من الأسئلة التي تتردد عادة في ذكرى شهادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، سؤال يقول إنه (كيف يمكن للإمام الحسن أن يتزوج امرأة سوف تسممه فيما بعد؟)، (أما كان ينبغي أن يتم الاختيار المناسب للزوجة حتى لا يحصل مثل هذا الذي حصل أو لا؟)، (وكيف يمكن أن نتفهم هذا الأمر؟)، وحديثنا هذه الليلة في هذا الأمر.
في البداية لابد أن نُثَّب زوجته هي التي سممته، حتى يترتب على ذلك أن يأتي السؤال، (لماذا إذن تزوج امرأة سوف تقوم بتسميمه؟)، وإلا إذا فرضنا، كما ذهب إليه أحد الباحثين في إثارة لم يتبنها، وإنما أثار كلاما فيها، ينتهي إلى أنه ليس مؤكدا أن يكون في رأيه أن تكون (جعدة بنت الأشعث) هي التي سممت الإمام الحسن، ولابد من التفتيش عن جهة أخرى قامت بتسميمه، يعني هذا أحد الباحثين ذهب إلى ذلك، وأثاره في مقال، وحاول الاستدلال عليه.
أولا: الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لاريب أنه لم يمت ميتة طبيعية، هذا كأنما عليه اتفاق المسلمين، وليس فقط الشيعة الإمامية، في سنة 50 للهجرة بعمر حوالي 47 سنة، الإمام الحسن المجتبى عليه السلام قضى مسموما، هذه مُسَلَّمة تقريبا عند الفريقين من أتباع مدرسة الخلفاء ومن المدرسة الإمامية.
ثانيا: ما يذهب إليه أكثر من ذكر سيرة الإمام، وطريقة وفاته، أشاروا إلى قضية جعدة أنها هي التي باشرت بتسميمه، ومنهم من ترك الأمر هكذا، من دون حديث عمن وراءها من محرك وممول ومخطط وداعم، والبعض الآخر نسب الأمر صريحا إلى يزيد بن معاوية، كما هو كثير من أتباع مدرسة الخلفاء، وقسم قليل من هؤلاء نسب الأمر إلى والده، والد يزيد، طبعا قسم من هؤلاء يصعب عليهم مثل ابن كثير في البداية والنهاية، ابن كثير أحد تلامذة ابن تيمية، وهذا خط يعني من شأنه أن يدافع عن الاتجاه الأموي بكل ما يستطيع، ولا سيما بالنسبة إلى معاوية بن أبي سفيان، لذلك حتى ابن كثير لما ينقل الخبر يقول إن الحسن سممته زوجته جعدة بنت الأشعث، ونقلوا أن الذي دَس إليها كان يزيد بن معاوية، وعنده وهو ابن كثير يقول: "وعندي أن هذا غير صحيح، وكذلك غير صحيح ما نسب إلى أبيه"، أن والده هو الذي فعل هذا الأمر.
فإذن صار عندنا الخطوات التالية، الأول: إن الإمام الحسن عليه السلام لم يمت ميتة طبيعية، وإنما مات مسموما باتفاق الفريقين من المؤرخين، هذا واحد. والثاني: على اتفاق على أن جعدة بنت الأشعث هي التي سممته. والثالث: نقطة اختلاف في أنه هل أن الذي حَرك ودَسَّ ووعد بالمال ومول وزود بالسُم، هل هو يزيد أو من فوق يزيد؟ هذه النقطة نقطة خلاف، ولكن أن جعدة هي التي سممته، هذه نقطة اتفاق، ولذلك نتعجب يعني من بعض الباحثين عندما أثار هذا الأمر، يعني مثلا بأن يقال في توجيه كلامهم، إذا كانت جعدة هي التي سممت الإمام، فلماذا لم يأخذ الحسين وبنو هاشم بثأره؟ ولماذا لم يُقْتَص منها؟ والجواب على ذلك، أنه متى تم الاقتصاص من قتلة أئمة أهل البيت عليهم السلام؟ استثن أمير المؤمنين عليه السلام الذي أجرى القصاص دولة حاكمة، وولي أمر ظاهر، ونُفذ فيه بقوة القانون، هل أُخذ بثأر الإمام الحسين عليه السلام؟ لا أبدا؟ لما سُمِمَ الإمام الحسن أيضا نفس الكلام، سُمِمَ الإمام السجاد، هل أُخذ بثأره واقْتُص من القاتل؟ كلا، سُمِمَ الإمام الباقر، هل اقْتُص من قاتله؟ كلا، الإمام الصادق، الإمام الكاظم، الإمام الرضا، متى صار اقتصاص من واحد من قتلة الأئمة حتى يقال إن الدليل على عدم قيام جعدة بتسميم الإمام أنه لم يقم أحد بالمطالبة بالثأر منها؟ هذا واحد.
وإنه كما قالوا إنها تزوجت فيما بعد، وفي بعض بني هاشم، فكيف هذا يُتفق عليه؟ الجواب على ذلك، لا يوجد هناك شيء يعني رأي العين وجهة تقيم الدعوى عليها، ثم قضية الزواج مِمن كان لهن أزواج حتى وإن ارتكبوا آثاما، إليهم جماعتهم، والله فلان تزوجها، فلان ابن عبد الله بن عباس، هذا ليس دليلا على أنها لم ترتكب ذلك، بل أكثر من هذا، عندما تزوجت هذا مذكور في التاريخ، عندما تزوجت وأنجبت كان أبناؤها يُعَيرون بهذا التعيير، (يا بَني مُسَمَّة الأزواج)، ولو لم يكن الأمر شائعا وواضحا، لما كان أي واحد من الأولاد يقول لا، هذا كذب وليس صحيحا، وهذه التهمة علينا غير ثابتة، فإذن ما ذهب إليه البعض من أنه يمكن نفي مسؤولية جعدة بنت الأشعث عن تسميم الإمام الحسن عليه السلام لا نرى له دليلا واضحا، بل يكاد يكون شبه إجماع عليه.
أنا أنقل إليك بعض ما ذُكر في التاريخ من الفريقين فقط للاستئناس كما يقولون، وهو ليس أصل موضوعنا، عندنا في الكافي رواية، (الكافي لثقة الإسلام الكليني، متوفى سنة 329 هجرية)، في كتابه الكافي رواية يمكن أن يُتَأيد بها، ويُستشهد بها، ليست دليلا ولكن يمكن التَأيد بها، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "إن الأشعث بن قيس شَرك في دم أمير المؤمنين عليه السلام، -في مقتل الإمام أمير المؤمنين يتبين موضوع الأشعث بن قيس- وابنته جعدة سمت الحسن عليه السلام، ومحمد ابنه شرك في دم الحسين عليه السلام"، فهذه الرواية يمكن الاستشهاد بها على مسؤولية هذه المرأة الخاطئة في تسميم الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، بل في (كتاب الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي)، ينقل رواية عجيبة عن الإمام الحسن المجتبى، أنها هي التي سوف تسممه، فلما قيل له في ذلك، إذا بهذا الشكل لماذا لا تقبض عليها؟ لماذا ما كذا؟ أجاب بنفس جواب أمير المؤمنين عليه السلام، وقال لا تكون العقوبة قبل الجناية، أمير المؤمنين قال لهم هذا ابن ملجم هو قاتلي، قالوا له إذن اسجنه، افعل فيه كذا وكذا، قال كيف أسجن واحدا لم يرتكب شيئا بالنسبة لي، هتان الروايتان يمكن التَّأيد بهما، لكن أنتم تعلمون أن الموضوع التاريخي أربابه هو المؤرخون أكثر من غيرهم، (الصدوق رضوان الله تعالى عليه، متوفى سنة 381 هجرية)، ذكر من جملة اعتقادات الإمامية في (كتاب الاعتقادات) أن جعدة بنت الأشعث سمت الحسن بن علي عليه السلام، دَسَّ إليها معاوية، وضمن لها كذا وكذا من المال في خبر مفصل، عنده شرح للموضوع بشكل كامل، هذا الشيخ الصدوق، (الشيخ المفيد) في كتابه الإرشاد، الإرشاد كتاب تاريخي في سيرة أهل البيت، (الإرشاد إلى معرفة حجج الله على العباد)، الشيخ المفيد شيخ الطائفة، وأستاذ (شيخ الطائفة الطوسي) رضوان الله تعالى عليهما، متوفى سنة 413 هجرية، يذكر نفس الأمر الذي ذكره الشيخ الصدوق، وصاحب (كتاب الاحتجاج للطبرسي، المتوفى سنة 588 هجرية)، أيضا يذكر نفس الأمر، ومن بعدهم سار على منوالهم في تأكيد نسبة التسميم من جعدة إلى الإمام الحسن عليه السلام.
وأما من طريق مدرسة الخلفاء في يبدأ الأمر من قبل هذا التاريخ، نجد ذلك مثلا عند البلاذري، (أحمد البلاذري، صاحب كتاب أنساب الأشراف متوفى سنة 279 هجرية)، وهو من الكتب المهمة في التاريخ، أيضا ذكر، وقد قيل إن معاوية دَسَّ جعدة بنت الأشعث بن قيس، امرأة الحسن، وأرغبها حتى سمته، وكانت شانئة له، يعني تبغضه أو تكرهه، نأتي إلى كتاب آخر، وهو (كتاب المحن للمغربي الأفريقي، متوفى سنة 333 هجرية)، نفس الكلام يذكره، (كتاب البدء والتاريخ للمقدسي، المتوفى حوالي سنة 355 هجرية)، وهو من الكتب التاريخية المهمة، كذلك يذكر هذا الخبر بتفاصيله، أنه فلان دَس إليها، ووعدها أن يزوجها ابنه، وأرسل إليها كذا من المال، وهكذا، بعده (كتاب مقاتل الطالبيين، لأبي الفرج الأصفهاني، والمتوفى سنة 356 هجرية)، الذي هو عند المؤرخين يكثر الاعتماد عليه فيما يرتبط بمصارع آل بيت محمد، والغريب أن هذا الرجل ينتهي في نسبه إلى بني أمية، ولكن في اتجاهه المذهبي هو زيدي المذهب كما قيل، عنده كتب متعددة أهمها كتاب مقاتل الطالبيين، تتبع شهادات من انتسل من آل أبي طالب في زمان بني أمية، وفي زمان العباسيين، وأتقن فيما جاء به، هذا أيضا لما يذكر، يذكر نفس التفاصيل، ويذكر أن معاوية هو الذي دَسَّ لها المال، وأن جعدة هي التي سمت الإمام الحسن، (كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر، المتوفى سنة 463 هجرية)، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، هذا نفس الكلام يذكره، وأول شيء يقول: إنه الحسن سمته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي، وبعد ذلك يقول: وقالت طائفة كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها، هذا سنلاحظ أنه من شأن تخفيف أو عدم ذكر أو كذا، لأنه يحرج المدرسة الأخرى في مسألة عدالة الصحابة، ويحرج بالذات في قضية معاوية، لأنهم قالوا إن معاوية بن أبي سفيان هو ستر الصحابة، فإذا انكشف انكشفوا، فالأحسن كل الذي يأتي حول معاوية أن يغطيه الشخص، ولا يذكره، ويتجاهله، وهكذا (كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي، المتوفى سنة 597 هجرية)، نفس الكلام في كتابه، (كتاب ربيع الأبرار للزمخشري، المتوفى سنة 583 هجرية)، وهكذا (كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير، المتوفى في 630 هجرية)، وهو يعد من عُمَد التاريخ المفصلة، وهذا في كتابه الآخر (أسد الغابة في معرفة الصحابة)، ذكر نفس هذه التفاصيل، (كتاب في تهذيب الكمال لكمال الدين المزي، المتوفى 742 هجرية)، المزي الذي يعد عندهم من أعلم علماء الرجال والتاريخ، يذكر نفس التفاصيل، لكن يقول الذي دسَّ إليها يزيد، دسَّ إليها المال، ووعدها بالزواج لنفس الجهة التي ذكرناها قبل قليل، ويضيف أنه فلما مات الحسن بعثت جعدة إلى يزيد تسأله الوفاء بما وعدها به، أنت وعدتني أن تتزوجني، فقال لها إنا والله لم نرضك للحسن فنرضاك لأنفسنا؟ (صاحب الطبقات لمحمد بن سعد البغدادي، المتوفى سنة 230 هجرية)، نفس الكلام يعني، وهكذا إذا واحد يتتبع التاريخ، الكتب المؤلفة بدأ من حوالي سنة 200 هجرية أو قبلها، هذه المعلومات وهذه الأفكار كانت موجودة في مصادر مدرسة الخلفاء.
بالنسبة لنا الأمر أسبق، إذا قبلنا الرواية التي يرويها (صاحب كتاب الخرائج والجرائح) عن الحسن يعني في زمان الإمام الحسن عليه السلام قبل سنة 50 هجرية، إذا قبلنا رواية الإمام الصادق عليه السلام يعني فيما قبل سنة 148 هجرية، وهكذا، فأصل قضية التسميم بالنسبة إلى جعدة أمر ثابت، قضية الخلاف فقط هو في أنه من دسَّ إليها؟ من زودها؟ من مولها؟ من اقترح عليها؟ إلى غير ذلك، إذا كان هذا الأمر فينبغي أن يُتساءل كيف يختار الإمام الحسن المجتبى عليه السلام من سوف تسممه؟ الجواب على ذلك في عدة نقاط بعد الصلاة على محمد وآل محمد.
النقطة الأولى: إن هذا ليس منفردا به الإمام الحسن عليه السلام، فقد كان قبله، وكان بعده أيضا، أما قبله فهو ما يثبته القرآن الكريم في قضية امرأتي لوط ونوح، قال تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾[ التحريم: 10]، نبيان عظيمان، النبي نوح شيخ الأنبياء، النبي لوط أيضا، والذي يمدحه القرآن الكريم بذلك المدح، لكن زوجتيهما كانتا خائنتين، لا بالمعنى الجنسي، وإنما بالمعنى العقائدي، بمعنى أنه بينما آمن قوم نوح وقوم لوط بهما كفرت زوجتاهما، أما لوط فكانت تحرض عليه، وتُحَرِّج على الملائكة، أنه مثلا لما رأت الملائكة يأتون إلى منزله ومنزلها، ذهبت تنادي على أولئك المنحرفين الشاذين، تخبرهم أن عندها أفضل جماعة، ووجوههم وضيئة وجميلين وإلى آخره، وكانت بالتالي من الغابرين، لم تؤمن بلوط إلى آخر عمرها، أيضا زوجة نوح، الكلام هو نفس الكلام، وسنحل العقدة فيما بعد إن شاء الله.
هذه كانت بالنسبة إلى ما قبل الإمام الحسن بمئات السنين، أيضا وجدنا أنه في بعض زوجات رسول الله صلى الله عليه كان منهن مناكفة، من بعضهن مناكفة ومناكدة، وما شابه ذلك مما التاريخ يبين بعضه وقسما منه، فيما بعد أيضا رأينا أن قسما من الأئمة تزوجوا، مثل: الإمام الجواد تزوج أم الفضل بنت المأمون، وكانت تكايد وتحسد أم الإمام الهادي عليه السلام، وتعاونت مع سلطة الخلافة في القضاء على الإمام الجواد عليه السلام، فإذن أصل القضية ليست خاصة بالإمام الحسن المجتبى فقط دون غيره، حتى نضطر أن ننفي هذا الأمر، أو أن نتورط فيه، لا، كان قبل الإمام الحسن في الأنبياء، وعند الناس الأنبياء هم في مرتبة متقدمة، مع ذلك كان عندهم، وقد ذكر ذلك القرآن حتى لا مثلا واحد يقول لا هذه روايات مضروبة أو هذه التواريخ كيف سجلت، لا، القرآن الكريم صرح بهذا الأمر، هذه النقطة الأولى.
النقطة الثانية: نحن نعتقد أن النبي نوح والنبي لوط، ورسول الله، والإمام الحسن، والإمام الجواد، بل والإمام السجاد كانت عنده امرأة ثقفية، وكان يحبها فطلقها، فقيل له في ذلك، فقال رأيتها تبرأ من علي بن أبي طالب، فكرهت أن أضم إلى نحري جمرة من جمر جهنم، فقسم من الأئمة صار عندهم هذا الأمر، نحن نعلم أن مثل نبي الله نوح، مثل نبي الله لوط، مثل رسول الله، مثل الحسن، مثل سائر الأئمة، عندما يتخذون قرار الزواج بامرأة يكون ذلك منبعثا من الحكمة بحسب هذه الظروف التي تحيط بهم، نحن إذا واحد من المعاصرين إلينا ونحن نعرف أنه رجل حكيم رزين فاهم، نعتقد عندما يتزوج امرأة في رأينا غير جيدة، لكننا ينبغي أن نعتقد أنه مادام حكيما، فإنه في ذلك بحسب ظروفه اختار الخيار الأنسب الذي لا نعلم أسبابه، أنا ابني قد يخطب امرأة، لا أعلم لماذا خطبها، أنا لما أطالعها مثلا لا أراها جميلة لكن في عينه هي جميلة، قد أنا لا أعرف معاشرتها، ولكنه يعرف عنها خلقا معينا، قرر على ذلك، قد تكون رغبة في مصاهرة هذه العائلة، هناك أسباب كثيرة، أنا قد لا أفهم سبب زواج ابني من هذه الفتاة مع أنه بجانبي وفي ظرفي، وهذا واحد من المشاكل التي عادة تحدث بين الآباء وبين الأبناء، وهذا إنه مصر على فلانة، وأنا مصر على غيرها، أو أمه مصرة على غيرها، وهو لا يريدها، هو لا ينظر إليها بعيني، هو ينظر إليها بعينه، إذا كان موضوعا عاطفيا وهوى، كما قد يحصل بالنسبة إلى بعض الشباب حب وعشق وإلى آخره، فهذا له كلام، ولكن إذا عرفنا أن فلانا حكيم، أن فلانا مسدد من الله عز وجل، أن لوطا حتى لو كان قبل النبوة فإن قراراته واختياراته لا تكون هوجاء، وإنما مطابقة للحكمة، أن نوحا حتى لو كان زواجه بزوجته تلك قبل نبوته، فضلا عما بعدها، لابد أن يكون وفق موازين الحكمة تزوجها، الكلام في الإمام الحسن المجتبى عليه السلام هو نفس الكلام أن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ضمن ظرفه واختياره، وكان حكيما وكان عاقلا، فلابد أن تكون هناك مبررات، بالنسبة لنا غير واضحة، ولكن بالنسبة له اقتضت أن يتزوج هذه المرأة.
رسول الله صلى الله عليه وآله تزوج بعض النساء، (سودة بنت زمعة) مثلا، بعد وفاة السيدة خديجة رضوان الله تعالى عليها، تزوج سودة بنت زمعة، سودة بنت زمعة ذاك الوقت عمرها 60 سنة، ولم تكن معروفة بجمال، ولم تكن فيها ميزة خاصة نحن نعرفها، لا نعلم، رسول الله قطعا لم يكن ليقدم على الزواج بها من غير حكمة، قد تكون حكمة رعايتها، قد تكون حكمة سياسية حسب التعبير، وتحالفات، قد تكون حكمة من أي جهة من الجهات، نحن لا نعرفها، ولكن نعرف أن رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان ليقدم على أمر مخالف للحكمة في الزواج بها.
هكذا بالنسبة إلى الإمام الحسن، لاسيما وأن الفترة التي بقيت فيها جعدة مع الإمام الحسن المجتبى 10 سنوات تقريبا، لأنه تزوجها الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في أيام حياة والدها الأشعث بن قيس، والأشعث بن قيس مات سنة 40 هجرية، بعد شهادة أمير المؤمنين بفترة قصيرة مات الأشعث بن قيس، فيقتضي هذا، وهذا مذكور أيضا أن الأشعث هو الذي زوج الإمام الحسن باعتباره أنه هو وليها وولي أمرها، 10 سنوات بقيت معه، في السنة الأخيرة هذه التي هي السنة العاشرة، أقدمت على اغتياله، فيما قبل لا يذكر شيء عن حياة هذه المرأة مع الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، فنحن نعلم، النقطة الثانية أن هؤلاء السادة والقادة من الأنبياء والأوصياء حتى لو كان زواجهم قبل النبوة، وقبل الإمامة، إلا أن قراراتهم كانت على وفق مقتضى الحكمة والعقل الكامل الذي كان عندهم، لماذا؟ نحن لا نستطيع أن نعرف أسباب زواج ابننا وابنتنا وأخينا وأبناء إخوتنا ونحن نعاصرهم، فكيف نستطيع أن نعرف كل مبررات النبي لوط وهو قبل عدة آلاف من السنين لماذا تزوج هذه المرأة؟ النبي نوح قبل عدة آلاف من السنوات لماذا تزوجت تلك المرأة؟ أنا لا أستطيع أن أعرف الأسباب الكامنة في زواج ابني وأخي وابن عمي ومن شابه، أستطيع أن أعرف كل المبررات التي جعلت نبي الله نوح أن يتزوج هذه المرأة؟ أو أن الإمام الحسن يتزوج هذه المرأة؟ لا يمكن، لكنني أعلم أن الأنبياء والأوصياء حتى قبل زمان إمامتهم ونبوتهم كانوا يتخذون قراراتهم على وفق الحكمة والعقل الكامل، هذه النقطة الثانية.
النقطة الثالثة: نحن نعتقد أن الإنسان لا يبقى على حالة واحدة، وهذا أمامك المجتمعات، أنت ترى شخصا يبدأ أوائل حياته إنسانا ذاك البعيد منحرفا سيئا، بعد 10 سنوات، بعد 5 سنوات تراه حسب تعبير المثل تربة مسجد، تتقرب إلى الله بأن يدعو لك، هذا ليس كونكريت مسلحا، مادام بدأ منحرفا سيبقى منحرفا إلى الأخير، وكذلك العكس، امرأة أو رجل، في أول أمره إنسان طيب مؤمن متدين، تعرض عليه شهوات الدنيا، ما هو أدنى من ذلك، الآن المشاكل الزوجية التي عندنا كم؟ تقول والله نحن قبل 15 سنة 20 سنة كنا من أحسن ما يكون، زوجتي كانت سمنا على عسل، وتلك تقول زوجي كان من أحسن الناس، لكن اخترب الأمر وتغير، هي صارت بخيلة على زوجها، وهو صار بخيلا عليها، دخل أهل السوء فيما بيننا، حرضوها عليه، حرضوني عليها، زينوا لها الفراق، زينوا له الفراق، وهكذا اختلت، مع أنه كان قبل 10 سنوات 15 سنة، لا لا يتصور أحد أن يحدث بينهما اختلاف أو افتراق، هذا نحن نراه الآن في المجتمع، فليس الإنسان في المجتمع كتلة كونكريت لا يتغير ولا يتبدل، وإنما هو في حالة تغير وتبدل، لذلك يستحب هذا الدعاء الذي يدعى به في زمان الغيبة: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، من أحسن الأدعية في زمان الغيبة هو الدعاء بالثبات، ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾[ آل عمران: 8]، لو ما كان هذا الأمر موجودا ما كان هذا يحتاج، والله نحن صار لنا وفلان له 20 سنة ملتزم، فلان صار له 40 سنة، لماذا كل يوم ربنا لا تزغ قلوبنا؟ لماذا؟ لأنه سمي القلب قلبا لتقلبه، حياة الإنسان تحفها هذه الشهوات، عوائل الآن على أثر قضية راتب زايد وراتب ناقص، وتريد منها تصرف وهي لا تريد، أو أنت هي تريد منك أن تصرف عليها، لا أنت موظفة، يخترب البيت من فوق لتحت، هذا أسهل شيء نراه بأعيننا.
لما يقولون لنا مثلا أن هذه جعدة كانت 10 سنوات مع الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، فدس إليها معاوية أو يزيد أو أي أحد آخر، طيب وضعنا الأرقام، أيضا تتفاوت، بعضهم قال ألف ألف درهم، بعضهم 100 ألف درهم، بعضهم قال 40 ألف درهم، طيب، وأهم من هذه الأموال أنه نحن نزوجك يزيد، سيصبح هذا وليا للعهد، وخليفة المسلمين، وأنت أيضا صاحبة الأمر والنهي، أي امرأة تستطيع أن تتغلب على هذا؟ إلا القليل، إلا المؤمنات، الله لا يبتلي أحدا بهذا الشيء، مثلا شخص يأتي إلى زوجتك ويقول لها هذا (الأچلح الأملح مالك) الجالسة معه كل هذه المدة، ولم تري منه إلا الهضم والضيم، ويخرج لك الـ500 ريال إلا بعد ما تطلع روحك، أنا حاضر أعطيك نصف مليون ريال على أن تطلبي الطلاق منه والخلع، وأهيئ لك زوجا بمرتبة وزير، أو مرتبة كذا، ربما لا تصمد بعض النساء، الحمد لله النساء اللاتي يسمعننا الآن، والنساء المؤمنات بعيدات عن هذا الأمر، ولكن نحن نرى في وسائل التواصل الاجتماعي، تتزوج فلانا الذي لديه شهرة أو سمعة وكذا، في ذات مرة رأيت أن إحداهن تزوجها شخص، وصرف في ليلة الزفاف مليونا بعملة ذلك البلد، مليونا في ليلة الزفاف، بعد شهرين وصل الخبر، في نفس الجريدة إنه حصل الطلاق بينهما، هل هذا بسبب أحد تدخل بينهما أو غير ذلك؟ الله العالم، ولكن الإغراء، هذا إغراء غير طبيعي حقيقة، يحتاج إلى قلب إيماني مغسولة منه الدنيا غسلا حتى يستطيع أن يصمد وأن يبقى.
الحديث في هذا طويل، الذي تآمر، والذي دسَ، مما يخاف الإنسان عادة؟ إنما يخاف من العقوبة؟ إذا كان سيتزوج هذه المرأة هو الأمير الأول هو الخليفة، ليست له عقوبة، أكبر من هذا، أموال طائلة معجلة، وأكبر من هذا أيضا مجد ورئاسة وأبهة، لا يوجد هناك خوف المساءلة والعقوبة، وما شابه ذلك، وفي المقابل أيضا الدنيا تفتح أبوابها أمامها، قسم من النساء بل قسم من الرجال، أشرنا في ليلة مضت أنه بعض هؤلاء الخاطئين من الإرهابيين قد أعطوا مبالغ زهيدة من أجل أن يغتالوا أشخاصا في مسجد، في مشهد، ليس واحدا بل عشرات، لا يعرفهم، ولا رآهم، ولا يدري عنهم، فقط أنت ضع هذه المتفجرات في هذا المكان، ولك هذا المبلغ، ومبالغ زهيدة جدا، لو كان يعمل حمالا في الشهر يحصل أكثر من هذا المبلغ، لكن مع ذلك ترى هذا يسقط في هذا الامتحان، فكيف لو عرض عليه ألف ألف درهم يعني مليون؟ كيف لو عرض عليه 100 ألف ريال؟ كيف لو عرض عليه أنه أنت ناج من العقوبة، ولا أحد يستطيع أن يحاسبك، وعندك الحصانة، حاضر أن يقتل والده وجده السابع عشر، ليس عنده مانع، بعض هؤلاء الناس، فهذه المرأة الخاطئة، المرأة المجرمة ارتكبت هذه الجريمة على أثر ذلك الدسّ.
أشرنا في بعض الأماكن أن قسما من الناس أحيانا يعاتبون الأداة، مثلا أن شخصا يقتل شخصا آخر، فيأتي آخر فيضرب المسدس، لماذا انطلقت النار منه؟ هذا المسدس أداة، أنت يجب أن ترى من ضغط على الزناد، بعض هؤلاء أشبه بالأداة، هذا لا ينفي مسؤوليتهم، بإمكان أن يعصوا ذلك، ولا يقبلون، المسدس ليس عنده الخيار، القنبلة ليس عندها الخيار، ولكن هذا الإنسان عنده الخيار أن يرفض ويقول كلا، لكن لا ينبغي أن تعاتب فقط هذه الأداة، وإنما ينبغي أن يُنظر إلى من حرك ومول ودس وجهز وإلى غير ذلك.
فإذن بناء على هذا، نحن نعتقد أنه لا توجد هناك أي مشكلة في أن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام تزوج هذه المرأة، حين كانت امرأة عادية كسائر النساء اللاتي تزوجهن، لعلك تقول هذه أبوها الأشعث بن قيس، طيب تلك أم إسحاق أبوها محارب للإمام علي عليه السلام، طلحة ابن عبيدالله، صاحب حرب الجمل، لكن أم إسحاق كانت بمكانة عظيمة من الإمام الحسن، بل ومن الإمام الحسين عليه السلام، وأوصى الإمام الحسن الإمام الحسين ألا تخرج من بيوت بني هاشم هذه المرأة، وتزوجها الإمام الحسين عليه السلام، وفي سيرتها نقاط مضيئة جدا، هذه أيضا والدها كان طلحة بن عبيد الله التيمي، أن تكون امرأة بنت فلان لا يعني ذلك أنها سيئة مثله، وإنما قد تكون ممن يتقرب بهن إلى الله عز وجل مثل هذه المرأة أم إسحاق التي ذكرناها.
الإمام الحسن بقي مع جعدة كما في التاريخ نحوا من 10 سنوات، لما صار هذا التسيس لها، والخداع لها، استسلمت، وكان إيمانها أضعف من أن يصمد أمام هذا العرض المغري، تقول أنت جيد، فينبغي للإمام الحسن أن يختار امرأة مثله؟ أجابوا على ذلك، لو لم نتزوج إلا أكفاءنا من النساء لما تزوجنا أحدا، هل توجد إحداهن كفئا إلى الإمام أمير المؤمنين غير فاطمة الزهراء؟ لا توجد، لو كان فقط سيتزوج من يكافئه، يجب أن يكون عازبا، وهكذا الحال بالنسبة إلى الإمام الحسن والحسين عليهما السلام، يجب أن يروا المجتمع ويختاروا النساء العاديات المتدينات ظاهريا، يمكن بعد ذلك تنحرف، بعد ذلك تخدع، بعد ذلك يحدث لها كذا، هذا أمر آخر.