مسارات العفة الجنسية في الاسلام 5
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 8/1/1444 هـ
تعريف:

 5/ مسارات العفة الجنسية في الإسلام

كتابة الفاضل ناصر أهل البيت

 قال الله العظيم في كتابه الكريم: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ..} [آل عمران : 195]

حديثنا -بإذن الله تعالى-بعنوان مسارات الإسلام في العفة الجنسية، بعد أن تحدثنا عن هذا الخطر العالمي الذي تدعمه الفئات المتبعة للشهوات بغاية أن يميل البشر ميلا عظيما، نشير إلى فعل الإسلام في الوقاية من الانهيار الجنسي و سوف نتعرض أيضا في مبحث آخر إلى العقوبات التي فرضها الإسلام في هذا الإتجاه..

مفتتح قرآني:

في البداية لابد أن نشير بأن القرآن الكريم أشار بالصراحة إلى أنه لا يوجد في البشر سوى جنسين ذكر و أنثى، غير ذلك لا يوجد ابدا و هذا قد دلت عليه التحريات العلمية كما أوردنا في مبحث سابق شيئا عن الدراسة العلمية المحكمة التي أجريت في سنة ٢٠١٩، فهذا من الجهة العلمية، بل حتى لو لم يثبت ذلك علما و ثبت بالوحي فإننا نتبع ما أشار إليه الوحي و ما قرره الباري سبحانه وتعالى الذي يقول :{.. أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ..} [البقرة : 140] لو فرضنا -و هذا كما ذكرنا ليس موجودا- نفترض طلعت دراسة و أعلنت أنه هناك ثلاث أجناس أو أربع، يكون ردنا هذه الدراسة لا تساوي فلسا واحدا، لأن الله تبارك و تعالى الذي خلق الخلق ألا يعلم من خلق؟! و هو قد قرر أنه قد خلق الزوجين الذكر و الأنثى، أنتم الأعلم أم الله؟ بل الله العالم و أنتم ما أوتيتم من العلم إلا قليلا، شيء ضئيل و بسيط، العلم الحقيقي عند الله بإعتباره هو الخالق، فقرر القرآن الكريم هذا المعنى، أن هناك ذكر و أنثى {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ} [النجم : 45]، فالآية التي توجنا بها الحديث: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ..} [آل عمران : 195]

فلا يوجد إذن إلا هاذان الجنسان،من الناحية العلمية، و قبل ذلك و بعد ذلك و فوق ذلك من الناحية الوحيانية القرآنية التي أثبت القرآن الكريم هذا المعنى بكامل الصراحة.

هذه المرحلة الأولى أساسية، أن الخلق على هاذين الجنسين لا يوجد غير هاذين الجنسين، إلا كان مخالفا للخلقة الطبيعية و الفطرة العادية و مثل هذا يحتاج إلى  إدخاله المستشفى علاج نفسي أو علاج بدني فضلا عن العلاج الأخلاقي..

بعدما أسسنا هذا المعنى أن القرآن يشير إلى وجود هاذين الجنسين، الله سبحانه وتعالى هو الذي له الخلق و الأمر كما في الآية المباركة [الأعراف : 54]، الخلق واضح لا أحد يدعي بشكل جاد أنه يخلق شيئا و إنما هم أسباب و أدوات، الأمر سواء قلنا هو قوانين التكوين، يجعل في كل شيء قانونه و دستوره و نظامه،  {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس : 38]، {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس : 40]، و أتى كل شيء هداه {..وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد : 8] هذا نظامه في التكوين له الأمر، أو ما يشمل أيضا القوانين و الأحكام، الخالق هو الوحيد الذي يحق له أن يصدر الأوامر، أن يقنن القوانين، أن يشرع الشرائع، لأنه هو الخالق هذه الخالقية، هذه المالكية تخوله أن يجعل التشريع و القوانين ، و لا تخول غيره إلا  باذنه، بناءا على ذلك :

1.    وجود جنسين

2.    بما أن الخالق هو الآمر و له الحق في التشريع حصرا أو ما كان بإذنه يترتب التالي،

3.    أن الله تبارك و تعالى  جعل نظامين لهاذين الجنسين الذكر و الأنثى، كل منهما له نظام قانوني و له نظام أخلاقي.

الطهارة مجمع الفضائل:

البشر في رؤية الإسلام، نساء و رجال وضع لهم قانونان، قانون أخلاقي و قانون فقهي إلزامي، غاية القانون الأخلاقي بالنسبة إلى هؤولاء البشر،فيما يرتبط بعلاقتهما-علاقة الجنس-علاقة الجنس المذكر بالجنس المؤنث، الوصول إلى الطهارة، الطهارة والتطهر هي الغاية السامية التي جعلت على أساسها المبادئ الأخلاقية بل حتى الشرائع و القوانين لكي يصبح هذا الإنسان طاهرا، و المجتمع طاهرا و هذا اشاراته في القرآن الكريم كثيرة جدا..

أسمى الشخصيات التي يقدمها الدين يصفها بالطهارة كآل محمد-اللهم صل على محمد وآل محمد-

{..إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب : 33] هذه أقصى الدرجات التي من الممكن لبشر أن يصل إليها، و هذا كما يشمل الذكور في أهل البيت عليهم السلام يشمل سيدة النساء فاطمة الزهراء صلوات الله سلامه عليها، و من باب آخر أيضا مريم وصلت إلى هذا المستوى {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران : 42]، حالة الطهارة التي هي مجمع للفضائل، هذه الغاية التي يريد المشرع الإسلامي يريد الله سبحانه وتعالى البشر أن يصلوا إليها في علاقاتهم، يريد أن يكون في المكان رجال يحبون أن يتطهروا و الله يحب المتطهرين[البقرة : 222]، اذا يريد يوصف أفضل الأوصاف لهدية الله للبشر في الجنة ولهم فيها أزواج مطهرة [البقرة : 25]،[النساء : 57] و هكذا لو تتبع مفردات الطهارة و ما يرتبط بها في القرآن الكريم تجدها حاكمة على كل شيء، مختصر التشريع يقول:{..مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة : 6] كل هذه الأشياء و هذه التشريعات و الواجبات و المستحبات، ما يريد يؤذيك و إنما يريد أن يرتقي بك إلى مستوى الطهارة.

إذن هناك نظام أخلاقي غايته الكبرى النهائية حالة  الطهارة، علاقات الرجل بالمرأة ،وعلاقات المرأة بالرجل ينبغي ان تكون محكومة بهذه الغاية الطهارة ، أن تكون علاقة طاهرة ، هذا طبعا إلى نظام قانوني..

مسارات الطهارة و العفة إسلاميا:

يبدأ الإسلام من البدايات ، يعترف بوجود صنفين، يوجب على هذا الصنف أمورا و يوجب على ذلك الصنف أمورا أخرى، و يوجب عليهما أشياء مشتركة:

1.    النظر : من جهة يقول: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور : 30] و من جهة أخرى في الآية التالية للآية السابقة يقول: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ..} [النور : 31] هذا مشترك، غض البصر، عدم الطمع في هذا النظر، عدم الشهوة و الرغبة، النظر الطاهر هو المطلوب، غض بصرك لا يعني تغمض، يعني كأنما  هذه المرة نظرة عادية لكن مرة ثانية نظرة طويلة مستقصية تستثير فيك الرغبة و الشهوة، غض البصر يعني أقصر نظرك على ما دون الشهوة و الرغبة، و ليس المقصود تمشي و انت مغمض العينين، ليس هناك من يطلب منك هذا. و لكن فرق بين نظرتين يستشعرهما الرجل و تستشعرهما المرأة، تارة ينظر هذا الإنسان نظرة عادية و أخرى ينظر نظرة فيها رغبة، فيها شهوة و فيها تحديق، أحد الآباء رأى إبنه ينظر إلى فتاة بشكل معين فقال له: يا بني إن نظرك هذا يحبل، نظرة هذا يجعلها حامل!! لأن هذه نظرة متجاوزة ليست نظرة طاهرة لازم تكون غض البصر و حفظ الفروج، قد يستشكل أحد بأنه ليس هناك من يكشف عن فرجه  سواء رجل أو امرأة ، هذا طبيعي لكن القرآن الكريم  اذكى من يقول هذا الكلام لكن يشير إلى أنه هناك مقدمات إذا قمت بها سوف تحفظ فرجك و كذلك هناك مقدمات على العكس تماما و سوف يهتك فرجك، اذا الإنسان أشعل فتيل شهوته، ذهب وراء النظر المحرم، ... الصور المبتذلة، التفرج على المفاتن، رجل كان أو امرأة هذا ليس حفظ للفرج و إن كان جالس بداخل بيتهم، لأن هذا الشخص يعمل على إشعال نار شهوته، قليلا قليلا و لا يشبع فيذهب نحو العادة السرية و لا يشبع و هكذا هلم جرا ، فلا يحفظ فرجه لأن المقدمات التي أتى بها اوصلته إلى هتك فرجه..كمن يجعل رجله على حافة الجدار فيوقع و تتكسر عظامه..تحفظ فرجك لا يعني أيضا فقط تلبس ملابس داخلية- هذا ما سنناقشه، و إنما معناه تقطع حبل إثارة الشهوة و الرغبة الذي سوف يأخذك لأن تبذل فرجك و تهتكه أو تحفظه..فيبدأ  من قضايا النظر، العين، حيث هناك قسم من الناس يتضايق من هذا الأمر، لكن هو هكذا لكي تصبح طاهرا ، و حتى نرتقي إلى ذلك المستوى الأخلاقي المطلوب، لابد من توفير مقدمات تنسجم معه،أما إذا تريد تتصفح المواقع الاباحية و الأفلام الخليعة و ما هنالك من مقدمات هتك الفرج، كيف تحصل الطهارة في قلبك و كيف تحصل الطهارة في نفسك؟؟و كذا في بدنك؟ هذه الطهارات تكون مستبعدة، لذلك في مسألة النظر هناك جنسان هذا الجنس لا يحل له نظرة شهوة و رغبة إلى ذلك و لا العكس، كذلك أيضا الملامسة كأن تصافح امرأة لا تحل له، ما انظر لها ، بل  الملامسة أكثر من النظر و فيها من إشعال الشهوة و الرغبة الشيء الكثير، و هذا الأمر لا ينتهي إلى حفظ فرجك و طهارة نفسك، 

2.    اللباس:  في نفس هذا الموضوع أيضا قضايا اللباس، ابدأ من مطلب الحجاب، بل حتى بين المحارم؛ أشير هنا إلى نقطة و التي قد ينتبه و يلتفت إليها الاخوة المؤمنون بشكل واضح في هذه الجهة، لكن دورنا هنا دور التذكير فقط، الأكيد أن المؤمنين هذه الأمور يعرفونها و يلتزمونها و يربون أولادهم عليها و كل أسرهم  بالنحو المناسب، لكن {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات : 55]..

حول فلسفة الحجاب و غاياته: هذا المنهج هو سلسلة متدرجة لذلك لا معنى لأن يأتي أحد و يقول: الحجاب ما جاء في القرآن الكريم ، و بالتالي لا داعي للحجاب، و إذا سمعت أو سمع من يريد هذا الأمر، لنفترض أحدا ليس له معرفة بالفقه و لا بالروايات و لا بتفسير القرآن و لم يرجع إلى تفاسير المعصومين عليهم السلام للآيات، يقول القرآن الكريم ما فرض الحجاب.. لكن ماذا يصنع في خطاب الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه و آله و سلم بأنه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب : 59]، {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور : 31]

ماهية الستر في الاسلام: 

الفقهاء هنا-و هذا معلوم- أنه حرام على المرأة أنها تكشف الخاتم، ليس هذا المقصود و إنما مواضع الزينة، أو كما يتصور البعض، كأن تعطي الصائغ عقد، هذه زينة كيف تعطيه إياها؟!! ليس هذا المقصود و إنما أماكن الزينة هذا النحر هذا الصدر هذا الذراع و أمثال ذلك، فضلا عن عشرات الأحاديث و الروايات التي تثبت هذا الأمر، لذلك لا معنى للتوقف عند ذلك، أساسا عمدة الطهارة التي يريد الإسلام إيصال الرجل و المرأة إليها بعد غض البصر و بعد ترك مقدمات الإنحراف و عدم حفظ الفرج، قضية الستر، و هذه القضية أوسع دائرة من الحجاب، أن تستتر المرأة من جهتها و أن يغض الرجل بصره عن النظر، لا يجوز للإنسان أن يقول هي قامت بإبراز مفاتنها، كالشعر و ما هنالك، و إن كان هذا سيئا، حيث ليست هناك جدية في ممارسة الأحكام الشرعية، الحجاب موجود لكنه حجاب مزركش، منقوش و غير ذلك،جذاب و راجع قليلا عن منبت الشعر و خصلات الشعر يمينا و شمالا تداعبها الرياح، هل هذا يسمى حجابا؟ و أحيانا حتى الذراع ، المرأة منقبة كما ينبغي بينما ذراعها مكشوف!! الذراع أيضا ينبغي أن يستر و الساق كذلك و النحر، الرقبة إلى غير ذلك، و هذه واجبة..

الإنسان يعرف نفسه أنه جاد في ممارسة الحكم الشرعي أو لا، الحجاب له فلسفة و له غاية، غايته أن لا ينظر الإنسان الرجل نظرة شهوة و رغبة  للمرأة {..ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب : 59] كان هذا في زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله، الميزة بين المرأة الحرة و المرأة الآمة كانت متكشفة شيء من شعرها و بدنها ظاهر، بينما كانت المرأة الحرة ليست كذلك، مستترة، فإذا عرفت هذه أنها آمة ربما يذهب و يتحرش بها،وبعد  ذلك حتى يشتريها من صاحبها؛ الغاية من الحجاب هو أن يقصر النظر و هو أن يتكامل مع الأمر بغض البصر، فإذا صار نفس الحجاب جاذب، نفس اللباس هو يجذب النظر و يستميله و يجعل الواحد بدل أن ينظر نظرة خاطفة يحدق فيه، ذاك الوقت يكون الأمر على خلاف فلسفة الحجاب و على خلاف الهدف منه، فيأتي الإسلام يضع مجموعة من هذه القوانين التي تتكامل ما بين الفقه و بين الأخلاق من أجل الوصول إلى مرتبة الطهارة ، مرتبة العفة بالنسبة إلى الجنسين..

العفة تبدأ من داخل البيت: 

 حتى في داخل البيت، حيث نحن ننصح- و هذه من الأمور التي ينبغي التذكير بها- صحيح أنه لا ينبغي على الفتاة أن تتحجب عن أخيها و أبيها من المحارم و لا عن عمها و لا عن خالها، هذا ليس واجبا، لكن أيضا أن تأتي الفتاة و تلبس لباس شفافة أو ضاغطة أو كاشفة أو مخلعة و غير ذلك، ثم تقعد بين إخوانها، هذا شيء سيء جدا، و لكن هذا خطير جدا لاسيما و أن {.. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء : 27] هؤولاء حتى هذا الحاجز كسروه، في البداية قالوا هذه قضايا الشرع  وما هنالك من العقد ما يحتاج ، يكفي الواحد يحب واحدة يعيشا معا ببيت واحد، ثم تدرجوا تم التجاوز عن ذلك بالقول ما فرق بين الأخت و بنت العم كلاهما تشتهى!! و يروج في الأفلام الخلاعية لعدم وجود حواجز بين المحارم، فإذا اقتنع الإنسان بهذا الطرح  و هذه الظاهرة و لعب الشيطان بذهنه، و هو شاب متفجر الشهوة، إلى جانبه أخته أو أحد من محارمه، حتى الأم ينبغي أن لا تخدش قداسة وجودها بين أبنائها، قد تقول هذا ابني و ابن اختي و ابن بنتي حفيدي، لا...هذه تخدش الصورة المقدسة بالنسبة إلى المحارم، صحيح الحجاب غير لازم و لكن ينبغي أن يلتفت جدا إلى هذا الأمر، فلا تجلس البنت و بنت الأخت و الأم و لا الخالةو لا العمة في حضور ذكور من محارمها و هي لابسة ملابس غير مناسبة و غير محتشمة، كل هذا الإسلام يركز عليه بغاية أن تبقى حالة الطهارة و العفة و القداسة بين الجنسين بل يحتاط أكثر من هذا، اذا ابنك و بنتك بدأوا والإدراك ليس البلوغ ، الإدراك فقط حاول أن تفصل بينهما، لا يناما في غرفة واحدة افضل، فضلا عن أنهما ينامان في سرير واحد، لأن هذا أسوأ، بل حتى لو كانا من نفس الجنس افصل بينهما في المضاجع، ليس تشكيكا فيهما و إنما الإنسان ينبغي أن يحتاط لنفسه قبل وقوع الشيء، مثلا لما تضع حزام الأمان  بالسيارة هل يعني انك تعلم ستصدم سيارة أخرى، ممكن انك منذ أربعين سنة تسوق سيارتك و تراعي قواعد الأمان كالحزام و لم يقع لك حادث، فحزام الامان ضروري في كل أمر و كذلك في هذه الحال ليس تشكيكا و إنما تأمينا لقضية الطهارة و كل هذا الغرض بقضية الحجاب و قضية غض البصر، قصر النظر، إلى أن تصل إلى موضوع الزواج و التبكير فيه اذا كان في مصلحة الشاب و الشابة..

مقاربات حول الزواج: التبكير والتيسير

 قضية التبكير نسبية لا نعم بالمطلق و العكس كذلك، الفقهاء و الروايات تشير إلى أن الإنسان متى احتاج إلى امرأة ، الشاب و الشابة متى احتاجت إلى رجل، و كان ذلك لازما لهما ينبغي أن يبادر الوالدان لهما في هذا الأمر دون تأخير، اذا كانت هناك حاجة شديدة و قوية و كان هذا الشاب و تلك الشابة قادرين على تحمل مسؤولية الزواج و ما يرتبط به ، لابد من مبادرة الوالدين و بسرعة، كأن  يقال ننتظر تخلص بكالوريوس ثم ماجستير فدكتوراه ثم التطبيق و هلم جرا!!! هناك نماذج كثيرة هكذا و للاسف هذه المرأة بسبب قرار أبيها في التأخير احياناجعلها لم يحصل لها النصيب الذي كانت تريده و نفس الأمر بالنسبة للشاب كذلك ...لكن هل كل شاب يبلغ عمر ١٧ -١٨سنة و بدأ يستشعر الرغبة، تركض وراءه و تزوجه، لابد أن تعاين نضجه، تحمله للمسؤولية، قدرته على إدارة الأسرة، هذا من الأمر المناسب و لا تخشى قضية أنه ما عنده فلوس و كذا و الخ...قدر الإمكان، قدر ثم بعد ذلك  ٨٠% توكل، لاسيما إذا كانت الأمور يسيرة و سهلة، كل العالم الإسلامي مر بهاتين السنتين ببلاء كورونا – لا أعاده الله و كشفه عن الناس- تبين أنه بإمكان الإنسان في مناطقها هنا بمقدار ٥٠٠٠ ريال، و كان قبل هذا البلاء لا يتزوج إلا بسبعين ألف ٧٠٠٠٠ ريال ، مصاريف الزواج الآن صارت ٥٠٠٠ريال، الحمد لله ليس هناك ضيافة و لا عزائم و لا ولائم و لا...شيء بسيط و عدد محدود و انتهى  الأمر..يعني هذا يمكن ان يتواصل، لماذا يتحمل الإنسان أعباء ليست في قدرته و لا  طاقته من أجل أنه يقال: بنت فلان عملوا لها حفلة بالقاعة الفلانية...أنا بنتي غير مقبول أنه يعملوا لها حفلة في قاعة مختصرة صغيرة بسيطة، في قبو، في بيتهم ..لا لا لا غير مقبول !!! بهذا الشكل إذن يتأخر زواج هذا الشاب و زواج تلك الشابة، هي تشكل الكثيرمن النساء و الأمهات و الآباء أحيانا و الفتيات من أنه تأخر عنها الزواج ، هذا عن تجربة- حيث تأتيني رسائل و اتصالات و غير ذلك و لعل المشايخ و غيرهم تأتيهم أيضا- يشتكين أنه نصيبهن تأخر، إذا عندك حرز أو آية أو عندك رواية أو دعاء ...متألم أو متألمة أنها متأخرة- ندعو للجميع الله ييسر أموركم و يسهل لكم- بعد فترة من الزمن اذا جاء واحد تبدأ الشروط: المهر لازم يكون كذا و الحفلة هكذا، العجيب الآن صارت احتفالات ضخمة في العقد  الذي كلمتين و خطبة مختصرة و كل الحضور عشرة أنفار، لكن الآن لا صار قاعة و دعوات، إذا الشاب يقيم حفلة للعقد و حفلة الحنة و حفلة للجلوة و حفلة الزفة و حفلة لولادة الولد و حفلة مع أنه و حفلة وراءها حفلة متى يستطيع أن يرمم حياته و يقضي ديونه، ينبغي ان نتوجه جميعا إلى هذا الأمر، فلنسعد ابناءناو بناتنا بما تيسر، الإنسان الميسور الحال الذي عنده الحمد لله زاده الله خيرا و بركة،أما الإنسان الذي ما عنده ينبغي أن يتجمل بما يستطيع، لست مطالبا بالإقتراض من أجل أن يأتي الناس و يأكلون هذا الأكل و يقال و الله فلان أطعم، ليس كيك فقط!! لا تحتاج إلى ذلك و لم يفرض عليك ذلك..و من أعجب ما رأيت بعض الغربيين عندهم لفتات لطيفة و إن كان نظام الحياة المادية نظام باطلا، لكن لا يمنعنا هذا أن نستشهد بما هو حسن، قبل مدة من الزمن هذا رئيس الوزراء البريطاني طبعا بعد العلاقة مع زوجته حوالي ١٢ سنة و هذا باطل و منكر و محرم، زوجته بدل أن تشتري فستان ١٠٠٠ جنيه إسترليني(٤٠٠٠ريال  سعودي) و هي زوجة رئيس وزراء سابقا، قامت بإستئجار فستان ب٢٥ جنيه (أي ١٠٠ريال ) و تزوجت و انتهى الأمر...ذاك شيء سيء أنه تكون علاقة زوجية كاملة و ربما إنجاب أولاد بدون زواج ، بعد ٨ او ١٠ سنوات يتم الزواج، هذا باطل عندنا، بل و محرم عندهم أيضا في عقيدتهم المسيحية، و لكن مثل هذا الأمر ما داعي أن يصرف الواحد مثل هذا المبلغ الطائل من أجل ساعتين أو ثلاث ساعات أو أربع ساعات و يخسر تلك المقادير، لا سيما إذا كان هذا من طرف الزوج الذي يتحمل مصاريف كثيرة، نحن ندعو في هذه الجهة إلى  الملاحظة، تسريع أمر الزواج، تسهيل أمر الزواج قدر الإمكان، عدم المبالغة، قيمة هذه الزوجة ليس في كثرة مالها؛ (خير نساء أمتي أقلهن مهرا و أصبحهن وجها) سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام و هي سيدة نساء العالمين ٥٠٠ درهم فضة كان مهرها و لم ينقص من قدرها شيء بل زاده شرفا، و صار هكذا مهر السنة...و ذلك الأثاث و الرياش الذي كان في بيتها شديد التواضع فما منعهم أن تكون تلك الأسرة أفضل أسرة بعد بيت النبي محمد صلى الله عليه و آله.

3.    حول الاختلاط و الخلوة

آخر الحديث ما يرتبط بموضوع الاختلاط غير الهادف غير الطاهر، أصل الاختلاط ما عندنا حرمة فيه، يعني رجل مع امرأة يكونان في مكان أو رجال مع نساء يكونون في مكان واحد بعنوان الاختلاط محرم لا يفتي فقهاؤنا به، يفتون بعدم الجواز في الخلوة، أن يختلي رجل بامرأة بحيث لو أريد الحرام يمكن أن يحصل، يغلقان الباب مثلا في مكان بعيد عن الأنظار، منعزل المكان و بعيد عن الرقابة يتحقق فيه شروط الخلوة، لا يحتاج رجال و نساء، رجل و امرأة هذا محرم غير جائز..

اجتماع نساء مع رجال اذا كان ضمن الأطر المشروعة، هذه المرأة بحجابها الكامل و بعفتها و قداستها و طهارتها، و هذا الرجل أيضا بغض بصره ، أيضا ليس هناك محذور.. 

متى يكون المحذور؟

عندما يتخفف من الحجاب، عندما يبدأ الرجل يتفكه من أجل هذه تضحك و هذه تهتز و الأخرى تتعلق، هنا يكون في الأمر أداء لما لا يناسب الطهارة و العفة، وقتها يكون مشكل في الأمر لأنه  تبدأ مقدمات غير مستساغة و تخالف ذلك..

نبراس قرآني: قصة يوسف عليه السلام 

نحن أيها المؤمنون نمتلك من النماذج الرائعة البديعة في ديننا و في قرآنيا التي العنصر الأساس فيها كان هو العفة و الطهارة و القداسة و عدم الرضوخ للرغبة الجنسية، قصة كاملة في القرآن الكريم قصة نبي الله يوسف عليه السلام، هذه القصة نقطة التألق فيها هي مشهد {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف : 23]، الله سبحانه و تعالى الذي أنعم علي و أخرجني من البئر و صانني من الأذى و منع أولئك النفر من قتلي و كان محافظا علي، أحسن مثواي أقوم عصيانه!! و إذا لا أحد يراني فالله يراني، نحن كذلك ينبغي أن نتمثل هذا الموقف، فالله سبحانه وتعالى الذي خلقنا و لم نكن شيئا مذكورا، ثم منحنا كل النعم ظاهرة و باطنة حتى صرنا بهذا الشكل، هل يستحق هذا الإله العظيم الكريم المنعم يستحق بأن نبارزه و نحاربه بعصيان أوامر في مواضع الشهوة المنفردة. مثلا لسان حال الفتاة كان من الممكن أن اكون لست بشيء، أموت !! بحيث لا تتلقح البويضة و أصبح دورة شهرية، لكن الله سبحانه و تعالى منحني الوجود و أفاض علي النعم كلها حتى صرت الآن بهذا الجمال و هذا القوام، فمن  أرضى عنه؟ أتعجب أنه بعض المنحرفات- الحمد لله كما قلت كثيرا ليس من قماش من نتحدث معهم- يقلن أنا عندي نعمة الجمال و هذه النعمة تستحق أن أظهرها حتى أحدث بنعمة الله، هذا يظهر كيف أن المقاييس تختلف، الله الذي أنعم عليك بالجمال قال لك استتري، الله الذي اعطاكي الحياة قال لك عفي و تقدسي، هذا ما أراده الله منك، لم يرد منك أن تعرضي ما أعطاه الله لك فإنه أراد منك الاحتجاب و الاستتار بما أمر من أحكام...

يوسف النبي صلى الله عليه و على نبينا و آله أفضل الصلاة و السلام، نقطة التألق عندما رفض هذا، و جاء القرآن بالقصة كاملة حتى يبين إلى الناس، أنه أيها الإنسان يمكن أن تتوفر كل الظروف المساعدة على المعصية ( خلوة، أبواب مغلقة..) و امرأة هي ستستر عليك، و لكن وقتئذ اذا اعتصمت بالله عزوجل اخذت بأوامر ستكون ذلك الرجل العالي الذي يعلمه من تأويل الأحاديث و يجعله الملك في مصر، هذا في الدنيا و أما في الآخرة فحدث و لا حرج، و أمثال ذلك من أئمة الهدى عليهم السلام و اصحابهم الذين كانوا في هذا الإتجاه..

 نحن مطالبون بالاقتداء بهذه الصفوة،  لا سيما في هذا الشهر المبارك و هذا الموسم المبارك الذي نتلمذ فيه على يد الإمام الحسين عليه السلام و نأخذ منه معالي الأخلاق و هو في رحلته هذه و هجرته و سفرته من أجل أن يشيد نظام الدين و نظام الاسلام، خرج عليه السلام من المدينة كما ذكرنا إلى مكة المكرمة و من مكة المكرمة سيخرج إلى جهة العراق، ذكرنا فيما سبق أنه بعدما خطب في الناس و بين لهم أنه راحل و أنه نغادر مكة المكرمة باتجاه كربلاء، ألا و من كان باذلا فينا مهجته و موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل أن شاء الله تعالى.. عندها جاء و أمر بضعائن أن تجهز و أمر المحامل أن تعد، و هكذا بأفضل ما يمكن و تنطلق ذلك الرجل الحسيني فيه بنو هاشم من الفرسان و من الابطال و فيه معهم النساء أيضا من زينب و أم كلثوم و سكينة و رقية و باقي النساء لعل أربعة عشر امرأة من داخل دائرة أهل البيت القريبة كانت في ذلك الظعن و الرحائل...


مرات العرض: 3417
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 58695.64 KB
تشغيل:

شذوذ المثلية حرب ضد الله 4
عقوبات المحرمات الجنسية 6