والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم المصطفى محمد، لا يزال حديثنا في وصية الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم البغدادي، ووصلنا فيها إلى هذه الفقرة: "يَا هِشَامُ مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ لَعَنَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَمَلَائِكَةُ الْأَرْضِ وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى إِخْوَانِهِ وَاسْتَطَالَ عَلَيْهِمْ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَهُوَ أَعْنَى لِغَيْرِ رُشْدِهِ....، يَا هِشَامُ إِيَّاكَ وَالْكِبْرَ عَلَى أَوْلِيَائِي وَالِاسْتِطَالَةَ بِعِلْمِكَ فَيَمْقُتُكَ اللَّهُ فَلَا تَنْفَعُكَ بَعْدَ مَقْتِهِ دُنْيَاكَ وَلَا آخِرَتُكَ وَكُنْ فِي الدُّنْيَا كَسَاكِنِ دَارٍ لَيْسَتْ لَهُ إِنَّمَا يَنْتَظِرُ الرَّحِيلَ"، صدق سيدنا أبو الحسن الكاظم عليه السلام في مواعظه ونصائحه.
في الفقرة الأولى من هذه الوصية الشريفة، يرتب الإمام عليه السلام (3) خصال، إحداها تكون مقدمة للأخرى، الصفة الأولى: (التعاظم في الذات)، الشعور بالعظمة، هذه الصفة الأولى تجر إلى صفة أخرى سيئة، وهي (التكبر على الإخوان، والاستطالة عليهم)، الصفة الأولى ميدانها النفس، والصفة الثانية ميدانها المجتمع، والصفة الثالثة هي الادعاءات الباطلة بما ليس من حقه، كأن يدعي رئاسة قوم وهو ليس في هذا المستوى، أن يدعي منصبا سياسيا أو دينيا أو اجتماعيا وهو غير مؤهل لذلك.
هذه النهاية هي أيضا بعد مقدمتين، العظمة والتعاظم في داخل نفس الإنسان، ثم الاستطالة والتكبر الاجتماعي، وهذه الخصال لاسيما الأولى منها أكثر الناس مهددون بها إن لم يلتفتوا إليها، الشعور بالعظمة، الشعور المتضخم بالذات، هذه من المشاكل التي يتعرض لها المتكلم، ويتعرض لها ربما السامع، وقد يلتفت وقد لا يلتفت إليها، توجيه الاجتماع اليوم يساعد بشكل كبير على الشعور بالعظمة، على الشعور الطاغي بالذات.
لاحظوا بينما يوجه الدين في عباداته وفي أخلاقياته وفي فلسفته الحياتية إلى تخفيض الشعور بالذات إلى درجة اعتبار الإنسان نفسه أنه عبد، هل هناك مرتبة أقل من مرتبة العبد المملوك الذي لا يملك شيئا وهو مملوك لغيره؟ لا توجد مرتبة، هذه الدرجة التي يريدها الدين من كل إنسان أن يشعر بها في داخله إلى أن يصل أن أفضل الخلائق وهو سيد الأنبياء محمد صلى الله وآله وسلم، عندما جلس على الرغام وعلى التراب، وأخذ يأكل بيده الطعام، مرت عليه امرأة فقالت يا محمد إنك لتجلس جلسة العبد، وتأكل أكلة العبد، هذه الي يعملها العبيد.
شخص يقعد على التراب ما بينه وبين التراب فاصلة، أنا وأنت لا نفعلها عادة، فكيف برسول الله؟ لكنه جلس على الرغام، وأكل بيده الطعام، فمرت عليه هذه المرأة، قالت له يا محمد، إنك لتجلس جلسة العبد، وتأكل أكلة العبد، أنت ليست عندك شخصية، ليس عندك شعور بذاتك، قال ويحكِ أي عبد أعبد مني؟ أنا أعبد الخلائق، لا يوجد أحد في الدنيا أكثر عبودية وتواضعا مني أنا رسول الله، ولذلك نقرأ في التشهد، وأشهد أنك عبده ورسوله، وإذا أراد ربنا سبحانه وتعالى أن يمدح بعض أنبيائه ماذا يقول؟ نعم العبد، (خوش عبد هذا)، ﴿... ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [سورة ص: 30].
كل توجيهات الدين بهذه الطريقة، الصلاة لماذا؟ لأنك تضع أشرف مواضعك على أخفض مكان على التراب، ولذلك هذا التأكيد أيضا من قبل أهل البيت عليهم السلام على أنه لا يصح السجود إلا على الأرض أو ما أخرجت الأرض، لا تسجد على السجاد، لا تسجد على الذهب، لا تسجد على الحرير، لا تسجد على الأشياء من هذا النوع، لابد أن تسجد على الأرض، إذا لم تكن هناك أرض، هات الأرض إلى داخل مكان سجودك، هات شيئا من الأرض وضعه، لماذا؟
حتى هذا الجبين الذي هو أعلى شيء فيك يكون في حركة السجود والتي هي أنزل شيء، لا يوجد شيء أنزل منها، هكذا انحناء، الركوع أيضا انحناء، أكثر من ذلك انحناء، آخر مرتبة هو أن الشخص يضع جبينه على الأرض، هذه لا توجد فيها مرحلة أبعد منها، وأيضا يجب أن تضعها على ماذا؟ على التراب، على الرغام، على الأرض، (جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا).
وذات الكلام في الطهارة، أنت تتطهر، ولكن بماذا؟ بالرغام بالتراب بالصعيد في مثل التيمم، فقدت الماء لا توجد مشكلة، دعني يا أخي أضع عطرا وأتوضأ به، أتوضأ بالزيوت مثلا، لا، لا، تذهب إلى التراب الذي خُلقت منه، والذي يتوافق هناك مع أصلك وفصلك.
انظر إلى توجه الدين ذاك الاتجاه، وهو تحقيق درجة العبودية الكاملة، وهي درجة العزة كما قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، (إلهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا إلهي أنت لي كما أحب فوفقني لما تحب)، غاية العزة أن أكون عبدا من العبيد لك يا رب العباد، كل ما يستطيع الإنسان أن يكسر في نفسه ذاته، يكسر شعوره في داخله، لا يعتبر لنفسه قيمة في داخله، في أعين الناس عظمني لكن وفي نفسي فماذا؟ فذللني، دعني يا رب أشعر أنه أنا لا قيمة لي، لا اعتبار عندي، حقيقة أنا إنسان، لا قيمة لي، هذا إذا الإنسان يضع في داخل نفسه هذا المعنى، فقد حقق أفضل مراتب العبودية لله عز وجل، يا رب أنت أكبر وأنا أنزل شيء، أنت الرب وأنا المربوب، أنت الخالق وأنا المخلوق، أنت الرازق، وأنا المرزوق، أنت كل شيء وأنا لا شيء، عندي قدرة؟ لا، لا حول ولا قوة إلا بالله، عندي حركة؟ لا، بحول الله وقوته أقوم وأقعد، عندي مال؟ لا، لا أملك شيئا، هذا من فضل ربي.
إذا الإنسان يسعى في هذا الاتجاه كما أمر الدين، فهو فائز، عكس هذا تماما هو الذي تبثه اليوم الثقافة المعاصرة، أول ما يأتي لك، ماذا يقول؟ أنت كن متميزا، يجب أن تتميز عن غيرك، ثوبك لها شكل، تسريحتك وقصة شعرك لها شكل، سيارتك بشكل، لماذا؟ حتى تتبين للناس أنك إنسان ليس هينا، حتى لو تذهب وتستأجر سيارة كما يصنع بعضهم ويستأجر سيارة مدة يوم ويأخذ بجنبها صورا وفيديوهات وغير ذلك، ثم ينشرها على أساس أنه ماذا؟ أنه هو المالك لهذه السيارة، وهو المالك لهذا البيت وما شابه ذلك، الغرض ماذا؟ أنه يا أيها الناس احترموني ترى (أنا مو سهل)، أنا عندي سيارة قيمتها مثلا نصف مليون ريال، (100) ألف دولار، (150) ألف دولار، أنا لست هينا، ما في مشكلة أذهب وأستعير ملابسا خاصة وأصور فيها فقط حتى الناس تفهم أنه أنا (مو إنسان سهل)، (أنا مو مثل العبيد)، أنا كالأغنياء كالأثرياء كالمليونيرية.
هذا التوجه أين؟ وذاك التوجه أين؟ ذاك الذي يقول سيد الخلق يقول أي عبد أعبد مني، وهذا يقول لك لا أنت حتى لو ليست لديك اذهب واقترض فقط حتى تصور، حتى الناس يقولون ما شاء الله، ماذا؟ (شنو هالكشخة)، (شنو هالفخفخة)، (شنو هالامتلاك).
على طرفي نقيض، التوجيه العام دائما أنت متميز، لا، أنا لست متميزا، إذا متميز فإنما ذلك بكثرة عبادتي وعبوديتي وتواضعي، لكن هذا التوجيه يقول لك لا، أنت متميز عندما تشرب سجائر (روثمان) أيام زمان، طيب أنت متميز إذا ركبت في السيارة الفلانية، أنتِ متميزة إذا استخدمت العطر الفلاني، هذا التوجيه تماما على خلاف ذلك التوجيه، هذا التوجيه محاولة تربية العظمة في داخل نفس الإنسان.
لذلك إذا تلاحظون نتيجتها أن الإنسان بعد فترة فعلا يصدق نفسه، إلا من عصم الله، فإذا شخص قال له كلاما، يقول أنت من حتى تكلمني بهذا الكلام؟ أنا عبد من عباد الله أنصحك هذه النصيحة، لا، يستكثر، لماذا؟ لأنه مصدق أنه عظيم، العبد في داخل نفسه عادي، واحد يأمره، واحد ينهاه، واحد ينصحه، واحد يعظه، ما عنده مشكلة، الذي يمتلك العبودية في داخل نفسه عادي عنده هذه الأمور، لكن هذا الذي (شايف) نفسه ليس شخصا عاديا، تدري أنا من؟
أحدهم نصح شخصا آخر بأن يتقي الله، وأن يعمل عملا صالحا، قال أتعلم من أنا؟ قال بلى، أعلم من أنت، قال من أنا؟ قال أنت الذي جريت في مجرى البول مرتين، عندما أخرجك أبوك نطفة جريت في مجرى البول، وعندما أخرجتك أمك إلى هذه الحياة خرجت مرة أخرى، (أولك وتاليك) هو هذا، فسكت، هذا يستعظم على نفسه كيف يُنصح.
إلى أن يوصل إلى ذاك الطاغية الأموي الذي صعد المنبر فقال لا يأمرني بعد هذا أحد منكم بتقوى الله إلا ضربته عنقه، هذه أي نفس طاغية؟ أي شعور متفجر بالذات في داخل نفس هذا الإنسان؟ أين هذا وأين توجيه الأئمة عليهم السلام الذي يقول خير إخواني أحب إخواني من أهدى إليّ عيوبي؟ أولا أنا عندي عيوب، ثانيا أنا ما أستنكف أن شخصا يأتي ويقولها، ثالثا إذا قالها لي وقدمها لي فهذا أحب الإخوان، وهو يقدم لي هدية، هذه النفسية أين ونفسية (تدري أنا منو؟) ولا تقل لي بعد هذا الكلام مرة ثانية، و(خلي عنك هالهرار اللي مدوخ راسي فيه)، هذا الشعور المتعاظم بالذات أول مفسد لشخصية الإنسان، تماما على خلاف توجيه الدين والإسلام.
تأتي أيضا بعد ذلك على درجات، عالم الدين مثلي وأمثالي من الممكن أن في داخله يعتقد أنه أعمال الناس كلها (خرابيط)، لا يلتزمون بطهارة، ولا بأعمال (عدلة)، ولا يتوضؤون (عدل)، ولا يغتسلون، هذه أعمالهم كذا، أنا الذي أعرف الأحكام تماما، وأطبقها، من مثلي؟ أحيانا حتى العالم، حتى أمثالنا من المتحدثين في الدين، من الممكن أن يحدث له هذا، وأنا يعني الحمد لله وإن كان يقدم بعضهم إليك ويقول إليك أنا لا أمدح نفسي، وأعوذ بالله من كلمة أنا، وتعالوا وانظروا ماذا يقول بعد ذلك.
فمن الممكن أن يحدث عند الإنسان العادي، من الممكن أن يحدث عند عالم الدين، من الممكن أن يحدث عند الإنسان المثقف، أنا قرأت مجموعة كتب فيها من هذا (اللوجي واللوجي واجد) (أبستمولوجي وما أدري أيديولوجي وإلى آخره) ما دام صرت أحفظ هذه الأشياء بعد ماذا أنصت إلى هؤلاء العوام من الناس الذي لا يفهمون (الهر من البر) كما يقولون، هؤلاء فقط للنوافل والزيارات والصلوات وغير ذلك، نحن لا شيء آخر أصلا.
فقد يحدث للإنسان هذا، قلت عالم يحدث إليه، إنسان غير عالم بالمعنى المتعارف يحدث إليه، مثقف يحدث إليه، غير مثقف يحدث إليه، لذلك الإنسان يستطيع أن يتغلب على هذا، دائما بأن يشعر نفسه حقيقة...، انظر مثلا في الأدعية (اللهم إني أصبحت لك عبدا داخرا لا أملك لنفسي نفعا، ولا ضرا، ولا موتا، ولا حياة، ولا نشورا)، أعترف بنفسي على ذلك، أنا إنسان عبد، أصبح الصباح ما أدري ماذا؟ لا أمتلك في هذه الدنيا خيارا، أنا تحت رحمتك يا رب، وتحت لطفك، لا أستطيع أن أقدم ولا أستطيع أن أؤخر، الرزق ليس أنا الذي أفعله، أنت تسوقه إليّ، أنت تدفع عني، وأنت تمنع عني، وأنت ترزقني، وأنت تعطيني، وأنا لا شيء.
إذا وصل الإنسان إلى هذا الأمر، لذلك من المستحبات أن يبدأ الإنسان يومه بعد البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، (أصبحنا وأصبح الملك لله، والأمر لله، والخلق بيد الله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله)، كل شيء أنا لا أستطيع أن أفعله إلا ما وفق إليه ربي، وما أعانني عليه.
الإمام موسى الكاظم عليه السلام يقول "مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ لَعَنَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَمَلَائِكَةُ الْأَرْضِ..."، هذا وجود ناشز، هذه الشجرة وهي أطول منه وأصلب عودا منه تطيع ربها وتجري على وفق ما أراد منها ربها، تصبح محكومة مأمورة مخلوقة تؤدي وظيفتها التي جعلت لها في هذه الحياة، إذا مثمرة تعطي الثمر، إذا ليست مثمرة تعطي الظلال، إلى أن يأذن الله بعد ذلك ستموت.
الشمس، هذه الشمس الهائلة العظيمة في كل يوم (إن صح هذا التعبير) عندما نصبح هي تجري لمستقر لها، مأمورة عبدة تنفذ ما أمر الله تعالى لها من دون أن ترفع (خشمها حسب التعبير)، لكن هذا الإنسان الضعيف الضئيل القليل الذي تؤذيه البقة وتقتله الشرقة، هذا العقدة فيه الذي يشمخ بأنفه، يناطح السماء، وينكر ربه الذي أنعم عليه، ويعصي إلهه الذي وجه الخير إليه، هذا الوجود الناشز، (آنئذ الملائكة ترى هذا شنو من شيء)، لا هو قوي، لا هو غني، لا هو أوجد نفسه بنفسه، هو محتاج في كل لحظة إلى ربه لكي يتنفس، ومع ذلك يصارع ربه بالمعصية ويجاحده بالنكران، أليس من حق الملائكة ملائكة الأرض أن تلعنه، ملائكة السماء تلعنه، لو أن الله سبحانه وتعالى ترك الملائكة تأخذ راحتها لكانت فتكت بمثل هذا العبد، نسأل الله العصمة لنا ولكم.
هذه المرحلة عظمة داخل الذات، الإنسان لا يكتفي بهذا، لكن أن يصبح عظيما بهذا الشكل، لا، إذا تعاظم في نفسه، يريد هذا يقوم من مكانه إليه، أنت أصغر مني لماذا أن جالس هنا وأنا جالس في ذاك الطرف؟ يجب أن تعرف واجبك وتقوم، ما يحتاج أنا أقول لك، يستطيل على غيره، الشارع يسير فيه ويسير الكل، كيف يتقدم عليَّ هذا؟ سيارته كل جانب منها طايح وأنا سيارتي بنص مليون كيف يتقدم عليَّ هذا؟ كيف )يغوغي( إليه، لماذا لا يأخذ على جنب ويضرب لي تحية، يستطيل الإنسان على غيره، فلانة كيف تتقدم عليَّ وهي لا هي ذاك الجمال، ولا عندها ذاك المال، وغير ذلك، كيف تتقدم عليَّ؟ يجب أن تقدمني أنا، يجب أن تعترف إليَّ بالحق.
يا هذا، ويا هذه، أنتَ وأنتِ واهمان، العظمة هذه عظمة كاذبة، لا أصل لها ولا حق، بل لو كانت حقيقية لما طلب الإنسان ذلك، الإنسان العظيم حقيقة لا يطلب التعظيم، ذكرنا: " اللهم ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزا ظاهرا إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها".
هذا الإنسان بالعكس، يتصور ما دام هو كبير، راتبه كثير، كيف لا يحترمه الناس، عنده مرتبة علمية، أمام اسمه حجة الإسلام والمسلمين، لماذا الناس يتهافتون على يده وعلى جبينه حتى يقبلوها، لماذا لا يعرفون الواجب واللازم، أمام اسمه هناك كلمة أو حرف (الدال)، كيف يقولون فلانا ولا يقولون الدكتور الفلاني، وبعضهم يفعل معركة، صحيح الإنسان ينبغي أن يعطي لكل ذي حق حقه، لكن صاحب الحق إذا كان عاقلا لا يفتش عن هذه الأمور، ماذا ينفع الإنسان لو قيل له آية الله في العالمين، أو فقيه الأولين والآخرين، ماذا سيزيد عنده؟ ماذا يحصل إليه أكثر من هذا؟ لو قالوا هذا الدكتور الذي أنسى من سبقه، وأتعب من يلحقه، ماذا تحصل لو قالوا هذه المرأة ملكة جمال الكون؟ ماذا ستحصل هذه المرأة؟ أي شيء سيزيد فيها؟ تصبح عندها (3) أيد مثلا أو رأسان؟ أو منزلتها عند الله ترتفع؟ أو أخلاقها تكبر؟
فيبدأ في المرحلة الثانية هذا الإنسان يستطيل على غيره، يريد شعوره بالعظمة، هو صدق نفسه إنه عظيم في داخل نفسه، ليس عبدا، وإنما عظيم، يطالب من حوله بأن يمارسوا معه ما يقتضي ذلك، مادام أنا عظيم إذن خذوا لي تحية، ما دام أنا غني إذن قوموا بواجبكم في تكريمي، ما دام أنا جميل فإذا تأخروا عن طريقي حتى أنا أمشي أمامكم، وعلى هذا المعدل، يحوله إلى أمر اجتماعي، ومن تكبر على إخوانه واستطال عليهم، فقد ضاد الله، يعني يصبح هذا بمرتبة الضد لله عز وجل.
الله هو الذي في هذه الدنيا يجب على الإنسان أن يوقره ويعبده ويخضع له ويظهر ذلك، يقول الله عز وجل، وقت الصلاة يذهب ويسجد على التراب تعظيما لله عز وجل، إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، إذا واحد أراد أنه يصبح بهذا الشكل، قالوا فلان يجب على كل إنسان مثلا يأتي ويضرب تحية إليه، هذا يضاد الله في خلقه، "فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَهُوَ أَعْنَى لِغَيْرِ رُشْدِهِ".
المرحلة الثالثة هي الأخيرة ما دام أنا في نفسي عظيم جدا، وأطالب المجتمع أن يعترف لي بذلك فأستقيل عليهم تأتي بوابة الفتن الفكرية، يصير هذا يدعي مثلا الإمامة، يدعي المرجعية العظمى وهو غير أهل، يدعي الرئاسة الكبرى، وهو غير مؤهل، وعلى هذا المعدل.
للحديث تتمة تأتي إن شاء الله في وقت آخر وصلى الله على محمد وآله الطاهرين؟
نعتزل الناس أو نخالطهم
كتابة الفاضل علي السعيد
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وأما حديثنا المعتاد فنبدؤه كالعادة بذكر فقرة من فقرات الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في وصيته لهشام بن الحكم حيث يقول إمامنا سلام الله عليه: "يا هِشَامُ مُجَالَسَةُ أَهْلِ الدِّينِ شَرَفُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمُشَاوَرَةُ الْعَاقِلِ النَّاصِحِ يُمْنٌ وَبَرَكَةٌ وَرُشْدٌ وَتَوْفِيقٌ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا أَشَارَ عَلَيْكَ الْعَاقِلُ النَّاصِحُ فَإِيَّاكَ وَالْخِلَافَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ الْعَطَبَ، يَا هِشَامُ إِيَّاكَ وَمُخَالَطَةَ النَّاسِ وَالْأُنْسَ بِهِمْ إِلَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُمْ عَاقِلًا وَمَأْمُوناً فَآنِسْ بِهِ، وَاهْرُبْ مِنْ سَائِرِهِمْ كَهَرَبِكَ مِنَ السِّبَاعِ الضَّارِيَةِ"، صدق سيدنا ومولانا الإمام موسى بن جعفر الكاظم صلوات الله وسلامه عليه.
هذه الفقرة من كلمات الإمام عليه السلام وما بعدها يمكن أن تكون شارحة لكثير من الروايات والكلمات التي وردت في تفضيل العزلة عن الناس وتحبيذها، هناك الكثير من الروايات تقول بما معناه: (إن الخير في أن يعتزل الإنسان الناس وأن يعبد ربه)، هذا كل الخير، لعل إنسانا يقول أولا هذا غير ممكن في الحالة الطبيعية أن يعتزل الإنسان الناس، وينفرد عنهم، هذا غير ممكن، للإنسان حياة فردية، وله حياة اجتماعية، رزقه مرتبط بالمجتمع غالبا، معاشه مرتبط بالمجتمع، شخصيته مرتبطة بالمجتمع، بعض الواجبات أو المستحبات أيضا مرتبطة بالمجتمع، فكيف يمكن لهذا الإنسان أن يعتزل وينكفئ على نفسه من دون أن يختلط بهم؟ إذا ما كان ممكنا، أو ما كان صالحا، فكيف إذن يوجه الأئمة عليهم السلام في بعض توجيهاتهم إليه؟
والجواب على ذلك مثل هذه الكلمات هي التي تفسر لنا العزلة المطلوبة، والاختلاط المطلوب، لا العزلة النهائية والتامة مطلوبة، ولا الاختلاط الدائم والكون في المجتمع المتواصل أيضا مطلوب، وإنما إذا كان الإنسان يستطيع أن يصنف هذا الاختلاط به نافع، لأنه مستقيم على سبيل المثال، ذاك الاختلاط به غير نافع، لأنه يدعو إلى الشر، لأنه يسبب الغفلة، لأنه لا يحث على الخير، فمثل هذا الحديث يقول لك ذاك اعتزل هؤلاء الناس الذين هم من هذا الصنف، واختلط بهؤلاء الناس الذين هم من هذا الصنف.
محيطك الاجتماعي ينبغي أن يكون محيطا هادفا نافعا تواجدك فيه، لابد أن يحقق لك فائدة إما في الدنيا وإما في الآخرة، وأما المحيط الذي قد يضرك دنيويا، وقد يضرك أخرويا، وقد يلطخ سمعتك فالاعتزال عنه بلا شك هذا خير لك من الاختلاط معه.
لذلك يقول: (يا هِشَامُ مُجَالَسَةُ أَهْلِ الدِّينِ شَرَفُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ...) أهل الدِين، الدِين ليس شيئا محدودا بالعبادة، ولا هو مرتبط بالملابس، وإنما يكون هذا الدين مؤثرا في حياة ذلك الإنسان، إذا جئت إلى إنسان، هذا الإنسان منضبط أمام شهواته، فلا يركض وراءها، متمسك بالأخلاق، فلا تراه يستعدي الآخرين، أو يغتابهم، أو ينم عليهم، أو يمكر بهم، أو غير ذلك، وفي جوانب العبادة أيضا، جوانب التذكر لله عز وجل هو من أهل ذلك، هذا الإنسان هو من أهل الدِين.
الدِين ليس لباسا، الدِين ليس مظهرا باللحية مثلا، الدِين ليس بالإعلان أنه أنا متدين، وإنما هو حقائق في داخل القلب، ومظاهر على السلوك، يخاف الله عندما يتذكره، هذا الخوف يكون نابعا من تعظيم شأن الله في داخل نفسه، هناك قسم من الناس لا يعظم شأن الله عز وجل، ولذلك تراه في الملأ بشكل وفي الخلأ بشكل آخر، أمام الناس ملتزم متدين لا يتحرك إلا وفق السليم حتى إذا خلا بينه وبين نفسه ارتكب المآثم والكبائر، هذا هَوَّن نظر الله إليه، جعل الله أهون الناظرين.
يعني كيف إذا إنسان مثلا جاء أمام ولد عمره (10) سنوات أو (12) سنة، لا يمكن أن يتعرى أمامه، صحيح أم لا؟ يتعرى بالكامل لا يمكن، لماذا يخشى من ابن الـ(10) سنوات هذا أن ينظر إليه فيسقط من عينه أو يخبر عنه، لكن نفس هذا الإنسان الذي يخشى من طفل عمره (10) سنوات لا مانع عنده مثلا أن يمارس العادة السرية بينه وبين نفسه، رجلا أو امرأة.
صحيح هذا الآن في هذا المكان لا يوجد طفل عمره (10) سنوات، ولكن رب الأرباب ناظر وحاضر وشاهد، فكأنما جعل نظر الله أهون وأصغر من نظر ذلك الطفل، ذلك الطفل يتقي من؟ يخافه ويراقبه، لا يرتكب الخطأ في حضوره، بينما أمام الله سبحانه وتعالى الذي يراه في كل وقت يمارس ذلك الفعل المحرم، رجل يمارس خيانة، امرأة تمارس تلك المعصية.
الدِين إذا موجود بدرجة من الدرجات في داخل القلب يمنع هذا عن فعل هذا الحرام، أو إذا استزلهم الشيطان يلومه الضمير، بقايا الدِين في داخله تؤرقه وتقرعه وتوبخه، في الليل أيضا إذا يضع رأسه على المنام كلما يريد أن يغمض عينه يأتي له لماذا أنت فعلت كذا؟ لماذا عملت هذا الشيء؟ لماذا فعلت هذا؟ الدين بدايته من هنا.
فإذا صار عند الإنسان دين في داخله تجلى في سلوكه، فلا يسرق، فلا يغتب، فلا ينم، فلا يعتدي، فلا يسرق، وأمثال ذلك من الأمور، طبعا ليست إلى درجة العصمة، يبقى الإنسان بالتالي مع الشيطان في صراع دائم، والنفس الأمارة بالسوء أيضا مستيقظة، لكن الله سبحانه وتعالى زوده بإرادة، وزوده بعقل يميز له ما هو الصحيح وما هو الخطأ، وأعطاه إرادة، الوقت الذي يصمم على الامتناع عن هذا الذنب أو ذاك يستطيع ذلك، لا أحد يستطيع أن يقف أمامه مع التصميم والإرادة.
مجالسة أهل الدِين تنفع الإنسان في مثل هذا، تشكل عنصرا إضافيا، لذلك أساسا أن يعيش الإنسان في بيئة نظيفة هذا معين له على الإيمان، معين على الدِين، لماذا عندنا مثلا في أوائل الإسلام مُنِع العيش في البادية؟ وهو الذي يسمى بالتعرب، وكان في ذلك الزمان تجب الهجرة، أن تهاجر من البادية إلى مدينة رسول الله حتى تزداد علما وثقافة ومعرفة بالدِين، وهذا الجو المؤمن أيضا يعينك على التمسك به.
الآن قسم من العلماء يفتون، لا يجوز الذهاب إلى البلاد الأجنبية إذا كان ذلك يؤدي إلى فقدان الإنسان إيمانه، وإلى وقوعه في المحرمات، يفتون بذلك، لا تذهب، وإذا فرضنا أن إنسانا كان في هذه البلدان لا يستطيع مقاومة الشهوات، وينزلق إليها، والجو العام أقوى من إرادته، يقولون له ارجع، ارجع إلى بلد مسلم، إلى مكان من الأماكن المؤمنة التي يكون الجو العام فيها مساعدا لك على الطاعة، حتى البيئة التي يعيش فيها الإنسان تعطي ذلك.
فـ(مُجَالَسَةُ أَهْلِ الدِّينِ شَرَفُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)، باعتبار أن سمعة الإنسان تصبح سمعة طيبة، وباعتبار أن هؤلاء يدعونه إلى الخير، يدعونه إلى التقوى وإلى الفضيلة، فيعمل ذلك، فيزداد منزلة وشرفا في الآخرة.
قسم من الناس لاحظوا هذا بالتجربة، يمكن إذا يقرأ الدعاء لوحده قد لا يحصل لديه خشوع، لكن إذا صار في وسط جماعة، وقُرِئ الدعاء، وكان فيه من يبكي، ترى نفسه تتحرك في كثير من الأحيان، ويأتيه الخشوع.
نريد أن نصلي صلاة فيها صعوبة قليلا، قد يكون شخص بينه وبين نفسه يتكاسل عنها لكن إذا رأى كل المجموعة يؤدون هذه الصلاة، ينبعث إليها، في الحج تلاحظون أن الإنسان في الطواف أو في السعي يتعب ويتأذى قليلا، يقول نؤجل ذلك لبعدئذ أو يوم غد، فإذا رأى بجنبه رجلا كبيرا في السن منحنيا بهذا الشكل ويطوف ويسعى، نفس هذا المنظر يجعله يتحرك ويكمل طوافه، هذه من آثار البيئة التي يكون فيها الإنسان، (فمُجَالَسَةُ أَهْلِ الدِّينِ شَرَفُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ).
(وَمُشَاوَرَةُ الْعَاقِلِ النَّاصِحِ يُمْنٌ وَبَرَكَةٌ وَرُشْدٌ وَتَوْفِيقٌ مِنَ اللَّهِ...)، أصل المشاورة أيها الإخوة هو من أفضل النعم على الناس، ولكن للأسف ليس كل الناس يلتفتون إليها، أنت اسأل نفسك كم نسبة المشاورة عندك في حياتك؟ يعني تريد أن تشتغل، أشتغل في هذا المكان لو في هذا المكان؟ كم نسبة استشارتك للآخرين؟ قسم من الناس لديهم نسبة عالية، يرى رجلا اقتصاديا يذهب ويسأله، يرى رجلا حكيما عنده خبرة حياتية يذهب ويسأله، يرى صديقا من أصدقائه عنده نصيحة وإخلاص، يستنصحه ويستشيره، ابنته تُخْطَب أو ابنه يريد أن يَخطب، يرى أنه لا يجب أن يستبد برأيه، إذا عنده إخوة لا سيما إذا كانوا أكبر منه يجعل هؤلاء في جو ذلك، هناك موضوع بهذا الشكل ماذا ترون؟ ليست بالضرورة إذا استشارهم يجب أن يفعل ذلك، هو بالتالي آخر الأمر بعد أن يستشير هذا وذاك هو أيضا ستصبح لديه رؤية لكل المسألة من أطرافها المختلفة.
يريد أن يبني، يريد أن يهاجر ويسافر، يريد أن يغير اتجاهه من كذا إلى كذا، من هذا الحقل إلى ذلك الحقل، يستشير، فإن شاور أصحاب الرأي شاركهم في عقولهم، أنت تحصل على آراء في كثير من الأحيان ناضجة من دون أن تبذل مالا.
الحمد لله المشاورات في أغلبها إلى الآن ليست في مقابل أموال، في البلدان الأخرى يعرفون قيمة الاستشارات ولذلك يفرضون فيها أموالا طائلة، ترى هنا مكتبا، لماذا؟ مكتب للاستشارات فقط، حتى أقول لك (هذا زين لو مو زين)، (وزين لهذه الأسباب)، (خلي قدامك (10) آلاف ريال حتى بس أقول لك إن هذا جيد أو مو جيد)، ولماذا جيد وهكذا، للاستشارات، استشارات اقتصادية، استشارات نفسية، استشارات اجتماعية، وغير ذلك.
فيما بين المؤمنين هذا غير موجود، وقد نُدِب إليه وحُرِّض عليه، استشر العاقل الناصح، يكون عنده عقل أيضا وتكون عنده نصيحة، النصيحة تأتي في اللغة العربية بمعنيين: بمعنى الإخلاص، النصح يعني الإخلاص، وبمعنى تقديم النصيحة والمشورة، يقول أنا نصحته بأن لا يفعل كذا وكذا، ولعله معناهما في أصله واحد، وهو أن هذا الإنسان الذي يريد أن يقدم نصيحة ليست عنده مصلحة في ذلك، وإنما منطلق من ماذا؟ من الإخلاص، أنا مثلا واحد يستشيرني أنه ما هو رأيك أفتح دكانا في المكان الفلاني، إذا أنا أريد أن أفتح قبله سأقول له ماذا؟ (لا مو زين، ما حد يشتري)، هذا مكان ميت اقتصاديا، (ويشلك بيه)، بعد ذلك أذهب أنا وأفتح الدكان في هذا المكان، هذه ليست نصيحة، لماذا؟ لأنها ليست منبعثة عن إخلاص، وإنما هذا تبع لأمر مادي، تحصيل الربح، فهذه لا تسمى نصيحة، ولا فيها إخلاص.
النصيحة يفترض أن الإنسان ليست له مصلحة فيها، قال لي فلان تقدم إلى ابنتي يريد أن يتزوجها، أنا أفكر إي هذا بيني وبين والده هناك موضوع فدعني أقول له لا مشكلة وأذهب أبيعها عليه، أقول له (ترى أنا تكلمت زين عن ولدك في بنت فلان)، وبالتالي أنت أيضا لازم تعرف الترتيبات اللازمة، مكافأة وعطية شغلتنا الفلانية المتعطلة تمشيها، هذه ليست نصيحة لأنها ليست منبعثة عن إخلاص، وإنما عن مصلحة، فلا تسمى نصيحة.
النصح هو الإخلاص، وتقديم النصيحة مبني عليها، فيقول شاور، ولكن تشاور من؟ شخص عاقل وناصح ومخلص، فلو كان إنسانا مخلصا لكن ليس عنده عقل، لا يمتلك رأيا حصيفا، قد يبذل لك، وهو مخلص، لكن ليست عنده معرفة، ماذا ينفعك؟ يقول لك اذهب لهذا الطريق، مخلصا لك، لكن ما عنده معرفة بالجغرافيا فيورطك، اذهب ذاك العمل، ما عنده معرفة بالاقتصاد، ناصح لك، (شاف الناس هايجة على موضوع الأسهم) قال فلان وفلتان وإلى آخره، فهو من باب الإخلاص جاء لك لكن ليست عنده معرفة بالاقتصاد فيورطك.
فيقول هنا أنت شاور، خذ رأيا، ولكن مِنْ مَنْ؟ يقول: (وَمُشَاوَرَةُ الْعَاقِلِ النَّاصِحِ يُمْنٌ وَبَرَكَةٌ وَرُشْدٌ وَتَوْفِيقٌ مِنَ اللَّهِ)، عنده عقل، عنده خبرة، عنده رأي، وأيضا ناصح مخلص، هذا فيه يُمن، فيه بركة، فيه رشد، فيه توفيق.
بل عندنا روايات تشير إلى أن الله جعل رضاه على ألسنة المؤمنين، أنت تريد تسير في هذا المشوار، تريد أن تعرف أن الله راض أو غير راض، كثير من الناس يقول الله يرضى في هذا لو لا؟ يقال له نعم انظر إلى كلام المؤمن العاقل المخلص، يقول هذا الطريق (زين لو مو زين).
كأن الله جعل رضاه في لسان هذا الإنسان، (فَإِذَا أَشَارَ عَلَيْكَ الْعَاقِلُ النَّاصِحُ فَإِيَّاكَ وَالْخِلَافَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ الْعَطَبَ)، لا تخالف بعد، أيضا عنده عقل، عنده خبرة، وأيضا ناصح مخلص إليك، فلماذا (ترز عنادك حسب التعبير) وتخالفه؟ ذاك الوقت أنت تعطب، لأن رأيه ناتج عن عقل أنت خالفته وذهبت إلى الهوى، رأيه ناتج عن إخلاص لك أنت جئت وخالفته وسلكت طريقا، إياك والخلاف فإن في ذلك العطب.
(يا هشام إياك مخالطة الناس) هنا يأتي حديثنا الأول، أي ناس لا نخالطهم؟ وأي أناس نخالطهم؟ (إِيَّاكَ وَمُخَالَطَةَ النَّاسِ وَالْأُنْسَ بِهِمْ إِلَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُمْ عَاقِلًا وَمَأْمُوناً فَآنِسْ بِهِ)، العاقل لا يؤدي بك إلى طريق الهلاك بجهله، ومأمون أيضا ليس إنسانا تبع شهوات وتبع أهواء وتبع مغامرات، وإنما شخص مأمون ناصح، هذا ائنس به واذهب معه، لتكن مخالطتك له لأنها في مخالطة هذا النمط الشيء الحسن.
(وَاهْرُبْ مِنْ سَائِرِهِمْ كَهَرَبِكَ مِنَ السِّبَاعِ الضَّارِيَةِ)، أجواء ماجنة، ناس تذهب والله وناسة وظرافة ولطف والموسيقى إلى عنان السماء، (فلوها الربع فل)، هذا اهرب منهم كهربك من السباع الضارية، لماذا؟ أقل ما فيها أنك تحسب عليهم، إذا قالوا فلانا من جماعة المسجد أو قالوا فلانا من جماعة المسارح والأغاني، هناك فرق بينهما في النظر الاجتماعي لو لا؟ هناك فرق.
إضافة إلى ذلك أنت غير متيقن من أنه لو ذهبت إلى هناك لا تزلق رجلك، قسم من الناس يقولون لا أنا غير، ومن النساء أكثر في هذا الجانب، يا هذا فلانة ذهبت في هذا المشوار ووقعت، تقول لها أنا غير، (أنأ وين وهي وين)، ونفس التي سبقتها قالت هذا الكلام، وهذه أيضا ستقع وتقول نفس الكلام، لأن الشيطان يحيك الدسائس والمؤامرات على الإنسان، ويوقعه من حيث لا يعلم، لا يأتي ويقول له (ترى أنا بجي بختبرك من فلان)، (ترى أسئلتنا في صفحة رقم (35))، لا يقول بهذه الطريقة، يأتيك من المكان الذي لا تتوقعه، ويصيدك في المكان الذي لم تكن قد أعددت له، فيوقع الإنسان، وآنئذٍ إما أن يتراجع ويرجع، وإما لا سمح الله يمشي في ذلك المشوار.
من هؤلاء شخص غير طيب، بيئة غير طيبة، مجتمع غير طيب، يقول الإمام (وَاهْرُبْ مِنْ سَائِرِهِمْ كَهَرَبِكَ مِنَ السِّبَاعِ الضَّارِيَةِ)، الناس لماذا يتطعمون من المرض؟ لماذا يتباعدون اجتماعيا؟ لماذا يصل الحال إلى الحجر؟ تتذكرون أيام الحجر الإنسان أصلا لا يستطيع الخروج إلا بالتسجيل، سأذهب إلى السوق، أشتري شيئا من البقالة، يجب أن تكتب ويعطى إليك (كود) ويعطى لك كذا، لماذا كل هذا؟ لأن هناك خطرا يتهددك في مكان ما، (مو مخبرينك عنه)، لا يقل أنا في الزاوية الجنوبية حتى أنت تذهب إلى الزاوية الشمالية، لم يقل أنا في سوق الخضرة حتى أنت تذهب للبقالة، وإنما في كل هذه الأماكن محتمل، وأنت لا تعرف مكانه بدقة، الشيطان هو هكذا، فأنت يجب أن تسعى ألا تذهب إلى مكان فيه الوباء بمعنى المرض، ولا في مكان فيه الوباء بمعنى معصية الله، والوباء الأخلاقي هو الذنب.
أضف إلى ذلك أنا ذهب مع هؤلاء الجماعة -لا سمح الله ولا قدر- حلت لعنة الله على جمع من الجماعة، أنا سأكون معهم، لن يقولوا لي هذا أبعدوه، في قصص العذاب التي حلت على الأمم السابقة وننهي بها حديثنا، أن بعض الناس كانوا صالحين، وكانوا في وسط هذا المجتمع، فلما حل العذاب أخذهم، فَسُئِل النبي لماذا هؤلاء؟ قال لأنهم داهنوا أصحاب المعاصي ولم يغضبوا لغضبي، على الأقل ما قالوا نحن لسنا مثل هؤلاء، ما غضبوا لله، لم ينفصلوا عنهم ولو انفصال نفسي، لا يذهب إليه ويشجعه على معصيته، لا يجلس معه (ويطيح الكلفة) معه، مع أن ذاك يبارز الله ويحارب الله، فلما نزل العذاب نزل عليهم.
الإنسان ينبغي أن يلتفت إلى نفسه أن يكون في مواضع لو نزلت الرحمة تشمله، أنت تذهب رزقكم الله وإيانا حج بيته الحرام، وزيارة مراقد أهل بيت رسول الله، وزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله، والكون في هذه المساجد، لو نزلت الرحمة بسبب واحد من هؤلاء أنا ستشملني لأنه أنا موجود في هذا المسجد، لو نزلت الرحمة على الطائفين والملبين عند بيت الله الحرام والواقفين في عرفات أيضا أنا ستشملني، ولو كنت بحد ذاتي غير مستحق لها، ولكن كنت في هذا الجمع الذين شملتهم الرحمة، من غير هؤلاء (وَاهْرُبْ مِنْ سَائِرِهِمْ كَهَرَبِكَ مِنَ السِّبَاعِ الضَّارِيَةِ).
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المؤمنين وفي المؤمنين ومع المؤمنين، في الدنيا والآخرة، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.