9 عند البعض يصبح المال رباً
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 9/1/1446 هـ
تعريف:

عند البعض يصبح المال ربًا

كتابة الفاضلة ليلى الشافعي

قال الله العظيم في كتابه الكريم ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلًا ) اتخاذ الأرباب غير الله تعالى ورد متكررًا في القرآن وجاء بصور متعددة فجاء في الآيات المباركات عن قسمٍ من اليهود أنهم ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم ) ‘ فهذه الفئة وبحسب القرآن الكريم اتخذوا علماءهم المزيفين من الأحبار والرهبان على هيئة الأرباب وكذلك اتخذوا المسيح ابن مريم كما هو الآن في كثير من البلاد التي تصنف على أنها مسيحية . وفي جملة ما اشترط الرسول (ص) على أهل الكتاب لكلمة السواء والاتفاق أن لا نشرك بالله شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله ، فمن الصور الظاهرية التي يتحدث عنها القرآن الكريم أنه أحيانًا يُتخذ شخصٌ كما يتخذ الرب . فأحيانًا يُتخذ الحجر كالأصنام كما يتخذ الرب فهل كانوا مثلًا يصلون لهم أو يركعون ويسجدون لهم ؟ لا ... قال ورد في الروايات عن أهل البيت عليهم السلام ( والله ما كانوا يركعون لهم ولا يسجدون ولكن كانوا يأمرونهم بغير ما أمر الله فيطيعونهم ) فهذا العالم المزيف يحرم ما أحل الله ويحل ما حرم الله عز وجل وهذا يطيعه في ذلك وهذه الطاعة عدها القرآن عبادة . فالمفروض أن البشر يعبدون الله وحده لا شريك له وأن كل الأشياء تقاس بحسب ما أراد الله وأمر وأي شيءٌ آخر يقاس بأمر الله وعليه فكل ما وافق أمر الله أُطيع وإذا خالف أمر الله عُصي وخولف . فإذا جاء شيءٌ وأُطيع ووقر سواء كان حجر أو بشر أو مال أو علاقات أو غير ذلك فإذا حاء شيءٌ وعمل الإنسان على خلاف ما أمر الله مراعاةً لذلك الحجر أولذلك البشر أو لذلك المال والذهب فهذا في الواقع لا يعبد الله وإن كان يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له لكن إذا أطاع أيٌ من هذه الأمور المخالفة لأمر الله عز وجل وتعمد فهو لا يعبد الله وإنما يعبد غير الله . وأحيانًا لا يتخذ الإنسان أشخاصًا ولا أحجارًا كالأصنام وإنما يتخذ شيئًا من الأشياء ويحوله إلى محل عبادةً وقبلة وهذا مفاد كلام رسول الإسلام ( ص) في بعض الروايات والتي تسمى عادةً روايات الملاحم والفتن فيها إشارات لما يحصل في المستقبل في آخر الزمان وآخر الزمان متى يكون ؟ لم يحدد بالسنوات ولكن حدد بحسب الحالات فمن الممكن أن ينطبق على عدة أزمنة . فمثلًا مما ورد عن رسول الله ( ص) أنه قال : ( سيأتي زمانٌ على أمتي تبقى بطونهم آلهتهم ونساءهم قبلتهم ودنانيرهم دينهم وشرفهم أمتعتهم ) وقبل ذلك قال القرآن ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) فالهوى والشهوة هي آلهته كما في الحديث فيدخل في بطنه الحرام والشبهة والمغصوب لأن نداء البطن عنده لا يعصى فهو مقدم على طاعة الله عز وجل . فالله يقول حرام والبطن يقول لذيذ فأي الطرفين يطاع ؟ وكذلك يعلم أن هذا المال مغصوب ومع ذلك يأكله استجابةً لأمر بطنه ، فأي المعبودين هنا ؟ فلو عبد الله لأطاعه وانتهى . كذلك بالنسبة للأموال فأحيانًا يتحول المال إلى صنمٍ يعبد وهذا أيضًا نص حديث لرسول الله ( ص) قال بعد أن سأله أحدهم يا رسول الله أيعبدون الأصنام في ذلك الوقت ؟ فقال رسول الله بحسب الحديث ( نعم كل درهم عندهم صنمٌ ) ففي ذلك الوقت هذه الفئة من الناس التي لا تنظر إلى أمر الله فتطيعه ولا تنظر إلى نهي الله فتجتنبه وإنما يسيرها الهوى ويقودها الشهوة ، فهؤلاء بالنسبة لهم كل درهم هو صنم فإذا كان السابقون قبل رسول الله كان لديهم صنم واحد لكل قبيلة من أحجار منحوتة فهؤلاء عندهم عشرات وآلاف الأصنام فكل درهمٍ عندهم صنم لأن هذا الدرهم هو الذي يأمره وينهاه وهو الذي يجعله يصلي أو لا يصلي ، يأكل أو لا يأكل أو يدخل في الحرام وأحيانًا يقتل من أجل درهم . فكثير من الذين خرجوا على الإمام الحسين عليه السلام أكثرهم خرجوا على أثر وعد بزيادة في العطاء حين جاء عبيدالله بن زياد واستشهد مسلم بن عقيل وخرج يحشد الناس وقال لهم ليحرضهم على الخروج لقتال الحسين عليه السلام : وقد زاد الخليفة في عطائكم مائة درهم . وهذا وعد لم يذكر التاريخ أنه نُفذ على أنه مبلغ زهيد إلا أنه لم ينفذ . فهذا وعد بالمال صار صنمٌ يعبد وانتهى بهم إلى أن يقتلوا ابن بنت رسول الله ، فلا تتصور القضية فقط تاريخية وإن كانت كربلاء شهدت هذه الواقعة كأنما لتبقى على مر التاريخ فقد شهدت مختلف النماذج ، أروع صور الفداء والتضحية والعطاء والجهاد وأدنى دركات الانحطاط في الطرفين طرف أهل البيت وأنصارهم وطرف أعدائهم ، كخولى بن يزيد الأصبحي الذي يقول : املأ ركابي فضةً أو ذهبًا إني قتلت السيد المحجبا قتلت خير الناس أمًا وأبًا . فقال له بعض من حضر : ويحك إذا كنت تعلم أنه خير الناس أمًا وأبًا فلم قتلته ؟ فعبادة المال تنتهي بالإنسان إلى السرقة وتجاوز الأحكام الشرعية والقتل وقطيعة الرحم . والمال في نظرة الإسلام هو وسيلة وأداة وآلة لا تعطيك شرفًا ، فمجرد امتلاكك للأموال لا يعطيك شرفًا ، وهذا خلافًا للنظرة الجاهلية في ذلك الزمان وفي ما تمليه الآن المدنية الغربية ومع الأسف فهو يتسرب لنا ، فحتى الأطفال في الألعاب ومن يسمونهم المشهورين في وسائل التواصل وغير ذلك تتسرب لهم هذه الأفكار أنه يجب أن تصبح مشهورًا حتى تمتلك أموال وآنئذٍ تصبح سعيدًا ولهذا أنت تجد بعض هؤلاء كبعض النساء تتعرى كي تحصل على زيادة في المشاهدين وبالتالي يرتفع نصاب هذا الحساب ويصبح الإعلان فيه أكثر . وهنالك أشكال مختلفة ومتغيرة من محاولات وضيعة كي يكسب الإنسان مقدارًا من المال فهو حاضر يبيع دينه وشرفه وحجابه وعفته المهم أن يحصل على مقدار معين من المال . وهذا نفس ما قيل في زمان ما قبل الإسلام حيث قالوا (نحن أكثر أموالًا وأولادًا وما نحن بمعذبين ) فيقول لهم القرآن الكريم ( وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحًا ) فإذا عندك أموال كسبتها من حلها وعملت فيها ما يصلح وكنت مؤمنًا فمرحى وأنت حينئذٍ المؤمن القوي خيرٌ من المؤمن الضعيف ، لكن من حلها وآمن وعمل صالحًا أما مجرد أن يكون عند الإنسان أموال ليس كذلك ، ولا يكون مقربًا بذلك بل قد يكون حسابه أكثر وأصعب من حساب غيره فمن أين أتيت بهذه الأموال وهل أديت حقها أم لا ؟ كيف نختبر أنفسنا هل نحن ممن يرى المال غايةً نهائيةً وهدفًا أسمى بحيث يجعله ضمان ؟ فالآن نرى البعض يهدم حياته الزوجية على أساس مبلغ من المال فزوجته تصر أنه عليك أن تعطيني مصروف بهذا المقدار فيقول لها مثلًا أنه ليس من الواجب أن أعطيك مبلغًا في يدك وإنما الواجب هو الإنفاق أن أوفر لك المسكن والطعام والشراب واللباس أو أن يقول لها أنه لايقدر أن يعطيها هذا المقدار من المال وإنما نصفه مثلًا . بعضهن تقول له إما هذا المبلغ أو مع السلامة وأحيانًا عكس ذلك ، فإذا طلبت منه نفقة يرفض ويقول لها اصرفي على نفسك أو اذهبي لبيت أهلك . وهذا الوضع الذي يكون بين بعض الناس يعني أن هذا الإنسان حاضر أن يبيع أسرته وأبناءه واستقراره وراحة نفسه وعلاقته الزوجية من أجل مائتين أو ثلاثمائة ريال . وهذا يتبين أن المال بالنسبة له ليس وسيلة للحياة وإنما هو جزء من جلده فإذا يشال منه فكأنما قشط جلده أو جزء من أعضائه فإذا يعطي فكأنما خسر عضوًا من أعضائه ، وهذا الإنسان في بعض الحالات يعتبر هذا المال ربًا لا يمكن التخلي منه وعنه . فكيف نختبر أنفسنا في هذا الأمر مع أنه من الواضح أن الإنسان بطبيعته الأولية يحب المال حبًا جمًا إلا النادر . فذلك الذي يقول أنا لا يفرق عندي الأمر بين أن أنفق من تبري أو من تبني والتبر هو أغلى أنواع الذهب الصافي ، فهو عنده كلاهما سواء لا يتعلق بهذا ولا بذاك وهو سيد الأوصياء علي بن أبي طالب وأمثاله . وإلا عامة الناس يحبون المال حبًا جمًا وهذا لايعاقب عليه الإنسان وإنما يعاقب عندما يختبر في مواضع الامتحان في المال فلا يجد عنده جوابًا . فيقال له على سبيل المثال أنت إنسان مؤمن فكما تصلي وتصوم وتحج فإن في مكاسبك عشرون في المائة من فائض المؤونة والنفقات هذا يجب أن تعطيه كخمس وحق شرعي ، هنا يتبين أن علاقتي بالمال تقول لا أوعلاقتي بالله تقول نعم فأيهما يحكمني ؟ وأمثال هذا وهناك امتحانات يتعرض لها الإنسان كحقوق الآخرين كأن أستأجر مكان وحل موعد الإيجار وعندي إمكانية فأؤجل ويأتي صاحب المكان ويطلب مني الدفع ويقول لا أبيح لك ولا أسمح لك وأنا أصلي وأدعو في نفس هذا المكان الذي أتعمد ألا أدفع أجرته ، وهنا يتبين الحكم الشرعي بالنسبة لي هو المقدم أم العلاقة مع المال هي المقدمة . والبعض لا مانع عنده من أن يقتل في سبيل المال فلو تتابع بعض هؤلاء المجرمين الذين ارتكبوا الجرائم في الأخير يكون السبب هو تحصيل المال ، كالذي يبيع المخدرات على سبيل المثال وهو يعلم خطورتها وهو يعلم أنها تفتك بأبناء مجتمعه بل بأبناء حيه أحيانًا . وهناك أناس مستقيمون ولكنهم غافلون فيأتي مروج المخدرات ويبيع ويروج في المدارس الثانوية وربما في المتوسطة من أجل أن يصنع مجموعة كبيرة من المدمنين تطلب هذه السموم القاتلة وهو يربح أموالًا ، وهذا لا يختلف كثيرًا عن ذاك الذي يقول : املأ ركابي فضةً أو ذهبًا .... نعم جلالة قدر الحسين عليه السلام في محلها ولكن الدافع هو الحصول على هذا الرب المزيف . وكثيرًا ما يفقد هؤلاء حياتهم فتصير بينهم مصادمات ومواجهات ومنافسات بين نفس هؤلاء التجار فكل واحد منهم يريد أن يسيطر على المنطقة ويربح أكثر فيقتل هذا ذاك وذاك هذا ( خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين ) وفي كربلاء وجدنا كيف أنه قسمًا من الناس اتخذوا المال إلهًا وربًا وآمرًا وناهيًا ومحركًا وكل شيء ورهنوا حياتهم من أجل مبالغ زهيدة وكل مبلغ مهما كان حتى لو كان بالترليونات هو في مقابل الدنيا والآخرة هو زهيد بل في مقابل خسارة الآخرة هو زهيد . لما استشهد حبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه تنازع على رأسه ثلاثة أشخاص وهم الحصين بن نمير التميمي واثنان من نفس القبيلة كل واحدٍ منهم يقول أنا الذي قتلته وارتفعت القضية إلى عمر بن سعد قال هذا لم يقتله واحد بل قتلته جماعة فحل النزاع بينهم ، لكن أحدهم قال على الأقل أعطوني الرأس حتى ألف به حول المعسكر . وأعطوه الرأس ولف به حول المعسكر ورجع . والحصين بن نمير التميمي هو أحد القادة العسكريين فما رغب في شيء ، وأما الثالث فقال : أعطوني الرأس ، فأعطوه وبعد ما انتهت قضية كربلاء جاء ابن حبيب بن مظاهر وظل يتابعه ، فسأله ذاك لماذا أنت تتبعني ؟ فقال : هذا رأس والدي فأعطني إياه . فقال كلا . قال : ولم ؟ قال لأني أريد أن أدخل إلى الأمير وأريه أني أنا قتلته حتى يهب لي مكافأة . فقال له الغلام وكان عمره خمسة عشر سنة قال له : ولكن الله يعذبك على ذلك . قال : لا يهمني . وبالفعل ذهب إلى عبدالله بن زياد والذي لم يكن من أهل العطاء فحتى هذا المقدار الذي كان يرغب فيه لم يعطه وتخلص من الرأس بأي طريقة ، لكن ابن حبيب ظل هذا الأمر في نفسه إلى أن مرت ست أو سبع سنوات وهو يراقب الرجل الذي كان يحمل الرأس إلى أن صار في جماعة مصعب بن الزبير في مقابل المختار الثقفي في المعركة التي استشهد فيها المختار الثقفي ودخل جيش مصعب بن الزبير إلى أطراف الكوفة فظل ابن حبيب بن مظاهر يبحث عن حامل رأس أبيه إلى أن وجده وهو قائل بعد الظهر في المخيم فجاء وذبحه من الوريد إلى الوريد فلا هو حصل الدنيا ولا مكافأة وذهب بخطيئة قتل رجلٍ من أصحاب رسول الله ومن أصحاب أمير المؤمنين والحسين صلوات الله عليهم أجمعين . لذلك الإنسان المؤمن العاقل يفكر في أن المال ليس إلا وسيلةً من وسائل الطاعة فإن كان سيطيع الله فيه فليدعو الله بزيادة ماله ورزقه وإذا كان يعلم أنه لن يستطيع أن يطيع الله فيه فالأولى به ألا يزيد رزقه وماله . وهذه الوسيلة ستذهب يومًا ما ( وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم ) وهذا تخويل وتحويل مؤقت لك ولن يمشي معك ولن يذهب إلى حيث تنفرد بعملك . نعم من الممكن أن تستفيد منه ويدخل معك إلى قبرك إذا عملت به الصالحات . وأهل البيت عليهم السلام يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، ويعطون القريب والبعيد ويعتبرون المال كالماء بل كالتبن لا يتعلقون به ولا يحبونه إلا بمقدار ما يقضى به حاجاتهم وحاجات الآخرين وإنفاقات وإلا مقياسهم الأساس هو كما قال سيدنا ومولانا عليٌ الأكبر ( أولسنا على الحق ؟ ) وليس أولسنا عندنا الأموال . فإذا كان على الحق فلا يضر الإنسان إذا كان ذا مالٍ أو أن يكون غير ذي مال .

مرات العرض: 4359
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 85805.03 KB
تشغيل:

8 عن الإرتباط بالإمام المهدي المنتظر
10 لبيك يا حسين (المقتل)