سيرة الزهراء عليها السلام المفصلة 1
كتابة الفاضلة ليلى الشافعي
نتحدث في هذه الليالي عن شيءٍ من سيرتها وتاريخ حياتها مستلهمين منها مواقف الاقتداء ومتعرفين على هذه البضعة النبوية والشفيعة في يوم الجزاء .
هناك حديثٌ يبدأ من ميلاد الإنسان إلى نهايته وهناك حديث ٌ يبدأ مما قبل ولادته ، وفاطمة الزهراء عليها السلام كأبيها وكبعلها وبنيهم ينبغي الحديث في شؤونهم مما قبل ولاددتهم لما فيها من آثار وبركات لا ترتبط فقط لما بعد الولادة وإنما آثارهم الخيرة وبركاتهم الكثيرة ما قبل ولادتهم وهذا قد لا يستوعبه قسمٌ من الناس .
فقد كانت أنوار فاطمة والأربعة أهل الكساء بل سائر الأئمة محدقةً بعرش الله عز وجل ( خلقكم الله أنوارًا فجعلكم بعرشه محدقين حتى منَ علينا بكم ) في حديثٍ من مصادر أهل البيت عليهم السلام يستفاد منه أن الله سبحانه وتعالى خلق نور فاطمة قبل خلق الأرض والسماء وهذا عليه أحاديث كثيرة وروايات متعددة أشرنا إلى هذا المعنى إشارةً وإنما حديثنا في الجهة الأخرى بدءً من ولادتها صلوات الله وسلامه عليها ، كان هناك إعدادٌ إلهيٌ لكي تولد فاطمةً ولادةً غير طبيعية فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على التحقيق كان لديه من الأبناء والبنات غير فاطمة عليها السلام ولكن سائر أولئك الأولاد كانت ولادتهم ولادةً عادية ليس فيها إعدادٌ استثنائي . أما بالنسبة لفاطمة الزهراء في روايات أهل البيت والتي نقلتها مصادر الإمامية كان هناك إعدادٌ خاصٌ لها فقد أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يعتزل خديجة عليها السلام وأن يكون مدةً من الزمان صائم النهار قائم الليل . وهذا كان بعد البعثة بنحو أربع سنوات وأشهر ، فالنبي روحه في أعلى ما يمكن أن يتصور من المنزلة فكيف إذا أضيف إليه هذا البرنامج الإلهي الروحي ؟ فسيكون بالطبع أمر استثنائي حتى بعث لخديجة يعلمها بأنه ( ماكانت مفارقتي إياك عن قلىً وإنما هو أمر الله عز وجل ) حتى إذا تمت هذه المدة نزل عليه الأمين جبرئيل في آخر يوم صيام وأتى إليه بطبق طعامٍ من الجنة أكله رسول الله ثم أمر أن يأتي إلى منزله وأن يقارب زوجته كي تتكون هذه المرأة من نطفةٍ فيها روح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المتسامية والمتعالية في هذا البرنامج الروحي الخاص ومن الناحية البدنية والجسمية أن تكون تلك النطفة متخلقةً من طعام الجنة ولذلك نهي رسول الله أن يشاركه أي أحد في ذلك الطعام . وبالفعل هذا الذي حصل جاء إلى منزله وقارب زوجته وتخلق السيدة الزهراء عليها السلام من نطفةٍ فيها من طعام الجنة .
وفي السنة الخامسة للبعثة بعد مدة حمل طبيعية ولدت الزهراء عليها السلام . وهنا سنقف وقفتين :
الوقفة الأولى : أن هناك إصرارًا كبيرًا من علماء مدرسة الخلفاء ولا سيما أصحاب النهج الأموي على نفي أن تكون ولادة الزهراء بعد بعثة الرسول وإنما قالوا أنها ولدت قبل بعثة النبي بخمس سنوات ولذلك ردوا الروايات وكذبوها في هذا الباب ومنها الرواية التي أوردها الطبراني في المعجم الكبيرعن عائشة زوجة رسول الله وقد رأت رسول الله يقبل فاطمة ويشمها فقالت : لم تفعل هذا يا رسول الله فقال لها بما مضمونه من حديث طويل فيه إشارة إلى أنه أكل من طعام الجنة وواقعت خديجة فكلما أردت أن أشم رائحة الجنة شممت ابنتي فاطمة . وفي ذلك إضافة إلى أن فاطمة ليست كسائر البشر تعتل كما تعتلون ... إلى غير ذلك وهذا رواه الطبراني في المعجم ورواه الحاكم النيشابوري في المستدرك ورواه آخرون وحين يأتي جماعة متأخرون كالذهبي وهو من اتجاه الخط الأموي ومثل ابن حجر العسقلاني وغيرهم يكذبون مثل هذه الأحاديث وحجتهم أن فاطمة بالإجماع ولدت قبل بعثة رسول الله بخمس سنوات فإذن قضية أن جبرئيل نزل وأتى للنبي بطعام من الجنة وأن النبي كان يشمها وغير ذلك كل هذا كذبوه .
مع أن روايات أهل البيت عليهم السلام يقولون ذلك وأهل البيت أدرى بالذي فيه حتى أن أحد الخلفاء سأل النسابة الكلبي : متى ولدت فاطمة ؟ فقال : قبل البعثة بكذا سنة . فسأل عبدالله بن الحسن : متى ولدت فاطمة فقال : ولدت بعد البعثة . فقال : غير صحيح . فقال عبدالله بن الحسن : يا هذا سل الكلبي عن أمه وسلني عن أمي . وأولئك أنكروا هذا لأكثر من جهة :
الجهة الأولى عقائدية : أن فاطمة عليها السلام تخلقت من طعام الجنة وأن جبرئيل عليه السلام نزل به .
وأكثر من هذا والذي نعتقد أنه مقصود وهو أسوأ من هذا وهو إذا قلنا أن فاطمة ولدت قبل البعثة بخمس سنوات يعني عندما تزوجت في السنة الثانية من الهجرة كم كان عمرها ؟ سيكون عمرها عشرون سنة وهذا يريدون أن يثبتوا منه بشكل غير مباشر أن فاطمة الزهراء بائرة ولا يرغب فيها أحد وعند العرب أن المرأة إذا بلغت هذا العمر ولم تتزوج يتبين أن بها عيب . وما معنى أن يعتذرون أنه عندما رد النبي فلان وفلان عن خطبتها قال لهم إنها صغيرة ؟! فهل نسيتم كذبتكم أنها ولدت قبل البعثة بخمس سنوات وأن عمرها في ذلك الوقت عشرون سنة فكيف تكون صغيرة ؟ والحال أنهم يقولون أن النبي خطب إحدى زوجاته وعمرها ست سنوات ودخل بها وعمرها تسع سنوات ( فهل هذه مرغوبة جدًا ويتهافت الناس عليها حتى النبي وفاطمة يصل عمرها لعشرين سنة ولا يفكر أحد في خطبتها ) ويترتب على هذا أنها حين استشهدت في السنة الحادية عشر بعد الهجرة سيكون عمرها قريب الواحد وثلاثين سنة وسيكون الأمر عاديٌ بينما الشناعة أن تتوفى وعمرها ثمانية عشر سنة . بل بعضهم أوصل عمرها إلى خمس وثلاثون وسيكون من الطبيعي أن تتوفى في هذا العمر ككثيرٌ من الناس .
وأحيانًا يكذب هؤلاء الأشخاص الروايات ليس لأنها تاريخيًا غير صحيحة وليس لأن الراوي فيها كذا وكذا لكن لأنها ستحرجهم في موضوع عقائدي .
فهذا من جهة عقائدية ونحن نعتقد وعليه التحقيق ، وأحد العلماء عنده كتاب اسمه الموسوعة الكبرى في فاطمة الزهراء عليها السلام وهو الشيخ إسماعيل الأنصاري الزنجاني وقد ذكر نحو مائة مصدر من المصادر مختلفة تشير إلى أن ولادتها كانت بعد البعثة بخمس سنوات وليست قبل البعثة .
ونشير هنا إلى درس أخلاقي تربوي وهو أثر الطعام الحلال على أخلاق الإنسان الذي يتغذى فيه وأثر الحرام على الإنسان . حتى أن الإمام الحسين عليه السلام قال لمن جاء في قتاله في كربلاء (إنكم ملئت بطونكم من الحرام ). فمن الطبيعي أن يقفوا هذا الموقف وأن يقاتلوا ابن رسول الله فأبدانهم وقلوبهم غير زاكية ومبنية من الحرام والإثم والعدوان . وفي المقابل من تتكون نطفته من مكسب طيب وأبوه لا يأكل إلا الحلال وأمه لا تأكل إلا الحلال وهو لا يتغذى إلا من الحلال من الطبيعي أن يكون في الاتجاه الأخلاقي . فكيف إذا كان الطعام الذي تكونت منه فاطمة الزهراء من طعام الجنة وهو اصطفاءٌ من الله عز وجل .
فينبغي للإنسان أن يدقق في هذا الأمر الكسب الحلال والأكل الحلال .
جاءت فاطمة الزهراء عليها السلام ضمن هذا البرنامج الإلهي وكما آنست أمها في بطنها حتى ورد في روايات الإمامية أنها كانت تكلم أمها وهي في بطنها حتى لقد دخل رسول الله على خديجة فوجدها تتكلم ، فقال لها : مع من تتكلمين يا خديجة ؟ ورسول الله يعلم هذه الأمور ولكن هذا على طريقة ( وما تلك بيمينك يا موسى ) فالله يعلم ما في باطن موسى ألا يعلم أن هذه عصا ؟ وأيضًا رسول الله يعلم ولكن لكي يلفت النظر إلى كرامة خديجة من جهة وفاطمة من جهةٍ أخرى .
فيقول لها : مع من تتكلمين ؟ فتقول : الجنين الذي في بطني يحدثني فقال لها
: بلى يا خديجة إنها النسمة المباركة فاطمة سلام الله عليها .
وكما كانت تؤنس أمها بعد أن هجرتها نساء قريش واتخذوا منها موقفًا ولم يكلمنها لمواقفها الإيمانية ، كذلك وهي طفلة بدأت جهادها في الدفاع عن الرسول ( ص) وفي الحنان عليه مع أنها كانت صغيرة السن . ينقل هذه الحادثة رواة الفريقين أن رسول الله كان يصلي عند الكعبة وكان الكفار قد اجتمعوا حولها فقال أبو جهل من يقوم إلى محمد ويرمي سلا البعير عليه ( السلا هو المشيمة وبقايا وفضلات وكانوا يذبحون قرب الكعبة محل الرواقات حاليًا ويسمى الحزورة في ذلك الوقت ) فأحدهم وهو عبدالله بن الزبعرة السهمي أخذ سلا البعير وبينما كان رسول الله ساجدًا وضعه على كتفه وأخذوا يتضاحكون ويتغامزون ، فتقول الرواية من المصادر غير الشيعية فضلًا عن الشيعية ، فجاءت فاطمة وكانت جويريةً فتأثرت لأبيها فأخذت هذا السلا وأزالته عن كتفه وصارت تنظف كتفيه وتدعو عليهم وتشتمهم حتى إذا فرغ رسول الله من صلاته رفع يديه ودعا عليهم : اللهم عليك بقريش ثلاث مرات .
ولنا هنا عدة وقفات :
أولًا : كلمة جويرية تصغير جارية والجارية عند العرب ثمان سنوات أوسبع سنوات أو ست سنوات وأصغر من ذلك أما إذا صارت في التاسعة فما فوق فتصير امرأة قابلة للزواج وكثير من زيجات العرب كانت في هذا السن أما إذا أطلق عليها جويرية فهذا لا ينسجم مع أن تكون ولدت في سن الخامسة قبل البعثة لأنه لا يصح أن يقال عنها جويرية وعمرها عشر سنوات أما إذا أخذنا بقول الإمامية أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنوات فسيكون عمرها أربع أو خمس سنوات فيقال لها جويرية وذلك قبل وفاة أمها خديجة وجدها أبو طالب اللذان توفيا في السنة العاشرة بعد البعثة .
الأمر الآخر : قول النبي اللهم عليك بقريش : الاتجاه غير الإمامي يعظم من شأن قريش وعندهم أحاديث كثيرة ( قدموا قريشًا ولا تتقدموها ) لماذا ؟ هل لأنهم حاربوا رسول الله من بداية البعثة إلى وفاته ؟! عندهم روايات كثيرة جدًا في فضل قريش وفي أنها المتبعة بينما في هذا الحديث دعا على قريش كمجموعة محاربة ومقاومة للرسالة الإسلامية .
وهذا مما كانت تقوم به مع رسول الله مع حداثة سنها ، وفي هذه الأثناء توفيت أمها الصديقة خديجة سلام الله عليها في السنة العاشرة وتزوج النبي بعد وفاتها بسودة بنت زمعة ونحتمل احتمالًا كبيرًا أن فاطمة عليها السلام بعد وفاة أمها كانت تحت رعاية فاطمة بنت أسد وعمها أبوطالب أكثر مما كانت تحت رعاية زمعة زوجة النبي ، إذ لايذكر التاريخ أي موقف لا من قبل مدرسة الخلفاء ولا من قبل مدرسة أهل البيت عن موقفٍ خاصٍ لرعاية زوجة النبي سودة لفاطمة عليها السلام بينما يذكر أكثر من موقف مع فاطمة بنت أسد . وبعد هجرة النبي في السنة الثالثة عشر للبعثة أمر النبي الإمام علي أن يأتي بالفواطم وأكد عليه أن يأتي بفاطمة الزهراء عليها السلام وفاطمة بنت أسد وفاطمة بنت الزبير وربما يضاف إلى هذا الركب أخريات كما قالوا مثل سودة بنت زمعة زوجة النبي . والغريب هنا أن هذه المنقبة يسرقها بعض أتباع مدرسة الخلفاء من علي عليه السلام فيقولون أن النبي أرسل زيد بن حارثة ومعه فلان وفلان كأبي واقد الليثي وغيره على أن يأتوا مكة ويأخذوا معهم سودة وفاطمة وفلانة وفلانة .
لو افترضنا أن هذا صحيح فمتى هاجر علي بن أبي طالب ؟ هل هاجر سرًا ؟ هل هاجر علنًا ؟ مع أحد بدون أحد ؟ لا يوجد أي خبر عن هذا الأمر وهذا من سرقة هذه المناقب التي يقوم بها أتباع هذا المنهج .
والصحيح أن عليًا عليه السلام هو الوحيد الذي خرج من مكة المكرمة جارًا نهارًا أمام الجميع وقد أنذر كفار قريش وقال لهم إني خارجٌ بعد ثلاثة أيام فمن كان له عند محمد بن عبدالله أمانةٌ أو وديعة أو دينٌ فليأتِ لي في هذه الأيام وقد أوصاه النبي بذلك قبل هجرته . وهذا ما حصل فقد خرج عليٌ عليه السلام بعد أن سلم الأمانات لبعض أبناء قريش . فقال له عمه العباس بن عبد المطلب كيف تخرج هكذا وقريش لن يهون عليهم أن تكسر كبرياءهم وسيمنعوك . فقال له عليٌ: أنا أخرج ظاهرًا شاهرًا فمن أراد أن تثكله أمه فليتبعني وبالفعل وقد كان عمره ما يقارب اثنان وعشرون سنة خرج وتبعه جماعة من عبيدهم وشجعانهم وهددوه وقالوا يا علي رد الضعائن ، وكان معهم عدد من الرجال صاروا يسوقون الضعائن بعنف وقوة فقال لهم الإمام هون عليك . قالوا : قبل أن يدركنا الطلب . فقال الإمام : هون عليك هؤلاء نساء فلا يهمك الأمر . فتقدم إليه أحدهم وكان فارسًا فاتكًا قال رد الضعائن . فقال : فإن لم أفعل ؟ قال : نرجع بأكثرك شعرًا يقصد رأسه . قال هلم . وفعلًا تقدم له الإمام علي فما شعر إلا والسيف يقسم رأسه نصفين إلى رقبته . وقد كانت ضربات أمير المؤمنين وترا واحدة فقط ( إن اعتلى قد وإن اعترض قط )
فالآخرين حين رأوا ما فعله أمير المؤمنين فروا راجعين يجرون أذيال هزيمتهم وخيبتهم . إلى أن وصل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعه الفواطم وقد تأخر رسول الله على أطراف المدينة ولذلك بنى مسجد قباء والذي بني قبل مسجد رسول الله لأن رسول الله وصل إلى طرف المدينة وبقي هناك نحو أربعة أيام وأمر ببناء المسجد وقد كان بناءً بسيطًا حتى يصلي بهم ويرشدهم وما شابه ذلك .
فهاجرت فاطمة مع أمير المؤمنين إلى المدينة المنورة ، وبعد سنة وشيء يعني في السنة الثانية للهجرة وقد كانت الهجرة في شهر ربيع الأول على اختلاف هل كانت في نهايته أو في اليوم الثاني عشر أوفي السابع عشر منه وفي السنة التي تليها تزوج أمير المؤمنين . وهنا أيضًا نرى ما صنعوا ، هذه الرواية ننقلها من مصادر المدرسة الأخرى وهي كثيرة ومتعددة بعضها ذكروها بنسختها الأصلية وبعضها بالنسخة المعدلة والمطورة ، أما بالنسخة الأصلية فهكذا أن أبا بكر ذكر فاطمة عليها السلام وجاء إلى رسول الله ( ص) باعتبار أنه صهر النبي لأن ابنته عائشة زوجة النبي فكأنما له ميزة فجاء إلى رسول الله وذكر خطبة فاطمة فقال له رسول الله : أنتظر فيها أمر ربي . فرجع حسب كلام الراوي وهو أنس بن مالك رجع أبو بكر إلى عمر بن الخطاب وقال له : هلكت وأهلكت . فقال له : ما الخبر ؟ قال له : ذهبت إلى رسول الله أخطب منه فاطمة فردني . فقال عمر : أنا أذهب وهو أصغر من أبي بكر بنحو ثلاثة عشر عامًا كان عمره في ذلك الوقت سبع وثلاثون سنة فجاء إلى رسول الله ( ص ) فقال له أنتظر فيها أمر ربي . فجاءا إلى عليٍ عليه السلام وقد روى نفس هذه الرواية عليٌ نفسه فيقول وكنت أزرع فسيلًا فقالا لي : لم لا تخطب فاطمة من أبيها ؟ ( وربما ظنا أنه سيرجع بالخيبة مثلهما ) فجاء عليٌ عليه السلام وجلس خجلًا فقال له النبي : حاجتك يا علي ؟ قال : جئت خاطبًا فاطمة . فقال له : وماذا لديك من المهر ؟ قال : درعي وسيفي فقال : أما سيفك فتقاتل به العدو وأما درعك فبعه ، فباعه قيل بأربعمائة وثمانين درهم .
هنا نقف وقفة مع هذه الرواية الأصلية وفيها وضوح أن النبي زوج فاطمة عليًا ولم يقل أنتظر أمر الله فيها كما قال لغيره . ولما نقلت هذه الرواية إلى معامل التطوير والتعديل رأوا أن فيها غضٌ من الخليفتين فقالوا : ننتج رواية أرتب منها . فقيل : لما جاءا لرسول الله اعتذر منهما بأنها صغيرة مع أن رواياتهم تقول أن عمرها عشرون سنة فكيف تكون صغيرة هذا أولاً . ثانيًا : كيف تكون صغيرة على من تقدم وليست صغيرة على علي بن أبي طالب والحال أن الفرق بين الخليفة الثاني والإمام علي ما يقارب اثنا عشرة سنة ، وأساسًا الصغر لا معنى له في مثل هذا الوقت . فإما أن تقول أنها لا تصلح للزواج في هذا الوقت فلا يختلف الحال بين أن يتقدم رقم واحد أو رقم اثنين أو غيره فإما أن تكون صغيرة فهي صغيرة على الكل أو تكون معدة ومجهزة لبرنامج خاص ولشخصٍ خاص وهذه هي الحقيقة ولذلك في الروايات عندنا أن النبي خطب فقال : لقد عاتبني رجالٌ من قريش في أني لم أزوجهم وزوجت عليًا فوالله ما أنا زوجته إنما زوجه الله عز وجل .
ومن هذا يتبين أن هذه القضية قد تموجت وصار خبرها في وسط الناس مما اضطر النبي أن يقول هذا الكلام .
مناقب الزهراء عليها السلام فوق العد والحصر وما قلناه هو شيءٌ بسيط ٌمنها فهي منتخبة ومنتجبة وهي نورٌ قبل الخلق محدقٌ بعرش الله عز وجل . على محبتها ومحبتهم دارت القرون الأولى وهي بضعة رسول الله وسنتعرض ما معنى البضعة وتزويجها تزويجًا سماويًا وليس تزويجٌ أرضيٌ وبرنامجها من الولادة إلى الزواج إلى ما بعد ذلك إلهيٌ كما سنتعرض إليه .
|