذة النبي بالمعوذتين من سحر ابن الاعصم اليهودي فلديهم يكاد يكون لديهم أجماع عليه بان النبي سحر في المدينة بواسطة يهودي وأن النبي تأثر بذلك السحر فكان يفعل الشيء ويخيل اليه أنه لم يفعله ولا يفعل الشيء ويخيل اليه أنه فعله ومضى على ذلك كما قالوا ايام وقال البعض اشهر ، كما أن هذه الرواية غير الصحيحة لدى الامامية التي تقول بأن النبي رأى أن ملكين قدما اليه وقال احدهما للأخر ان النبي قد سحر وسحره فلان والسحر مرمي في المكان الفلاني وحينما النبي افاق ذكر ذلك الى اصحابه وذهبوا الى المكان الذي ذكره وأخرجوا منه السحر وقرءوا عليه المعوذتين وانتهى ذلك السحر ، في اعتقاد المذهب الاثني عشر ان هذه الرواية باطلة وغير صحيحة لأنها تخدش في نبوة النبي محمد فالله سبحانه وتعالى عصمه من الناس ففي الآية (والله يعصمك من الناس) فما يرد في روايتهم بان الرسول مسحور ويفعل مالا يشعر به يناقض عصمة الله له من الناس، كما لا يجوز قول ذلك على النبي فهو يخل بالنبوة فالنبي لا يقول كلام لا يقصده ولا يفهمه ولا يفعل شيء بدون ان يشعر بذلك فهذا يقوده الى الخطأ والنبي معصوم من ارتكاب الاخطاء فقوله وفعله من الله فكيف برسول الله يرتكب افعال غير صحيحة لمدة أيام او اشهر كما يقولون فهذه يناقض نبوته .
وبالنسبة لتعرض اي شخص للسحر لدى العلماء تسأل هل للسحر حقيقة موضوعية خارجية بحيث ان الساحر يتمكن من سحر من يريد متى ما رغب بذلك، فاذا كان الساحر لا يستطيع أن يسحر أحد فيأثر فيه سحره الا بأذن الله فهل بالإمكان اصابة النبي بالسحر كما ورد في تلك الروايات فهو معصوم من الناس فمن المستحيل اصابته بالسحر فمشيئة الله تأبى ذلك.