نتيجة الكف عن عرض الناس 22
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 21/5/1443 هـ
تعريف:

22/ نتيجة الكف عن عرض الناس

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

في وصية الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم قال: (يا هشام من كفَّ نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة ومن كفَّ غضبه عن الناس كفَّ الله غضبه عنه يوم القيامة، يا هشام إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه)، هذه فقرات أخر من وصايا الإمام الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم البغدادي وفيها أولاً الكف عن أعراض الناس وأن هذا الإنسان الذي يكف عن أعراض الناس يقيله الله سبحانه وتعالى عثراته يوم القيامة.

أعراض الناس شيء وعنوان يشمل الكثير من الأمور، يشمل ما هو متعارف بين الناس من أن العرض هو الشرف والزوجة والبنت وكل ما يرتبط بأمور النساء من حمايتهن وعفتهن وعدم اتهامهن، العرض في اللغة: عرض الرجل هو حسبه أي انتماءه الديني، صفاته الأخلاقية، أمجاده، أعماله وخدماته، فكل هذه الأمور لا ترتبط بالنسب وإنما ترتبط بالحسب، وكأن الإنسان إذا كانت لديه هذه الأمور فإنه يحسب له حساب، فإن كان الشخص عالماً فإن علمه يعد من الحسب وليس من النسب، وكذلك الطبيب فإن كفاءته تعد من الحسب وليس من النسب وهكذا، فبمقدار ما يكتسب الإنسان من أعمال طيبة فإنه يضيف إلى نفسه قيمة فيحسب له حساب مختلف عن حساب غيره.

بهذا المعنى الواسع للعرض والذي لا يقتصر فقط على الجانب الجنسي وما يتصل بالنساء وإنما ما يتصل بشخصيته بشكل عام، فعرض الإنسان ينبغي أن يكون محفوظاً وأن يكف الآخرون عن اتهامه في عرضه الجنسي وفي عرضه الشخصي وفي أعماله التي يقوم بها، فقليل أن نجد إنساناً مسلماً يتهم جاره أو صاحبه بعرضه، إنما الكثير عادة هو ما يرتبط بالعرض الشخصي فقد يسهل أن نجد إنساناً يتهم إنساناً آخر في نفقاته كأن يتهمه بالرياء وعدم الإخلاص في عمل الخير، وأحياناً نجد شخصاً يمدح شخصاً آخر بأنه منفق ويهتم بالأعمال الخيرية وأنه عامل في المجتمع، فيأتي أحدهم ويقول له إن المهم هو إخلاص النية، فهذا طعن في عرضه غير مباشر وكأنه يريد أن يشير من طرف خفي إلى أن هذا وإن كانت له اعمال كثيرة إلا أنه ليس مخلصاً في نيته، فهذا من الطعن في العرض للمعنى الواسع.

الكثير من الناس لا يوجهون الطعن في العرض مباشرة كأن يقول مباشرة أن هذا الشخص سارق، ولكن يمكن أن يمدح شخصاً في بداية الأمر ثم يطعنه في عرضه كأن يقول مثلاً أن الكثير من الأموال تذهب إلى الجمعيات الخيرية ولكن الله أعلم في ماذا تُنفق، ولذلك فإن على الإنسان أن ينتبه إلى ما كان من الطعن غير المباشر فإنه في قوة الطعن المباشر والوقوع فيه عادة أكثر، لأن يوم القيامة يكون على الإنسان حساب دقيق مفصل كما قال تعالى: ((ووجدوا ما عملوا حاضراً)) فلم يقل الله تعالى فوجدوا جزاء ما عملوا ولا صورة ما عملوا بل نفس العمل في نفس المكان يجدوه حاضراً أمامهم، فمن استمع إلى الغناء واطلع إلى الصور الخليعة ولاحق الفتيات بعلاقات غير مشروعة والسارق لمال غيره والظالم لأهله فكل هذه الأمور نفسها تماماً يجدها حاضرة أمامه يوم القيامة، لكن الإنسان صاحب هذه الذنوب الكثيرة إذا كفَّ نفسه عن أعراض الناس ولم يتتبعها بالفضيحة ولم يشيع عنهم بالباطل ولم يتكلم عنهم بالسوء حتى بالحق لأنه يعتبرها غيبة فإن جزاء هذا الإنسان أن يقيل الله عثرته يوم القيامة أي يتجاوز عن ذنوبه وخطاياه.

(ومن كفَّ غضبه عن الناس كفَّ الله عنه غضبه يوم القيامة)، الغضب لا يكون على كل الناس، فمثلاً الضعيف لا يستطيع الغضب على من أقوى منه، والموظف لا يستطيع الغضب على مديره في العمل أو على الأقل لا يستطيع أن يبدي غضبه له، لكن القوي يغضب على الصغير، ورب العمل يغضب على من تحت يديه، بل الأسوأ أنه يجري غضبه عليه كأن يشتمه أو يتعرض له بالضرب، فهناك شعر جميل يقول: 

فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها          فأول راضٍ سنة من يسيرها

أي أن الإنسان كما يعامل الناس بالغضب والصراخ والسب والشتم فإنه يجعل لنفسه قانون كيف يُعامَل في هذا العالم فلا ينبغي أن يجزع يوم القيامة عندما يعامله ربه بنفس الطريقة.

فيكمل الإمام عليه السلام ويقول: (يا هشام إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه)، فالعاقل لا يكذب وإن كان في الكذب هواه وذلك لعدة أسباب:

 أولاً: حبل الكذب قصير، فمثلاً عندما يقبض على المجرم فإنه عادة لا يعترف بل ينكر ولكن ببعض التحقيقات والأدلة يتبين بأنه هو المجرم، وأحياناً يُأخَذ هذا الأمر في بعض القوانين بأنه عندما يعترف الشخص بجريمته فإن العقوبة تخفف عليه حينها بعكس إذا ثبتت الجريمة بالرغم عنه، فالحديث يقول: (الصدق منجاة).

ثانياً: لو افترضنا أن هذا الشخص الكاذب صدقه الناس، فإنه في حياته عندما يسير على هذا النمط فسوف يستهويه هذا الأمر كما جاء في الحديث: (وما يزال الرجل يكذب ويكذب حتى يُكتَب عند الله كذاباً)، فإن كتب عند الله كذاباً فإنه سوف يسقط من نظر الله عز وجل وستزول عنه الحماية الإلهية وسيُكتَشَف في كل أموره، كما يُقال: الرجل يمكن أن يكذب مرة على بعض الناس ولكنه لا يستطيع أن يكذب دائماً على كل الناس، وجاء في بعض الروايات أيضاً: (أنه جُعِلَت الخبائث في بيت وجُعِلَ مفتاحه الكذب) أي عندما يجعل الإنسان مفتاحه الكذب فسينفتح على جميع الخبائث.

لذلك فإن الإنسان العاقل لا بد أن يترك الكذب من الناحية الأخلاقية وكذلك من الناحية الدينية لتحريمه إلا ما استثني، ومن الناحية الحياتية الخارجية لأنه سوف يُكتَشَف بعد مدة من الزمان ويسقط من أعين الناس، فالعلماء عندما يبحثون عن سند رواية ما وصحتها وعندما يجدون كذبة واحدة عند الشخص الراوي فإن كل رواياته تسقط عندئذ ويعتبرونه كذاباً أو ضعيفاً أو أنه ليس بثقة، فنجد أنه قد خسر عدد كبير من الروايات بسبب رواية واحدة كذب فيها، نسال الله سبحانه وتعالى أن يكفنا عن أعراض الناس وأن يكف غضبنا عمن نليهم من الناس وأن يحجبنا ويحجزنا عن الكذب ويمنحنا القدرة على الصدق في حياتنا إنه على كل شيء قدير.

مرات العرض: 3404
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 25061.26 KB
تشغيل:

لنستحِ من الله حق الحياء 21
ماذا وجدوا في ذؤابة سيف الرسول 23