نعزي رسول الله صلى الله عليه وآله، والعترة الهادية، ثم مراجع الدين، وعامة المؤمنين، وخصوصا من حضر في مجلسنا هذا، بشهادة سيدة نساء العالمين، أمي أبيها، حليلة الوصي، فاطمة صلوات الله وسلامه عليها، ونسأل الله الذي أكرمنا بمعرفتها، أن يكرمنا بشفاعتها في الآخرة، إنه على كل شيء قدير.
ونتبرك بذكر بعض ما يتصل بها مما يقتضيه المقام والزمان، مراعين للاختصار إن شاء الله بقدر المستطاع، مع أن الحديث عن فاطمة عليها السلام، ومنازلها، ومقاماتها، وشأنها، وسيرتها، وجهادها، يتطلب الكثير من الوقت والليالي، لكن نذكر ما يتيسر في هذه الليلة إن شاء الله، ونركز على موضوع خطبة السيدة الزهراء سلام الله عليها.
في بداية الحديث أشير إلى أمر لعله يكون صالحا، وهو أننا لو استطعنا أن نشيع حفظ خطبة السيدة الزهراء عليها السلام في المجتمع، فإن فيها من المعارف الدينية ما لا يحده حد، هي قطعة بلاغية استثنائية، فإنه لو أراد أحد أن يتكلم عن المواضيع التي تكلمت عنها السيدة الزهراء عليها السلام بنفس المعاني والمضامين لاحتاج إلى مجلدات لكي يتحدث ذلك المقدار الذي تحدثت عنه صلوات الله عليها في حدود (5) صفحات من صفحات الكتب الآن، وذلك لأن في كل جملة منها، بل في كل كلمة أحيانا لفتة أو إشارة أو معنى يحتاج إلى التأمل الكثير فيه، فهي قطعة بلاغية متميزة للغاية، الذي يحفظها، والذي يتدارسها، ينطق في داخله عنصر البلاغة والأدب، هذا واحد.
بالإضافة إلى ذلك هي دورة معرفية واسعة، فيها مباحث حول توحيد الله عز وجل، والغاية من الخلق، وصفات الله وأسمائه، عندما تبدأ: "الْحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُّكْرُ على ما أَلْهَمَ، وَالثَّناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامِ مِنَنٍ والاها، جَمَّ عَنِ الإحْصاءِ عدَدُها، وَنأى عَنِ الْجَزاءِ أَمَدُها، وَتَفاوَتَ عَنِ الإِْدْراكِ أَبَدُها، وَنَدَبَهُمْ لاِسْتِزادَتِها بالشُّكْرِ لاِتِّصالِها، وَاسْتَحْمَدَ إلَى الْخَلايِقِ بِإجْزالِها، وَثَنّى بِالنَّدْبِ إلى أمْثالِها".
وتكمل: "وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، كَلِمَةٌ جَعَلَ الإِْخْلاصَ تَأْويلَها، وَضَمَّنَ الْقُلُوبَ مَوْصُولَها، وَأَنارَ في الْفِكَرِ مَعْقُولَها. الْمُمْتَنِعُ مِنَ الإَْبْصارِ رُؤْيِتُهُ، وَمِنَ اْلأَلْسُنِ صِفَتُهُ، وَمِنَ الأَوْهامِ كَيْفِيَّتُهُ. اِبْتَدَعَ الأَشَياءَ لا مِنْ شَيْءٍ كانَ قَبْلَها، وَأَنْشَأَها بِلا احْتِذاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَها، كَوَّنَها بِقُدْرَتِهِ، وَذَرَأَها بِمَشِيَّتِهِ، مِنْ غَيْرِ حاجَةٍ مِنْهُ إلى تَكْوينِها، وَلا فائِدَةٍ لَهُ في تَصْويرِها إلاّ تَثْبيتاً لِحِكْمَتِهِ، وَتَنْبيهاً عَلى طاعَتِهِ، وَإظْهاراً لِقُدْرَتِهِ، وَتَعَبُّداً لِبَرِيَّتِهِ، وإِعزازاً لِدَعْوَتِهِ، ثُمَّ جَعَلَ الثَّوابَ على طاعَتِهِ، وَوَضَعَ العِقابَ عَلى مَعْصِيِتَهِ، ذِيادَةً لِعِبادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ، وَحِياشَةً مِنْهُ إلى جَنَّتِهِ".
وهكذا تخوض في المباحث التوحيدية العميقة جدا إلى درجة أن تقديم كلمة على كلمة عند العلماء العارفين يكون مؤثرا بين أن تقول: "اِبْتَدَعَ الأَشَياءَ (مِنْ لا) شَيْءٍ كانَ قَبْلَها"، أو أن تقول: "اِبْتَدَعَ الأَشَياءَ (لا مِنْ) شَيْءٍ كانَ قَبْلَها"، فرق كبير يتحدث عنه العلماء.
فأحيانا ليست فقط بس الجملة تختلف أحيانا من (لا مِنْ) أو لا (مِنْ لا)، هذا يشكل فارقا كبيرا جدا، ففيها معارف توحيدية عالية، فيها نفي لرؤية الله عز وجل، فيها نفي حتى للتصور، تصور الذات الإلهية بالرغم من أن قدرة الإنسان على التصور واسعة جدا، الآن لو تقول مثلا (جبل)، بسرعة في ذهنك، ذهنك يشكل صورة للجبل، تقول (بحر) بسرعة يرسم ذهنك صورة بحر، وهمك يستطيع أن يخلق الصور، بالنسبة إلى الله عز وجل لا يمكن لذهن الإنسان أن يخلق صورة عنه، تقول (الله) لا تستطيع أن تصنع شيئا في ذهنك، ففيها معارف توحيدية.
فيها معارف عن رسول الله صلى الله عليه وآله، عندما تقول: "وَأَشْهَدُ أنّ أبي مُحَمَّداً صلّى الله عليه وآله عبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اخْتارَهُ وَانْتَجَبَهُ قَبْلَ أَنْ أَرْسَلَهُ، وَسَمّاهُ قَبْلَ أنِ اجْتَبَلَهُ، وَاصْطِفاهُ قَبْلَ أنِ ابْتَعَثَهُ..."، هذه فيها معاني كثيرة، ووصفها للحالة التي كان عليها المجتمع العربي بل المجتمع الإنساني قبل مجيئي رسول الله و نبوته ورسالته، وهو وصف في غاية الدقة والتفصيل لجهات متعددة، أحيانا الإنسان يصف مثلا الحالة الاقتصادية، أحيانا الحالة الاجتماعية، أحيانا الحالة الدينية، والزهراء عليها السلام في كلمات مختصرة جدا وصفت كل هذه الحالات، وأحاطت بها، كل واحد أعطته جملة، وبالتالي عليك أن تتأمل وأن تتدبر فيها.
بعد ذلك تتحدث عن مقاصد التشريع في الإسلام، وهو أول نص فيما نعلم، الآن مثلا أتباع مدرسة الخلفاء يتحدثون عن مقاصد التشريع، وأن أول من ألف فيها مثلا فلان أو فلان، وهذا يعدونه فتحا مبينا في أن التشريعات الإسلامية ليست تشريعات بلا غايات اجتماعية أو تربوية، لا، وبالتالي لازم تدخل في طرق الاستدلال والاستنباط، وبحوث عندهم ودراسات كثيرة، وكتب، احسب وعد في مقاصد التشريع.
أول نص فيما نعلم بحث موضوع مقاصد التشريع هو نص الخطبة الفاطمية، فَجَعَلَ اللهُ الإيمانَ تَطْهيراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلاةَ تَنْزِيهاً لَكُمْ عَنِ الكِبْرِ، والزَّكاةَ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَنَماءً في الرِّزْق، والصِّيامَ تَثْبيتاً للإِخْلاصِ، والحَجَّ تَشْييداً لِلدّينِ، وَالعَدْلَ تَنْسيقاً لِلْقُلوبِ، وَطاعَتَنا نِظاماً لِلْمِلَّةِ، وَإمامَتَنا أماناً مِنَ الْفُرْقَةِ، وَالْجِهادَ عِزاً لِلإْسْلامِ..."
مجموعة العبادات تجد تقول للمستمع أن هذه لكل واحدة منها هناك غايات، هناك مقاصد، هناك أهداف، الله سبحانه وتعالى إنما قرر هذه العبادات بهذا النحو وبهذه الطريقة من أجل غايات يريد أن يبلغ العباد هذه الغايات، هذا كله والزهراء عليها السلام ليست في صدد بحث فقهي مثلا، أو بحث أصولي، وإنما هي في صدد الحديث والاحتجاج لجهة مظلوميتها، وخطأ الخلافة الحادثة في تعاملها مع أول وأهم قضية قضائية وهي ميراث الزهراء عليها السلام، وفوق هذا تأخير الإمام أمير المؤمنين عن موقعه ومنصبه.
تكلمت عن القرآن الكريم: "كِتابُ اللهِ النّاطِقُ، والقُرْآنُ الصّادِقُ، وَالنُّورُ السّاطِعُ، وَالضِّياءُ اللاّمِعُ، بَيِّنَةٌ بَصائِرُهُ، مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ، مُتَجَلِّيَةٌ ظَواهِرُهُ، مُغْتَبِطَةٌ بِهِ أَشْياعُهُ، قائِدٌ إلى الرِّضْوانِ اتّباعُهُ، مُؤَدٍّ إلى النَّجاةِ إسْماعُهُ. بِهِ تُنالُ حُجَجُ اللهِ المُنَوَّرَةُ، وَعَزائِمُهُ المُفَسَّرَةُ، وَمَحارِمُهُ المُحَذَّرَةُ، وَبَيِّناتُهُ الجالِيَةُ، وَبَراهِينُهُ الكافِيَةُ، وَفَضائِلُهُ المَنْدوبَةُ، وَرُخَصُهُ المَوْهُوبَةُ، وَشَرايِعُهُ المَكْتُوبَةُ، تتكلم عن دور القرآن الكريم في الأمة.
تكلمت عن حالة المجتمع بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، بل قبل وفاة رسول الله "وأَنْتُمْ فِي رَفاهِيَةٍ مِنَ الْعَيْشِ، وَادِعُونَ فاكِهُونَ آمِنُونَ، تَتَرَبَّصُونَ بِنا الدَّوائِرَ، وتَتَوَكَّفُونَ الأَخْبارَ، وَتَنْكُصُونَ عِنْدَ النِّزالِ، وَتَفِرُّونَ عِنْدَ القِتالِ، فَلَمَّا اخْتارَ اللّهُ لِنَبِيِّهِ دارَ أنْبِيائِهِ وَمَأْوى أصْفِيائِهِ، ظَهَرَ فيكُمْ حَسيكَةُ النِّفاقِ وَسَمَلَ جِلبْابُ الدّينِ، وَنَطَقَ كاظِمُ الْغاوِينِ، وَنَبَغَ خامِلُ الأَقَلِّينَ، وَهَدَرَ فَنيقُ الْمُبْطِلِين.
قبل ماذا كنتم؟ متجهة إلى الاتجاه القرشي، وموجهة التهمة إليه، وبعد ذلك أيضا ظهر ما كان خافيا، وما كان في القلوب أصبح في الواقع الخارجي، تكلمت عن الأنصار وعن دورهم، واستنهضتهم: "أيْهاً بَنِي قَيْلَةَ! أاُهْضَمُ تُراثَ أبِيَهْ وَأنْتُمْ بِمَرْأى مِنّي وَمَسْمَعٍ، ومُبْتَدأٍ وَمَجْمَعٍ؟! تَلْبَسُكُمُ الدَّعْوَةُ، وتَشْمُلُكُمُ الْخَبْرَةُ، وَأنْتُمْ ذَوُو الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ، وَالأَداةِ وَالْقُوَّةِ، وَعِنْدَكُمُ السِّلاحُ وَالْجُنَّةُ؛ تُوافيكُمُ الدَّعْوَةُ فَلا تُجِيبُونَ، وَتَأْتيكُمُ الصَّرْخَةُ فَلا تُغيثُونَ، وَأنْتُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْكِفاحِ"، أنتم أين كان زمانكم مع رسول الله وأين الآن مواقفكم المتخاذلة؟
تحدثت في الفقه، في قضية الميراث، وأوردت سلام الله عليه الأدلة العامة على ميراث الأنبياء كما لو كان مدرس يبحث بحثا من البحوث العالية، ألقت الزهراء عليها السلام في كلمات مختصرة منهجا في الاستدلال الفقهي، استدلت بالعمومات، ثم بالخصوصات، ثم عقبت هل هناك يوجد مانع من إعمال العمومات أو من الاستدلال بالمخصصات؟ ونفت كل ذلك لتصل إلى أنه هذا هو حكم القرآن الكريم، وهذه سيرة رسول الله على التوريث، ولا يوجد مانع في ذلك أبدا.
فالسيدة الزهراء عليها السلام في هذه الخطبة، وكثير منها من مواضيعها مواضيع لا تزال ساخنة، لا تزال حية، من المهم أن يتعرف عليها المؤمنون، في التوحيد معارف حاضرة قوية متينة في عبارات مختصرة، وهي صادرة من معصوم مما يعني أنها حجة كالقرآن الكريم.
فيما يرتبط برسول الله صلى الله عليه وآله كذلك، في بيان دور أمير المؤمنين عليه السلام، تقول: "قَذَفَ أخاهُ في لَهَواتِها، فَلا يَنْكَفِئُ حَتَّى يَطَأَ صِماخَها بِأَخْمَصِهِ، وِيُخْمِدَ لَهَبَهَا بِسَيْفِهِ، مَكْدُوداً في ذاتِ اللّهِ، مُجْتَهِداً في أمْرِ اللهِ، قَرِيباً مِنْ رِسُولِ اللّهِ سِيِّدَ أوْلياءِ اللّهِ، مُشْمِّراً ناصِحاً ، مُجِدّاً كادِحاً ـ وأَنْتُمْ فِي رَفاهِيَةٍ مِنَ الْعَيْشِ، وَادِعُونَ فاكِهُونَ آمِنُونَ، تَتَرَبَّصُونَ بِنا الدَّوائِرَ، وتَتَوَكَّفُونَ الأَخْبارَ، وَتَنْكُصُونَ عِنْدَ النِّزالِ، وَتَفِرُّونَ عِنْدَ القِتالِ." هذا علي بن أبي طالب عليه السلام.
أو في موضع آخر تقول: "وما الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا منه والله نكير سيفه، وقلة مبالاته بحتفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله، هذا كان علي بن أبي طالب، مالذي فعله يعني علي بن أبي طالب؟ قتل أبطال العرب ناوش ذؤبانهم، أورث هؤلاء تلك الأحقاد، وهل كان ينبغي منه أن يفعل غير ذلك؟
فهي تتحدث عن الله، عن رسول الله، عن الإمامة وأمير المؤمنين عليه السلام، عن القرآن الكريم، عن التشريعات الدينية، عن فلسفتها، عن موقع الأنصار، عن موقع الذين كانوا من قريش، ما يرتبط بالميراث الذي كان ولا يزال حجتهم من الحديث غير الصحيح مصدرا، وغير الصحيح تفسيرا على فرض أنه صدر، مع أنه لم يصدر، أنه: نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه فلولي الأمر من بعدنا أو ما تركناه فهو صدقة أو إنما يأكل في هذا المال آل محمد، وأمثال ذلك من الكلمات، ردت عليها في كلماتها المختلفة.
فمن الحري ومن الجدير ومن المناسب الاهتمام الجاد في هذه الخطبة الشريفة من قبل المؤمنين، لو أن المساجد على سبيل المثال، لو أن الحوزات العلمية، لو أن الشباب تكون بينهم مسابقات وتوجه لحفظ هذه الخطبة، ومعرفة معانيها، وتدريس ما فيها، هذه دورة ثقافية واسعة دينية، بالإضافة إلى ذلك هي أيضا نوع من أنواع التعريف بالأدب والبلاغة والمعرفة اللغوية يمكن للإنسان أن يحصل عليها، ولو فرضنا أنه في كل مناسبة من مناسبات الزهراء عليها السلام يصار إلى مثل هذا، ميلاد الزهراء عليها السلام، حتى في دائرة الأسرة، الإنسان مع أسرته، أبنائه، أحفاده، بناته، أسباطه، من يحفظ خطبة الزهراء، نصف خطبة الزهراء له من الجائزة كذا وكذا، من يعرف معانيها حتى لو لم يحفظها له من الجائزة كذا وكذا، فيصير تحريضا وتشجيعا وحثا على مثل هذا الأمر.
فنحن ندعو بمناسبة أيام السيدة الزهراء عليها السلام إلى الاهتمام الأكبر في هذه الخطبة، المرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين رضوان الله تعالى عليه صاحب كتاب المراجعات وغيرها من الكتب النافعة، من جملة الأشياء التي يذكرها في قضية ثبوت هذه الخطبة، لأن الخصم يزعم أن خطبة فاطمة منسوبة إليها، منحولة ليست تامة السند، لأنه بعض الأشياء إذا تكون عندهم ثابتة وتامة تورطهم في معانيها، فمن الطبيعي أن يقول لك هذا مخدوش غير سليم وضعيف إلى آخره.
وأنت إذا تلاحظ ليست فقط خطبة الزهراء، أكثر الأحاديث التي فيها إحقاق لحق أهل البيت عليهم السلام، مثل حديث الثقلين الذي بأسانيد متعددة في مصادر متعددة عند المدرسة الأخرى ثابت وصحيح، يتركونه ويقولون هذا لا يُعمل به، يحاولون الطعن فيه، بينما أحاديث أخرى لمثل (وسنتي) لا سند لها أصلا مع ذلك يُعمل به، ويصبح هو الشيء الرسمي، لماذا؟ لأن ثبوت مثل (كتاب الله وعترتي) يحرج المدرسة، ماذا يصنعون؟ إما أن تتبعوا كلام رسول الله فهذه عترة رسول الله عندها فقه وعندها عقائد وعندها كذا، فأين هي في هذه المدرسة؟ أو أن يقال نحن لا نتبع كلام رسول الله في التمسك بالعترة، وهذا أمر محرج بالنسبة إلى المدرسة بلا أشكال.
كذلك بالنسبة إلى الخطبة الزهرائية الخطبة الفدكية، إذا ثبتت هذه عند المدرسة الأخرى فيها إحراج واضح بالنسبة إلى هذه المدرسة، في المعاني التي تقول عقائدية على مستوى ذات الله وصفاته أو عقائدية على المستوى الأدنى من ذلك في حقانية أهل البيت عليهم السلام، وفي التوبيخ للطرف الآخر، فإذن لابد أن يقال ليست ثابتة.
من جملة ما يدخل السيد شرف الدين رحمة الله عليه يقول هذه أولا واردة في مصادر كثيرة، وبأسانيد متعددة، وفي بعضها يقول عبد الله بن عباس روت لنا عقيلتنا زينب ابنة علي بن أبي طالب، على أنها كانت في ذلك الوقت صغيرة السن، وتنقل عن العقيلة زينب، وهذا حقيقة أمر يدل على غاية في ذكاء وحافظة السيدة زينب سلام الله عليها، ذاك الوقت السيدة زينب ربما عمرها (6) سنوات (5) سنوات، أن تحفظ هذه المعاني، وأن تؤديها إلى من بعدها، هذا شيء غير طبيعي لولا تدخل الغيب في هذه الجهة.
يقول بالإضافة إلى ما ورد من الروايات فيها، والأسانيد المتعددة، أننا أهل البيت، باعتبار أنه سيد موسوي، أننا أهل البيت كان دأب آبائنا وأجدادنا على حفظها، وأمر أبناءهم بحفظها، جيل وراء جيل، هناك حفظة لهذه الخطبة في ضمن دائرة السادة العلويين، وهذا يحمل السادة إذا في أحد من السادة في هذا المجلس يحمله مسؤولية تجاه خطبة أمه الزهراء عليها السلام، فمن المناسب جدا أن يكون هناك حركة باتجاه حفظ هذه الخطبة، معرفة معانيها من قبل أبنائنا، وبناتنا، وإخواننا، أخواتنا، الأب في أسرته، المسؤول عن العائلة في عائلته، وهكذا.
وتنتهي هذه الخطبة بعد تطواف فاطمة الزهراء عليها السلام، والاحتجاج الكثير، والاستنهاض الذي لم ينته إلى نهوض أحد لمناصرتها صلوات الله وسلامه، تنتهي في الخطبة إلى أن ترجع إلى بيتها، بيت أمير المؤمنين عليه السلام، فتقول له: يا ابْنَ أبِي طالِب! "...خَرَجْتُ كاظِمَةً، وَعُدْتُ راغِمَةً..."، يعني أنا كان لابد أن أخرج، بالرغم مني خرجت لكي أخطب هذه الخطبة، وأبين الحقائق للناس، وأدافع عن حق أمير المؤمنين عليه السلام، وإلا لو كان أحد آخر يقوم بالدور أنا ما كنت أخرج، على الرغم مني خرجت لأجل القيام بهذا الأمر: "...خَرَجْتُ كاظِمَةً، وَعُدْتُ راغِمَةً..."، في داخلي هم كثير أكظمه، وحزن عظيم أخفيه، لماذا؟ لأنهم لم ينصتوا إلى قولي، "وَالفَيْتُهُ أَلَدَّ في كَلامِي"، ما قبل مني أحد هذا الكلام، وبقيت ظلامتي على حالها.
ثم بدأت بأبي وأمي تبث شكواها لكي تبقى إلى يومنا هذا علامة حزن دائمة ومؤثرة، قالت: "وَيْلايَ في كُلِّ شارِقٍ، ماتَ الْعَمَدُ، وَوَهَتِ الْعَضُدُ. شَكْوايَ إلى أبي، وَعَدْوايَ إلى رَبِّي، اللّهُمَّ أنْتَ أشَدُّ قُوَّةً وَحَوْلاً، وَأحَدُّ بَأْساً وَتَنْكِيلاً"، مات العمد، يعني رسول الله، ذهب إلى لقاء ربه، قال لها أمير المؤمنين: "لا وَيْلَ عَلَيْكِ، الْوَيْلُ لِشانِئِكِ، نَهْنِهي عَنْ وَجْدِكِ يَا ابْنَةَ الصَّفْوَةِ وَبَقِيَّةَ النُّبُوَّةِ، فَما وَنَيْتُ عَنْ ديِني، وَلا أَخْطَأْتُ مَقْدُوري، فَإنْ كُنْتِ تُريدينَ الْبُلْغَةَ فَرِزْقُكِ مَضْمُونٌ، وَكَفيلُكِ مَأمُونٌ، وَما أعَدَّ لَكِ أفْضَلُ ممّا قُطِعَ عَنْكِ، فَاحْتَسِبِي اللهَ، فَقالَتْ: حَسْبِيَ اللهُ، وَأمْسَكَتْ.
بقيت بأبي وأمي على تلك الحالة، غصب الوصي، وفقد النبي، وسقوط الجنين، مدة (75) يوما على هذه الرواية إلى أن كان مثل هذا اليوم في صباحه، قالت لأسماء بنت عميس، يا أسماء أنا أدخل الدار، وأقرأ القرآن، وأظن أنني لاحقة بأبي رسول الله، دخلت دارها، اتجهت نحو قبلتها، بدأت تقرأ، قالت يا أسماء إذا سمعت صوتي وإلا فكلميني، بدأت تقرأ القرآن، شيئا فشيئا، بدأ يخبو صوت فاطمة الزهراء، إلى أن خبا ذلك الصوت، وانقطع نفسها، وماتت ابنة رسول الله محزونة مغصوبة مكروبة مسقط جنينها، ملطومة عينها، فإن لله وإنا إليه راجعون.