الحوزة العلمية في الأحساء
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 9/2/1443 هـ
تعريف:

الحوزة العلمية في الأحساء: مختصر التاريخ والأعلام

كتابة الفاضل السيد عبد الحميد الحسني 

 تمهيد:

حديثنا يتناول في هذه الليلة بعد مقدمة حول التجديد في الحوزات العلمية ، يتناول الحديث المختصر عن الحوزة العلمية في الأحساء و النشاط العلمي في تلك المنطقة، و ذلك ضمن سياق الحديث في هذه الليالي التي مضت عن الحوزات العلمية في مناطق و بلاد شيعة أهل البيت -السلام الله عليهم-بغرض التعرف على هذا الركن الركين من الأعمدة التي يعتمد عليها المجتمع الشيعي التابع لأهل البيت –عليهم السلام- و هو ركن الحوزة العلمية و تعرضنا خلاله إلى بعض المناطق و لأنه الوقت لا يتسع أغفلنا مناطق أخرى، وإلا في كثير من الأماكن الأخرى هناك نشاط علمي متميز، في إيران بالإضافة إلى قم المقدسة هناك حوزة مشهد هي حوزة عامرة و عريقة و حوزة أصفهان وهي أيضا كذلك، و في خارج إيران في بلاد البحرين هناك حوزة علمية عريقة وعلماء كبار و إن كنا قد ذكرنا بعض الذكر لهم عند حديثنا عن الحوزة في القطيف و التداخل بين هذه الحوزة و البحرين، لكن الحوزة العلمية في البحرين عريقة قوية و لا تزال -بحمد الله- مستمرة منذ مئات السنين، و هكذا الحال بالنسبة إلى أماكن أخرى و مناطق متعددة لكن لا يتسع الوقت للحديث عن كل هذه المناطق..

أحد المواضيع التي تثار في الأوساط المثقفة المتدينة، موضوع التجديد في الحوزات العلمية، لماذا و كيف يتم التجديد في الحوزات العلمية؟ و لماذا لا تزال هذه الحوزات لاسيما في المناطق الرئيسية تسلك في الغالب الطريقة التقليدية؟ لماذا لا تتحول على طريقة الجامعات -مثلا- أو بهذه الأساليب الجديدة؟ 

أولا: أهم المحاولات التجديدية للحوزات العلمية

 كانت هناك في فترات متعددة محاولات تجديدية للحوزات العلمية في ما يرتبط بالمناهج التدريسية، فما كان يدرس –مثلا- قبل مائتين سنة ليس بالضرورة الآن يدرس وفضلا عما كان قبل هذه الفترة ، الآن يعني منط زمان الشيخ الأنصاري –رضوان الله تعالى عليه- إلى أيامنا هذه تغيرت المناهج العلمية الأساسية في الحوزات العلمية في الفقه و الأصول و غير ذلك و الفلسفة و المنطق و لم تكن هذه المناهج التي تدرس في هذه الأزمنة منذ نحو مائتين سنة فصاعدا، لم تكن قبل هذه الفترة و إنما كانت مناهج أخر، تدرس فيما قبل هذه من الأزمنة، إذا كان المقصود التغيير في المناهج الدراسية فهذا حاصل و دائم ، بل إننا قد نجد أن مناهج قد كتبت بهذا الإتجاه، مثل ما قام به المرحوم المجتهد آية الله الشيخ محمد رضا المظفر، حيث أعد للحوزة العلمية عدة كتب منها أصول الفقه و المنطق و قد يعرف بأصول المظفر و منطق المظفر، و هو الآن بشكل شبه رسمي، عادة لا يعبر الكثير من الطلبة مرحلة السطوح إلا بعد أن يدرسوا هذه الكتب و هي كتب تعتبر حديثة ، و مؤلفها فقيه متمكن يعرف حاجات طلاب العلم، و عباراته عبارات معاصرة قد الإمكان و وضعه على أساس علمي بإعتبار هو أيضا كان مدرسا في كلية الفقه للدراسات العليا و مؤسس لها – رضوان الله عليه-، المرحوم الشهيد الصدر السيد محمد باقر-رحمه الله- أيضا قام بدور في هذا الجانب عندما ألف منهجا رديفا في الأصول بعنوان: دروس في علم الأصول، يبتدئه طالب العلم من البداية و إلى مرحلة الكفاية و بعدها البحث الخارج، في الأصول يستطيع طالب علم أن يدرس منهجا أعده الشهيد الصدر في هذا الباب، و يرتقي فيه، و الشهيد الصدر وضع أمامه طلاب العلم و حاجاتهم و كتب هذه الكتب التي تسمى الحلقات ( حلقات علم الأصول/ أو دروس في علم الأصول) إلى المراحل العليا، إلى أبواب البحث الخارج، و هكذا محاولات أخرى و إن كانت لم تحصل نفس الإقبال الذي حصلا عليه هاذين المنهجين، قام بها المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية –رحمة الله عليه- من جبل عامل، و من الكتاب المتميزين، حيث كتب في الفقه، فقه الإمام جعفر الصادق-عليه السلام- في مراحل متدرجة، من الأدنى إلى الأعلى، و هكذا علم أصول الفقه في ثوبه الجديد، فهناك إذن في موضوع المناهج سعي كثير، و هناك مناهج لم تصبح شائعة عند الجميع، و لكن السعي في تطوير المناهج العلمية –بشروط سنأتي على ذكرها بعد قليل- هو أمر قائم و مستمر..

نعم، قد لا يمكن التجديد بمعنى أن تصبح الحوزة العلمية على طريقة الجامعات الرسمية و ليس من الصالح ذلك أيضا، يعني تتحول –مثلا- الحوزة كجامعة الأزهر، أو كالجامعات الإسلامية الموجودة هنا وهناك، هذا غير محبذ عند العلماء لعدم صلاحيته !! كيف؟؟

ثانيا: حول أطر تجديد الحوزات العلمية

 أنه في عملية التجديد في الحوزات العلمية، يحتاج الحفاظ على أمور مهمة تتمثل في ثلاث أطر أساسية،  قد لا تحصل مع تحويلها إلى جامعات: 

1.    أول أمر من الأمور و أهمها موضوع الدافع الديني الصرف في طالب العلم في الحوزة العلمية، بنيت الحوزات العلمية من القديم و إلى أيامنا هذه، بنيتها الأساسية على أن طالب العلم يأتي بدافع إيماني لا ينتظر شهادة و لا ينتظر على أثر الشهادة وظيفة و لا ينتظر على أثر الوظيفة راتبا، و إنما هو يذهب بمنطق أنا أدرس علوم آل محمد – اللهم صل على محمد و آل محمد- إما بغرض الاستمرار في البحث العلمي إلى درجات الاجتهاد و الاجتهاد العالي و ما بعده، و يبقى هكذا إلى آخر عمره، كثير من طلاب العلم، يبدأ دراسته و لا يتوقف، يعني الآن عندما ترى –مثلا- في النجف هناك كذا من المراجع و من يرجع إليهم، أكثر من أربعين، خمسين ضعف من هؤولاء هناك بموازتهم تلامذتهم ممن لا يزال يواصل الدرس و البحث و التحقيق، و قد تجد هذا الإنسان إلى أن يتوفى عمره سبعين سنة أو خمسة و سبعين سنة و هو حسب التعبير غاطس في هذه الكتب و البحث و المناقشة و الدرس و التدريس و لا يعرف شيئا خارج هذا الإطار، هذا الدافع الديني الذي يجعله بإستمرار  يجد راحته و أنسه و دوره في تحقيق هذه العلوم و تدقيقها و تنميتها، و هذا ليس بالأمر البسيط لاسيما مع إقترانه ببعض الصعوبات المادية و الجغرافية، أحيانا ببعض المشاكل الأمنية و السياسية و مع ذلك يتنقل من مكان إلى مكان و ينقل أسرته من موضع إلى موضع، و كل غايته في أن يستمر في درسه و تدريسه، هذا قد لا نحصل عليه في جامعة من الجامعات الحديثة لأن نظامها ليس بهذا الشكل، النظام في الجامعة، الإنسان يأتي و يدرس و بعدما يكون حائز على شهادة الثانوية لكي يدرس و يأخذ شهادة، و لنفترض بكالوريوس أو نفس الجامعة تعطي ماجستير أو دكتوراه وهكذا، و ينتهي به الأمر في الحالة الطبيعية إلى أن يكون موظفا و أن يكسب معاشه و حياته من وراء هذه الشهادة، الحوزة بنيت على غير هذا، إما يواصل علمه إلى ما لا نهاية و إلا على طريقة:    {ولينذروا قومهم إذا رجعوا لعلهم يحذرون} يرجع إلى بلده، يصلي الجماعة يرشد الناس، يصعد المنبر إلى غير ذلك، فمن الأساس هو دافعه هذا الدافع، أي تجديد و أي تغيير في الحوزات العلمية لا يلاحظ هذا المعنى لا يصلح لها و لا يرحب به من قبل العلماء، لذلك لا تنجح مثل هذه المشاريع، آخر شيء ينتهي إلى صورة جامعة، و هناك بعض المؤسسات تجمع بين نظام الحوزة و نظام الجامعة و لكن يغلب عليه بالتالي أنه هذه الجامعة تعطي شهادة و هذه الشهادة تؤهلك للعمل و الوظيفة هنا وهناك و تكسب عيشك، و يكون حالها حال الجامعات ، أما الحوزات العلمية الأساسية فليست هكذا ، الحوزات العلمية  تعتمد على أساس قوي من الدافع الديني، يحصل على شهادة أو لا، اعترف به أو لم يعترف به، هذا لا يهمه، و لذلك حتى بعضهم يكون في مراتب عالية جدا، لا يسعى حتى على أن يحصل على شهادة اجتهاد التي لا أؤهله إلى أمر مادي، مع ذلك يقول أنا لا أحتاج إلى هذا و أنا باق على تعليمي و تدريسي و فقهي و بحثي و ما شابه ذلك، و عليه أي تجديد أو تغيير أو تبديل في الحوزة العلمية لا يراعي هذه الجهة يعني أنه لا يصلح للحوزة 

2.    موضوع العمق العلمي في هذه المناهج، قسم من الناس يأتي و يقول لماذا لا تسهل مثل هذه المناهج، بدل هذه العبارات و التعقيدات في الألفاظ وغير ذلك، لماذا لا يعتمد شيء بسيط و يسير؟ كيف الآن يمكننا قراءة الكتب الحديثة و الجرائد و المجلات؟        هذا قسم كبير منه مقصود، أن الإنسان لا يكون سطحيا في الفهم و إنما يكون دقيقا غاية الدقة و يتوقف أحيانا عند سطر واحد لكي يحل ما فيه من معاني و من قضايا، أحد مراجع التقليد الذي أنا سمعته بنفسي و هو من الفقهاء الكبار، توفي- رحمة الله عليه- كان يقول أنا مرت علي أيام أرجع إلى كتاب جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام للشيخ محمد حسن النجفي الجواهري صاحب كتاب الجواهر، يقول بعض الأحيان سطر واحد طول النهار أنا أفكر فيه: ماهو مقصود الشيخ ؟ هل هذا المقدار؟ أو أكثر أو هناك آفاق أعمق مما وصلت إليه؟ هذا يقدر المؤلف أن يكتب عبارته بشكل بسيط جدا، لكن هذه العبارة التي تكتب بشكل بسيط غالبا لا يكون فيها نفس العمق المعنوي إذا كتبها بطريقة أخرى، فكثيرا ما يكتب هؤولاء العلماء بطريقة الرمز و الإشارة، أي شيفرة، إذا واحد ما عنده مقدمات و ما عنده معرفة بالاصطلاحات يصعب عليه أن يستخرج من هذه العبارة مراد و مقصود هذا العالم، فأي منهج و أي برنامج لا يلاحظ فيه موضوع العمق العلمي الذي كان أساس تفوق هذه الحوزات على غيرها من المدارس و الجامعات بل المذاهب الأخرى، سر تفوقها ليس في مبانيها و لا راتبها و إنما فيما تحمله هذه الكتب من معان قوية، أي نوع من أنواع التجديد في الحوزة إذا لم يراع البقاء على العمق العلمي للمنهج لا ينفع الحوزات العلمية على الإطلاق.. 

3.    موضوع الحرية و أن لا تخضع الحوزة لسلطة سواء اجتماعية، سياسية أو أمنية أو غير ذلك، الحوزات العلمية الشيعية تميزت في طول التاريخ باستقلالها التام و أنها تتبع العالم أو المرجع أكثر من أن تتبع هذا المتسلط الاجتماعي أو القائد السياسي أو غير ذلك حتى لا يكون توجيه فكر الحوزة بحسب رأي محدد، و إنما تكون مساحة الحرية الفكرية واسعة، هذا الفقيه يدعو إلى رأي و ذاك إلى رأي آخر، هذا يستدل بطريقة و ذاك بطريقة أخرى، و لذلك احتوت هذه الحوزات على مختلف الاتجاهات في نفس النجف –مثلا- تجد اتجاهات فقهية أصولية فكرية مختلفة بين هذا العالم و ذاك العالم ، بين أتباع هذه المدرسة و أتباع تلك المدرسة و هكذا الحال في قم المقدسة و في سائر الأماكن و لا أحد يستطيع أن يقول للعالم الآخر اسكت، أي أن كل فقيه مؤهل تأهيلا علميا له الحق و الحرية في التوصل إلى آراء معينة..هذه من الأمور الضرورية التي لابد ان تراعى في قضية تجديد الحوزات العلمية إذا أريد ذلك، و عملا يحصل هذا التجديد و لكن بمقدار ما يكون مناسبا للحوزة العلمية تستقبله، و بالعكس تنفر منه و ترفضه،وهكذا إذا تجديد بمعنى تبسيط المواد و الحجم العلمي يكون قليلا، لا ينفع فلا يؤخذ به، و هكذا الحال -على سبيل المثال-إذا أريد توحيد كل الاتجاهات ضمن اتجاه واحد و سلب حالة الحرية العلمية، أيضا هذا لا يرحب به في الحوزات العلمية، و إنما يبقى المجال مفتوحا..

بهذا المقدار وجدنا الحوزات العلمية تحاول أن تطور نفسها في ضمن هذا الإطار، أما ما يتعلق ببعض التجديدات –مثلا- أن يجلسوا على الأرض أو على الكراسي ، يستخدمون السبورة أو لا، هذا أمر بسيط ، هذه وسائل، الكلام حول التجديد في الدوافع و المنهج و الاتجاه العام، هذه كانت مقدمة ضرورية للإجابة على مثل هذا السؤال الذي عادة يطرح و يذكر في الأوساط الثقافية ( لماذا لا تجدد الحوزات العلمية نفسها؟ و لماذا لا يحصل شيء من هذا القبيل؟) نقول: نعم للتجديد إذا كان ضمن هذه الأطر التي ذكرناها..

الحوزات العلمية في الأحساء:

1)    حول معنى إسم الأحساء:

كما تعلمون إسم الأحساء، من جمع "حسي" هي عبارة عن الأرض التي من فوقها رمل و من تحت طبقة صلبة إما طين و إما صخر، يقال له في اللغة العربية حسي و تجمع على أحساء، و هذه المناطق فائدتها أنه إذا نزل المطر تمتصه هذه التربة إلى مقدار معين و يبقى ذلك في تلك الطبقة الخشنة أو الصلبة أو الطينية، لا يكون فوق بحيث تنشفه الشمس و الرياح، و لا في الأعماق و إنما على عمق قصير بحيث بمقدار بسيط من الحفر يتوصل إليه، فتحتفظ التربة بهذا الماء النازل من السماء على بعد لنفترض على بعد ثلاث أشبار أقل أو أكثر حسب اختلاف المناطق و هذه المناطق تحتفظ بالماء لأنه ليس على السطح، حيث أن هذه المنطقة طبيعتها هكذا، سميت بالأحساء لكثرة هذه الموارد فيها..

2)    الأحساء بلد التعايش المذهبي

الأحساء..بلد عريق جدا و يعتبر واحة من الواحات الخصبة، احتضنت الأحساء في ظاهرة متميزة منذ تأسيسها و إلى زماننا هذا المذاهب الخمسة متجاورة في بلد واحد و متعايشة في الغالب، و هذا أمر غالبا ما لا يحصل، يعني هناك المذاهب الأربعة في الأحساء بشيوخها المعروفين إلى يومنا هذا، هذه المنطقة شافعية و الأخرى مالكية و الثالثة الأحناف و الرابعة الحنابلة، و لكل منهم مسجده و شيخه و عالمه بالإضافة إلى مذهب أهل البيت – صلوات الله وسلامه عليهم- و مما يذكر انه كان يحصل تدارس بين المذاهب، يعني مثلا قد واحد من مشايخ الشيعة في بدايات شبابه يدرس على يد شيخ من مذهب آخر أو بالعكس، لاسيما أن قسما من المناهج ليس فيها قضية أن هذا شيعي و ذاك سني، و هذا شافعي و ذاك مالكي، مثل علوم اللغة العربية، ما فرز مذهبي، حيث تدرس المتون دون الالتفات إلى مذهب مؤلفها بل حتى من يدرس ذلك، نعم في الفقه و ما شابه ذلك من يريد أن يتعرف على أحكام المذاهب الأخرى كان يدرس على يد علماء تلك المذاهب ة هذا أيضا كان يحصل، مما يشير إلى الحالة المنسجمة و التعايش بين أتباع هذه المذاهب مع بعضهم البعض بالرغم من  أن قسما من المتعصبين لا يسرهم هذا الأمر، و لكن عقلاء القوم في تلك المنطقة بل في كل مكان ، إذا كانت الأمور بيدهم يرون التعايش و التسامح و قبول المذاهب لبعضهم البعض، هذا هو الحل الصحيح و الطبيعي للبلاد المسلمة و ليس فقط في الأحساء، هي هذه الوصفة الطبيعية، أنت تتبع نهج أهل البيت – عليهم السلام- و أنا أتبع نهج الصحابة أو نهج المالكية أو الشافعية أو ما هنالك من مذاهب –{ كل يعمل على شاكلته}- و يجمعنا الإسلام، فهذه من الملاحظات الموجودة في الأحساء و لا تزال إلى يومنا هذا..

3)    حول العلماء و الحوزات العلمية في الأحساء:

اشتهرت الأحساء بعلماء متقدمين جدا، يعني –مثلا- :

أ‌)    إبن أبي جمهور:

من أقدم من عرف على مستوى العالم الشيعي بل الإسلامي، هو الشيخ محمد ابن أبي جمهور الأحسائي ، متوفى سنة 910 هجرية، يعني القرن العاشر زمان جاء الصفويين في إيران و الشيخ الكركي ذهب و هؤولاء، الشيخ ابن أبي جمهور برز كعالم من العلماء الكبار و اشتهر و عرف ، من أهم كتبه و أشهرها كتاب "غوالي اللآلئ" و بعضهم يقرأها "عوالي اللآلئ"، هذا حاول أن يجمع – مما ينم عن جهة ذهنه قضية التعايش بين المذاهب- جمع أحاديث سيد الخلق محمد –صلى الله عليه و آله- المقبولة بين الفريقين جمعها في كتابه هذا و قدمها إلى الناس، حتى لا يقال-مثلا- أن شيعة أهل البيت –عليهم السلام- لا يعملون بأحاديث رسول الله –صلى الله عليه و آله- هذه الأحاديث متفق عليها و محل قبول عند الجميع، و هكذا بالنسبة إلى الطرف الآخر، متوفى سنة 910 هجرية إذا كانت ولادته –مثلا- في حدود سنة ثمانمائة و كذا، يعتبر في وقت مبكر برز هذا كعالم من العلماء الكبار، 

ب‌)    الشيخ أحمد زين الدين:

 نأتي إلى عالم آخر و هو الشيخ أحمد زين الدين الأحسائي و هو من كبار العلماء في الطائفة، تنسب الطريقة المعروفة بالطريقة الشيخية، و هم موجودون في الأحساء و في الكويت و في أماكن أخرى، و لا ريب أنه كان عالما كبيرا، نعم اختلفت آراء العلماء في شأنه بعضهم رفعه إلى أعلى الدرجات، فجعله لم يسبقه أحد و لم يلحقه أحد، و بعضهم جعله في الطرف المقابل ، بينما البعض الآخر توسط و توقف في المنتصف، و قد كان في زمن السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي و أخذ عنه العلم، و زمان الشيخ جعفر كاشف الغطاء و أيضا أخذ عنه العلم، و تلك الطبقة من كبار العلماء الذين درس عندهم و أخذ عليهم، لا ريب أنه واحد من أشهر علماء الطائفة في المنطقة و هو ينتمي إلى بلدة المطير في الأحساء.. وهذا أيضا عالم من العلماء المعروفين و المشهورين..

ج) الحوزة العلمية لآل أبو خمسين: 

أسر كانت هناك آل أبوخمسين هذه أسرة برز فيها علماء كبار، منهم الشيخ محمد حسين بوخمسين، الذي أسس حوزة علمية عرفت بإسمه أيضا، حوزة بوخمسين العلمية كما أشار إلى ذلك أحد الباحثين في الأحساء الشيخ محمد الحرز-حفظه الله- في كتابة جيدة عن هذا الموضوع لمن أراد أن يرجع إليها، الشيخ محمد حسين بوخمسين أسس مدرسة و حوزة علمية قوية جدا على أنقاض مدرسة سبقته في سنة 1200 هجرية، المدرسة الأولى أو الحوزة العلمية الأولى مدرسة آل أبي خميس في سنة 1200 هجرية تأسست لكن بعد مدة من الزمن قصيرة ، صارت أحداث في الأحساء و مشاكل أشرنا إليه في حديثنا عن الشيخ محمد ابن عبد الجبار سنة 1210 هجرية، صارت هناك فتن و مشاكل و حروب داخلية -لا مجال لذكرها- فهذه  أيضا الحوزة العلمية تأثرت، بعدها بفترة قام الشيخ محمد حسين بوخمسين بالإعداد لحوزة علمية ، الطريف في الأمر أن الذي بنى هذه الحوزة العلمية هو المرحوم منصور باشا بن جمعة، لعل الكبار سمعوا عنه أو عرفوا عنه، كان هنا في القطيف و كان وجيها عند الأتراك حتى عين ما يشبه المتصرف و المسؤول عن هذه المنطقة فبنى للشيخ محمد حسين بوخمسين حوزته في الأحساء، و هذه استمرت لفترة طويلة نظرا لوجود علماء في هذه الأسرة جيلا بعد جيل، بعده جاء ابن أخوه الشيخ موسى بوخمسين و كان مرجعا دينيا و عالما كبيرا، و استمرت هذه الحوزة العلمية فترة طويلة من الزمان، و هذه الأسرة لا تزال ترفد المنطقة بعلمائها...

د) الحوزة العلمية للميرزا علي الحائري:

مدرسة أسسها الميرزا علي الحائري الاسكوئي و هو من المراجع الذين ينتمون إلى مدرسة الشيخ أحمد زين الدين الأحسائي، جاء و استقر في الأحساء مدة من الزمان و أسس حوزة سميت بإسمه و لكن بعد فترة من الزمان سافر إلى الكويت و استقر فيها ، حيث صارت الطريقة هذه و أتباع الشيخ أحمد زين الدين موجودين في الكويت بشكل أساس، فلما خرج الميرزا علي من الأحساء إلى الكويت تراجعت هذه الحوزة بإعتبار أن رئيسها و ناظمها العالم الكبير فيها قد خرج و تداعت تدريجيا، و لكن في فترتها حوالي20-25 سنة كانت تغذي الأحساء بعدد من العلماء و التعليم بشكل كبير، 

هـ)الحوزة العلمية لآل السلمان: 

آل السلمان سادة علماء أبرزهم الذي أسس هذه الحوزة العلمية السيد هاشم السلمان، هذه الأسرة – سبحان الله- فيها بركة في علمائها، لما تقرأ أسماء الذين كانوا يحضرون الدروس مدرسين أو طلاب تجد تقريبا 75%  منهم هم من هذه الأسرة و 25% من باقي الأسر، هذا توفيق ، الواقع أنه إذا أسرة من الأسر صارت متجهة إلى الموضوع الديني و الخدمة العلمية فهذا لا ريب أنه توفيق قد منحه الله لهذه الأسرة أن جعل أبناءها خدمة لكتابه و فقه دينه، فمن المناسب جدا أن الآباء و أن المؤمنين يشجعون أبناءهم و إخوانهم في هذا الطريق، و لو فرضنا أن كل أسرة تدفع واحد من أبنائها يذهب في هذا الطريق لاسيما إذا هناك رغبة عنده ، فهذه من الحوزات العلمية التي كانت في الأحساء...

ز) أعلام آخرين من الأحساء:

علماء أيضا كثيرون في الأحساء اشتهروا، الشيخ محمد ابن عيتان كان عالما كبيرا و مجتهدا و فقيها في وقته، خدم بلده خدمة كبيرة بعدما تخرج على يد الأعاظم في النجف الأشرف مثل السيد كاظم اليزدي و شيخ الشريعة الأصفهاني و أمثال هؤولاء و من الباقين المتأخرين و قد أدركهم البعض من أبناء المنطقة المرحوم الشيخ محمد الهاجري – رضوان الله تعالى عليه- كان عالما من أعاظم العلماء و لو كان ربما في غير بلده و استقر في بعض الأماكن المركزية للحوزات لتم الرجوع إليه في التقليد من فئة غير قليلة، لأنه كان قويا جدا في علمه و في معارفه الدينية ، رجل يعد من الفحول، و استمر –رحمة الله عليه- في التدريس ّإلى أواخر أيام حياته و لم يتوقف، و عندما نتحدث مع بعض العلماء من خارج البلاد الذين يعرفونه، يكبرونه و يشيدون بعلمه و فضله و أنه من جيل الفقهاء المجتهدين الكبار- رحمة الله عليه-..

    أمانة الحفاظ على حوزاتنا العلمية: 

فهذا التيار العلمي، الحوزات العلمية لا تزال مستمرة و من مسؤولية المؤمنين أن يدعموا وجودها في مناطقهم، الغالب أن الحوزات الطرفية تضعف، لماذا؟

لأنه أي واحد يريد يدرس يقول لماذا أدرس هنا، و الحال أن الخيارات عندي قليلة، أقصد حوزة مركزية- حسب التعبير- و أنتقي أي مدرس في أي مرحلة في أي وقت لكثرة عدد المدرسين و لتفرغ الإنسان هناك، بينما في حال درست ببلدي قد لا يكون عندي من العلماء العدد الكبير الذي أنا أحب أختارهم، و ربما أيضا الانشغالات الحياتية التي لا تسمح له يلحق على ذلك كله، اليوم فاتحة إذا ما تذهب، مشكلة ( كيف فلان شيخ وما يحضر الفاتحة) أو عرس و على هذا المعدل و لأنه بعض هؤولاء أيضا معروفين في منطقتهم، فإذا يستجيب إلى كل المناسبات الإجتماعية متى سيلحق على بحثه و درسه و علمه و ما شابه ذلك بينما هذا الأمر هو مستريح منه لما يكون خارج بلاده، ما يكون مرتبط بأي وضع إجتماعي و يستطيع أن يستفيد من وقته بالكامل من دون عتاب من أحد أو شعور بالتقصير نحو أحد، مع كل هذا إذا وجدنا حوزة علمية في مناطقنا ينبغي أن نشجعها و أن ندعمها بما نستطيع، لأنه وجود الحوزة العلمية في منطقة يعني أن المستوى العلمي سيكون أكثر، حينئذ إذا عندنا الخطيب يذهب إلى الحوزة العلمية و مرشد الحملة في الحج و العمرة يذهب أيضا إلى الحوزة و يدرس، و إمام الجماعة كذلك، فهذا سيبقى على تواصل علمي و مستواه سيكون مستوى عاليا، لا يقدر هذا الملتزم بصلاة الجماعة يترك جماعته و يذهب إلى الخارج، و نفس الشيء المرشد و الخطيب لا يقدران على ذلك أيضا، فإذا لا توفر له جو علمي مناسب في بلده يبقى مستواه على حاله و ربما يتراجع، فمن المناسب جدا أن يتم دعم هذه الحوزات في مناطقها، أما من كان يستطيع الذهاب- جيد- ليذهب إلى الخارج و يدرس و يتفرغ و يرجع عالما نحريرا، و بالنسبة لمن لا يستطيع إما من ناحية مادية أو إجتماعية أو نظرا لإلتزامه بدور إجتماعي في البلاد فليكن دراسته في نفس هذه المنطقة و هذا يتعين أن ندعم الحوزات العلمية في مناطقنا، نشجع عليها، نؤكد عليها حتى تنفع البلاد و ترفع المستوى العلمي لأهل المنطقة..

نسأل الله تعالى أن يعمر بلادنا بالعلم و أن يجعلنا من الملتزمين بعلوم أهل البيت عليهم السلام إنه على كل شيء قدير..

شذرات من سيرة السيدة رقية بنت الحسين عليهما السلام: 

الآن نعرج على ذكر بنت الإمام الحسين رقية عليهما السلام، حسب ما ورد في بعض الكتب أمها : أم إسحاق، و هي أم فاطمة بنت الحسين و هي كانت زوجة الإمام الحسن عليه السلام قبل شهادته، أوصى الإمام الحسن أخاه الإمام الحسين عليهما السلام بأن لا تخرج أم إسحاق من بني هاشم، إمرأة فاضلة متدينة مؤمنة كان الإمام الحسن عليه السلام حريصا أن لا تخرج من الأجواء الهاشمية و بالفعل على أثر ذلك فقد تزوجها الإمام الحسين عليه السلام، و أنجبت للإمام الحسين عليه السلام من البنات فاطمة بنت الحسين التي تعد من خيرة بنات الإمام الحسين عليهما السلامّ، التي يقول فيها الإمام الحسين عليه السلام بالنسبة لمن جاء يخطبها، ابن أخيه الحسن المثنى الذي جاء يخطبه في ابنته سكينة فقال له: لا، و لكني أزوجك ابنتي فاطمة فإنها في الجمال تشبه الحور العين وإنها في العبادة تشبه أمها فاطمة الزهراء عليها السلام، فزوجها إياه..

البنت الأخرى التي أنجبتها أم إسحاق هي رقية بنت الحسين عليهما السلام، و هذه كما قيل عندما حضر الإمام الحسين عليه السلام كربلاء كانت ما بين ثلاث إلى أربع سنوات، ذكر هذا المعنى أشخاص متعددون، مما ذكر في حالها في أقدم ذكر لها عثر عليه، هو شعر أنشده في موضع الرثاء أحد رواة الإمام الصادق عليه السلام و إسمه سيف ابن عميرة في قصيدة جاء فيها: 

و رقية رق الحسود لعذرها ( أو لكربها) فذكرها و ذكرها إلى جانب سكينة في بيت آخر،فهذا يعد من أقدم الذكر الذي ذكر و بعض رجال الأنساب أيضا ذكروا هذا المعنى كما ذكره عماد الدين الطبري و هو أحد علماء أهل البيت-عليهم السلام- المحققين، في كتابه لباب الأنساب، فقال: و لقد خلف الحسين عليه السلام بعد كربلاء من البنات سكينة و فاطمة و رقية، و هذا أيضا ذكر يشير إلى أنه استشهد الإمام الحسين عليه السلام و قد خلف من البنات هذه الثلاث اللاتي ذكر فيهن رقية، و بعد ذلك أيضا ذكرها السيد علي ابن طاووس الحسني و هو من أعاظم علمائنا له كتب كثيرة و منها "اللهوف في قتلى الطفوف" و ذكر هذا العالم الجليل قصتها وقصة شهادتها في الشام و كأنه نقل ذلك عن عماد الدين الطبري العالم الشيعي المعروف، ثم بعد ذلك توالى ذكرها من قبل العلماء و لمن أراد التفصيل يمكن أن يرجع إلى كتاب المحقق الكرباسي –حفظه الله- دائرة المعارف الحسينية، سبق يمكن أن ذكرناه في بعض المواضع، هذه دائرة المعارف، موسوعة حسينية منعدمة النظير إلى الآن، مطبوع منها مائتين مجلد و يفترض أنها تصل إلى تسعمائة مجلد في موضوع الحسين عليه السلام ، كل ما يرتبط بالإمام الحسين عليه السلام أصله فصله، نسبه أولاده ، زوجاته، أنصاره نساء رجال، تاريخ كربلاء، تاريخ المراقد التابعة لذلك كله، الشعر بأنحائه العربي الأردو، الفرنسي الألباني، مجلدات في غير الشعر العربي أيضا تتبعها هذا العالم و جعلها في كتابه، الشعر العربي في مختلف أدواره، بدءا من الحادثة إلى أزمنتنا المتأخرة و المقالات ، إلى الآن طبع منها مائتين مجلد التي كتبت عن النهضة الحسينية و ما يرتبط بها ، في كتابه تاريخ المراقد الجزء الخامس، لأنه تتبع مراقد أهل البيت عليهم السلام، المراقد المرتبطة بالإمام الحسين عليه السلام و كربلاء ، تتبعها واحدا واحدا و تاريخها و ما فيها الآن و متى أسست و المراحل التاريخية التي مرت بها و أمثال ذلك، من جملة هذا ذكر مرقد السيدة رقية في بلاد الشام و تاريخه و ما مر عليه، و ذكر أيضا موضوع رقية و ما جاء في ذكرها في الكتب و المؤلفات القديمة ، إذا أحد أراد التفصيل يرجع إليه و بعض هذه المجلدات موجودة أيضا على الأنترنت إذا أحد أحب الإطلاع، بناءا على هذا هذه الطفلة الصغيرة كانت مع أبيها   أبي عبد الله الحسين –سلام الله عليه- و تعلمون إنجذاب الطفلة الصغيرة إلى والدها، الحمد لله الحاضرون عندهم بنات – إن شاء الله يحفظهن و يقر أعينكم بهن-تعلق البنت بوالدها أكثر من تعلق الولد عادة، تستشعر الحنان و الرعاية و الأب أيضا يستشعر الحنان و الرعاية من قبل بناته أكثر ربما في الغالب من استشعاره ذلك من ولده، فكانت مع أبيها الحسين عليه السلام في كربلاء طوال هذه المدة   و سبيت كما سبيت بقية النساء و ضربت كما ضربت بقية النساء و عطشت كما عطشن، و هكذا مشت في هذا الدرب الطويل من كربلاء إلى الكوفة و من الكوفة إلى الشام، في الشام زاد عليها الألم وزاد عليها الحزن، فرأت فيما يرى النائم، والدها سلام الله عليه يضمها إلى صدره و يحتضنها و يقبلها و هي في ذلك المكان الغريب بعد تلك الأسفار المتعبة فاستمتعت بذلك مع أبيها، و لكن بعدما أفاقت لم تجد إلا الظلام في تلك الخرابة الموحشة التي لا تجدها فيها صورة لوالدها فلما رأت ذلك صاحت: عمة زينب ، أين والدي الحسين !!!


مرات العرض: 3415
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 60316.42 KB
تشغيل:

الحوزة العلمية في الحلة الفيحاء
الشيخ حسن التاروتي وقصيدته الراعبية