6 هكذا يتحرك الشيطان
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 6/1/1446 هـ
تعريف:

هكذا يتحرك الشيطان

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

قال الله العظيم في كتابه الكريم: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)). انطلاقاً من الآية المباركة يكون حديثنا حول حركة الشيطان في إضلاله للناس، من باب لزوم معرفة العدو، فالشيطان عدوك وعدوي وعدو جميع المؤمنين، ولقد أخذ على نفسه عهداً أمام خالقه فقال لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين، فهو عدو متعمد للإضلال مع سبق الإصرار والإستمرار ولا يكتفي بمحاولة أو محاولتين ولا سنة أو سنتين وإنما يسير مع هذا الإنسان طيلة حياته إلى أن يرديه ثم يتركه بعد ذلك، فلا يسعى فقط في أيام الشباب ثم يترك الإنسان في أيام الكهولة والشيخوخة ولا يبدأ معه في أيام الفرح ويتركه في أيام الحزن، بل لديه غرض وهدف وهو لأغوينهم أجمعين وهذا الهدف لابد أن يحققه فإذا أصبح الإنسان ضحية له فحينئذ يتركه، لذلك حذر القرآن الكريم وحذر الله العظيم منه وأمر بالاستعاذة منه واللجوء إلى الخالق الكريم فقال تعالى: ((فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم)) وهكذا في جميع أمورك تذكر أمر الاستعاذة، فعندما تنفعل وتأخذك العصبية أو تكون في مكان يميل فيه هواك إلى جهة من الجهات فتذكر أن هناك عدواً فاتخذه عدواً. هناك قسم من الناس لا يعتبرون الشيطان عدواً لأن الشيطان يكون موجود في المكان الذي تكون فيه شهوات الإنسان ورغباته والترويح عن نفسه، فكيف يتخذه عدواً؟، بينما القرآن يقول أن الشيطان للإنسان عدو مبين. أحياناً الإنسان يعلم بأن هذا الأمر به ضرر ولكن لا يرتب الأثر، فمثلاً لو أن هناك إنسان به مرض السكري مرتفع ويأتون له بصحن بقلاوة وهو يعلم بأن هذا يضره وقد حذره الطبيب من ذلك ولكنه يسمي بالله ويأكل نص هذا الصحن وهذا أمر خاطئ فلابد له أن يعتبر ذلك ضاراً ويتعامل معه على أنه لا ينفع بدنه وهو في هذه الحالة، وكذلك أمر الشيطان فلا يكفي للإنسان أن يعرف بأن الشيطان عدو بل ينبغي له أن يتخذه عدواً ويتعامل معه كذلك، فإذا اتخذه عدواً حينئذ سيحذر منه ويجعل بينه وبين الشيطان خطوط دفاع وحماية في مواجهته وسيفكر كيف يفر منه ولا يتبعه. إذاً القرآن الكريم من خلال هذه المباركة يقول أولاً: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)) هنا يتساءل البعض ماهي علاقة الدخول في السلم بعدم اتباع خطوات الشيطان؟ يأتي التفسير بأن السلم في درجته العليا هو التسليم لمحمد وآل محمد، وسيتبين ما هو وجه الإرتباط بينهما، فقد جاء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجاء معه تشريعات الدين وعلى الإنسان المؤمن أن يتعامل بمنطق السلم والتسليم لما جاء به النبي صلى الله عليه وآله فلا يعترض على أمر الله ولا يعترض على القوانين التي وضعها الله عز وجل في الكون، فقد قال الله سبحانه وتعالى: ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً))، وقال في الآية المباركة: ((يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً)) فأحد معانيها هو صلوا عليه وسلموا عليه ولكن المعنى الأسمى الذي ورد عن الأئمة عليهم السلام هو صلوا عليه وسلموا له تسليماً، أي أن الله عز وجل والنبي صلى الله عليه وآله إذا أمر بأمر ينبغي أن أطيعه باعتبار أنه أمر الله عز وجل وأنه الأصلح للإنسان والأنفع لنظام حياته. ورد عندنا أكثر من رواية في ذيل هذه الآية منها ما جاء في الكافي لثقة الإسلام الكليني والتفسير من الإمام الصادق عليه السلام: ادخلوا في السلم كافة، قال: هي ولايتنا أهل البيت، فعندما يقول النبي صلى الله عليه وآله (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) ينبغي ان تسلم وتعتبر ان هذا أمر إلهي وأنه هو مصلحة البشر جاء بها رسول الله عن الله عز وجل. نلاحظ أن الآية المباركة قالت: ((لا تتبعوا خطوات الشيطان))، في بعض الأماكن نهي عن اتباع الشيطان وهناك أربعة مواضع في القرآن الكريم جاء في النهي عن اتباع خطوات الشيطان. الشيطان ما هو؟ في اللغة العربية كلمة شطن التي منها اشتق الشيطان هي أصل يدل على بعد وإلتواء، ولذلك يقولوا عن حبال الدلو التي تنزل في البئر الطويل البعيد وتتأرجح يميناً وشمالاً يقولوا عنها شطن الدلو أي تباعد والتوى، وهكذا الشيطان فهو بعيد عن الله سبحانه وتعالى من جهة وفيه إلتواء وانحراف وإعوجاج. لماذا استخدم لفظ (خطوات الشيطان)؟ كأنما فيه تنبيهاً للإنسان المؤمن الذي ينبغي أن يتعرف على كيفية حركة الشيطان ومؤامرته وأحابيله ووسائله وأساليبه حتى لا يقع فيها وهو لا يعلم، فأحياناً قد يستعيذ إنسان من الشيطان ولكن هو واقع في خطواته، إضافة إلى ذلك أن هذا التعبير فيه بعض الدلالات: الدلالة الأولى: كأنها تشير بان عمل الشيطان عمل متدرج خطوة وراء خطوة، فنادر أن يصل الإنسان إلى مقصده بقفزة واحدة، فالشيطان يأتي مع الإنسان بخطوة سهله بسيطة مثلاً يقول له: لماذا تصلي في أول الوقت؟ وأن الله رحيم جعل وقت العبادة موسع، فالشيطان أخبث وأذكى من أن يقول لك اترك الصلاة مباشرة لأنه يعلم بأنك ستواجهه وتعترض على ذلك. أيضاً يأتي ويقول في بداية الأمر لماذا ترتدين عباءة الرأس فالإسلام واسع والعلماء لا يوجبون عباءة الرأس بل الواجب هو الستر، والشيطان لا يريد هذا الكلام بل القصد هو ان يصل إلى آخر المشوار، بعد ذلك تصبح عباءة الكتف ملونة وهكذا حتى يصل الإنسان إلى دائرة خارج الشرع. يقال أن الناس الذين يعيشون في أماكن مليئة بالعقارب والأفاعي حتى يحمون أنفسهم يقومون في اليوم الأول بأخذ جرعة صغيرة جداً مقدار مليلتر واحد ويحقنوها في البدن، فيحصل استنفار في البدن وتقوم كريات الدم البيضاء بمحاربة هذا السم، وفي اليوم التالي يقوم بإضافة مليلتر آخر فتزداد مناعة الجسم تجاه هذا السم وهكذا يصنع في الأيام التالية إلى أن يتشبع الجسم بالسم وتصبح لديه قوة ومناعة فحتى لو لدغته الأفعى بعد ذلك لا يتأثر، فهكذا هو الشيطان يأتي خطوة بخطوة وهو لعين دؤوب لا يتعب إلى أن يحقق غرضه. الدلالة الثانية: أن تكون هذه الخطوات غير مباشرة، فلم يحصل بأن شاهدنا الشيطان يوماً بصورته الحقيقية ووجهه القبيح وإنما أحياناً يُجري ما يريد على يد أوليائه كما جاء في قوله تعالى: ((وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم)) فعنده جماعة يحملون نفس أفكاره وتوجهاته وقد يلبسون الملابس الجميلة المرتبة وحتى بعضهم قد يلبس اللباس الديني أيضاً فيسربون لك الأفكار الضالة والباطلة والخاطئة فيقبلها الإنسان، وكلها لو تناقشها بحسب ظاهرها تجده ظاهر لطيف لا مشكلة به، فقد يقول بأنه لا داعي بأن أصلي صلاة كثيرة وأذهب للمسجد فكم من الناس يذهبون للمسجد وهم كاذبون مثلاً، أو لا داعي لأن تتحجب المرأة فكم من المحجبات تجدهن يغتابون ويكذبون، فهذه فكرة شيطانية ولكنها ليست من عند الشيطان مباشرة وإنما من عند أوليائه، فلا توجد علاقة بين الحجاب وبين الغيبة فالمحجبة قد تغتاب وغير المحجبة أيضاً قد تغتاب، فالحجاب واجب شرعي ينبغي الإلتزام به. الدلالة الثالثة: ما جاء به القرآن الكريم: ((لأزينن لهم))، فالشيطان يقوم بتزيين القبيح وجعل المنكر معروفاً بإلباسه ملابس غير مستنكرة، لأنه لو قالها بالصراحة على حقيقته قد يُرفَض، فلو أن رجلاً قال لامرأة مثلاً هلمي نمارس الزنا فسترفض مباشرة ذلك الأمر ولكن عندما تزين هذه الكلمة من كلما الزنا والفاحشة إلى علاقة حب فسيجده أمر محبب ولكن في الحقيقة هذا اتصال جنسي غير شرعي هو في تعبير القرآن الكريم (الزنا) إنه كان فاحشة وساء سبيلاً. كذلك الشذوذ وارتكاب اللواط هذا أمر تترتب عليه العقوبات العظيمة فلا ينفع بأن تأتي حركة كاملة في العالم وتغير العنوان إلى أن هذا حب المثليين وحركة المثليين، بل هذا في حقيقته شذوذ جنسي على خلاف الطبيعة الإنسانية وعلى ما حرمه الله عز وجل في كل كتبه ومع كل أنبيائه، لكنهم يأتون ويغيرون ذلك بشعائر آخر كما يقومون بعمل مظاهرات في يوم من أيام السنة ويقومون فيها بأعمال لا تقوم بها حتى البهائم من الإباحية الماجنة ويطلقون على ذلك مسيرة الفخر، فالإنسان من المفترض أن يفتخر بإنسانيته وضبطه لشهواته في ضمن الإطار الصحيح ويفتخر بعبوديته لخالقه، فكيف يفتخر بأعمال لا يستطيع الإنسان في عقله أن يتقبلها وحتى الدين في تشريعاته يحرمها، ولكن هذا هو طريق الشيطان يزين القبيح، لذلك من المهم تسمية الأشياء بإسمها الصحيح الواقعي حتى لا يقع الإنسان في وهم الإسم. أحياناً يكون التزيين من منطلق ديني، فيأتي شخص مثلاً ويقول أنا نذرت نذراً بأن لا أدخل بيت أخي أو أختي أبداً، فهذا من خطوات الشيطان فيقول للإنسان بأن هذا نذراً والنذر لابد من الوفاء به، لكن الواقع بأن هذا ليس اسمه نذراً بل اسمه قطيعة رحم وهو أمر غير سائغ شرعاً. جاء سؤال من امرأة إلى الإمام الصادق عليه السلام قالت فيه: أن فلانة جعلت على نفسها الحج مشياً وعتق كل عبيدها وإنفاق كل أموالها إن دخلت بيت أختها، فقال الإمام عليه السلام: قل لها أن تترك ذلك ولتدخل بيت أختها فإن ما فعلته من خطوات الشيطان. من جملة خطوات الشيطان إثارة الشكوك والشبهات في العقائد وفي الأفعال العبادية، ففي العقائد يقوم بتشكيك الإنسان في الله عز وجل والنبي والإمام أو يقوم بتشكيكه في سائر العقائد بمختلف الأساليب، فقد جاء رجل إلى الإمام الصادق عليه السلام وقال له: (يا أبا عبد الله إني هلكت، فقال له الإمام: بلى أعلم جاءك الخبيث فقال لك أنه لابد لكل خلق من خالق فالله خلق السماوات والأرض فمن الذي خلق الله؟ وبدأ الإمام عليه السلام يشرح له هذه الشبهة والرد عليها) قد تأتي هذه الأسئلة عند الإنسان ولكن الله لا يعاقبه عليها كما جاء في رواية: (رفع عن أمتي تسع: التفكر والوسوسة في الخالق...إلخ) لكن على الإنسان عندما تستحضره هذه الأمور أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويجدد الإيمان بالله عز وجل ويذكر الله سبحانه وتعالى حتى لا يكون عليه حرج في ذلك. أيضاً هذا التشكيك قد يكون غير مباشر ويأتي على لسان المستشرقين، فعندما يقرأ الإنسان كتاباً لأحد المستشرقين الغربيين عن نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله بأنه فعل كذا وكذا وهذا يخدش في نبوته، ولكن في الحقيقة ان أصل الحوادث المذكورة في هذا الكتاب تكون خاطئة وكاذبة جاءت من الشياطين عبر أوليائهم ووكلائهم. أحياناً التشكيك لا يكون في العقائد بل يكون في الأفعال العبادية ونجد الكثير من الناس يبتلون به بين فترة أو أخرى، فمثلاً يأتي الشيطان ويقول لك بأن الصلاة عمود الدين وأساس الصلاة هو الوضوء، فيبدأ يشكك في وضوءك بأنه قد لم يصل الماء إلى الحد المفترض أن يصل إليه من الذراع أو أن يقول لك بانه قد لم يصل الماء إلى كامل جسمك في الغسل فحينئذ تكون صلاتك باطلة وعليه يجب عليك أن تعيد غسلك أو وضوءك وتعيد صلاتك، وإن أعدت مرة أخرى فسيشكك في أمر آخر في الوضوء والغسل وهكذا، ثم يبدأ يشككه في صلاته ويجعله يعيدها، فعندنا روايات عن الإمام الصادق عليه السلام بأن من يذهب وراء الشيطان في مثل هذا هو كمن يعبد الشيطان، وقد يصل الحد في بعض هؤلاء الذين يتبعون وساوس الشيطان إلى أنهم قد يكرهوا الوضوء والصلاة، والحل هو أن يعمل بما جاء به الإمام الصادق عليه السلام وما هو موجود في فقهنا بأن كثير الشك لا يعتني بشكه. فقد جاء أحدهم إلى الإمام الصادق عليه السلام وقال له بأن أخيه لديه مثل هذه المشكلة يعيد وضوءه باستمرار عند صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وهو لا يزال يعيد في وضوءه، فقال له الإمام عليه السلام: هو عاقل؟، فقال له بأنه عاقل وهو رجل مؤمن ومتدين، فقال عليه السلام: وكيف يكون ذلك وهو يعبد الشيطان، سله عن هذا الذي يأتيه ويقول له بأن يعيد الوضوء هل يأتيه عن الله أو يأتيه عن الشيطان؟ علينا أولاً أن نعرف الشيطان ونتخذه عدواً، ونراقب أنفسنا، ونسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية ثم نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ونلجأ إلى الله الرحيم حتى نتخلص من الشيطان ونقلل من تأثيره علينا، والأحسن في ذلك هو تكرار ذكر الله عز وجل. لذلك مولانا الحسين عليه السلام عندما يخاطب جيش بني أمية فإنه يعبر عنهم بقوله: فتباً لكم يا عبيد الأمة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ومحرفي الكلم وعصبة الإثم ونفثة الشيطان. وفي موضوع آخر: ألا وإن هؤلاء قد تركوا طاعة الرحمن ولزموا طاعة الشيطان. وبالفعل فإن أعمالهم هي أعمال شيطانية، فسكرهم وخمرهم وانحرافهم ومعاصيهم هي التي أوردتهم هذا المورد حتى شهروا السيوف على بن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، فالإمام الحسين عليه السلام عندما صار وقت الصلاة أمر أبي الفضل العباس وتبعه حبيب وبعض آخر أن يذهبوا إلى القوم ويسألوهم أن يوقفوا القتال حتى يصلوا، فجاء العباس وجاء حبيب ومعهم آخرون وكلموا القوم، فقال شمر بن ذي الجوشن: ما ينفعه أن يصلي فإن صلاته لا تقبل، فانفعل حبيب بن مظاهر دفاعاً عن أبي عبد الله الحسين وقال له: صلاة بن بنت رسول الله لا تقبل وتقبل صلاتك يا خمَّار؟ وعلى أثر ذلك فإن الحمية الدينية جعلته يشتبك مع القوم ويقاتلهم، فهؤلاء عصبة الشيطان قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ولذلك خرجوا لقتال الحسين عليه السلام.
مرات العرض: 4298
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 84417.68 KB
تشغيل:

5 الأسرة أولاً : العودة بعد الطلاق
7 ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون