حديثنا هذه الليلة يتناول موضوع الاوقاف الحسينية ، وذلك اننا نجد أن نسبة ما وقف للحسين وعلى الحسين وما يتبعه في مجتمعات المسلمين وأتباع أهل البيت تعتبر تلك الاوقاف شيئا كثيرا جدا ،في أحدى المناطق من مجموع 3200 وقف مابين بستان وبناية وأرض وحسينية وغير ذلك وجد أن سبعين بالمئة من هذه الاوقاف تعود للامام الحسين عليه السلام وما يرتبط بمصيبته ،سبعين بالمئة يعتبر شيء كثير بالقياس الى مجموع الاوقاف في تلك المنطقة ،من هنا من المناسب أن نلقي نظرة على موضوع الوقف أساسا وعلى موضوع الوقف الحسيني بشكل خاص . الوقف مسطلح في الفقه يطلق على تحبيس أصل وتسبيل ثمرة ،وهو فرع من فروع الصدقات الجارية والباقية لأن الصدقات عادة هي على قسمين ، قسم منها يستهلك في وقته كالصدقة على فقير يصرفه في مـأكله ومشربه وغيرها من حاجاته اليومية ،وصدقة أخرى باقية وجارية وهي ماتم التأكيد عليه في أحاديث كثيرة معروفة بين الفريقين حاصلها أنه اذا مات أبن آدم أنقطع عمله الا من ثلاث ،علم ينتفع به ،وولد صالح يدعوا له ،وصدقة جارية . فالصدقة الجارية هي التي من شأنها أن تبقى ولا تستهلك كما هو الحال في الصدقة العادية ،من هذا نشأ تشريع الوقف والأوقاف ومعناه أن تبقي مال ثابت وهو لايتغير ولا يتبدل ولا يباع أوينتهي ويستفاد من ثمرته وعائده ولذلك قالوا أنه لا يصح أن يوقف ما من شأنه الانتهاء مثلا أن يوقف الشخص 50 ك تفاح ما يصح ذلك لأن التفاح طريقة الاستفادة عادة هي أكله في وقت محدد فاذا أكل ينتهي هذا الأصل ،ممكن ان يعطى للفقراء فيصبح صدقة عادية جارية . أو يتم وقف أموال نقدية معينة ويكون استخدامها هو المطلوب فلو بني بها شيء أوصرفت في مجال محدد ثابت تصح ويصبح ما بنيت به وصرفت من أجل تعميره هو الوقف فيستفاد منه بشكل دائم ،ولكن المال بعينه والذي يستفيد منه الفقير والمحتاج فينتهي بصرفه واستهلاكه هذا لا يمكن اعتباره وقف بل صدقة عادية . فالاجمال بتعريف الوقف بحبس الاصل وتسبيل الثمرة ،مثلا مبنى بالامكان وقفه بأصله كوقفه بجعله مكان لدروس القرأن او الدراسة الحوزوية أو مكان لاقامة القراءة الحسينية فيه ،فيبقى هو ثابت ومواضيع الاستفادة منه هي المتغيرة هذا يصح ويكون وقف . لهذا على من يريد ان يحول أحد أملاكه كمكان للاستفادة لمثل هذه النشاطات بشكل دائم عليه أن يوقفها والا ستتحول بعد موته لميراث أن لم يحدد ويوصي بوقفيتها . وفي بعض المواضيع تتحول الى وقف بمجرد تسميتها منذوا بنائها كالارض التي يبنيها أحدهم باسم مسجد بمجرد ان يبنيها بنية المسجد وليس المصلى يتحول ذلك المبنى الى وقف مسجد ولا يمكن التصرف فيه وكذلك تجري أحكام المسجدية عليه .فكل بناء يبنى بنية الوقف لابد من التلفظ بتلك النية كبناء الحسينية او دار للدراسة او دار لايواء الايتام لابد من التلفظ وتحديد وقفيته ،فالمبنى الذي بني على أنه حسينية حتى لو تم أقامة مجلس حسيني فيه لايعتبر وقف الا اذا تلفظ بذلك وحدد وقفيته ،ماعدا المسجد لايجب التلفظ بمجرد القيام ببناءه بنية وهيئة المسجد ومع أول صلاة تقام فيه على أنه مسجد يتحول الى وقف مع النواحي العملية والفقهية التي تجري على المساجد. اذا أصل موضوع الوقف أن يكون شيء ثابت ودائم مستمر محبوس على ما وقف عليه وثمرته هي ما نويه له ،مثلا أن يكون مكان لأقامة المجلس الحسيني ،أو مكان لقراءة القرآن وتعلم أحكام الدين ،أو يكون مكان يستفاد من عائداته لأمور محدده من قبل الواقف ،مثل العمارة التي تأجر وقيمة أجارها تصرف على جهة معينة كوقف عائدها على مجلس الحسيني وما يتطلبه من مأكل للمستمعين وغيره من أمور مادية لابد من توفيرها لأقامة مأتم حسيني في أي مكان ،أو يصرف مردود أجار العمارة على كتب دينية تطبع وغيرها من وجوه الخير والبر . والواقف يستطيع جعل مردود ما وقفه يصرف في وجوه الخير بدون تحديد شيء معين وهو افضل ،وبالامكان أن يحدد الواقف الموضوع الذي يصرف مردود وقفه عليه كالمجالس الحسينية او على دروس العلم والعلماء او طباعة الكتب الدينية أو على دور الايتام ومساعدة الفقراء والمحتاجين وغيرها من وجوه الخير ،فيجب الالتزام بما حدده في وقفه . وبأمكانه تحديد وقفه على مصروفات متعددة لجهة معينة كوقفه للامام الحسين بشكل عام فيصرف على المأكل والرادود وتهيئة المكان وغيره من متطلبات ومصروفات اقامة المأتم الحسيني . لذلك نحن نشير الى من اراد ان يوقف شيء من املاكه أن يجعل وقفه وقف عام للشيء الذي يريده فمن يريد أن يوقف للحسين يجعل وقفه عام لكل ما يخص المجلس الحسيني وليس فقط في المأكل ،والافضل حينما يريد أن يوقف للمعصومين عليه أن لا يحصر وقفه لمعصوم محدد أو مورد واحد بل يجعل وقفه لكل المعصومين وعلى كل ما يتطلبه أقامة مجالسهم من مصروفات . فمثلا حينما يقال أن شخص اوقف ايراد أجار عمارته للاطعام في يوم عاشوراء لمجلس محدد بالاسم فحينما العمارة يكون أجارها زائد على حاجة ما يصرف من اطعام على ذلك المجلس في يوم عاشوراء يكون الاصل من غير الجائز ان يصرف ما يزيد على مكان آخر فيكون هناك اسراف في الصرف على ذلك المجلس ،ولهذا قالوا بالامكان صرف الزائد على مجلس يحتاج قريب من ذلك المجلس المحدد،واذا زاد عن حاجة جميع المجالس القريبة اعطى الحاكم الشرعي الاذن بأن يصرف ما زاد على المجلس ومجالس أخرى في يوم أخر . الافضل لمن اراد أن يوقف شيء ان يوقفه بصيغة عامة حتى يستطيع الولي على الوقف أن يتصرف فيه بشكل واسع ،فمن أوقف شيء للحسين ، أول شيء يصرف على أقامة المأتم ومتطلباته واذا زاد مدخول الوقف فمن الممكن أم يصرف في النشر الثقافي والديني ومن الممكن أن ينقل الى حسينيات أخرى وأيام مختلفة بدون الحاجة للرجوع للحاكم الشرعي وأخذ الاذن بالتصرف فيما زاد من ذلك الوقف بنحوا عام يتسع لامور مختلفة تصب جميعها في نفس الموضوع الذي وقف له وهي قضية الامام الحسين . فالوقف عبارة عن أن مالك شيء يحبس اصل ذلك المال ويجعله ثابت وما يعود منه من منافع سوء أكانت منافع مالية او بحسب ما يدخله ذلك الاصل هذه هي حقيقة الوقف في الاسلام . عندنا فيما يرتبط بموضوع الوقف والذي يعتبر من فروع الصدقة الجارية التي ورد الحث عليها يجب فيها أمور متعددة : أولا : هو تنجيز الوقف لمن اراد أن يوقف شيئا ،فهناك من يقول أنا أوصيت أولادي بجعل أحد أملاكه وقفا بعد موته ،هذه يعترضه اشكال أن كل أمواله بعد موته تتحول الى ميراث فلا يحق له بالوصية ان يتحكم في شيء منها الا بمقدار الثلاث ،نعم يحق له أن يوصي بجعل ثلثه وقفا ،فمن أراد ان يوقف شيء من أملاكه أكثر من ثلثه لا يصح ذلك ،الا في حالة تراضي الورثه وقبولهم بأن يعطوا من نصيبهم ما اوصى به لجعله وقفا . او اذا قال احدهم أنه لو تحقق له شيء معين سوف يوقف مكان معين يحدده فمجرد رغبة الانسان هذا لا يصح ولا يحقق الوقفية ،فلا بد من التنجيز وأجرى الصيغة ، فاذا أوقف في حياته وأشهد على ذلك ومارس ما يمارس الواقف في موقفته يصبح ذلك الموضع وقفا في اثناء حياته ،فلابد من التنجيز فهو من الامور الاساسية في الوقف ، ثانيا: من مواصفات الوقف أنه عندما يصبح وقفا يخرج من ملك الانسان فلا يصح له ولا لورثته التصرف فيه بيعه باي نحو كان ،مثل من يوقف بستان لا يستطيع هو في حياته او ورثته بعد مماته أن يبيعه ،ولو صار ضرف يجبره بالبيع فعليه أن يشتري بديل عنه بنفس قيمة بيعه وأن كان اصبحت قيمته حين بيعه اضعاف قيمته وقت وقفه . كما انه لا يستطيع ان يهبه لاي كان فاذا اوقف شخص احد أملاكه لله في جهه من الجهات بشكل صحيح وسليم جرت عليه احكام الوقفية و خرج عن ملكيته لا يحق له التصرف فيه باي شكل من الاشكال . في حالات محدودة جدا نص عليها الفقهاء بامكانية بيع الوقف بأنه اذا انتهى أمكانية الاستفادة من ذلك المكان ،فمثلا من أوقف دار ليصرف ايرادها لله ،في وقته كانت المنطقة عامرة ولكن بعد مدة من الزمن اصبحت مهجورة ولا يمكن الاستفادة منها باي حال وانتقلت البلدة الى مكان أخر فلا يمكن تأجيرها والاستفادة من ايجارها لصرفه على الوقف ،هنا يجوز للولي الشرعي أن يبيعها ويشتري بديل عنها . ثالثا : من احكام الوقف أنه لا يستطيع الواقف أن يورثها لابنائه ولا ان يبيعها ، وللاسف هناك حالات احتيال على الوقف بأن يأتي أحدهم بشهود بأن هذا ملك والده ويحق له أن يرثها،ووجود شاهدين أو اكثر لا يجعل من ذلك الوقف مال خاص ولا يجعل له الحق والحلية في التصرف فيها ويعتبر سرقة لاموال الوقف ،وعملية البيع والشراء باطلة ،ومن يشتري عقار يعلم فيما بعد أنه اشترى وقف عليه أن يرجعه ويسترد ماله فمن باعه ذلك العقار وأن كان من ورثة من أوقفه فهو تصرف في ما لايحق له ويعتبر غصب وتعدي على أموال موقوفه. من ذلك كما ذكرنا الاوقاف الحسينية ،اوقاف الامام الحسين كثيرة ومتعددة ولولا مثل هذه الاوقاف فان خمسين بالمئة من مراسم العزاء الحسيني لا تكون بمثل ما نجده الان فوجود الاوقاف وقيام الاولياء الشرعيين المخلصين القائمين عليها هو الذي يجعل المأتم والمجالس الحسينية مستمرة بهذا الشكل في أماكن كثيرة قائمة وعامرة بأموال الاوقاف . كانت قضية الوقف وما يسمى بالصدقة موجودة في حياة الائمة الاطهار فمن ذلك ما وقفته السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ووقفه رسول الله محمد صل الله عليه واله وسلم والذي عرف بحوائط مخيريق السبعه ،رجل يهودي خلد اسمه في التاريخ وكان اسمه مخيريق فهو قراء في كتبهم بشارات عن رسول الله وانه يظهر في مكة ويهاجر الى المدينة وأن صفته كذا وكذا فعرف بالصفات رسول الله صل الله عليه واله فكان يأتي الى أحبار اليهود ويتحدث معهم في شأن النبي ويقول لهم ماكانوا يقولوه من بشارة وردت في كتبهم تتحدث عن قدوم النبي وانه سيقوم بتكسير الاصنام ،فلما جاءهم ما عرفوا من الحق جحدوه،وقالوا هذا ليس هو المقصود فقد كانوا يريدونه من بني اسرائيل عصبية وعنصرية فيهم ،فلما وجدوه من العرب ومن بني هاشم بداءوا يخفون ماكان عندهم في التوراة والانجيل وحينما يحدثهم أحد عن نبوة محمد صل الله عليه واله وسلم مثل مخيريق كانوا لا يقبلون بكلامه ،حينها قرر أن يقدم الى النبي ويعلن أسلامه فجاء لوحده فسأل عن الرسول فقالوا له خرج الى الغزوا وفي ذلك الوقت كان الغزوا تطول مدته كشهرين او ثلاثة مثل غزوة بدر ، حينها وقف بين الناس وقال : يا أيها المسلمون أشهدوا أنني أمنت بالله ورسوله محمد صل الله عليه واله واني خارج وملتحق برسول الله في غزوته ،فقد أمن وخرج للجهاد فورا وقال أني أشهدكم ان قتلت في هذه الغزوة فحوائطي السبعة وعدها وحدد اسمائها ومكانها (بعضها موجودة لوقتنا هذه في المدينة )،وقال أشهدكم أنني وهبتها لرسول الله خالصة له يعمل بها مايشاء وبالفعل ذهب لرسول الله وقاتل معه واستشهد في تلك المعركة ،فما بين أيمانه وهبته حوائطه السبعة لرسول الله ومن ثم شهادته لم يكن بينها الا ايام معدودات ،فحينما رجع رسول الله وأخبروه بذلك وهبها رسول الله لفاطمة عليها السلام وفاطمة اوقفتها صدقة لله عز وجل فمن جملة اوقاف فاطمة الزهراء هذه الحوائط ،كذلك كان لامير المؤمنين عليه السلام أوقاف وحسب التعبير التاريخي والفقهي صدقة أمير المؤمنين فأن أمير المؤمنين عليه السلام في الفترة التي بقي معزولا عن الخلافة كان يستنبط الابار والبئر في ذلك الزمن يعني بستان فالارض كانت مشاعة لمن احب ،فكان اذا حفر بئر في المنطة ورمى البذور تحولت الى بستان لمالك من حفر وزرع،فكان أمير المؤمنين يستنبط الابار ويحول الاراضي الى بساتين وهي ما عرفت بصدقة أمير المؤمنين سلام الله عليه وذكر ذلك في التاريخ الى سنة 132 هجرية فقد بقيت اكثر من 100 سنة في البداية جعلها وقف لولد فاطمة وولايتها كانت لاولاده وأحفاده من فاطمة الزهراء عليها السلام ومازاد يعطى لفقراء المسلمين ،فاستمر عطاء تلك البساتين بأسم بساتين امير المؤمنين لاكثر من مئة سنة . هذا الجانب من الجوانب التي يحث عليها الائمة عليهم السلام وهو ما ينبغي ان يقوم به الانسان المؤمن بأن يبقى له صدقة جارية تستمر بعد موته . الانسان كما يحتاج ان يؤسس له منزل في الدنيا هو بحاجة اشد الى تأسيس منزل له في الاخرة وهي دار البقاء ومن الامور التي تستمر له بعد موته هو الوقف لوجه الله ،والاوقاف للامام الحسين في كل مكان تفيد في بقاء القضية الحسينية وعدم اندثار ذكراها بل استمراريتها بقوة وثبات . هناك بعض الامور في المصروفات على المأئتم الحسينية التي يصير فيها بعض الاشكالات ،فمثلا من يستلم مبالغ كثيرة من عدة اطراف يطلب منه أن تصرف في مأتم محدد وليوم محدد مثلا في يوم سابع محرم يصرف لمأتم استشهاد العباس عليه السلام فتكون المبالغ التي دفعت زائدة عن حاجة ذلك المكان واليوم المحدد ،نحن نقول لمن يستلم المبالغ الأفضل ان يخبر من يدفع له بأن المبالغ المدفوعة سوف تصرف على اليوم الذي حدده والحسينية التي يريد وما يزيد يصرف على غيره من المأتم والايام ،فمن لايأخذ الاذن من البداية سوف يحتاج الى أذن من الولي الشرعي لصرف تلك الاموال وهذا فيه حرج وصعوبة لتحصيل هذا الاذن فيما بعد ،فالافضل أن تكون النية عامة حين دفع الاموال بأن المال يصرف في جميع شئون قضية الامام الحسين ومتعلقاتها في هذا العام واذا زاد بالامكان تأخيره الى السنوات الاخرى .