8 لهذا تتعثر الحياة الزوجية
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
المكان: مسجد الخضر
التاريخ: 7/1/1445 هـ
تعريف: لماذا تتعثر الحياة الزوجية؟ | كتابة الفاضلة سكينة حسين | تحرير الفاضل عبد العزيز العباد | بسم الله الرحمن الرحيم (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) صدق الله العلي العظيم المقدمة: انطلاقاً من هذه الآية المباركة من سورة الروم وهي ثاني آية يُعدد الله سبحانه وتعالى فيها آياته الكبرى والعظمى على وزن خلق السماوات والأرض وما شابه ذلك، فيأتي بهذه الآية المباركة، وفي هذه الآية المباركة أيضاً يقول:(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) لو أن إنساناً نظر إلى هذه الآيات في سورة الروم من الآية عشرين إلى آية خمسة وعشرين، سوف يجد أن الله تبارك وتعالى عدّد نحو ثمان آيات من الآيات الكبرى التي تهدي إلى أمرين: 1- تهدي إلى خالقية الله عز وجل وتوحيده. 2- وتهدي أيضاً إلى حكمته في تدبيره وحسن صنعه بالإضافة إلى القيومية عليه. قد يصنع الإنسان شيئاً ولكن لا يستطيع تدبيره، وقد يستطيع تدبيره لكن لا يستطيع تدبيره بالنحو الأفضل، فعلى سبيل المثال قد يبني المهندس المعماري مصنعاً لكن ليس بالضرورة يستطيع أن يديره ويدبره بكفاءة كاملة، فإدارة المصنع تحتاج لمتخصص لديه معرفة وعلم في إدارة المصانع، فالذي لديه شهادة في الهندسة المعمارية يستطيع أن يبني بناءً متقناً وجميلاً لكن لا يستطيع أن يديره بعد ذلك، وقد يستطيع لكنه لا يدبره بالنحو الأفضل بحيث يضع فيه نظاماً يكون هو الأفضل الذي يستمر عليه هذا المصنع. الله سبحانه وتعالى يشير في هذه الآيات المباركة وفي غيرها من الآيات إلى خالقية الله عز وجل، والتفتوا إلى معنى الخالقية غير الصانع، فالخلق هو ابتداع شيء من لا شيء، بمعنى إذا جاء أحد وبنى بيتاً من مواد موجودة لا يقال عنه خلقه، وإنما يقال بناه حيث جمع هذه الأشياء وركبها على بعضها بنظام معين. السيارة مثلاً عبارة عن قطع من الحديد والبلاستيك والمطاط وغير ذلك، جُمعت ورُتبت بترتيب معين فصارت هذه السيارة، أما الخالق في أصل اللغة من المفترض أن يخلق شيئاً من العدم أو من غير مواد أولية. لذلك يقول: ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) الله سبحانه وتعالى دائماً يشير في القران الكريم إلى هذه النقطة، وهي أن هذا الكون بكل ما فيه من أفلاك وسماوات وأرضون وبحار ومحيطات هو وبتعبير دقيق مخلوق وليس مصنوع، يعني لا يوجد قبله مثال أو نموذج أو خارطة وعلى ضوء ذلك يبني هذا البناء. أضف إلى ذلك، الله خلاق عليم ولأنه عليم لذلك يدبر هذا المخلوق أحسن التدبير بحيث يجعل الحياة تستمر فيه وتستقر. أنت أيها الإنسان الله سبحانه وتعالى خلقك بنحو تستمر حياتك، وتزداد علماً من خلال بصرك وسمعك ولمسك وعقلك، وبالتالي أنت تتنامى وتنمو، كذلك النبات دبره بنحو آخر، وسائر الحيوانات دبرها بالفطرة بشكل ثالث وهكذا، فخلق ودبر وليس أي تدبير، بل (أحسنت تدبيرها). الله سبحانه وتعالى يأتي ببعض هذه الآيات التي هي في الكون دالة على خالقية ومدبرية وحسن تدبير الله جل وعلا وحكمته ومجموع ذلك يثبت لنا وحدانية الله سبحانه وتعالى وتوحيده. ما يقارب الثمان آيات ذكرها وهي من الآيات الكبرى (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ ) ، من تلك الآيات أنه ينزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة وهكذا . العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة: ومن ضمن هذه الآيات الكبيرة والعظيمة، قضية الزوجية بين الرجل والمرأة (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَل) لاحظ في بداية الآية العشرين يقول: (خَلَقَ) ثم بعد ذلك يقول في نفس الآية: (وجَعَلَ)، (خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ )، قالوا من أنفسكم يعني في بداية الخلق، مثلاً أن حواء خُلقت من آدم وهم يستفيدون من قول الله عز وجل (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) ، وبعض المفسرين يشيرون إلى أن المقصود هنا خلق لكم أي مما يجانسكم مما تأنسون فيه من أنفسكم، فليس من جنس غريب أو موحش أو ما شابه ذلك. فـ (خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) خلق للمرأة زوجاً وخلق للرجل زوجاً. كلمة (زوج) في اللغة العربية تأتي للشخصين، يعني يقال للمرأة زوج فتقول مثلاُ فاطمة بنت محمد زوج علي بن ابي طالب، وتقول أيضاً علي بن أبي طالب زوج فاطمة بنت محمد. فالغرض من ذلك لتسكنوا إليها، يسكن بعضكم إلى البعض الآخر، تسكن المرأة إلى الرجل ويسكن الرجل إلى المرأة. لتسكنوا في القران الكريم وردت في موردين: المورد الأول: سكن الإنسان في الليل، الله سبحانه وتعالى (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ- يعني في الليل- وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ –يعني في النهار-) فهذا السكن لتسكنوا بهذا التعبير، السكينة والسكن وما شابه ذلك متكرر في القران الكريم، ولكن ما يرتبط بحديثنا في مفردة أن يسكن شيء إلى شيء هو هذا المعنى، وإلا حتى بالنسبة إلى دعاء النبي صلى الله عليه وآله للمسلمين (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ) توفر لهم السكينة والسكون، الليل جُعل للخلائق سكناً يسكن فيه المخلوق ويرتاح فيه بدنه وترتاح فيه أعصابه لكي يبدأ يومه وحياته من جديد منطلقاً فيه إلى رزق الله عز وجل، وهذا سواء كان للحيوانات أو كان للإنسان. المورد الثاني: هو أن المرأة سكن للرجل وأن الرجل سكن للمرأة، ويسكن كل منهم إلى الآخر، لتسكنوا إليها هذا أولاً (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) هذه العلاقة مثلاً علاقة التزاوج والتناسل في كثير من الحيوانات والكائنات الأخرى تترافق مع خلاف الرحمة بحيث يحدث هناك قتال ففي بعض عوالم الحشرات والحيوانات قد تقتل الأنثى الذكر وأحياناً بالعكس. يعني هذه العلاقة الخاصة بين الذكر والأنثى، الخاصية التي جعلت بالنسبة إلى الانسان هو أنه (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً). قالوا المودة: هي تعبير عن الحب، تعبير عن الميل باللسان الحسن بالكلمات المناسبة وبالأفعال التي تدل على ذلك. كالإعانة إلى الطرف الآخر من الإنفاق من العطاء، هذه كلها مظاهر من مظاهر المودة. نلاحظ مثلاً المودة وهي أظهر صور المحبة قد أريد أن يجعلها الإنسان في جهة قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) لا يكفي الحب وحده وإنما المودة، فالمودة اظهار المحبة (يحزنون لحزننا ويفرحون لفرحنا) هذا من مظاهر المودة. من مظاهر المودة الأتباع والطاعة، لا معنى أن أحب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم اتبع غير فقههم، هنا أين قيمة المحبة؟! في حين استلم العقائد الإيمانية التي أؤمن بها، أذهب وأأخذ من اليمين والشمال، فأقول نحن نحب آل بيت رسول كيف هكذا يكون؟! أحبهم ولا آخذ من عملهم ولا أطيع أقوالهم ولا أتوجه بتوجيهاتهم، فهذه المودة هناك تقتضي شيء، هنا تقتضي ما يناسبها من العطاء من ابراز هذه المحبة من كل طرف للآخر؛ من الزوج لزوجته ومن الزوجة لزوجها (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فإذا تفكروا رأوا أن الله سبحانه وتعالى لكي يخلق ويصنع مجتمع سليم وصالح لا بد أن تكون هذه العلاقة موجودة علاقة المودة والرحمة والسكن حتى تنطبع على البيت والأسرة وحينئذ يتكون المجتمع من عدة أسر، هذه الأسر فيما بينها تسود فيها الرحمة والمودة والاحساس بالسكن والاطمئنان. أحيانا هذا الانسان بسوء تقديره وبتجاوزه عما رسمه الله له، فلو أن البشر ترسم ما أراد الله سبحانه وتعالى وسار على الخريطة الإلهية والأحكام الشرعية لحصل السكن ولحصلت المودة ولحصلت الرحمة ولحصل ذلك المجتمع الصالح، لكن حيث أن البشر كفر في بعضه بالكامل بما أنزل الله على رسله وخاصة على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فانتهى الى ما تحدثنا عنه قبل ليالٍ من حملة الشذوذ العالمي التي دار حولها بعض الحديث. بل حتى في داخل الدائرة الاسلامية قد يؤمن الإنسان في عقائده بالله رباً وبمحمد نبياً وبعلي إماما وبالمعصومين عليهم السلام أئمة ويصلي ولكن البرنامج الذي وضعه الله له في نظامه الأسري والحياتي لا يتبعه، هذا أيضاً نفس الكلام سوف تتعثر حياته الزوجية. لذلك نجد الطلاق في مجتمعات المسلمين وفي بعض مناطق المسلمين. هذه الدرجات وهذه النسب العالية والمخيفة تصل نسبة الطلاق فيها إلى 35% من حالات الزواج، وإذا أضيف إلى ذلك استمرار بعض الأسر في هذه الحياة الزوجية مع التعثر بسبب وجود المشاكل في كل يوم يزداد الأمر سوءاً. فبالإضافة إلى ذلك الأمر فكم يا ترى ستصبح النسبة؟! أسباب تعثر الحياة الزوجية: ذكروا في أمر الطلاق وتعثر الحياة الزوجية كثير من الأسباب: 1-العنف اللفظي. 2-العنف البدني الجسدي. 3-الخيانات الزوجية. العنف اللفظي والسب والشتائم هذه أيضاً من المنكدات والمنغصات وقد تنتهي أيضاً إلى حياة غير مستقرة أو في بعض الحالات تنتهي إلى الطلاق، كذلك الضرب وما شابه ذلك وحيث أن الضرب لا يجوز للرجل بالنسبة إلى زوجته ولا العكس، إلا في موارد ضيقة جداً محددة في الشرع، ولا يجوز ذلك وفاعله مأثوم وهو يرتكب حراما والأسوأ من ذلك إذا انعكس الأمر، والخيانات الزوجية وأمثال ذلك. سأتحدث هنا عن جهتين : جهة ترتبط بالزوجة وجهة أخرى ترتبط بالزوج. وأظن -والله العالم- أن هاتين الجهتين لعل كثير من الأسباب الفرعية تنتهي إليهما. الجهة الأولى : تراجع دور الرجل كضمان وأمان للمرأة عدم وجود الضمان عند بعض الزوجات بالنسبة للزوج، الزوج بالنسبة إلى بعض الزوجات لا يشكل ضماناً وأماناً، فإذا لم يحصل أن يكون الزوج مصدر لحالة من الأمان والضمان، فمفهوم (لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) تسقط. فالشيء الذي جعله الله سبحانه وتعالى إحدى غايات الزواج وهو السكن والاطمئنان إلى هذا الزوج تنتهي، كيف يحصل هذا؟ يبدأ الأمر من أن الزوجة وللأسف - وهذه ثقافة بدأت تشيع وأنا أحذر منها جداً- فمن البداية لماذا لا تريد أن تتزوج بعض النساء؟ تقول: أنا أريد أن أدرس – لا بأس ادرسي - وبعد الدراسة تقول أريد أن أعمل – لا بأس اعملي - الغاية من ذلك ما هي؟ الغاية عادة هي أن بعضهن تقول حتى أحقق ذاتي، ولكن الأكثر في الواقع - في داخل النفس - مغروس أن دراستي وتخرجي ووظيفتي هو ضمان لمستقبلي، والبعض يصرح بها، فغداً عندما تتزوجين ستكون خلافات كبيرة مع زوجك، ولن تجدي من يحميك حيث لا يوجد لك راتب من وظيفة مما يؤدي إلى ضياعك. إن الزوج تراجع دوره في عصرنا هذا من كونه مصدراً للأمان ومصدراً للضمان - ضمان حياة الزوجة – حيث أن هذا المصدر كان واضحاً بالنسبة لآبائنا ولأجدادنا ومن سبقهم، فتراجع هذا المصدر ليحل محله القول بأن المال هو الضمان، فالزوجة عندما تقول لدي رصيد ولدي عمل فأنا عندي ضمان لحياتي. فَتَراجع دور الزوج فلم يصبح هو ضمان للزوجة بل أصبحت الوظيفة هي الضمان لها، هذا أمر خطير جداً، ولا سيما إذا بعض الأزواج مارسوا أشياء هي تعزز هذا الشعور، مثل أن بعض الأزواج عندما -نعوذ بالله- يقوم بحركات غير مناسبة، كالكلام مع فتيات أُخر أو الاشتراك في(الفيس بوك) أو في مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى كمخاطبة هذه الفتاة التي لديها (انستجرام) أو لديها (سناب شات)، فهذا يعطي رسالة للزوجة أن هذا الزوج لا أمان له ولا ضمان فيه، وبالتالي يتعمق هذا الشعور عند الزوجة، فهذه الأمور تمنع الشابة من البداية عن أصل الزواج أو تؤخره قدر الإمكان حتى تحصل لها على ضمان فيما لو حدث شيء مستقبلاً في حياتها الزوجية فلديها راتبها ووظيفتها، فمثل هذا الشخص قد لا يُضمن أن لا تكون له علاقات مشبوهة فلا يمكن الاعتماد عليه حينئذ. هذا الأمر -فيما أظن - من الأمور الأساسية التي تنتهي إليها كثير من المشاكل الزوجية، فإذا اعتبرت الزوجة أن زوجها هو الضمان الحقيقي لها وهو الأمان لها من مشاكل الزمان فهذه حياتها ستكون مستقرة ودائمة. ولكن إذا من البداية أن ضمانها وأمانها هو المال والوظيفة وتشترط في العقد أن يسمح لها بالوظيفة والدراسة والخروج والدخول وإلى ما ذلك، لا مانع لها أن تشترط -لست ضد ذلك- ولكن هذا يعبر عن شيء وهو تراجع الاحساس بالأمان والضمان من قبل فئة من النساء تجاه الزوج. ولكن إذا بعض الازواج يزيد الطينة بلة من خلال مراسلة هذه ومحادثة تلك ويتغزل بالأخرى وأمام زوجته، زادت قناعتها بعدم وجود أماناً من قبل هذا الرجل، والأسوأ من ذلك إذا هدد الزوج زوجته بالزواج عليها وقد لا يكون في وارد الزواج أصلاً، وعادة من يهدد يكون كلامه مجرد كلام فقط، فإذا كان التهديد في كل يوم بأنه سيطلق زوجته أو سيتزوج عليها، فهذا سيؤدي إلى تعميق الاحساس بعدم الأمن. الفهم الخاطئ لشخصية المرأة: البعض يفكر أنه لما يقوم بمثل تلك التصرفات من قبيل التهديد للزوجة بالزواج عليها، سيجعل زوجته تلتصق به أكثر وستبادر إلى خدمته أكثر، أنت مخطئ أيها الرجل، أنت لا تعرف شخصية هذه المرأة ولا سائر النساء الأخريات، المرأة إذا وثقت من زوجها وأنه سند يُعتمد عليه وأنه ملجأ وكهف وضمان وأمان حينئذٍ خذ منها ما تشاء، ستعطيك دم قلبها، لكن إذا في كل يوم تُسمِعُها بأنك ستفعل وتهدد بالطلاق أو أنك ستتزوج عليها، ستقول في داخل نفسها أنا لن استطيع أن أكون آمنة مع هذا الرجل لذلك سأركز على حسابي ومالي وعملي، أو إذا قال لها دعينا نتشارك في البيت نحتاج قليل من راتبك ما شاء الله راتبك أكثر من راتبي، أو أحضري رغيف أنت في طريقك إلى البيت، حتى هذا المقدار قد تضن به عليه، لماذا؟ لأنها ليس لديها استعداد ليكون لها حساب مفتوح لذلك ما دام هناك في تهديد وعدم ضمان وعدم أمان. فهذا واحد من الأسباب الرئيسية فعدم الاحساس بالأمان وعدم كون بعض الأزواج بالنسبة إلى زوجته ضمان لحياتها فهذا يبطل فكرة لتسكنوا اليها، فلن تطمئن أن تكون معه لعشرين أو لثلاثين أو أربعين سنة. فكلما قلت لها سأطلقك وأتزوج وغيرك أحسن منك، ستقول في نفسها هذا من الممكن خلال الأربع أو الخمس سنوات سينفذ ما يهدد به فلماذا أنا أصرف نقودي عليه؟! ولماذا أعطيه مشاعري وأتفانى في خدمته؟! انتبه أيها الزوج للرسائل السلبية التي ترسلها لزوجتك: فلينتبه.. فلينتبه.. فلينتبه الأزواج بالنسبة للرسائل التي يعطونها لزوجاتهم، كلمة قد تعطي لها رسالة معناها أنا إنسان غير مضمون، أنا غير مأمون الجانب، أنا لست معك إلى التالي، من الممكن أنه لا يقصد ما يقول، لكن في مثل هذه الامور المرأة تأخذها كشيء جدي للتالي. فعلى الأزواج أن يحذروا من مثل هذه الرسائل، عليهم – أي الأزواج – أن يعطوا رسائل مناسبة (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)، فكل ما يملكه من عواطف فليبرزها تجاه زوجته، لماذا يدخرها؟! ولمن يدخرها؟! فكل ما يستطيع من عطاء مادي فليعطي، فعندما يعطي الزوج ولا تشعر زوجته بأنه بخيل عليها، هي تبدأ تعطي وتعطي ذاك الوقت بسخاء؛ لأنها تجد هذا الزوج محل أمان ومصدر اطمئنان و (لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) متحقق فيه، ويمارس دائماً بينكم (مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً). فهذا من جهة الرجال، الرسالة التي نوجهها للرجال لكي لا تتعثر الحياة الزوجية دائماً أبداً -وفي كل حال- كن أماناً لزوجتك، كن سكناً لها، وكن مصدر اطمئنان عن خوف المستقبل وعن التغيير وعن غير ذلك. فإذا حصل هذا اطمأنت اليك وأعطتك كل ما تريد وفوق ما تريد وعاشت الحياة الزوجية بشكل ممتاز. رسالة إلى الزوجات: الرسالة الأخرى للنساء أيضاً وهي: اختلال مفهوم الطاعة في داخل البيت، قبل عشرات السنين كانت النساء في الغالب غير متعلمات، وغير المتعلم عادة أضعف من المتعلم، فالرجال غالباً إما أن يكون التعليم الدراسي عندهم أو انطلاقهم في الحياة العامة واكتسابهم الخبرة والحكمة، مع مجيء التعليم في بلادنا المسلمة، اصبحت النساء متعلمات والمرأة المتعلمة المتخرجة من الطبيعي أن تعمل في وظيفة، وحاجة المجتمع أيضاً لذلك، فإن لم تكن هناك طبيبة للنساء ماذا تصنع النساء؟ وهكذا في سائر الموارد الأخرى. المجتمع بالتالي يحتاج الى هذا الأمر، فأصبحت المرأة متعلمة وأصبحت عاملة واكتسبت شهادة صعدت في السلم الوظيفي، أحياناً تكون برتبة رئيس لزوجها وراتبها ضعف راتب زوجها، وهذا موجود في المجتمع، إلى هنا الأمر جداً طبيعي، تَعلُم، عمل، سباقها، تقدمها، وتجاوزها لزوجها حتى في الراتب والرتبة هذا كله أمر طبيعي، الغير طبيعي هو عندما تنعكس هذه الحالة في داخل بيت الزوجية. أدخل إلى بيتك دون ألقابك المهنية والعلمية: من المناسب والصحيح أن الرجل عندما يأتي إلى بيته ويفتح الباب يترك صفات الإدارة وصفات الرئاسة فلو كان رئيساً لمستشفى وتحته يديه عشرات الأطباء بل لو كان مرجعاً فهذه الصفات والألقاب تبقى خارج البيت لكن داخل البيت أنت زوج. فكما ذكر في أحوال رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد سئلت بعض زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله عن ما يصنع رسول الله في البيت، في خارج المنزل الأمر واضح ، كان الرسول صلى الله عليه وآله يتلقى الوحي ويقود الحروب ويعظ ويبلغ.. أما داخل البيت ماذا يعمل؟ فأجابت: كان في مهنة أهله. مهنة اهله يعني ماذا؟ يعني إذا تحتاج العنز إلى حليب يقوم الرسول صلى الله عليه وآله بحلبها، فلا يقول أنا النبي الذي يتنزل عليّ الوحي كيف أحلب العنزة وأقدم الحليب؟! فلا ينبغي للإنسان أن يحضر مناصبه وشهاداته ومراتبه ومستوياته الوظيفية في العمل إلى منزل الحياة الزوجية، فلو فرضاً قال: أنا دكتور جراح من الطراز العالي هل آخر أمري أن أحضر إلى المنزل وأنظف المقلى من بقايا البيض مثلاً كيف يكون هذا؟! رسول الله صلى الله عليه وآله سيد الخلق كان في مهنة اهله. الخطأ هنا، أن الشخص يُدخل الوظيفة ويُدخل الرتبة ويُدخل الراتب والمنصب إلى داخل البيت، لا.. لا تدخله. فهذا إذا كان بالنسبة إلى الزوج مؤثر بدرجة واحدة، فبالنسبة إلى الزوجة سيؤثر بمقدار عشر درجات، هناك بعض الزوجات سواء كانت دكتورة أو مهندسة أو رئيسة قسم أو ما إلى ذلك، فعندما تحضر الزوجة إلى المنزل يجب عليها أن تترك هذه الصفات المهنية والرئاسية خلف الباب، أنتِ عندما تدخلين البيت، تدخلين كزوجة تنشر الحب والمودة وتلتزم بالطاعة لزوجها، وتتعامل مع الجميع على أنها أم للأولاد، وعلى أنها زوجة لهذا الزوج ومن واجبها الطاعة والالتزام، فلا يوجد عندنا كائن يمشي برأسين ولا بيت بولايتين، واحد يجر يميناً وآخر يجر شمالاً. الجهة الثانية : تراجع دور المرأة في قضية الطاعة والانقياد القرآن الكريم جعل القيادة هنا للرجال فقال: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) طبعاً لا بد أن يمارس القوامية بتمامها، القوّام يعني تكون تضحيته أكثر مِن مَن قام عليه. سفينة على سبيل المثال تعرضت لمشكلة في البحر أو طائرة تعرضت لمشكلة في الجو، أنت حين جلوسك على المقعد رابط حزام الأمان وليس مطلوب منك شيء آخر فقط كن في مقعدك، ومن يعلن الاستنفار هو ذلك القوام هو ذلك القائد يعود بالطائرة أو يهبط اضطرارياً أو أي شيء آخر يفرض عليه الموقف لسلامة الركاب. كذلك في المنزل جُعلَت قوامة الرجل على المرأة في البيت، لأجل أن يكون البيت فيه رأس واحد ورأي واحد، وأن يكون في الطرف الآخر قضية الطاعة والانقياد والقبول بأحكامه. الذي حدث في مجتمعاتنا المسلمة ولا سيما بعد أن دخلت أفكار التيارات النسوية الفاسدة المتغربة إلى مجتمعنا، فأول مبدأ تم طرحه هو إلغاء قوامة الرجل على المرأة، وهذا يعني إلغاء للقرآن الكريم وبعضهن يدّعين أنهن ينطلقن من منطلقات إسلامية، كيف امرأة تؤمن بالقرآن الكريم والقرآن صريح في هذا، والروايات أكثر تصريحاً وشرحاً في هذا الموضوع، أنه يلزم على المرأة أن تطيع زوجها في حدود معينة في داخل المنزل، مهما كانت المرأة كبيرة من حيث الوظيفة ومهما كانت كثيرة من حيث المال، وكان زوجها في العمل تحت امرتها، لكن تبقى في البيت القوامة له والقيادة في يده، وهي ينبغي أن تطيعه فيما أمر الله سبحانه وتعالى فيه بالطاعة. والطاعة ليست مطلقة فلها حدود يُحفظ بها بيت الزوجية. للأسف الشديد أن قسماً من المشاكل التي تنتهي إلى تعثر الحياة الزوجية هي هذه الأمور، من جهة – كما قلنا - هناك أن الرجل في الأمر الأول تراجع دوره كضمان وأمان إلى المرأة، ومن الجهة الأخرى تراجع دور المرأة في قضية الطاعة والانقياد وتأثر في بعض الحالات بالوظيفة والمنصب والثروة والمال والشخصية الاجتماعية وغير ذلك. وهذا أمر لا ينبغي أن يكون صحيحاً، أعتقد -والله العالم- أن كثير من الأسباب لو نرجعها في نهاية الأمر سنجد أن هذين الأمرين الأساسيين هما مصدر لكثير من المشاكل، فلو استطاع الزوج أن يمارس حياته بطريقة يعمق فيها فكرة أنه أمان وضمان لزوجته ومستقبله ومستقبلها، وليس بمجرد الكلام أن يقول لها أنا مصدر أمان وضمان لك وهو حسن، لكن لابد أن يصدقه العمل و( لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) لابد أن يكون معه مودة ورحمة، وإلا الكلام الفارغ البعيد عن المعنى والتطبيق سيكون نوعاً من أنواع الخداع وأحياناً يزيد الأمر سوءاً. كذلك هذه الجهة وهي أن الزوجة مع تعليمها ومع وظيفتها ومع كبر شخصيتها إلى هنا لا يوجد أي اشكال في ذلك، لكن الاشكال عندما تمارس هذا الأمر -بأنها دكتورة أو مهندسة أو غير ذلك- داخل منزلها، فعندما تعتبر نفسها دكتورة أو مهندسة أو رئيسة قسم في مستشفى أو مديرة إدارة في داخل بيتها، كيف تسمع رأي زوجها؟! كيف تتلقى الأوامر والطلبات من زوجها اذهبي إلى هناك وتعالي إلى هنا ولا تخرجي وأفعلي كذا وكذا، فلا تقبل أن تسمع منه وبالتالي يختل التوازن، أصبح في الأسرة رأسان، وصار في هذا الكائن عقلان، وكل طرف لا يقبل بالتنازل، هذا يقول الشرع يعطيني هذا. وهذه تقول ليس كل ما تريده أفعله، فينبغي أن نلتفت إلى الأسباب الرئيسية التي تفسد وتجعل الحياة الزوجية متعثرة. نسأل الله أن يجعلنا ببركات توجيه الأئمة المعصومين عليهم السلام مصداق الآية المباركة، وأن يجعل بيوتنا محل سكن، وأفعالنا مصدر مودة ورحمة لمن نعول ولمن يكون معنا إنه على كل شيء قدير. الختام: يذكر في مثل ليلة الثامن من شهر محرم عادة الحديث عن القاسم بن الحسن المجتبى عليه السلام، ويتبادر عادة إلى الذهن في الذاكرة الشعبية قضية زواج القاسم وزفاف القاسم وما شابه ذلك، وهو محل نقاش قديم وحديث والاختلاف فيه لا مشكلة فيه. بعض الاختلافات عقائدية تؤثر على عقيدة الانسان، مثل هذا يعتقد بعصمة الائمة، وهذا لا يعتقد بعصمة الائمة، فهذا مؤثر جداً. وفيه بعض المسائل أقرب إلى التاريخ منها إلى العقائد، لو فرضنا أن إنساناً اعتقد وبناء على الأدلة التي وصلت إليه أنه لم يكن هناك زفاف أو عقد، فهذا لم يخرج عن المذهب ولا يعتبر مقصر في حق الامام الحسين عليه السلام، ولا أنه سلب القاسم بن الحسن ميزة من الميزات، ولو أن واحداً عكس الأمر وقال صار هناك زواج ودخل على زوجته وإن لم يكن بينهما زفاف بالكامل، فهذا لم يأتي بمنكر إذا كان ذلك ناشئاً من بتحقيق أو تقليد عن محقق، بل حتى لو زعم أحدهم -بناء على الأدلة- أنه صار زواج كامل أيضاً هذا لم يأتي بمنكر عقائدي حتى تشحذ أمامه الأسنة وتشرع في وجهه الرماح. الأمر في مجمله أمر تاريخي يجتهد فيه الباحثون والعلماء فإذا وصل أحدهم الى نتيجة لا مانع من أن يلتزم بها ويؤمن بها ويتحدث عنها ويكتبها وإلى غير ذلك، سواء كان ذلك بالنفي أو بالإيجاب. ولكن في العموم لا ريب أن الناس يتعاطفون مع هذا الشاب ابن المعصوم عليه السلام في أنه في مثل هذا العمر لا ريب أن أمه تنتظر ساعة زواجه وساعة عقد قرانه وزفافه لكي تفرح به، فإذا فجعت به في هذه الجهة وقتل قبل ان يصل إلى هذه اللحظة، كأنما المصيبة تتضاعف عليها. فهذا التصوير هو الذي يدعو قسم من الراثين والخطباء بل حتى العلماء إلى ذكر مثل هذه المصيبة، وكما -ذكرنا الأمر- في هذا سهل والطريق واسع لا ملجأ لئن يلتزم الإنسان إلا بهذه الفكرة وإلا يحصل له كذا وكذا. القاسم ابن الحسن أحد أبناء الإمام الحسن المجتبى الذين ضحوا بدمائهم في كربلاء وفي سبيل سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه. أمه رمله كما هو المشهور، تربى على يد الإمام الحسين عليه السلام، لأنه حين استشهد ابوه الإمام الحسن عليه السلام سنة 50 للهجرة، ربما كان عمره سنتين أو ثلاث سنوات باعتبار أن عمره في كربلاء في حدود الـ 12 او 13 سنة، فبقي تحت رعاية عمه الحسين عليه السلام والعناية به وكان من الطبيعي عندما خرج الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكة ثم إلى كربلاء أن يخرج معه بمقتضى هذه الصحبة وبمقتضى هذه التربية هو وبعض إخوانه ايضاً. بعد أن تقدم الأنصار وتفانوا في سبيل إمامهم الحسين عليه السلام، جاء الدور على بني هاشم، فجاء دور القاسم بن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام مستأذنا عمه الحسين صلوات الله عليه. الراوية تصف مشهد من المشاهد التي تحزن قلب الإنسان، فنظر الإمام الحسين عليه السلام إليه وأبى أن يأذن له وقال: أنت أمانة أخي الحسن عندي، قال له: أبا عبد الله لابد لي من ذلك كما سبقني إخوتي وسبقني بعض بني هاشم، أنا أيضا أحب ذلك لاسيما وهو في ليلة العاشر كان قد صرح للإمام الحسين عليه السلام عندما سأله القاسم عليه السلام وأنا فيمن يقتل، قال له الحسين عليه السلام: كيف ترى الموت عندك؟ قال: فيك أحلى من العسل، اذا كان لأجلك فهو أحلى من العسل، لذلك عندما أصر القاسم على الامام الحسين عليه السلام، قال له: اذهب إلى عماتك واذهب إلى أمك وودعهن...
مرات العرض: 3435
المدة: 01:04:00
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 60796.92 KB
تشغيل:

7 الأخوةُ في أسمى معانيها
9 رؤية الامام المهدي في الغيبة الكبرى