الشیخ هاشم الكعبي وشعره الحسيني
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 13/4/1443 هـ
تعريف:

الشيخ هاشم الكعبي وشعره الحسيني:

كتابة الفاضلة فاطمة الخويلدي

تدقيق الفاضلة فاطمة الشيخ منصور

       إن لاستماع الشعر وتذوقه أثرا واضحا في تنمية القدرات اللغوية والعاطفية، فإذا كان كذلك فلماذا يذم القرآن الشعر والشعراء في قوله: [وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ۝ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ۝ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ[الشعراء:224-226

كان الشعر في تلك الأزمنة فارغًا لا هدف منه فهو إما غزل وصبابة أو فخر واعتزاز قبلي وقد يكون وصفًا للجمل أو الأطلال الخالية، فلا تتحصل منه فائدة علمية أو عملية أو أخلاقية وهو في الأغلب كاذب فقد شاع عندهم قديمًا أن أعذب الشعر أكذبه لذا ذمهم القرآن الكريم بالتعبير بـ (الغاوون) وقد وصفهم بهذا الوصف الذميم [أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ۝ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ[ وهذا الفعل أكبر المقت عند الله جلّ وعلا (يا أيها اللذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) 

استثناء: 

      لكن حين يرتبط الشعر بالدين والعقيدة والدفاع عن الإسلام فينشر مبادئه وقيمه وأخلاقه يكون مطلوبا وممدوحًا فيقول الرسول الأكرم -عليه الصلاة والسلام- (لكأنك لتنضحنهم بالنبل) فهجاء قريش والتعريض بكفرها وجحودها بالرسول الأكرم -صلى الله عليه وآله وسلم- سلاح فعال في مواجهة المشركين لا يقل شأنًا عن السيوف والنبال، بل يترقى الشعر فيكون دليًلًا عقائديًا يثبت بعض الحوادث التاريخية كقصيدة حسان ابن ثابت في الغدير فهي من الأدلة العقائدية التي تثبت حادثة الغدير التاريخية.

     ومن أسمى مصاديق ارتباط الشعر بالدين والعقيدة هو شعر الرثاء الحسيني الذي ساهم في حفظ القضية الحسينية و تثبيت معانيها ومبادئها التي صرح بها الإمام الحسين -عليه السلام- لذا حثّ أئمة أهل البيت -عليهم السلام- على الرثاء في أحاديثهم فمن ذلك ما قاله الإمام الصادق -عليه السلام- (من أنشد في الحسين شعرًا فبكى وأبكى عشرة كتبت لهم الجنة، ومن أنشد في الحسين شعرًا فبكى وأبكى خمسة كتبت لهم الجنة، ومن أنشد في الحسين شعرًا فبكى وأبكى واحدًا كتبت لهما الجنة، ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدمع مقدار جناح ذبابة كان ثوابه على الله ولم يرض له بدون الجنة) 

ميزات شعر الولاء:

      تتميز مجتمعات شيعة أهل البيت -عليهم السلام- بكثرة الاستماع للشعر الولائي والشعر الحسيني خاصة وعادة ما يبدأ الاستماع من مراحل الطفولة الأولى ويستمر حتى الشيخوخة فهم يستمعون إلى آلاف الأبيات الشعرية خلال السنة الواحدة وهذا الاستماع له آثارًا واضحة في نفس المؤمن ومن أهمها:

1-    أثرٌ نفسي يتمثل في تنمية الإحساس والعاطفة في النفس الإنسانية: حيث يحتاج الإنسان إلى تنمية أحاسيسه ومشاعره حتى يكون إنسانًا كاملًا لأن هذا ما يميزه عن الجمادات، وهذا ما يقوم به الشعر والشعر الحسيني خاصة فهو يرقق القلب ويلين نفسه فلا يكون أسيرًا لحزنه الشخصي بل هو يحزن ويبكي لمصاب وظلم جرى منذ مئات السنين فيرتقي لقمة النبل الإنسانية.

2-    أثرٌ لغوي يتمثل في صناعة ذاكرة لغوية عظيمة جدًا وربما تبعثت هذه الذاكرة لصياغة الشعر ونظمه كمثل المرحوم حجي أحمد العوى والمرحوم الكوفي وغيرهم من الشعراء الذين لا يقرأون ولا يكتبون وحتى عمر متأخر ثم تتفجر عندهم مخازن الشعر فينظمون أشعارًا غاية في الروعة والإتقان وقد يرجع ذلك إلى ما اختزنته النفس والذاكرة طوال هذه السنوات ثم ينزل كالمطر.

وتلعب هذه الذاكرة اللغوية التي يستمدها الموالون من الشعر الحسيني دورًا في توثيق الارتباط باللغة العربية فتطبع الأفراد على المعرفة بها وتوسع من حصيلتهم اللغوية، حيث يواجه العالم العربي موجة شرسة من غزو اللغات الأجنبية وهذا ما حصل في أكبر بلد مسلم وهو أندونسيا حيث عملت الحكومة الهولندية على تغيير الحروف من العربية إلى اللاتينية وذات الأمر حصل في تركيا والمغرب، وقد يتسبب هذا الغزو بغربة العرب عن لغتهم الثرية وبالتالي يغتربون عن الثقافة الإسلامية إذ أن اللغة العربية وعاء القرآن الكريم ولسان الروايات الشريفة. 

قبيلة بني كعب:

      بعد أحداث إيران المركزية ووفاة نادر شاه انفرط عقد إيران فاستقلت قبيلة بني كعب بحكم المنطقة الواقعة ما بين البصرة وجنوب إيران وكانت تضم الأهواز والفلاحية والحويزة وغيرها من الدويلات والإمارات، واستمر حكمهم حتى مائتي سنة أي ما بين 1370و 1932ميلادية وانتهى حكمهم بتعاون شاه رضا بهلوي مع البريطانيين وكان آخر حكامهم الشيخ خزعل الكعبي، وإلى هذه القبيلة ينتمي الشيخ هاشم الكعبي وتربى فيها ثم هاجر إلى العراق.


أساتذته: 

     يعتقد عالم الرجال الأغا بزرك الطهراني- وهو من العارفين المتتبعين الأثبات- أن الشيخ هاشم الكعبي كان من تلامذة الشيخ حسين آل عصفور المعروف في البحرين صاحب كتاب سداد العباد وهو بمثابة الرسالة العملية لأتباع المنهج الإخباري.

شعر الشيخ هاشم الكعبي:

       زاوج الشيخ هاشم الكعبي بين الكثرة والإجادة في شعره وهذا من النوادر عند الشعراء، لذلك يعبر عنه النقاد بأنه أكثر وأجاد، وأضاف إليهما عنصرًا ثالثًا من عناصر القوة الشعرية وهو البراعة في البرهان مع جودة الأداء وحسن السبك، وله ديوان مطبوع باسمه  وأغلبه في الحسين -عليه السلام- وهنيئًا له ما ترك من ذكر حسن وأثر خالد فقصائده ما زالت تتلى على المنابر رغم ارتحاله عن الدنيا منذ ما يقارب مائتي سنة.




نماذج من شعره: 


       له قصيدة طويلة تحتوي على مائة وثلاثين بيتًا تبدأ بوصف الأطلال الخالية، ثم يذكر فيها فضائل الإمام علي-عليه السلام- ومناقبه فيوسعها بحثًا وكأنه يؤلف كتابًا في سيرته ومناقبه -عليه السلام- ثم يعرج إلى كربلاء وما حدث بعدها من معاناة السبي وآلام السيدة زينب -عليها السلام- وكل هذه الأبيات من غرر القصائد، يقول فيها:

 لله مطروح حوت منه الثرى     نفس العلا والسؤدد المفقودا

ومجرح ما غيرت منه القنا             حسنًا ولا أخلقن منه جديدا 

ويقول في مطلعها:

أرأيت يوم تحملتك القودا              من كان منا المثقل المجهودا 

حملتها الغصن الرطيب                 وحملت فيك الهم والتسهيدا

كما له قصيدة أخرى يسرد فيها مصائب سيدة النساء وابنتها الحوراء -سلام الله عليهما- يقول فيها:

تالله ما سيف شمر نال منك ولا          يدا سنان وإن جل الذي ارتكبوا

لولا الألى أغضبوا رب العلا وأبوا       نص الولا ولحق المرتضى غصبوا 

كف بها أمك الزهراء قد ضربوا           هي التي أختك الحورا بها سلبوا 

وله قصيدة معروفة تقرأ مع هلال المحرم يقول فيها:

ما انتظار الدمع أن لا يستهلا                 أو ما تنظر عاشوراء هلا 

كيف ما تحزن في شهر به                     أصبحت فاطمة الزهراء ثكلى 

كيف ما تحزن في شهر به                     أصبحت آل الرسول قتلى 

كيف ما تحزن في شهر به                     ألبس الإسلام ذلا ليس يبلى 

كيف ما تحزن في شهر به                     رأس خير الخلق في رمح معلى


كما اشتهر أنه رأى سيدة النساء في نظم قصيدة يصف فيها حال نسوة الحسين -عليهم السلام- بعد المقتل الشريف وهو ما وصفته الزيارة الناحية :

(فهويت إلى الأرض جريحا "، تطؤك الخيول بحوافرها و تعلوك الطغاة ببواترها، قد رشح للموت جبينك، واختلف بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك تدير طرفا خفياإلى رحلك وبيتك، وقد شغلت بنفسك عن ولدك وأهاليك وأسرع فرسك شاردا، إلى خيامك قاصدا ، محمحما باكيا، فلما رأين النساء جوادك مخزيا، ونظرن سرجك عليه ملويا، برزن من الخدور، ناشرات الشعور، على الخدود لاطمات الوجوه سافرات، وبالعويل داعيات وبعد العز مذللات، وإلى مصرعك مبادرات).

فكتب الشيخ هاشم بيتًا:  فأقبلن ربات الحجال وللأسى          تفاصيل لا يحصي لهن مفصل

ثم توقف عن الكتابة ولم يتمكن من وصف المصيبة لعظمها وبقي متحيرًا حتى نام ورأى نورًا في عالم الرؤيا وكأن امرأة تخاطبه أن يكتب:

فواحدة تحنو عليه تضمه                    وأخرى عليه بالرداء تضلل 

وأخرى بفيض النحر تصبغ شعرها         وأخرى تفديه وأخرى تقبل 

وأخرى على خوف تلوذ بجنبه               وأخرى لما نالها ليس تعقل 

وجاءت لشمر زينب ابنة فاطم                تعنفه عن أمره وتعذل 

أيا شمر هذا حجة الله في الورى              أعد نظرا يا شمرا إن كنت تعقل 



 


مرات العرض: 3382
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 43840.37 KB
تشغيل:

السيد عبد الحسين الشرع وشعره الحسيني
غير المسلمين كيف نظموا في الحسين