كيف يتعامل العاقل مع الطعام والعلم 15
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 23/8/1443 هـ
تعريف:

 15/كيف يتعامل العاقل مع الطعام والشراب

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

في الحديث عن وصية الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم نقل فيها كلام جده أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وهو ما عبد الله بشيء أفضل من العقل، فلا الصلاة ولا الصوم ولا الحج ولا غير ذلك يعدل عبادة الله بالعقل لأن هذه الأعمال هي في مرتبة الفعل، والعبادة العقلية هي في مرتبة المعرفة، فقد يعبد شخص ربه وهو لا يعرفه فهذه عبادة إن لم تكن خاطئة لا ريب أنها ناقصة، فغير المسلمين مثلاً من الأحبار والرهبان وغيرهم ربما يصرفون أكثر يومهم في العبادة البدنية من صلاة وصوم وما شابه ذلك ولكن النقطة الأكبر أنهم لا يعبدون الله الواحد الأحد الفرد الصمد وهذه مشكلة عويصة، بل أن بعض المسلمين أيضاً معرفتهم بالله ناقصة عندما ينسبون إليه التشبيه والتجسيم والجهة والمكان وغير ذلك وإن كانوا لا يقولونها صراحة إلا أنها معرفة ناقصة بالله عز وجل، ولذلك قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته المعروفة: (أول الدين معرفته) أي معرفة الله سبحانه وتعالى، فأول خطوة هي أن تعرف الله سبحانه وتعالى، ثم بعد ذلك نقل كلامه في تمامية العقل بأنه كيف نعرف أن هذا الإنسان قد تم عقله، فالله سبحانه وتعالى أن الخلائق مقداراً من العقل يستطيع به الإحتجاج عليهم، ولنفترض أن هذا هو القسم المتوسط فإن قسم من الناس يبقون في هذا المستوى وقسم آخر ينزلون إلى الأسفل بسيطرة الشهوات عليهم بينما قسم من الانس يتكاملون ويزيدون القدرة العقلية عندهم حتى يصلوا إلى مرتبة تمامية العقل.

كيف نعرف أن إنساناً هو ناقص العقل أو كامل العقل أو يكاد يكون كامل العقل؟

ذكر مولانا الإمام الكاظم نقلاً عن أمير المؤمنين عليه السلام أموراً تشير إلى كمال العقل وتماميته فقال أولاً: الكفر والشر منه مأمون والخير والرشد منه مأمول، أي أنه يُنتَظر منه الخير والرشد في خطواته وفي نفس الوقت يؤمَن من الشر حتى لو أُغضِب أو أُخطِأ في حقه.

ثانياً: فضل ماله مبذول وفضل قوله مكفوف، أي الفضل الزائد من ماله ينفقه على غيره، كما أنه يكف قوله أي يختصره ولا يزيد عليه بالكلام الذي لا ينفع.

ثالثاً: نصيبه من الدنيا القوت ولا يشبع من العلم دهره، فالقوت هو ما يتبلغ به الإنسان ليبقى على قيد الحياة، مثلاً لو أن الإنسان يحتاج في النهار إلى سعرات حرارية معينة فإنه يحصل عليها من اللحم، الخبز، أو الخضروات والفواكه وغيرها وما كان فوق ذلك الإحتياج فهو ليس من القوت، فالقوت هو الذي لو لم توفره لبدنك لما قام بوظائفه، فمن صفات العاقل تمام العقل أنه في هذه الدنيا لا يذهب وراء الشبع والتخمة والإمتلاء وإنما يبحث عن مقدار القوت وهذا يحصل بأيسر ما يمكن، ففي الروايات عندنا عن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم اجعل طعام آل محمد القوت)، فالإنسان عندما يكون طعامه بمقدار ما يتبلغ به في حياته ويقيم بناء جسده وجسمه آنئذ سيتوفر له مقدار كبير من المال الذي كان سيصرف في هذه الأطعمة المتنوعة، وسيتوفر له المزيد من الوقت كما أنه سيوفر على نفسه مقدار كبير من الأمراض التي تحصل على أثر زيادة الأكل وعدم استيعاب البدن والجسم لها.

نلاحظ هنا الفرق بين الطرفين في قول الإمام عليه السلام: (نصيبه من الدنيا القوت زلا يشبع من العلم دهره)، أي لو طلب العلم طوال يومه وطول حياته لا يشبع منه أبداً، وفي المقابل يكفيه من الطعام والشراب ما يتبلغ به، لكن في قسم من مجتمعاتنا عند بعض الأفراد نجد أن القضية معكوسة تماماً.

رابعاً: الذل أحب إليه مع الله عز وجل من العز مع غيره والتواضع أحب إليه من الشرف، فكامل العقل لا يعبأ بالمظاهر وإنما بخلفياتها، فلو كان إنسان بصحة بدنية ولكن عنده مرض ديني فهو في الواقع مريضاً وليس سليماً، كذلك أيضاً نجد أن بعض الناس يكونون شرفاء أمام غيرهم لكنهم ليسوا كذلك مع الله، فكم من إنسان عاقل متواضع مع الله عز وجل لا يتابعه جميع الناس في مختلف التواصل الاجتماعي ولا شخصيته ليست كبيرة في المجتمع إلا أنه نظيف القلب وكريم النفس وعابد لله، فالشرف والشهرة أذا كان وراءها استقامة ضمير وعمل صالح فلا بأس، ولكن لو كان الشرف ظاهري على غير خط الله وصراطه المستقيم ولو كانت الشهرة بعمل فاضح وجسد عاري وغناء فلا  تنفع شيئاً، ولذلك فإن التواضع مع خط الله وضمن الدائرة الإلهية وإن لم يكن معها شهرة إلا أنها خير من الذي يملك الشهرة والسمعة في المجتمع لكنه سيء مع الله عز وجل.

مما يذكر من الأشياء الجميلة قصة أبي هاشم الجعفري مع الإمام الهادي عليه السلام، فأبي هاشم الجعفري هو نسبة إلى جده جعفر الشهيد بن أبي طالب عليه السلام وكان من الخلص للإمام الهادي عليه السلام، فيقول: (أصابتني ضيقة شديدة فجئت إلى الإمام أبي الحسن عليه السلام ولما جلست بادرني وقال لي: يا أبا هاشم أي نعم الله عليك تريد أن تؤدي شكرها؟، قال فوجمت ولا أدري ما ذا أقول، فابتدأ عليه السلام بالقول وقال: رزقك الله الإيمان فحرم به بدنك على النار ورزقك العافية فأعانتك على الطاعة ورزقك القنوع فصانك عن التبذل، يا أبا هاشم إن ما ابتدأتك بهذا لأني ظننت أنك تريد أن تشكو إلي من فعل بك هذا وقد أمر لك بمئة دينار فخذها) فهنا يبين الإيمان النعم الكثيرة التي أنعمها الله سبحانه وتعالى على أبي هاشم وهي الإيمان والعافية والقنوع، فالطمع يذل الإنسان ويجعله يقترض الأموال لأشياء غير ضرورية مما يؤدي به إلى الديون التي تذله، فإن لم تكن عند الإنسان القناعة فإنه يضطر إلى التبذل فيبذل ماء وجهه في طلب الأموال وغيرها لكنه لو قنع بوضعه وحاله وستر الله عليه لاكتفى، فلا ينبغي على الإنسان أن يتشكى من حالة الفقر وغيرها لأن الله أعطاه نعم كثيرة أهم ومنها الإيمان، ولو كان الإنسان يعقل ذلك لوجد نفسه أغنى من ذلك الذي يملك الكثير من الأموال إلا أنه لا يملك الإيمان، لأنه من يملك الإيمان سيحرم الله بدنه على النار بعكس الذي يتمتع بالأموال في الدنيا وليس عنده إيمان فلن تنفعه هذه الأموال يوم القيامة وسيخلد في النار كما قال تعالى: ((وهم فيها خالدون)).

مرات العرض: 3404
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 26905.72 KB
تشغيل:

13 العزلة علامة العقل
25 ما هو أصلح أيامك