الحوزة العلمية في جبل عامل
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 5/2/1443 هـ
تعريف:

الحوزة العلمية في جبل عامل

كتابة الفاضلة ليلى الشافعي

    حديثنا باذن الله تعالى ضمن سياق الحديث عن الحوزات العلمية في بلدان الشيعة يتناول هذه الليلة شيئًا عن الحوزة العلمية في جبل عامل في لبنان . جبل عامل أو عاملة نسبة إلى رأس القبيلة اليمنية التي هاجرت إلى لبنان وهي عاملة بنت سبأ وقد قالوا أنه لما صار السيل المشهور سيل العرم في التاريخ السحيق أيام سبأ حصلت هجرة ضخمة من بلاد اليمن باتجاه الشمال وأساسًا العرب خزانهم البشري الأساس هو اليمن وهم الأكثرية التي تشكل القبائل العربية وصارت لهم هجرات متعددة منها ما حصل بعد سيل العرم الذي دمر سد مأرب وعلى أثر ذلك انهارت الحياة الاجتماعية والاقتصادية في تلك البلاد فهاجر الناس يمينًا وشمالًا وكان من جملة من هاجر قبيلة عاملة وهي من أهل سبأ باتجاه الشمال وقصدوا إلى لبنان ومنطقة الجبل في لبنان تمتد تقريبًا من حدود شمال لبنان إلى جهة الجنوب وسميت هذه المنطقة باسم هذه القبيلة وينسب إليه الناس فيقال العاملي .

    دخل التشيع إلى لبنان بعد هجرةٍ أخرى على ما هو الصحيح والتي حدثت في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي لما جاء بكل إرهابه وإرعابه لعامة الناس ولشيعة علي بن أبي طالب عليه السلام على وجه الخصوص فقام بتهجير قبائل كثيرة وبعض المؤرخين يوصل العدد إلى أكثر من ثلاثين ألف ممن هجروا من الكوفة وسواء كان هذا العدد دقيق أو لم يكن دقيقًا إلا أن من الواضح أن الذي قام الحاكم المجرم بتهجيره عدد كبيرٍ من شيعة أهل البيت تحت تهديد القتل والسجن وبالفعل قتل عدد كبير منهم وأحيانًا بدون سبب فيجلس مثلًا ويقول من منكم يدلني على رجلٍ كان أثيرًا عند أبي تراب فيقولون له مثلًا قنبر أو كميل أو فلان وهكذا وكان إذا عثر عليهم يقوم بقتلهم . وبالنسبة للقبائل والعشائر هاجرت من الكوفة قسم منها باتجاه إيران كما ذكرنا سابقًا وهم الأشعريون وهم من القبائل اليمنية التي أصولها من اليمن وانتقلت إلى الكوفة واستوطنوا فيها واضطروا إلى الهجرة والجلاء باتجاه قم المقدسة وأصبحوا بالتدريج هم قادة منطقة قم .

   قسم آخر منهم ذهبوا باتجاه بلاد الشام ومن الطبيعي أنهم لن يذهبوا باتجاه دمشق لأنها مقر الأمويين فسلكوا طريق بلاد لبنان وبقوا في هذه المنطقة ومنهم بالتدريج تكون وجود التشيع هناك ، وهذا على الرأي الأصح . وهناك رأي آخر يذهب إليه بعض الباحثين ويقولون أنه سبق هذه الفترة إلى لبنان قدوم أبي ذر الغفاري عندما أشخصه الخليفة الثالث من المدينة المنورة إلى بلاد الشام وبقي فيها فترةً من الزمان وذهب إلى لبنان وغرس بذور التشيع هناك وأرسل فيما بعد معاوية إلى عثمان أنه هذا يفسد علي البلاد فيتحدث بأحاديث عن رسول الله في مدح علي بن أبي طالب وأمثال ذلك لذا سأرجعه إلى المدينة وبالفعل أعاده إلى المدينة وتم إشخاصه مرةً أخرى إلى الربذة في أطراف المدينة المنورة وقبره الآن هناك وتوفي غريبًا في تلك الأرض رضوان الله عليه . وهذه النظرية يرتاح إليها باحثون من أن أبا ذر الغفاري هو من زرع غرستهم لكن المحققين من الباحثين لا يقبلون هذا المعنى ويقولون لم يثبت أن أبا ذر بقي فترةً في لبنان مطلق السراح يبلغ أفكاره وآراءه وإنما بقي في بلاد الشام في دمشق تحديدًا ثم بعد ذلك أرسله معاوية من جديد إلى المدينة المنورة . فإذن هذه المنطقة التي صار اسمها جبل عامل عرفت التشيع بناءً على ماهو مختار المحققين في حدود سنة خمس وسبعين للهجرة فصاعدًا إلى أن ذهبوا هناك ومن الطبيعي أن أي مجتمع شيعي عندما يذهب إلى مكان يبدأ يعرب عن نفسه وهذه من ميزات التشيع وهي غير موجودة في سائر المذاهب الأخرى وهذه من بركات هذه البرامج ، فعلى سبيل المثال حين يأتي محرم في أي مكان لابد أن يعمل شيء مجلس قراءة أو عزاء أوغيره وكل ماكان عنده مجال زاد في ذلك فهو لا يستطيع أن يجلس هكذا فأساسًا التشيع يعلن عن نفسه بممارساته وشعائره فهو دعوة ولباسه دعوة وعزاءه دعوة وشعاره دعوة وأمثال ذلك. فمن الطبيعي حين ذهبوا إلى لبنان بدؤوا يؤثرون في جوارهم من مسيحيين كانوا قبلهم ومن مسلمين من غير أتباع أهل البيت عليهم السلام وبالتدريج أصبح هناك وجود شيعي وإماميٌ واضح .

   لكن  هذا التشيع واجه شيء من العنت والعنف لا سيما أيام الأيوبيين ، فأيام العباسيين كانت المنطقة بعيدة ولم يكن هناك كثير من الاهتمام بها ، ولكن بدءً من أيام الأيوبيين الذين جاؤا بعد الفاطميون ركزوا على بلاد الشام وكانوا متعصبين جدًا فيما يرتبط بموضوع التشيع وبالذات صلاح الدين ولذلك أنت ترى هذا التمجيد له وإبرازه ليس فقط لأنه قائدٌ كما قلوا فتح القدس ، بل حتى في موضوع القدس هناك كلام جلى أمره وحقيقته المرحوم الدكتور حسن الأمين ابن المجتهد الأكبر السيد محسن الأمين عنده دراسات تاريخية ناضجة جدًا ، وعندما كتبها ونشرها في وقتها في مجلة العربي الكويتية قبل عشرات السنين أثار ضجةً عامةً لأنها حقائق تبين أن هذه الصورة التي صنعت حول صلاح الدين الأيوبي إنما هي فخارة كسرها تكسير بحقائق تاريخية وأنه ليس هو ذلك الرجل الذي تتحدثون عنه فضلًا عن تعصبه بالنسبة إلى سائر المذاهب . فقضية فلسطين وأنه فتحها وقاوم الروم هذا كله لا أصل تاريخي صادق له وبإمكانكم الرجوع إلى مقالاته وجمعت في كتاب قيم وهو من الباحثين الناضجين .

    المهم أنه في زمان الأيوبيين حصل ضغطٌ شديدٌ على شيعة أهل البيت القاطنين في جبل عامل وساء أكثر أيضًا عندما جاء بعدهم المماليك الذين تمموا بالسوء ما بدأه الأيوبيون ، وبعض أولئك الذين انتهى بهم الأمر مثل أحمد باشا الجزار والذي من اسمه يقولون أنه إذا ذهب إلى قرية لا يترك فيها رجلًا سواء كان هذا الرجل حارب أم لم يحارب وقاوم أو لم يقاوم ، وهذا الرجل أصله من البوسنة وهو مسيحي الأصل وصار مسلمًا فيما بعد وعينه العثمانيون في بداية عهودهم على هذه المنطقة الشامية وكان شرسًا في مقاومة التشيع . على أي حال إلى تلك الفترة نحن لا نلحظ حضورًا مهمًا جدًا في موضوع الحوزة العلمية في جبل عامل إلى حدود سنة 770هـ في هذه الفترة ربما كان يوجد علماء وطلاب علم لكن بشكل واضح الذي يتحدث عنهم ويجعل لهم دور واضح في التشيع لا يوجد إلى زمان الشهيد الأول رضوان الله عليه محمد بن مكي الجزيني العاملي ، هذا الرجل درس العلم على أساطينه وبلغ مرتبةً عظيمةً من العلم بحيث يعد واحدًا من الذين لا تزال كتبهم يعتمد عليها الفقهاء ويناقشونها إلى يومنا هذا ، كتابه ( الدروس الشرعية في فقه الإمامية ) وهو من الكتب القيمة والعميقة والذي بعض العلماء لا يزال إلى الآن عندما يطرح مسألة من المسائل يشير فيها إلى رأي الشهيد الأول . كذلك ( اللمعة الدمشقية ) التي ألفها الشهيد الأول وشرحها الشهيد الثاني إلى الآن لا تزال هي وشرحها معتمدة كدرس في الفقه في مستويات السطوح المتقدمة التي يدرسها كثير من الطلبة ويجدون فيها عمقًا فقهيًا لأنه مع اختصار عبارتها إلا أن فيها الاستدلال الكافي على المسائل فهي بمثابة دورة فقهية كاملة . وقيل أن الشهيد الأول رضوان الله عليه قال بعضهم أنه ألفها في فترة السجن فقد سجن سنةً قبل أن يقتل ولكن الصحيح كما يذهب إليه باحثون آخرون أنه كتبها لدولة قامت في خراسان يسمونها دولة السربداران يعني المشنوقين لأنهم صار مصيرهم إلى ذلك فقد نهضوا واستلموا الحكم في خراسان وصاروا يحكمون بحسب مذهب أهل البيت وطلبوا من الشهيد الأول وهذا يبين أنه في ذلك الوقت كيف كانت مرتبة الشهيد الأول ، فقد كانوا في خراسان وخراسان أقرب إلى مشهد الإمام الرضا ولا ريب أنه أنه في تلك الفترة كان فيها علماء وبقية الأماكن في إيران كذلك فيها علماء ، لكنهم يطلبون من الشهيد الأول أن يكتب لهم فقهًا إسلاميًا على رؤية ومذهب أهل البيت ، فكتب لهم كتاب ( اللمعة الدمشقية ) وأرسله إليهم وعملوا طبقه ، ففي باب القضاء عينوا القضاء وفق ذلك الكتاب وفي باب المعاملات عينوا عمالًا كذلك وفي باب الجماعة والجمعة كذلك وهكذا ، فهذا الشهيد الأول رضوان الله عليه انتهت حياته في بداياتها ولم يعمر مع أنه كان عالمًا كبيرًا وكان من مميزاته وهي من مميزات الحوزة في جبل عامل أن علماءها كان محيطين بآراء وأحكام المذاهب الإسلامية الأخرى بالإضافة إلى تبحرهم وتعمقهم في أحكام وفقه أهل البيت . حتى نقل عن الشهيد الأول أنه قرأ وأخذ وروى عن أربعين عالمًا من غير علماء أهل البيت بالإضافة إلى دراسته على يد مجموعة من علماء الطائفة وهذا يبين لنا قضية الإحاطة عندهم ولعل هذا راجع إلى شيء أنه حتى لا يتم تصفيتهم وقتلهم باعتبار أنهم خارجين على هذه المذاهب لذلك كان الشهيدين الأول والثاني أحيانًا إذا حضروا إلى دمشق أو إذا ذهبوا إلى صيدا وغيرها وسئلوا يفتون على طبق مذهب الشافعي في ذلك الوقت الذي كان سائدًا عند قسمًا من الناس أو المذهب الحنفي الذي كان عند المماليك والأتراك .

    فهذا واحد من أعلام جبل عامل لا تزال آراؤه وأفكاره وكتبه محلًا للدرس والمباحثة إلى يومنا هذا لا سيما في مرحلة السطوح والسطوح العالية . وكانت شهادته رضوان الله عليه سنة 786هـ سنأتي فيما بعد على ذكرها . 

    وحين تأتي إلى مرحلة أخرى تجد الشيخ علي عبدالعال الكركي من بلدة كرك نوح في شمال لبنان وقد درس في النجف فترة طويلة ودرس فيها وبداياته كانت في لبنان وأسس حوزةً في منطقته وعلم كثيرًا ولكن على أثر سيطرة الصفويين على بلاد إيران وغيروا المذهب العام إلى مذهب آل محمد فطلبوا من العلماء في النجف الأشرف والبحرين وجبل عامل في مختلف الأماكن أن المذهب الرسمي للدولة هو مذهب أهل البيت وأذانها الرسمي هو الأذان المعهود ونظامها كذلك وتحتاج لجهاز ديني كامل فتحتاج إلى إمام الجماعة والجمعة والقاضي والمبلغ والشيخ والخطيب وغير ذلك ولا يوجد في الدولة أحد من هؤلاء لأن الفترة الماضية كانت على غير مذهب أهل البيت ، وبالفعل استجاب العلماء وكان أول من استجاب الشيخ علي عبد العال الكركي وبدأ يقنع العلماء بالذهاب إلى إيران للقيام بوظائفهم ومسؤولياتهم في تبليغ أحكام أهل البيت عليهم السلام وعلت مرتبة ومنزلة الشيخ عبد العال الكركي إلى درجة أن السلطان الصفوي في ذلك الوقت وكان يسمى طهناس قال له : أنت الحاكم تعزل من تشاء وتنصب من تشاء وأنت نائب صاحب العصر والزمان وبالتالي أنت الذي تتصرف في هذه الدولة حتى قيل أن معزول الشيخ لا ينصب ومنصوب الشيخ لا يعزل ، وفعلًا تقدم إلى درجة كبيرة في منزلته وأدار الأمر إدارة حسنة واستقطب الكثير من العلماء من البحرين على وجه الخصوص ذهب عددٌ كبير ومن العرق كذلك ومن جبل عامل ، وهذا يعد من علماء وشخصيات الحوزة العلمية في جبل عامل باعتبار أنه بداياته ودراساته واجتهاده كان بداية تأسيسه في هذه المنطقة ، وقد توفي سنة 940هـ .

    ومن أولئك الأشخاص أيضًا الذين يذكرون عندما يتم الحديث عن الحوزة العلمية في جبل عامل المرحوم الشهيد الثاني والذي طبقت الآفاق شهرته حتى قال عنه أحد العلماء أن أعلم علماء الشيعة من زمان شيخ الطائفة الطوسي إلى زمانه هو هم ثلاثة أشخاص أحدهم الشهيد الثاني ( في رأيه ) وهذه الدعوة ليست بعيدة أبدًا عن الواقع لأن الذي يتعرف على إنتاج الشهيد الثاني ودقة نظره وما كتب وإحاطته بالعلوم الإسلامية لا يتعجب أبدًا من هذا القول ولا يستنكره وله أكثر من ثلاثين كتاب بعضها في نحو ثلاثين مجلد مثل كتاب ( مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام ) والذي يعد من أجود الشروح على كتاب ( شرائع الإسلام  )للمحقق الحلي رضوان الله عليه وهو أيضًا شارح اللمعة الدمشقية كم قلنا من قبل فالأصل للشهيد الأول والشرح للشهيد الثاني وهي مما يدرس في الحوزات العلمية إلى الآن . فلك أن تتصور أنه من حوالي سنة 960هـ وقريب ذلك زمن الشهيد الثاني إلى يومنا هذا حوالي 500 سنة من الزمان ولا يزال هذا الكتاب المسمى (بالروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ) يتخرج عليه آلاف الطلاب والعلماء في مرحلة السطوح ، نعم لا يدرس في الخارج لأن بحث الخارج لا يوجد كتاب ولكن مرحلة السطوح لابد أن يمر بها أكثر طلاب العلم وهذا الكتاب من الكتب الرئيسية في الدراسة .

   وكان عند الشهيد الثاني أيضًا إحاطة كبيرة بكافة المذاهب بل أكثر من هذا عين من قبل السلطان العثماني كي يدير المدرسة العلمية في بعلبك التابعة للدولة وهي مدرسة غير شيعية ويدرس فيها ويديرها نظرًا لتبحره وتسلطه على فقه المذاهب الأخرى ، لكنه ذهب ضحية وشاية .

   هذا بالنسبة للشهيد الثاني وبعد ذلك تكر سبحة العلماء وهم كثير لأن هذه الحوزة منذ بدأت حوالي سنة 770هـ إلى أيامنا هذه لا تزال تعطي عالم التشيع قامات علمية كبيرة ، صحيح أنه في البداية الحوزة العلمية في جبل عامل تأخرت حتى ظهرت لكن بمجرد أن ظهرت وبالرغم من الظروف الصعبة التي عاشتها في زمان المماليك والعثمانيين في بعض  الفترات في زمان الأيوبيين لكن برز منها علماء ما بقت حدود علميتهم وشهرتهم في نفس تلك المنطقة وإنما أصبحوا علماء للطائفة وصارت كتبهم تدرس في النجف الأشرف .

     ومن أولئك أيضًا الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي رضوان الله عليه صاحب كتاب (وسائل الشيعة )مطبوع في ثلاثين مجلد يحتوي على روايات وأحاديث أهل البيت عليهم السلام مما لا يمكن أن يستغني عنه فقيهٌ في الاستدلال وهو بالطبع على طريقة منهج المحدثين والأخباريين لكن لا يزال هذا الكتاب لا تخلو منه مكتبة عالمٍ من العلماء إذا كان يريد أن يستدل في أمور الفقه وأحكام الشريعة . وقد كان في لبنان أول أمره وانتقل إلى النجف فترةً من الزمان وذهب إلى إيران وهو مدفون في إيران في صحن الإمام الرضا عليه السلام . 

   ومن أولئكم الشيخ البهائي رضوان الله تعالى عليه وهو فلتة من فلتات الزمان فهو كما وصف ذو فنون وهو عاملي أيضًا من جبل عامل ففي الرياضيات لا يشق له غبار ، وفي الهندسة حدث ولا حرج ، وفي الفلك كذلك ، بل زُعم أنه كان قد أوقد شمعةً واحدةً وجعلها في الحمام الكبير في أصفهان وظلت تعمل هذه الشمعة ثمان سنوات تسخن الماء بدرجات عالية وتسخن المكان وأصفهان المثلجة شتاءً هذا المكان يكاد يكون كالتنور بشمعةٍ واحدة . وبعضهم يقول قد تكون هذه طاقة غير الطاقات المعروفة من النفط وما شابه ذلك وبعضهم قال لعلها طاقة إشعاعية وغير ذلك لا أحد يدري وبعد مدةٍ كما يزعمون جاء البريطانيون  وأخذوا هذه الشمعة حتى يفحصوها فانطفأت ولم يعرف سرها وعاد ذلك الحمام باردًا كالثلج كما يقولون . وهذا عالم دين والأعاجيب الموجودة في هندسة حرم الإمام أمير المؤمنين والتي تحدث بعض المهندسين في بعض البرامج أنها ترتبط بحركة الشمس بحيث أنه في كل الأشهر صيف وشتاء لا بد أن تصل الشمس إلى نقطة معينة وقضية القبلة ونسبة المنارات إلى القبلة بنظام دقيق يحتاج إلى دراسة وهذا كله من تخطيطات الشيخ البهائي رضوان الله تعالى عليه .

    هذا في العلوم الطبيعية وعنده أيضًا تبحرًا خاصًا في الأمور الدينية وله هجرات كثيرة استطاع من خلالها أن يعرف بمذهب أهل البيت عليهم السلام وقد بينا شيئًا من علميته في كتاب (أعلام الإمامية ) . وأخيرًا ذهب إلى إيران وكان في أصفهان وفيها إلى الآن يتحدثون عن الجامع الكبير في أصفهان إذا وقف الخطيب على صخرةٍ معينة في ذلك الجامع فإن الصوت يكبر ويتكرر ويقف على صخرة إلى جانبها تمامًا لا يحدث شيء وهذه أيضًا من ضمن هندسة الشيخ البهائي ، فكان له باعٌ طويلٌ في هذه العلوم المعاصرة بالإضافة إلى جوانب العلوم الدينية والإسلامية .

   وأمثاله كثيرون كالشيخ حسن بن الشهيد الثاني صاحب كتاب ( معالم الدين ) الذي لايزال يدرس ، والسيد صاحب كتاب (مدارك الأحكام ) وغيرهم مما لا يحصون كثرةً .

   يلاحظ في تلك المنطقة أن أبرز علمائها وهم الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي والشهيد الثاني زين الدين العاملي ذهبا إلى رضوان الله في ميعة الشباب في سن الخمسين وحواليها وذلك على أثر إعدامهما بيد المتنفذين في ذلك الوقت فالشهيد الأول قيل أنه حصل نوع من التعاون بين فرقةٍ منحرفةٍ من الصوفية الذين زعموا انتماءهم إلى أهل البيت ، والتشيع أساسًا لا ينسجم كثيرًا مع مذاق الصوفية وعندنا ذم كثير جدًا من قبل أهل البيت عليهم السلام لحركات التصوف ، فإذا عندك توجه روحي توجه إلى مفاتيح الجنان والصحيفة السجادية ففيه كفاية وزيادة وأكثر من ذلك يقذفك في ضلالات التصوف وآنئذٍ تكون مذمومًا من أهل البيت عليهم السلام . ففي زمان الشهيد الأول نجمت ناجمة وظهر شخص باس اليالوش أو الجالوش كان يزعم أنه من أتباع أهل البيت لكنه سلك طريق التصوف الشديد واستورد بعض المناهج الصوفية من الهند وغيرها من الأماكن التي هي عادةً منبع لهذه الحركات . فبين الشهيد الأول للناس أن الموقف الشرعي لأئمة أهل البيت عليهم السلام هو مخالفة هذه الحركات المتصوفة وأنه الاتجاه الروحي والإخلاص لله عز وجل موجود عند أهل البيت ولكن ليس بهذه الصورة ولأنه كان مسموع الكلمة أولئك تعمدوه بالعداوة فاتفقوا مع قاضٍ كان متعصبًا جدًا ويقال له برهان الدين المالكي وآخر اسمه ابن جماعة ، كلاهما كان متعصبًا وكانوا يرون في الشهيد الثاني وعلميته واستقطابه للناس بناءً على هذه الحالة العلمية تهديدًا لهم ، فهذا من جهة وهؤلاء من جهةٍ أخرى وكتبوا تهم للشهيد الأول وهو بريءٌ منها مثل أنه يحلل الخمر وغيرها وقضاة الباطل وكان في أنفسهم هذا الحنق عليه وانتظار الفرصة فقبلوا شهادتهم وبالفعل نُفِذ فيه حمك القتل بعد أن سُجِن سنةً وهو في السجن كان يقول لهم : أرسلوني إلى السلطان العثماني الذي ترجعون إليه وهناك تُقام عليَ الدعوى وأنا أدافع عن نفسي بما ينبغي ولأنهم كانوا يريدون قتله فما قبلوا ذلك ونفذوا فيه حكم الإعدام قتلًا بالسيف فذهب إلى رضوان الله تعالى .

أما الشهيد الثاني فلقي أيضًا نفس المصير على أثر حسد كان من أحد الولاة ولم يستطيع القبض عليه وكان الشهيد الثاني قد ذهب في طريقه إلى الحج حتى يذهب بعد الحج إلى العراق فأُخِذ في وقت الحج ووكل به من يكون معه حتى يذهب به إلى الآستانة في تركيا ، وهذا الحارس الأحمق قرر أن يقتله بدل من أن يأخذه إلى تركيا ويبعث برأسه إلى الحاكم الذي وكله بالقبض عليه ، فهذه القامة العلمية العظيمة انتهى أمره على يد جلوازٍ جاهل من دون حكم ولا قضاء ولا ذنب فقط لأنه لا يريد أن يذهب معه هذه المسافة الطويلة . فهل رأيت حمقًا وغباءً وجريمةً أعظم من هذا ؟ لكن بالتالي هذا طريق أهل البيت عليهم السلام وطريق شيعتهم والشهادة في سبيل الله عز وجل هي الحالة الطبيعية ، كما يقول ذلك الرجل للإمام عليه السلام ألا تقولون أن القتل لكم عادة وكرامتكم من الله الشهادة وهذه طريقة الأئمة المعصومين عليهم السلام الشهادة في سبيل الله والإمام الحسين يقول تكرارًا وهل يعدو بكم الأمر إلا أن تقتلوني ؟ فهذا أمرٌ كلنا سائرون عليه .


مرات العرض: 3417
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 59103.74 KB
تشغيل:

من تاريخ الحوزة العلمية في القطيف
حوزة النجف وعرض مختصر لمراحلها التاريخية