خطبة الإمام الحسن والتسديد الإلهي
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 6/2/1446 هـ
تعريف:

خطة الإمام الحسن والتسديد الإلهي

كتابة الفاضل علي السعيد

حديثنا بإذن الله تعالى، يتناول مخطط الإمام الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه في نصر الدين، وفيما حققه في هذا السبيل، بطبيعة الحال لابد أن يتم التعرض إلى موضوع الصلح باعتبار أنه أول حدث كبير حصل في أيام الإمام المجتبى عليه السلام، فبعد أن أُسْتشهِد أمير المؤمنين عليه السلام، وآلت الإمامة الواقعية والخلافة الظاهرية أيضا إلى الإمام الحسن المجتبى، تمرد معاوية بن أبي سفيان كما تمرد على أبيه عن التسليم لهذا الأمر، وكان لابد من المواجهة العسكرية التي بدأها والده أمير المؤمنين عليه السلام في صفين، كان لابد أن يستمر فيها الإمام المجتبى عليه السلام، لكن حصلت ظروف مختلفة انتهت إلى موضوع المصالحة. هنا لابد أن نشير إلى أن اختيار الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لموضوع المصالحة أو المهادنة كان بلا ريب تسديدا إلهيا وربانيا، لماذا نقول هذا الكلام؟ لأسباب: السبب الأول: إننا نجد في روايات أهل البيت عليهم السلام الكثير في كتاب الكافي أبواب الحجة فصلا خاصا في أن الأئمة عليهم السلام لا يتحركون من تلقاء أنفسهم، فلا يختار الحسين عليه السلام المواجهة إلى درجة الاصطدام العسكري والشهادة لأنه يحب هذا الشيء، أو لأنه بادئ رأيه هكذا، وإنما هو أمر معهود إليه، ولا يختار الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام بث العلم في الأمة لظروف خارجية فقط، وإنما هو أساس مخطط إلهي، وهكذا الحال بالنسبة إلى سائر الأئمة عليهم السلام، وقد عبر عن هذه الفكرة في روايات أهل البيت بأن هناك عهدا بين الله عز وجل وبين أئمة الهدى عليهم السلام، وأن لكل واحد منهم كتابا يعمل فيه بحسب ذلك العهد، هذه الروايات كثيرة في هذا المعنى، بحيث يكاد يمكن القول بأنها متظافرة كثيرة، تعطي هذا المعنى أن أئمة أهل البيت عليهم السلام لا يقترحون من أنفسهم شيئا يقومون به، وإنما هو أمر إلهي، وتوجيه رباني، وتسديد من عالم الغيب، فهذا واحد من الأمور التي تشير إلى أن لجوء الإمام الحسن المجتبى عليه السلام إلى المصالحة والمهادنة لم يكن اقتراحا، ولم يكن انفعالا، ولم تكن الظروف أجبرته على ذلك، وإنما هو في الأساس أمر وتسديد إلهي، هذا واحد، روايات كثيرة تفيد هذا المعنى. السبب الثاني: نحن الإمامية نعتقد أن أئمة أهل البيت عليهم السلام معصومون عن الخطأ والسهو والنسيان، فضلا عن الكذب والذنب، نعتقد هذا، وقد أقيمت عليه البراهين في باب العقائد والكلام، أن الإمام يكون معصوما حتى عن السهو، معصوما حتى عن النسيان، معصوما حتى عن الأخطاء الخارجية، حتى في بعض الأحاديث، وهذه كلها أمور جزئية، مع ذلك فإن الأدلة قامت عصمتهم منها، في هذه الأمور الجزئية التفصيلية هم معصومون، في الخط العام الأساسي آلا يكونون معصومين ومسددين؟ هذا مثلا، أنا أفترض أن شخصا أعطيه مكانا، وأقول له إلى فلان، الشوارع الفرعية هي كذا وكذا وكذا، بس الطريق الأساسي لا أعطيه في الخارطة، هل هذا معقول؟ الطريق الأساسي هو الأهم، الاتجاه العام هو الأهم، المخطط الكلي هو الأهم، حسب تعبير المعاصرين الاستراتيجيات هي الأهم، أما التفاصيل والتكتيكات فهي أقل أهمية، فإذا قام الدليل على أن الأئمة مسددون ومعصومون في القضايا التفصيلية والجزئية، فمن باب أولى أن يكونوا معصومين في الخط العام، الخط الإستراتيجي والطريق الأساسي الاختيار الأول، هذا يقتضيه حكم العقل بعدما ثبت للأئمة عليهم السلام العصمة في الأمور التفصيلية، هذا الأمر الثاني. السبب الثالث: إننا نعتقد أن الأئمة عليهم السلام بغض النظر عن هذين الأمرين، هم من أكمل الناس رأيا وعقلا وحكمة، وهذا في العادة ينتج أن يتجه الإنسان بالاتجاه الصحيح، بناء على هذا، ما اختاره الإمام الحسن المجتبى عليه السلام من قبول المهادنة والمصالحة مع جيش الشام وأهل الشام، كان هو الخيار الإلهي الرباني، وكان ضمن التسديد المعصومي الذي يثبت لهم، وكان أيضا ضمن ثبوت الحكمة العالية والعقل الكامل الذي تميز به أئمة أهل البيت من آل محمد. دعنا نرى بعد هذا ما الذي حصل؟ ماذا نتج عن مثل الأمر، النتائج التي تحققت من هذا الاختيار كثيرة جدا، وهي: النتيجة الأولى: هذا ما كان ليحصل أبدا لولا مصالحة الإمام عليه السلام، ولم يكن حاصلا حتى في زمان أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، مع أفضليته على ابنه الحسن عليه السلام. أولا: حصل لأول مرة التداخل العلمي بين الحجاز والعراق والشام، وهذا أمر في غاية الأهمية، الأمويون من سنة 17هجرية حينما ولى الخليفة الثاني يزيد بن أبي سفيان، أخ معاوية بن أبي سفيان على الشام، منذ ذلك اليوم إلى سنة 40 هجرية، كان أمر معرفة أهل البيت عليهم السلام ممنوعا على الشاميين، كان هناك حصار ثقافي علمي يمنع نفوذ أي حديث من المدينة يرتبط بأهل البيت عليهم السلام، أي ثقافة من العراق ترتبط بالتشيع، كان لا يسمح بذلك، وحتى لما نُفِي أبو ذر الغفاري إلى الشام نفيا وعقوبة من قبل الخليفة الثالث، لم يقبل معاوية أن يبقى في الشام، وإنما أبقاه فترة قصيرة جدا ثم رده إلى المدينة، ونُفِيَ من جديد إلى الربذة، لماذا؟ لأن هذه المنطقة، منطقة الشام محاصرة ثقافيا وعلميا، لا يجب أن تأتي فيها أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فضل أهل البيت عليهم السلام، في فضل أمير المؤمنين عليه السلام، في الإسلام الحقيقي، يجب ألا تتغدى إلا على طعام أموي بالكامل، واستمر هذا من سنة 17 هجرية إلى سنة 40 هجرية، حوالي 23 سنة، 23 سنة معناها جيلان، الجيل الذي كان كبيرا انتهى، والجيل الجديد هذا الجيل الجديد لم يعرف علي بن أبي طالب ولا الحسن وفضائلهما، من أين يعرف الناس؟ إنما يعرفون من خلال المعلمين والمحدثين، وهؤلاء كانوا ممنوعين من الوصول إلى الشام ومن الحديث فيه، الآن بعد حدثت قضية الصلح والمهادنة انفتحت الحدود، لم تبق هناك في هذا الأمر، فأصبح الحديث المدني، والحديث العراقي، وفضائل أهل البيت عليهم السلام تذهب إلى الشام، وهؤلاء المحدثون مثلا الآن نفترض خطيبا هنا في بلدي قد لا يكون عنده مجلس يذهب إليه فيذهب لبلد آخر، هذا محدث الآن حدث في المدينة طول هذه المدة يبحث له عن سوق جديدة، يستطيع أن يُحَدِّث فيها، العلماء الذين كانوا في العراق رأوا الآن في الشام هناك من يريد أن يُحَدِّثهم بهذه الأمور، فصار هناك الكثير من الأحاديث عن أهل البيت عليهم السلام، ومن ذلك ما ذكره أبو العباس بكار الضبي، متوفى سنة 222، لديه كتاب بعنوان (الوافدات والوافدون على معاوية بن أبي سفيان)، هذا جاءت فيه قائمة من الذين جاؤوا أو جاء بهم معاوية إلى الشام، هؤلاء مع أنهم قد جلبوا قسما منهم من أجل توبيخهم، إلا أنهم قد نشروا فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وصفاته في قصر معاوية، وأمام الناس، وأمام هؤلاء جميعا، ونقلت أخبارهم إلى حد أنها سارت بها الركبان، وكتبت فيها الكتب، هذا نموذج من النماذج التي نقل فيها حديث العراق، حديث الشيعة، حديث العارفين بأحوال أمير المؤمنين عليه السلام، وأهل البيت عليهم السلام إلى بلاد الشام، والذي يراجع كتاب تاريخ دمشق للحافظ الشافعي ابن عساكر، يجد عددا كبيرا من المحدثين حدثوا بفضائل أهل البيت عليهم السلام، وبمناقب أمير المؤمنين عليه السلام على وجه الخصوص في الشام، مع أن أصولهم كانت عراقية أو أصولهم مدنية، هذا لم يكن ممكنا حتى كما قلنا في زمان أمير المؤمنين عليه السلام، لأنه كان هناك منع من قبل الأمويين على أن أي شخص يأتي إلى الشام من العراق أو من المدينة يُحَدِّث بأحاديث من هذا النوع، لم يكن مسموحا له أصلا بأن يأتي إلى هذا المكان، الآن أنتم تزعمون أن هذه خلافة لكل بلاد المسلمين، وأن الوالي على الشام هو والٍ على جميع المسلمين، والإنسان ينتقل بين المدينة وبين الشام في دولة واحدة، بين العراق وبين الشام في دولة واحدة، هذا أمر لم يكن ليحصل لولا مثل هذه المهادنة التي حصلت، هذا واحد من الأمور. الأمر الثاني: الاشتراطات التي وضعها الإمام الحسن عليه السلام، وسنأتي إلى قراءة سريعة فيها بعد قليل، بالرغم من أن الفكرة العامة أن معاوية في اليوم الثاني أن كل شرط شرطته للحسن فهو تحت قدمي هاتين، لكن هذا الكلام لا يوافق التحقيق تماما، بحسب التتبع، المشاكل العويصة التي حدثت للشيعة مثلا في الكوفة، إنما حدثت فيما بعد اغتيال الإمام الحسن المجتبى بعد 10 سنوات من توقيع هذه الاتفاقية، لا لأن معاوية وأهل الشام أوفياء، لا، وإنما كان هناك الإمام الحسن والإمام الحسين وشيعة أهل البيت، وهذه الاتفاقية التي كانت بمثابة موضع الاحتجاج، وكان بعض من يراد معاقبتهم يأتي إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، وقد نقل المؤرخون أن أحد هؤلاء أراد زياد ابن أبيه، وكان في تلك الفترة في أيام معاوية هو الوالي من سنة 45 هجرية إلى سنة 53 هجرية، كان في ذاك الوقت هو الوالي، فأراد أن يتتبع بعض شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، هذا لجأ إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، واستجار به، فكتب الإمام الحسن المجتبى سلام الله عليه رسالة إلى زياد أن يكف عنه، وبالرغم من أن زياد أساء الأدب، وقال أنا الأمير وأنت لست إلا من الرعية، لم يلمس ذلك الرجل المطلوب بشيء، وجود الإمام الحسن عليه السلام كان بمثابة ضمان لهؤلاء، أكثر من هذا نحن نلاحظ أنه الذين قتلوا في تلك الفترة من كبار شيعة أهل البيت في الكوفة كانوا بعد شهادة الإمام الحسن عليه السلام، مثلا حِجْر بن عَدِي الكندي رضوان الله تعالى عليه، هو مع 7 أشخاص استشهدوا وقتلوا في مرج عذراء، لهم قضية طويلة الآن لا نتحدث عنها، اعترضوا على الأمير الأموي في الكوفة لأنه أَخَّر الصلاة، وكان من عادة الأمويين تأخير الصلاة عن وقتها، فقام حِجْر بن عَدِي واعترض عليه في الأثناء، وحصبه بالحصاة، أخرت الصلاة أنت، لماذا إلى الآن لا تقيم الصلاة، وتجعل الناس يستمعون إلى هذا الكلام الباطل وغير الصحيح؟ فزياد لعنة الله عليه أمر بأن يُشهد عليه شهادة زور من قبل 50 شخصا، أنه هذا خلع الطاعة، ومدح أبا تراب، وأنه شتم الخليفة و و إلى آخره، وجرد إليه مجموعة من التهم الملفقة، ثم أشهد عليها 50 شاهد زور، ودفعوه إلى معاوية، اُسْتُشهد حِجْر بن عَدِي، أُرسل إلى الشام، في الشام أيضا أُرجع إلى منطقة مرج عذراء، التي الآن قبر فيها حِجْر بن عَدِي، لكن هذه الحادثة مثلا لما تأتي وترى متى حدثت؟ سنة 53 هجرية، يعني بعد 3 سنوات من شهادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، ميثم التمار أيضا اُسْتُشهد في تلك الفترة، ولكن في وقت متأخر حوالي سنة 60 هجرية، وهكذا غير هؤلاء، جُويرية بن مُسَهَّر، وأمثال هؤلاء، رشيد الهجري، التاريخ يشير إلى أن هذه الشهادات، وهذا القتل إنما كان بعد شهادة الإمام الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه، وهكذا عمرو بن الحمق الخزاعي، وغير هؤلاء، إنما كانت شهاداتهم ومقتلهم بعد شهادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، أيام الإمام الحسن المجتبى كانت أياما فيها نوع من الأمان النسبي، بل أكثر من هذا، الإمام الحسن عليه السلام اشترط شرطين في معاهدة الصلح، وبالمناسبة التاريخ يشير إلى أن معاوية كان ينتظر فقط موافقة الإمام الحسن على المصالحة، ولذلك أرسل له كما يقولون ورقة بيضاء، وفيها توقيعه، أنت اكتب الشروط التي تريدها، ولذلك اشترط الإمام الحسن المجتبى شروطا كثيرة سنشير إلى بعضها بعد قليل، منها: 1. إن بيت مال الكوفة يبقى له، وأنه لا يسلمه، الآن بيت مال الكوفة الذي كان من أيام أمير المؤمنين عليه السلام، وتحت عهدته، والأمصار تحت عهدة الإمام الحسن، يبقى تحت عهدته، وخراج دار أبجرد، دار أبجرد مقاطعة كبيرة جدا في جنوب إيران، قرب الأهوار، وهذه فيها لفتة عقائدية كما يقولون، لأن هذه المنطقة كانت خصبة وغنية وثرية، لم تفتح عنوة، وإنما فتحت صلحا، وفي الشرع الإسلامي ما فُتح صلحا هو للإمام الشرعي، لذلك الكثير منها أيام رسول الله صلى الله عليه وآله، مثلا فدك إنما آلت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله باعتبارها أنها لم تفتح بالقتال، وإنما فتحت صلحا، سَلَّم أهلها لرسول الله محمد، قانون عندنا في الفقه أن ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، لم يفتح بالقوة العسكرية فهو خالص للإمام الشرعي، الإمام الحسن عليه السلام اشترط هذه أن يكون خراجها مستمرا له، حتى يقول أنا الإمام الشرعي ليس ذلك الطرف، ومن جهة أخرى يستغني ويغني أصحابه، وبالفعل المخطط الذي فعله معاوية والدولة الأموية في إفقار شيعة أهل البيت والمتعاطفين معهم ومنعهم من العطاء، الإمام الحسن عليه السلام ودع مصدرا ماليا ثابتا، وهو هذا الخراج خراج دار أبجرد، الذي هو كان كثيرا ومستمرا، أراد أن يكون تحت يده، حتى لو أفقرتهم تلك الجهة، يكون الإمام الحسن عليه السلام يغنيهم من هذه الجهة، على كل المستويات نحن لما نلاحظ بالرغم من أن ظاهرة المهادنة والمصالحة كانت بالنسبة إلى الكثير من شيعة الإمام الحسن عليه السلام مؤلمة، حتى أن بعضهم جاء وقال يا أبا محمد لقد رجعوا بما أرادوا، ورجعنا بما كرهنا، نحن كنا نريد أن نقاتلهم ونريد أن نوصل المسألة وإياهم إلى الأخير، فإذا بنا نصالح، فيأتي الإمام الحسن عليه السلام يستدل له بأن الأمور بنتائجها، انظر للخضر ماذا فعل بالغلام؟ انظر لتلك السفينة عندما خرقها، وكان بالظاهر اُعْتُراض على هذا، كيف تخرق السفينة في وسط البحر وستغرق؟ لكن تبين فيما بعد أن النتائج هي الحاكمة وهي الأفضل. أرجع إلى قراءة سريعة إلى ما اشترطه الإمام الحسن المجتبى عليه السلام من شروط أكد عليها، وألزم بها الطرف الآخر الأموي، لعلك تقول إنه هو لم يتلزم فيها فلان معاوية وكذا، لا توجد هناك في المعاهدات على مستوى الإنسانية كلها، وعلى مستوى الأزمنة، أن هذا يضمن لك أن الطرف الآخر لابد أن يلتزم بها، ولكن هذا لا يقلل من قيمة أن تكون الاتفاقية اتفاقية متقنة، أنت ترى حتى في هذه الأيام بين فريقين على كلمة واحدة تطول السالفة أشهر، هذا يقول بهذه الطريقة، ذاك يقول لا، بهذه الطريقة، من أجل أن يتعرف كل منهما على حقه في هذا الجانب. أقرأ لكم سريعا الاشتراطات التي كتبها الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، وأؤكد على أن في المفاوضات إذا شخص ذهب وأصبحت عنده مهادنة أو مصالحة ليس معنى ذلك يسلم الخيط والمخيط إلى ذلك الطرف، وإنما يشترط قدر الإمكان، ثم يسعى في إلزامه بذلك، فذاك يلتزم أو لا يلتزم، هذا يبقى إلى التاريخ والزمان، من جملة ما كتب في تلك الاتفاقية: المادة الأولى، تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وآله، وبسيرة الخلفاء الصالحين، وأن يكون الأمر للحسن من بعده، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية أن يعهد به إلى أحد، وهذه واحدة من النقاط التي استفاد منها الإمام الحسين عليه السلام في أن يزيد بن معاوية ليس له حق في الخلافة أبدا، لأن في نص هذه الاتفاقية ألا يعهد معاوية إلى أحد من بعده، وأن الأمر يكون للحسن من بعد معاوية، فإن حدث به حدث، أُغْتِيل أو قُتِل أو مات فلأخيه الحسين، وعلى كل تقدير لا يحق لمعاوية أن يعهد به إلى أحد آخر، فقيامه بتولية يزيد لولاية العهد هو تجاوز على هذا القانون، يعطي لهذا الطرف حقا في الرفض والمقاومة. المادة الثانية: أن يترك سب أمير المؤمنين عليه السلام، والقنوت عليه بالصلاة، وألا يذكر عليا إلا بخير، هذا أولا فيه إدانة لمعاوية في أنك كنت تفعل، فاترك، أن يترك سب أمير المؤمنين، معنى ذلك أنك كنت تفعل هذا، وأن عليك أن تترك، وألا تذكره إلا بخير. المادة الأخرى: استثناء ما في بيت المال في الكوفة، وهو 5 آلاف ألف، يعني 5 ملايين في ذلك الوقت، وأن يمنحه خراج دار أبجرد، وأن يفضل بني هاشم في العطاء والصِلاة على بني عبد الشمس، وألا يؤاخذ شيعة علي بِتَرة أو إِحْنَة أو بما كان عليهم من قبل ذلك، هؤلاء مثلا كانت عندهم في صفين أشعار، كان عندهم كلام، كان عندهم كذا، ليس له الحق إنه يأتي ويفتح ملفاتهم، سابقا أنت قلت كذا وكذا، فإذن لابد أن تعاقب، وهكذا، وعلى أمان أصحاب علي حيث كانوا، وألا ينال أحد من شيعة علي بمكروه، وأن أصحاب علي وشيعته آمنون على أموالهم وأنفسهم وأولادهم، وعلى ألا يبغي للحسن بن علي، ولا لأخيه الحسين، ولا لأحد من أهل بيت رسول الله غائلة سرا ولا جهرا، ولا يخيف أحدا منهم في أفق من الآفاق، كما قلنا لعل قائلا يقول، طيب معاوية لم يلتزم بهذا، لا محذور في ذلك، الرسول صلى الله عليه وآله عقد اتفاقية مع قريش، سعى فيها أن تكون بنود هذه الاتفاقية في مصلحة المسلمين، فيما بعد قريش نقضت هذه الاتفاقية، هذا ليس ذنب رسول الله صلى الله عليه وآله، هذا يتبين خيانة ذلك الطرف، لا يوجد طريق من الطرق أن تضمن فيه أن ذاك الطرف يكون وفيا، ولكن أنت يجب أن تسجل حقك، وتدون حقك بكامله، حتى تستطيع الاحتجاج عليه، وحتى تصحر بعذرك أمام الناس. هذا الذي يجعلنا نقول إن هذه المصالحة، وهذه المهادنة، وهذا التخطيط الذي لجأ إليه إمامنا الحسن المجتبى عليه السلام كان تسديدا إلهيا، وتوفيقا ربانيا، وكانت تقتضيه الحكمة، وكان ضمن العصمة، وتحققت فيه نتائج كثيرة، هي التي ذكرناها قبل قليل، لكن الطرف الآخر كما كان آباؤهم من قريش، لا يوفون بالعهد، ولا يُلزِمُهم كلامهم، وهذا يبقي بعد ذكراهم في التاريخ والمستقبل إلى الناس، أن هذا نموذج، وهذا نموذج آخر، هذا نموذج فيه المثل الأخلاقية العالية، وهذا نموذج فيما يقابلها، حتى الناس تقتدي بمَنْ، وتتجنب مَنْ، أئمة أهل البيت عليهم السلام شخصياتهم بقيت، وتبقى كمثل أعلى للقيم الأخلاقية، بينما أعداؤهم بخلاف ذلك، ولهذا أيضا لم يلتزم معاوية باعتبار أن الجريان في هذه الاتفاقية أمر صعب، أن يخالفها مع وجود الإمام الحسن المجتبى يعرضه للمساءلة، ماذا يصنع؟ أسهل طريق لأكثر من جهة لكي يمضي في مخططه الأصلي في تولية ابنه يزيد، ويمنع الناس من سماع مناقب أمير المؤمنين، وفكر أهل البيت، أن يقدم على اغتيال الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، والاغتيال في زمان معاوية كان شيئا سهلا ويسيرا، معاوية اغتال أقرب المقربين إليه، وأشد المناصرين إليه، وهو عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، خالد بن الوليد القائد المعروف كان عنده ولدان، ولد كان ذائبا في محبة أمير المؤمنين عليه السلام، اسمه المهاجر، المهاجر بن خالد بن الوليد، استشهد إلى جانب أمير المؤمنين عليه السلام في صفين، وكان يعتقد بإمامته، ومن خُلَّص أصحابه، هذا المهاجر، بعكسه تماما أخوه الآخر واسمه عبد الرحمن، هذا كان متفانيا في خدمة ونصرة معاوية بن أبي سفيان، خاض الحروب والقتال، وكان معه في كل مواقفه، كافأه معاوية بأن جعله واليا على حمص، أهل حمص ارتاحوا إليه، فلما مشت السنون بمعاوية، وفكر في أن يولي يزيد، وفكرته بدأت من حوالي سنة 53 هجرية، يعني قبل مماته بـ7 سنوات، قبل ممات معاوية بـ7 سنوات بدأ يفكر في أمر تولية يزيد، فأول ما بدأ بحمص، استفسر من خلال عيونه أنه لو أراد معاوية أن يولي أحدا ولاية العهد، من هو أحسن واحد؟ كلهم قالوا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، لأن هذا هو والينا، وهذا كذا، ومقاتل، وناصر بني أمية، قال عجيب، هذا صار له حضور شعبي بحيث ينافس ابني؟ فسمع أنه أصيب بحمى، فأرسل إليه طبيبه الخاص، ومعه ريشة فَصْد مسمومة، فَفَصَدَه وانتهى أمره، اغتال معاوية عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بريشة مسمومة في أثناء مرضه بالحمى مع أنه أقرب المناصرين إليه، ومثل ذلك صنع في عبد الرحمن ابن أبي بكر، عبد الرحمن بن أبي بكر الخليفة، أيضا كان لما سمع بأنه يُراد تولية يزيد اعترض على ذلك، فتخلص منه في الطريق بين المدينة وبين مكة في طريق العمرة، وهكذا تخلص من مالك الأشتر، وتخلص من فلان، فأمر الاغتيال كان أمرا يسيرا في هذه الجهة، استخدم هذا الطريق مع إمامنا الحسن المجتبى سلام الله عليه، فأغرى جَعدة زوجة الإمام الحسن المجتبى بأنه سَيُعَجِل لها ألف ألف درهم، يعطيها مكافأة، يُعَجِل لها نصف ذلك 5 مئة ألف، يعني مليون هو الثمن، نصف مليون معجل، والنصف الثاني مؤجل، وأيضا أنه إذا مات الحسن سنزوجك بيزيد ولي العهد، وغدا يصبح الخليفة، وأنت تصبحين السيدة الأولى في الدولة، وهذه المرأة الخاطئة المنحرفة، استجابت لذلك، لعل إنسانا يسأل، كيف الإمام يتزوج واحدة بهذا الشكل؟ إن شاء الله نجيب عن هذا في ليلة قادمة، باعتبار المجلس سيستمر في الليالي القادمة، العتب ليس على هذه، وإن كانت خاطئة، انظروا أحيانا الإنسان يترك الشغلة الأصلية الأساس ويذهب على الفرع، الأساس من الذي أغرى؟ من الذي بذل المال؟ من الذي أغوى؟ الآن نحن رأينا في أماكن كثيرة تعطي شخصا مبلغا زهيدا وتقول له اذهب واغتال فلانا، ويغتاله، اذهب فجر في مسجد، يذهب يفجر، طيب وناس لا يعرفهم ولا بينه وبينهم علاقة ولا شيء، ومبلغ زهيد لا يصل إلى عشر معشار ما عرض على هذه المرأة، وهذه امرأة قليلة الإيمان بالمقدار الذي تستطيع أن تتغلب على هذا الشكل من الإغراء، فدس إليها هذا الأمر، وزودها بذلك السُم النقيع القتال لكي تُسَمِمَ إمامنا الحسن المجتبى عليه السلام.
مرات العرض: 4094
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 125238.73 KB
تشغيل:

السنة الأخيرة في حياة السيد زينب (ع)
زوجات الإمام الحسن بين الحقيقة والوهم