حوزة النجف وعرض مختصر لمراحلها التاريخية
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 5/2/1443 هـ
تعريف:

حوزة النجف وعرض مختصر لمراحلها التاريخية

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

روي عن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة) صدق سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

حديثنا بإذن الله تعالى يتناول شيئاً من التطور التاريخي للحوزة العلمية في النجف الأشرف بعدما تحدثنا في وقت مضى عن بداية تأسيسها على يد شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي رضوان الله تعالى عليه، الذي توفي سنة 460 للهجرة، حيث خرج من بغداد على أثر الأحداث الطائفية التعصبية التي حدثت هناك وجاء إلى النجف الأشرف مجاوراً لأمير المؤمنين ومعه كانت البداية الحقيقية للحوزة العلمية في النجف الأشرف، وهذا سبق الحديث عنه.

بطبيعة الحال فإن هذا التاريخ الذي يمتد أكثر من ألف سنة من الزمان يصعب على الإنسان أن يختصره في أربعين دقيقة إن قلت أو كثرت، فإنه قد كتبت مجلدات في موضوع تاريخ الحوزة العلمية، لكننا نشير إلى بعض أهم المراحل الأساسية ونعنونها بأبرز العلماء، فلا يعني ذلك أنه فقط هؤلاء العلماء الذين مارسوا الدور العلمي وأثروا الساحة العلمية، لكن كما ذكرنا فإنه لا يمكن أن نتطرق إلى كل الأسماء بل سنكتفي بمقدار مختصر عن كل المراحل، ونعلم أن هذا ليس كافياً وليس مستوعباً ولكنه يمكن أن يعطي صورة إجمالية مصغرة عما كان الواقع عليه.

بعد هذه المرحلة ذكرنا أن الحوزة العلمية انتقلت إلى الحلة حتى أوائل القرن العاشر الهجري، فقد وجد في النجف الأشرف عدد من العلماء الكبير الذي أثرى وجودهم الحوزة العلمية، فكما نرى أنه عادة عندما يتواجد عالم كبير في المنطقة فإنه يجذب إليه طلاب العلم، فإذا تكاثر هؤلاء تكون قد تأسست حوزة، وبنفس المقدار إذا لم يكن هناك علماء كبار فإنه سوف يتراجع ويتأثر سلبياً موقع تلك الحوزة العلمية.

في النجف الأشرف برز علماء منهم المرحوم الشيخ علي عبد العال الكركي من جبل لبنان من عامل، فقد انتقل من بلده إلى النجف الأشرف وكان عالماً كبيراً ومتميزاً وله كتاب اسمه (جامع المقاصد) في الفقه الإسلامي على نحو الإستدلال وهو في 32 جزء في بعض طبعاته، ويسمى بالمحقق الثاني في عرف الفقهاء، فإن هذا العالم عندما أتى أعطى للحوزة العلمية في النجف زخماً إضافياً، وهو نفسه الذي استعان به فيما بعد الشاه إسماعيل الصفوي واستقدمه إلى إيران، فقد كان المذهب الرسمي في إيران قبل الصفويين ليس مذهب التشيع، ولكن بعدما جاء الصفويون وهم في الأصل لم يكونوا شيعة بالرغم من أنهم كانوا سادة من اهل البيت ولكنهم لم يكونوا شيعة بل كانوا على طريقة أهل السنة وكانوا طريقة صوفية، فيما بعد على أثر ظروف معينة حدث تحول عند أبيهم صفي الدين وأصبح شيعياً إمامياً وبعد ذلك أبناؤه أيضاً أصبحوا كذلك فأصبحت عندهم قوة للسيطرة على منطقتهم بالتدريج حتى سيطروا على كل إيران وأعلنوا الدولة الصفوية نسبة إلى أبيهم صفي الدين.

هؤلاء عندما أتوا في عام 1900 للهجرة فصاعداً اتخذوا منهج أهل البيت وأصبحت عندهم الإمامية كمنهج رسمي وبالتالي يحتاجون إلى تثقيف وتعليم للمجتمع وصلوات الجماعات وكل الجهاز الديني يجب أن يكون إمامياً، فكان أول من استقدموه هو الشيخ علي عبد العال الكركي المتوفي في حدود سنة 1940 للهجرة، وانتقل من النجف الأشرف إلى إيران، فكان وجوده أساساً في النجف الأشرف جعل الكثير من العلماء وطلاب العلم يجتمعون تحت منبره ودرسه مما زاد نمو الحوزة العلمية في النجف.

من أعلام الحوزة العلمية أيضاً هو الشيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي من أهالي منطقة القطيف، وقد كان عالماً كبيراً جداً ينافس الشيخ علي عبد العال الكركي في عليته وفقهه، وله نحو واحد وعشرين كتاباً في الفقه والعلوم الإسلامية الأخرى، فقد كان الشيخ إبراهيم رحمه الله على خلاف الشيخ الكركي الذي استجاب لطلب الصفويين بأن يذهب إلى إيران ويبدأ بإصدار المراسيم وتعيين أئمة الجماعة والخطباء وغير ذلك، لكن الشيخ فاضل القطيفي لم يقبل هذا ولم يتفاعل معه كثيراً بل بقي في النجف الأشرف، فتلامذه هذين العالمين ومن جاء بعدهم استمروا في النجف الأشرف وازدهرت الحوزة العلمية من جديد وأصبحت تجتذب إليها العلماء والفقهاء بعدما خمدت وانتقل العلماء إلى الحلة، فقد كان الشيخ الكركي بإعتبار أنه كان في إيران كانت تأتيه الحقوق الشرعية والأوقاف والأموال فقد كان يصرف جزءاً منها على الحزة العلمية في النجف الأشرف وعلى طلابها في إعمار المدارس ورواتب الطلاب وغيرها مما أدى إلى ازدهار مضاعف في الحوزة العلمية.

كان في سنة 990 فصاعداً مع مجيء المقدس الأردبيلي رضوان الله، الذي كان رجلاً ذو جهات عجيبة، ففي نفس الوقت الذي كان فيه في غاية التقدس والتقوى والورع في أمر العمل وسلوكه الشخصي حتى وصل إلى ما يشبه بالإتفاق على أنه كان يلتقي بإمامنها صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، فهذا كان في جانبه العملي.

في الجانب العلمي كان مجدداً وجريئاً وقوي الحجة، فعادة الإنسان المتقدس يحتاط في فتاواه ويميل إلى التشدد والتورع، وقد كان المقدس الأردبيلي في عمله مقدس ولكن في علمه كان محققاً مجدداً وجريئاً في فتاواه وجرأته ليست فارغة، بل كان واحداً من أقطاب علماء الإمامية، ولذلك كتابه (مجمع الفائدة والبرهان) الذي خلفه وهو موجود ومطبوع يوجد فيه الكثير من الآراء الجديدة والأفكار المبتكرة ولم يكن يتقيد بقول العلماء قبله وإنما كان مجتهداً بحق، وقد ربى أيضاً جيلاً عريقاً من العلماء.

الملا في التعبير الإيراني تختلف عما هو في العربي، فكلمة ملا في العربي ولا سيما في مناطق الخليج تعني قارئ الرثاء، بينما في اللغة الفارسية تعني العالم الكبير جداً، فأحياناً يقال لهذا العالم الملا أحمد الأردبيلي بناءً على هذا التعبير الفارسي.

اجتمع حول الملا أحمد الأردبيلي الكثير من العلماء وبرز منهم أشخاص مثل الشيخ حسن بن الشهيد الثاني صاحب كتاب معالم الدين في الأصول وكان قبل فترة لا يزال يدرس في الحوزات العلمية كما أن بعض الناس لا يزالون يدرسونه ويعتقدون بأنه كتاب نافع من حيث لغته وعمقه العلمي بالرغم من أن هذا الكتاب كان بعد عام 1950 أو 1960 تقريباً لكن لا تزال موقعيته موجودة، وكذلك صاحب كتاب منتقى الجمان من أحاديث الصحاح والحسان هو نفسه ابن الشهيد الثاني بن الشهيد الثاني رضوان الله تعالى عليه.

من تلامذة الملا أحمد أيضاً هو السيد محمد العاملي صاحب كتاب مدارك الأحكام وهو كتاب استدلالي فقهي مهم عنج الفقهاء، وغير هؤلاء من تلامذتهم الكثيرين، وكذلك عادت مرحلة الإزدهار إلى النجف الأشرف.

المرحلة الثالثة بحسب تصنيفنا هذا هي مرحلة مجيء السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه، الطباطبائي هو لقب إذا رأيته في مكان يعني أن هذا الشخص ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، فكل طباطبائي إذا صح نسبه فهو ينتمي إلى الإمام الحسن المجتبى سلام الله تعالى عليه لأن من أحفاده رجل يقال له إبراهيم طباطبا فنسبوا إليه، ويقال أنه سمي طباطبا بسبب لدغة في لسانه والبعض يقول أت طباطبا هي لغة عند النبط وتعني سيد السادات، فالسيد محمد مهدي بحر العلوم هو أيضاً نادرة زمانه ومعروف بأنه كان يلتقي أيضاً بإمامنا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وتوفي صغيراً في عمر 57 عاماً وله ميزات كثيرة منها: 

 أنه كان قد أقام في مكة المكرمة أربع سنوات، درَّس فيها في الحرم المكي الفقه الإسلامي على المذاهب الخمسة وكان يحضر إليه من العلماء من مذاهب أهل السنة كما يحضر إليه شيعة أهل البيت عليهم السلام وقد كانوا يرون تسلطه وهيمتنه على آراء وأفكار المذاهب الأخرى تماماً كما هو متسلط ومقتدر على مذهب أهل البيت عليهم السلام، وفي هذه الفترة قام رضوان الله تعالى عليه بتعيين المناسك والمشاعر كما وردت في الروايات، ولذلك علماؤنا يعتمدونها كلها، فمثلاً من أين تبدأ عرفات ومن أين تبدأ منى وأين تكون المواقيت  وماهي مواضعها وغير ذلك.

بالإضافة إلى وجود هذا العالم الجليل وبالإضافة إلى علميته المستوعبة حتى إلى باقي المذاهب، كان قد ربَّى جماعة من العلماء هم الذين حملوا بعده عبئ الحوزة العلمية في النجف الأشرف، فقد كان فترة في كربلاء وبعدها انتقل مع أهله ودرسه وعلمه إلى النجف الأشرف، وبانتقاله زاد ازدهار الحوزة العلمية باعتبار أن قسم غير قليل من تلامذته في كربلاء انتقلوا إليه وكذلك قسم من عدة مناطق قصدوه عندما عرفوا أنه في النجف الأشرف ليستفيدوا من علمه، كما أن الحوزة العلمية أيضاً نشطت واحتفَّت لدرجة أن واحد من أعاظمها وهو الشيخ جعفر كاشف الغطاء رضوان الله تعالى عليه هو واحد من تلامذته.

في زمانه أصبحت له مرجعية عجيبة وغريبة رحمه الله، فقد قسم فيها المهمات، مثلاً جعل شخصاً لمسائل القضاء، وجعل شخصاً آخر لمسائل صلاة الجماعة وما يرتبط بها والحقوق الشرعية وغير ذلك، وهكذا قسم أمور المرجعية فأنتج إنتاجاً كبيراً مع أنه توفي ولم يبلغ الستين من العمر.

خلَّف السيد بحر العلوم وراءه الكثير من العلماء ومنهم الشيخ جعفر كاشف الغطاء، فكاشف الغطاء هو لقب مستحدث وإلا هو من عائلة الجناجي، لكن بعض العلماء عندنا عُرِفوا بعناوين كتبهم، فلأنه ألف كتاب اسمه (كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء) سمي هو وأسرته من بعده أيضاً بآل كاشف الغطاء، فأحياناً يكون الكتاب هو الذي يعرِّف العائلة كعائلة جواهري مثلاً هم في الأصل يعملون في الصياغة وما شابه ذلك، لكن آل صاحب الجواهر وهو الشيح محمد حسن النجفي عندما ألف كتاب جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام وهو 43 مجلد مطبوع الآن ولا يستغني عنه فقيه من الفقهاء إذا أراد البحث العلمي في مسائل الفقه، فبعدما ألف هذا الكتاب سمي بعد ذلك بالشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، وصاحب الجواهر أصبحت الآن الجواهري، فعائلة الجواهري من العلماء ينتسبون إلى كتاب جدهم محمد حسن رحمه الله.

الشيخ جعفر كاشف الغطاء كان يتوسط بين الدولة العثمانية وبين الدولة الفارسية ويحل مشاكلهما باعتبار أنه كان موقراً ومعظماً عندهما، فكم سعى وراء هذا الباب لإطلاق سراح معتقلين وأسرى هنا وهناك، وكان كلما تصاعدت الأمور بفعل دعاة التفرقة وكلما أقبلت الحرب تراه يبادر إلى إطفاء الأمر من خلال وساطة من وساطاته رضوان الله تعالى عليه، وكان عنده أولاد علماء كثيرون ومتعددون واصلوا دوره وكانوا من تلامذته أيضاً، وبهذا تنتهي المرحلة الثالثة تقريباً.

المرحلة الرابعة تبدأ من زمان الشيخ الأنصاري رضوان الله تعالى عليه إلى زماننا هذا، وهي مرحلة جديدة ومدرسة أصولية متقدمة وناضجة، استقر فيها العلم في النجف الأشرف وأصبحت تقريباً هي الحوزة الرئيسية لعالم التشيع، قد تضعف في بعض السنوات لكن المستوى العام فيها كان مستوىً متقادماً، فهؤلاء الذين ذكرناهم من الأسماء لا يشكلون واحد بالمئة من الحجم العلمي في النجف الأشرف ولكن كما قلنا لا يمكن لنا أن نتطرق لكل هؤلاء العلماء.

هناك نقطة لا بأس لو تطرقنا إليها، فكثير من علمائنا عندهم خصائص ذاتية من الإخلاص ومن التفاني والإعراض عن الدنيا ما لا يستطيع ان يفهمه بعض الكتَّاب الذين هم خارج هذا الإطار، فهم كالذي يريد أن يعرف عدد غرف أحد البيوت من الخارج، فهذا غير صحيح بل لا بد أن يدخل إلى داخل الدار ويفتش الغرف واحدة واحدة.

مثال على ذلك: عندما حضرت صاحب الجواهر الوفاة، فمجموعة من الحاضرين الذي كانوا يحضرون درسه كانوا قدر رشحوا عدة أفراد من العلماء لكي يخلفوا صاحب الجواهر في المرجعية، لكن الشيخ صاحب الجواهر أعرض عن كل هؤلاء وأوصى بالشيخ مرتضى الأنصاري، وقد سمي بالأنصاري لأن نسبه ينتهي إلى جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله تعالى عليه صاحب رسول الله وأمير المؤمنين والحسنين عليهما السلام، فقد أوصى به صاحب الجواهر مع أنه لم يكن من تلامذته بل حضر درسه فترة بسيطة لكن لملاحظة صاحب الجواهر  بعلمية الشيخ الأنصاري وزهده، فاستدعاه صاحب الجواهر وطلب من أصحابه أن يبحثوا عنه فوجدوه في حرم أمير المؤمنين عليه السلام يصلي ويدعو لشفاء وعافية صاحب الجواهر، فطلبوا منه أن يحضر لصاحب الجواهر فذهب إليه وجلس عنده وقال له: يا شيخ مرتضى خفف من احتياطاتك على الناس وأفتي الناس وأشار إليه بالمرجعية من بعده.

نلاحظ هنا أنه لم يكن في بال الشيخ الأنصاري أن يرشح نفسه بل كان يدعو لصاحب الجواهر باعتبار أنه صاحب المرجعية وعمود الخيمة، وبنفس الطريقة أيضاً كان الشيخ صاحب الجواهر يرى أن الشيخ الأنصاري هو الأصلح والأعلم والأنفع، ولأن الشيخ الأنصاري كان زاهداً جداً ومحتاطاً قال له الشيخ صاحب الجواهر بأن يخفف احتياطاته على الناس، ومنها أصبح الشيخ الأنصاري هو رأس الحوزات العلمية بعدما توفي صاحب الجواهر رضوان الله تعالى عليه في عام 1266 للهجرة، وقد توفي الشيخ الأنصاري عام 1281 للهجرة.

لما جاء الشيخ الأنصاري واستلم الأمر وضع العلم الأصولي على سكة جديدة وطريقة جديدة بحيث أنه إلى يومنا هذا لا يزال العلماء في الحوزة العلمية يدورون ويحومون حول كلمات الشيخ الأنصاري مع تجديداتهم وآرائهم وابتكاراتهم، لكن الهيكل العظمي لهذا البدن العلمي الأصولي والفقهي وضعه الشيخ الأنصاري رضوان الله تعالى عليه وتابع العلماء من بعده هذه المسيرة وهذا المشوار، كتلميذه الفقيه آغا رضا الهمداني، لاخوند الخراساني وغيرهم، وهؤلاء هم أساتذة أساتذة مراجعنا الآن كالسيد الحكيم والخوئي والشيرازي ومشايخ آل ياسين والسيد الصدر رضوان الله تعالى عليه وغيرهم، فهؤلاء العلماء إما أنهم تلامذة مباشرين لتلامذة الاخوند أو تلامذة غير مباشرين، فوصلنا إلى هذا الوضع الذي تعيشه الحوزة العلمية في النجف الأشرف وهذا عرض سريع وخاطف وغير وافٍ بكل الحقيقة.

الحوزة والعلماء والمرجعية لا تعني أنهم مشغولون فقط بقضية الدرس والبحث، فلا ينبغي التصور بأن هذا المرجع عمله فقط أن يدرس الفقه والأصول، نعم إن هذا هو شغله الأساسي باعتبار أن توضيح الشريعة وبيان الأحكام هي أهم مهمة لهؤلاء، لأن عمل الإنسان في الحياة وهدف وجوده هو العبادة كما قال تعالى: ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون))، فالعبادة تتوقف على شرائط وأفعال وقيود وأحكام، فإذا لم تأتي هذه العبادة على الوجهة الصحيحة بشرائطها وكيفيتها وأحكامها الصحيحة فهي عبادة غير مقبولة، وإذا كانت العبادة غير مقبولة فهدف الإنسان في الحياة لم يتحقق، وهذا يفسر القول المعروف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) أي أن الوجوب العيني على كل إنسان مسلم هو طلب العلم الديني الذي يرتبط بالعبادات.

إذاً فهذا الدور الأصلي للعلماء والفقهاء وللحوزات العلمية، لكن لا يعني ذلك انهم لا يقومون بأعمال أخرى، فكما ذكرنا الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمة الله تعالى عليه كان يتوسط بين الدولتين الفارسية والتركية حتى لا تقع حروب تطحن المسلمين تحت سنابكها، وأيضاً كانت هناك مشكلة قديمة في النجف ولا تزال إلى الآن وهي قضية الماء، حتى أنه كان في بعض السنوات يحتاجون إلى ماء الشرب فلا يجدونه، فقالم صاحب الجواهر رضوان الله تعالى عليه بشق نهر يتفرع من الكوفة إلى النجف أي ما يقارب 6 كيلو مترات، وكان يكلف هذا العمل أموالاً طائلة، لكن عندما رأى الناس عزيمته جاء التجار وأهل الخير وكل منهم بالمقدار الذي يستطيع حتى أنشأوا ذلك النهر واستمر يسقي أهل النجف فترة طويلة إلى أن دمِّر ذلك الإمتداد وطمر ذلك النهر على أثر الخطوات التي قامت بها بعض الحكومات.

ونفسه صاحب الجواهر رضوان الله تعالى عليه أمر بتشييد مآذن لمسجد الكوفة وقال أن هذا مسجد أمير المؤمنين عليه السلام ولابد ان يعمر اكثر، وأمر أيضاً بتشييد مرقد وصحن ومشهد لمسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام بحكم أنه أول شهداء النهضة الحسينية وله حق على كل مسلم، بل وهو من الذرية الطالبية الهاشمية وهو رسول الحسين عليه السلام الذي قال فيه الحسين عليه السلام ما قال عندما أرسل رسالة إلى أهل الكوفة:

إني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من اهل بيتي مسلم بن عقيل، حتى يرى خبر ملئكم، فإن أخبرني على ما جاءت به كتبكم كتب إلى حتى أقدم سريعاً إن شاء الله.

فكان مسلم بن عقيل عليه السلام هو أول شهداء هذه النهضة.

رسول حسين ونعم الرسول        إليهم من العترة الصالحة

لقد بايعوا رغبة منهم               فيا بؤس للبيعة الكاشحة

وقد خذلوه وقد أسلموه              وغدرتهم لم تزل واضحة

فيا بن عقيل فدتك النفوس          لعظم رزيتك الفادحة

بكتك دماً يا بن عم الحسين        مدامع شيعتك السافحة

ولا برحت هاطلات الدموع        تحييك غادية رائحة


مرات العرض: 3393
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 54964.95 KB
تشغيل:

الحوزة العلمية في جبل عامل
الحوزة العلمية في النجف و بدايات التأسيس