كتاب الله وعترتي أو سنتي 26
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 30/9/1442 هـ
تعريف:

سلسلة سنة النبي صلى الله عليه وآله (26)

كتاب الله وعترتي أم وسنتي؟

كتابة الفاضلة أم عبد الله

تدقيق سماحة الشيخ جعفر البناوي

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة)( ).   

سوف يكون الحديث فيما اشتهر عن رسول الله صلى الله عليه وآله بحديث الثقلين وذلك في الأمور التالية:

الأمر الأول: أهمية حديث الثقلين في مدرسة الإمامية:

هل ما روي عنه صلى الله عليه وآله بنصّ (كتاب الله وعترتي أهل بيتي) أم بنص (كتاب الله وسنتي)؟

إذا ثبت الحديث بصيغة (كتاب الله وعترتي أهل بيتي) فإن هذا دليل واضح وصريح على لزوم اتباع عترة رسول الله صلى الله عليه واله، وجمله من الآثار والمعاني التي تذكر وسنأتي عليها فيما بعد. 

وتكمن أهمية هذا الحديث في أنه يعين المرجعية الدينية للأمة من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة.

وبناء على أنّ المذكور في الحديث - كما يذهب إليه الإمامية - وهو الصحيح إني (مخلف فيكم) أو (تارك فيكم) كتاب الله وعترتي، فإن معنى ذلك أنه يكرس مرجعية القرآن من جهة، والعترة من جهة أخرى، وأن على المسلمين كما يتبعون الكتاب يتبعون العترة.

ولذا نقل عن بعض أعاظم الطائفة وهو مرجع زمانه الإمام السيد حسين البروجردي( )[1292هـ - 1380هـ] رضوان الله عليه، كان ينقل عنه (أن المهم في هذا الزمان من الأحاديث هو حديث الثقلين؛ لأن له أثرًا مستمرًا).

بعض القضايا المرتبطة ببعض الأحاديث ربما تنفع كموضوع تاريخي تثبت جانبًا فيه؛ لكن الذي يثبت المرجعية الدينية المستمرة لأهل البيت عليهم السلام على المسلمين جميعًا إلى يوم القيامة هو حديث الثقلين لذلك لا بد من التركيز عليه.

لهذه الأهمية قام غير واحد من العلماء في تحقيق هذا الحديث، وتتبع أسانيده، وشرح معانيه وكلماته، ومن جملة من كتب في ذلك:

1/ الشيخ علي الأحمدي الميانجي [1345هـ - 1421هـ] رحمة الله عليه، فقد كان باحثًا متتبعًا له عدد من الكتب المحققة، منها كتابه: (في رحاب حديث الثقلين) ( ). 

2/ الشيخ نجم الدين العسكري [1313هـ - 1395هـ] باحث متتبع في كثير من كتبه( )، له كتاب بهذا الصدد تحت عنوان (حديث الثقلين)، بحيث يرى الإنسان في هذا الكتاب مقدارًا متميزًا من البحث والتتبع والجهد العلمي.

3/ السيد علي الميلاني - حفظه الله - من فقهاء الحوزة العلمية في قم، له باع طويل وخبرة متميزة في مجال البحوث العقائدية، ومن جملة تحقيقاته ومؤلفاته كتابه (حديث الثقلين تواتره ـ فقهه) ( ). 

4/ السيد محسن الحائري (معاصر) له كتاب بعنوان (الثقلان)، فيه جهد جيد بخصوص الموضوع الذي كتب فيه.

5/ السيد مير حامد حسين النقوي محقق الهند [1246هـ - 1306هـ] صاحب كتاب (عبقات الأنوار)( )، إذ كان آية في التتبع والدقة العلمية يقل نظيرها.   

ناهيك عن العشرات بل المئات ممن تحدث عرضًا عن حديث الثقلين في ضمن الأحاديث الشاهدة لمناقب أهل البيت عليهم السلام، وحديث الثقلين في أولها.  

الأمر الثاني: الاتجاه الأموي وإضعاف أحاديث المناقب لأهل البيت:

سعى الاتجاه الأموي في التغطية والتعمية والإخفاء بعدم تداول كل ما يتصل بمناقب أهل البيت عليهم السلام من الروايات، بالأخص المتصلة بالجانب العقائدي.

فما إن تشتهر هذه الأحاديث إلا ونجد -ذلك الاتجاه- يطعن في أسانيدها من حيث صحتها وضعفها، واتهامهم بالكذب والرفض والتشيع، حتى يسقطوها من الاعتبار في أعين الناس.

وإن لم تسقط عمدوا إلى تغيير بعض عباراتها، حتى لا تعطي تمام المعنى الذي أراده رسول الله صلى الله عليه وآله.

وإن لم يتمكنوا من ذلك عمدوا إلى التأويل في معناها، وهذا ما تعرض له حديث الثقلين.

ورغم تلك المحاولات لطمس معالم هذا الحديث ألا أنه بقي برواة كثيرين، وحضور واضح، وعبارة صريحة لمن أراد الاحتجاج به أو عليه.

دفع شبهة:

حينما نستدل ببعض ما ورد في كتب مصادر مدرسة الخلفاء ليس يعني ذلك -كما يزعم بعضم خطأ- أن كتب مصادر مدرسة أهل البيت عليهم السلام ضعيفة وغير موثوقة وأحاديثها موضوعة، وأن كتبهم كصحيح البخاري ومسلم وسنن الترمذي وغيرها( ) موثوقة ومعتمدة وصحيحة، إلى درجة أنه يتم الاستدلال بها بما يرتبط بمدرسة أهل البيت عليهم السلام من كتب الصحاح.

هذا إما غفلة، أو قلة علم؛ لأن القاعدة العلمية في الاحتجاج والجدال والمناظرة تستلزم الاستدلال على خصمك بما يلتزم به هو، لا بما تلتزم به أنت.

فاليهودي لا تلزمه بنصّ من القرآن الكريم؛ لأنه لا يعترف به ولا يلتزم، فالحجة عليه أن تلزمه بنصّ من التوراة.

وكذا الحال بمن هم في مدرسة الخلفاء إذ لا يلتزمون بما روي من أحاديث من كتب الإمامية عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، وحجتهم في ذلك بأنهم لا يعترفون بأن الإمام جعفر الصادق عليه السلام إمام وقوله ملزم حتى يحتج عليه.

نعم، لو احتج عليه بالقرآن الكريم، أو من المصادر الحديثية التابعة لمدرسته تكون الحجة أبلغ وألزم.

وعلى هذا فإن الإمامية يستدلون بكتب مدرسة الخلفاء لا لأنهم يعتقدون بأن تلك الكتب أصدق وأوثق من كتب الإمامية وإلا كانوا يتبعونها في ديانتهم وعبادتهم، وإنما يريدون إلزام الطرف الأخر، ذلك الإلزام يتوقف على الاتيان بمصدر هو يعترف به، لا مصدر لا يراه حجة.

   الأمر الثالث: اختلاف ألفاظ حديث الثقلين    

ورد حديث الثقلين بصيغ متعددة في كتب مدرسة الخلفاء، بعضها يغير المعنى تمامًا مثل (كتاب الله وسنتي) وهذا جزء من التحوير والتبديل.

وبعضها الأخر يبقي على المتن الأصلي الوارد في الحديث لكنه يحذف بعض الكلمات منه، أو يؤخرها وهذا يحمل على أمرين:

الأول: أن هذا المحدث لا يرى تغيير كل متن الحديث، وإنما بعض الجزئيات فيه حتى يصرف عن معناه أو قيمته( ).

الأخر: أن حديث الثقلين لم يقل في مناسبة واحدة، وإنما في مناسبات متعددة، وهذا الاحتمال عليه قرائن كثيرة، بعضها في حالة زمنية خاصة، وبعضها في مكان معين، وبعضها في جمع خاص.

فحديث الثقلين لم يقله النبي صلى الله عليه وآله مرة واحدة، وإنما كان يكرره في مناسبات متعددة( )، وهذا أمر طبيعي لأهميته والوصية به، لذا كان يقوله صلى الله عليه وآله مرارًا وتكرارًا.

فكلما عظم أمر ما عند الإنسان كانت له عناية خاصة به، إما بتكراره أو بالوصية عليه، إذ لا تكون الوصية إلا على أمر عظيم.

فكل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله المراد التأكيد عليها قيلت في أكثر من مناسبة مع أكثر من جماعة في ظروف مختلفة لأهميتها، وقد يستلزم كثرة المناسبات تغيير بسيط في بعض ألفاظ تلك الأحاديث التي لا تغير من معناها، وهذا ما جرى لحديث الثقلين، فمرة يقول: (إني تارك فيكم الثقلين) ومرة: (إني مخلف فيكم الثقلين)، هذا الاختلاف في اللفظ لا يضر بصحة الحديث، فمن أراد التأكيد على معنى من المعاني يعبر عن جوهر القضية والمعنى بأشكال متعددة، ونضير ذلك في القرآن الكريم كثير، فقصة واحدة يأتي بها في مرات مختلفة بتعبيرات مختلفة والغرض واحد وهو تأكيد المعنى.

الأمر الرابع: ألفاظ حديث الثقلين    

   والحديث فيه يكون في الأمور التالية:

1/ أن حديث الثقلين بلفظ (كتاب الله وعترتي) رواه ثلاثون صحابيًا، كما ذكر ذلك ابن حجر الهيتمي [909هـ - 973هـ] في كتابه (الصواعق المحرقة)( )، وذكر غيره أن عدد الرواة أكثر من هذا بما يقارب أربعين صحابيًا.

واستشهدنا بكتاب (الصواعق المحرقة)؛ لأن هذا الكتاب صنف أساسًا في ذم وشتم الشيعة، فذكره لحديث الثقلين ليس إشهاد للشيعة، وإنما وضعه ليخبر أنهم محبون لأهل البيت عليهم السلام، معترفون لهم بالفضل، ومن جملة ذلك الحب وذاك الاعتراف الإقرار بحديث الثقلين.

2/ ما رواه مسلم [206هـ - 261هـ] في صحيحه: (أنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي)( ).

نلاحظ أن قسمًا من الحديث الأصلي قد تم ذكره وتثبيته وهو (تارك فيكم ثقلين كتاب الله وأهل بيتي)، وقد حذفت فقرتان منه:

الأولى: (أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) وهذه الفقرة تترتب عليها آثار كثيرة.

الأخرى: (ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا) وهنا حصر عدم الضلال في التمسك بهما معًا.

هاتان الفقرتان المهمتان لا نجد لهما حضورًا في صحيح مسلم.

3/ ما رواه علي بن الجعد [134هـ - 230هـ] في مسنده، عن عطية العوفي( ) عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (إني أوشك أن أدعى فأجيب وأني تارك فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا بما تخلفوني فيهما)( ).

ويتوافق مع ما يروى عن أهل البيت عليهم السلام في عدة عبارات، وهي: (الثقلين الكتاب والعترة، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، انظروا بما تخلفوني فيهما). 

ويلاحظ عليه حذف عبارة (ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا).

كما يلاحظ أن هذه الرواية يحتمل أن بعض المحدثين كالبخاري [194هـ - 256هـ] وهو القريب زمانًا من وجودها قد رآها ولكنه لم يعبأ بها. 

4/ ما رواه الطبراني [ت: 360هـ] في (معاجمه الثلاثة) عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: (أيها الناس إني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما السبب الأكبر كتاب الله عز وجل سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا عليّ الحوض) ( ).

والناقص فيها عبارة (ما إن تمسكتم بهما من بعدي لن تضلوا أبدا).

5/ ما رواه النسائي [215هـ - 303هـ] في (السنن الكبرى): عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقمن فقال: (كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)( ). 

وقد علّق عليه الترمذي [ت:279هـ] في سننه بأنه حديث حسن غريب، وقال أبو جعفر الطحاوي[238هـ - 321هـ] المنسوب إليه العقيدة الطحاوية: (فهذا الحديث صحيح الإسناد، لا طعن لأحد في أحد من رواته)، وقال ناصر الدين الألباني [1914م – 1999م]: صحيح الاسناد( ).  

الأمر الخامس: رواة حديث الثقلين 

اعتنت مدرسة أهل البيت عليهم السلام بالصحابة الذين رووا حديث الثقلين، ويفوق عددهم على الثلاثين راويًا، من أبرزهم: 

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، أم سلمة زوج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أم هاني أخت أمير المؤمنين علي عليه السلام، سلمان المحمدي، أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، عبدالله بن عباس، أبو سعيد الخدري، جابر بن عبدالله الأنصاري، أبو الهيثم بن التيهان، أبو رافع، حذيفة بن اليمان، حذيفة بن أسيد الغفاري، خزيمة بن ثابت (ذو الشهادتين)، زيد بن ثابت، زيد بن أرقم، عدي بن حاتم وغيرهم الكثير.

الأمر السادس: آثار حديث الثقلين    

من خلال ألفاظ حديث الثقلين نستنتج أهم آثاره العقدية العظيمة، والتي حاول اتباع الاتجاه الأموي طمس معالمها، وإخفائها، حيث نوجزها في التالي:

الأول: أن حديث الثقلين يعين المرجعية الدينية للأمة الإسلامية إلى يوم القيامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ يقول: (إني أوشك أن أدعى فأجيب وأني تارك فيكم الثقلين) كل واحد منهما يوازن الأخر. 

الثاني: ليس هناك ما يوازن القرآن الكريم في الكون سوى العترة الطاهرة، فهم الكفة الموازية للميزان.

القرآن الكريم معجزة رسول الله صلى الله عليه وآله الخالدة الباقية إلى يوم القيامة، فهي التحدي الدائم الذي يعجز كل أحد في مجاراته في آية واحدة فضلًا عن الإتيان بمثله( ). 

فيه إعجاز حكمي، وإعجاز تشريعي، وإعجاز بلاغي، وإعجاز علمي( )، فهذا الثقل العظيم لا يوازنه ولا يعادله سوى الثقل الأصغر وهم العترة الطاهرة عليهم السلام، وهذه منزلة لا يستطيع أحد أن يدعي أنها لأحد من الناس سوى العترة الطاهرة عليهم السلام.  

الثالث: أنهما عصمة من الضلال، لقوله صلى الله عليه وآله: (لن تضلوا من بعدي أبدا) إذ حصر النجاة وعدم الضلال في اتباع القرآن والعترة، فلو تمسك البعض بالقرآن دون العترة، أو العترة دون القرآن، فهؤلاء ضالون، إذ لابد من الجمع بينهما، وهذا لا ينطبق إلا على شيعة آل محمد.

الرابع: فيه دلالة على أن الإمامة الإلهية مستمرة إلى يوم القيامة، فلو افترضنا أن زمانًا ما خلا من إمام لحصل افتراق بين الكتاب والعترة، والنبي صلى الله عليه وآله يقول: (ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) وهذا يعني أن الإمامة الإلهية والحجة الربانية من زمان وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة لا تنقطع، وإلا حصل الافتراق، والنبي صلى الله عليه وآله قد أكد أنهما لن يفترقا، ومن يقول بخلاف ذلك فإنه يدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله الاشتباه والخطأ وحاشا لرسول الله ذلك.

الخامس: أن حديث الثقلين فيه دلالة على عصمة العترة المقصودة؛ لأنه لو تكن هناك عصمة سوف يكون افتراق واختلاف، فالقرآن الكريم يقول حكمًا والطرف المقابل يقول حكمًا أخر.

فكما أن القرآن الكريم معصوم فلا بد أن يكون الإمام معصوم، وإلا حصل الاختلاف بينهما، وكذب أحدهما الأخر والعياذ بالله.

السادس: يدل أيضًا على أن الإمام المهدي عجل الله تعالى (فرجه الشريف) حي حاضر موجود؛ لأنه لو لم يكن حيًا بمعنى أنه لم يولد - كما يقول اتباع مدرسة الخلفاء- فقد حصل افتراق بين العترة وبين القرآن من زمان الامام الحسن العسكري عليه السلام إلى يومنا هذا، إذ لا يوجد هناك التقاء بينهما، ولا يوجد شخص قائم على القرآن مفسر له، والحال أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) يعني حتى نهاية فترة التكليف وزمان الأحكام الدنيوية. 

إذًا: هذا يدل على بقاء واستمرار الإمامة، وبقاء واستمرار حياة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

الأمر السابع: التحريف في حديث الثقلين    

ليس من السهل عدم التسليم بحديث الثقلين، بعد بيان بعض معانيه، وكثرة من رواه، لذا حاول المناوئون إلغاءه، فما استطاعوا لكثرة من رواه، وسمعه، فقد سأل أبو الطفيل( ) زيد بن أرقم أيام حركة المختار الثقفي [سنة 66هـ] حينما سمع منه حديث الغدير، وقد ضمنه حديث الثقلين، وفيه دلالة على كثرة الأماكن التي قيل فيها.

قال أبو الطفيل لزيد: أسمعته من رسول اللّه؟! قال: نعم، وإنه ما كان في الدوحات أحد إلا ورآه بعينه وسمعه بأذنيه...)( ).

فبعد أن عجز المناوئون لحديث الثقلين من إلغائه لجأوا إلى تغيير ألفاظ الحديث كما في كتاب (أرجح المطالب) والرواية عن أبي هريرة: (إني خلفت فيكم اثنين إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله ونسبتي)( ) . 

محاولة أخرى للماتريدي صاحب المدرسة الكلامية المَاتُريدِيَّةُ [ت: 333هـ] يصحح فيها الرواية من أنها (كتاب الله وعترتي) ولكن المقصود (سنتي) وأن (عترتي) أي يا عترتي، فتكون: (كتاب الله وسنتي يا عترتي)، ولم تفلح هذه المحاولة. 

المحاولة الثالثة حديث لأبي هريرة الدوسي وهو الوحيد الناقل له، في مقابل الكم الهائل من الصحابة الذين رووا حديث (كتاب الله وعترتي) كما يقول ابن حجر في (الصواعق)، وكما يقول زيد بن أرقم (ما كان في الدوحات أحد إلا ورآه بعينه وسمعه بأذنيه)، فأبو هريرة يروي: (كتاب الله وسنتي) ( ). 

الملفت في الأمر أن مالك بن أنس [93هـ - 179هـ] الذي ألف كتاب (الموطأ) وقد أمر من قبل المنصور العباسي ألّا يذكر شيئًا عن علي بن أبي طالب ولا عن أهل بيته، فما رأى حديث أبا هريرة (كتاب الله وسنتي) قال مالك: بلغني عن رسول الله.

وتشير كلمة (بلغني) -وتسمى بالبلاغات في علم الحديث- إلى الحديث المرسل الذي لا سند له ولا اعتبار، أو فيه انقطاع لا يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله.   

  الأمر الثامن: وقفة مع حديث وسنتي؟! 

لنفرض جدلا وجود حديث (كتاب الله وسنتي) مقابل حديث (كتاب الله 

وعترتي) فالجمع بينهما يكون أن السنة هادية للعترة، كما في قوله صلى

الله عليه وآله: (أنا مدينة العلم وعلي بابها)، وكذلك: (أعلمكم علي)، و(أقضاكم علي)، و (أن الأئمة من قريش أثنى عشر)، فهذه السنة منتهية إلى العترة.

فالسنة تشير إلى اتباع العترة، تمامًا كما في القرآن الكريم الذي فيه (تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ)، ولكن بعض العبادات غير تامة التبيان فيه كتفاصيل الصلاة، لكن القرآن من جهة أخرى أرشدنا إلى (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)، فالرسول بيّن تفاصيل العبادات.

وكذا الحال بالنسبة لحديث (كتاب الله وسنتي) فالسنة ترشد إلى (أذكركم الله بأهل بيتي) و (اللهم ائتني بأحب الخلق إلي يأكل معي)، فالسنة قائدة إلى العترة، هذا في حال عدم الاختلاف بين (السنة) و(العترة).

أما في حال الاختلاف بينهما، فإنّ انحصار المرجعية بالكتاب والعترة، تعني عدم وجود مرجعية أخرى، وإن كان العترة هي وارثة للسنة، ولا يحتاج التأكيد عليها؛ لأن العترة عالمة بالسنة وغيرها.

 أو نعمل بالمرجحات بين (كتاب الله وسنتي) و (كتاب الله وعترتي) من حيث الاسناد، كمن يرويه راو واحد فقط كأبي هريرة، أو من يرويه ثلاثون صحابيًا من أمثال علي بن أبي طالب، وسلمان الفارسي، وحذيفة بن اليمان، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد، فهل أمثال هؤلاء يعادلهم راو واحد لا سيما إذا كان مثل أبي هريرة؟!

فعند الترجيح بينهما فإن العاقل غير المتعصب يقدم حديث (كتاب الله وعترتي) على (كتاب الله وسنتي)، وهذا يحرج من يأخذ بحديث (وسنتي)؛ لأن العترة طول التاريخ كانت مبعدة ومضطهدة، فقد تم التحالف بين الحكام وغيرهم في مقابل عترة أهل البيت عليهم السلام.

فأصحاب الصحاح تحالفوا مع المتوكل العباسي (الذي كان شديد البغض لعلي بن أبي طالب عليه السلام ولأهل بيته)( )، فقد كان يتلذذ بلعن الإمام علي عليه السلام، والسخرية منه في مجلسه، مما أدى إلى قتله من قبل ابنه المنتصر.     



( ) مسند ابن الجعد: ج1، ص397.  

( ) حيث كانت له مرجعية كبيرة في إيران قبل مرجعية السيد محسن الطباطبائي الحكيم [1306هـ - 1390هـ] رضوان الله عليه.  

( ) الكتاب بعنوان (في رحاب حديث الثقلين وأحاديث اثنى عشر) يقع الكتاب في 260 صفحة، ومطبوع عام (1433هـ).  

( ) له العديد من الكتب المطبوعة منها: (محمد وعلي وبنوه الأوصياء، ويقع في مجلدين) وكتاب (الإمام المهدي الموعود المنتظر، ويقع في مجلدين) وكتاب (علي عليه السلام والوصية) وكتاب (علي عليه السلام والشيعة) وكتاب (علي عليه السلام والخلفاء).   

( ) الكتاب عبارة عن نقد علمي لما كتبه الدكتور علي أحمد السالوس حول حديث الثقلين.

( ) لقد تحدثنا عن السيد مير حامد النقوي في سلسلة محاضراتنا (فبهداهم اقتده) .

( ) الصحاح الستة عنوان يطلق على ستّة من الكتب الحديثيّة في مدرسة الخلفاء، وهي:  صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داوود، وسنن ابن ماجة، وسنن الترمذي، وسنن النسائي.

( ) ومن أمثلة ذلك ما رواه مسلم في صحيحه (وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي).    

( ) نقل غير واحد من أن الرسول (ص) قد قاله في مواضع متفرقة، فقد نقل ابن حجر في (الصواعق المحرقة: ص150) إلى أنه (ص) قاله بعد رجوعه من فتح مكة، وذهب أخر إلى أنه قاله في يوم عرفة، وقول ثالث في غدير خم، ورابع في صلاة الجماعة في مسجد الخيف، وغيرها مما يثبت تعدد المناسبات.   

( ) الصواعق المحرقة: ص150.   

( ) صحيح مسلم: ج7، ص123.    

( ) عطية العوفي [ت: 111هـ] هو الراوي الرئيسي عن جابر بن عبدالله الأنصاري، وهو صدوق، وهو شيعي صلب، قد خيّر أيام الحجاج الثقفي بين أن يجلد مائة جلدة، أو يلعن أمير المؤمنين أو يشتمه، ففضل الجلد على أن يسل لسانه بكلام غير حسن على أمير المؤمنين عليه السلام.    

( ) روي في: مسند ابن الجعد: ج1، ص397، ومسند أحمد بن حنبل [164هـ - 241هـ]: ج3، ص17، وفي الطبقات الكبرى لابن سعد [168هـ - 230هـ]: ج2، ص194.  

( ) المعجم الكبير: ج3، ص67، كما رويت في المعجم الأوسط : ج3، ص374، وروى عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عن أبيه الباقر عليهما السلام عن جابر بن عبدالله الأنصاري مثلها. راجع: [المعجم الوسط: ج5، ص89] كما رويت في المعجم الصغير. 

( ) السنن الكبرى للنسائي: ج5، ص45، وفضائل الصحابة للنسائي: ص15، وخصائص أمير المؤمنين للنسائي: ص93، وسنن الترمذي: ج5، ص329، والمستدرك للحاكم النيسابوري [ت:405هـ] ج3، ص109،   

( ) سنن الترمذي: ج5، ص329، وشرح مشكل الآثار لأبي جعفر الطحاوي: ج5، ص18، وسلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني: ج4، ص356.     

( ) يقول الله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).     

( ) للمزيد راجع كتابنا (معارف قرآنية).      

( )  هو عامر بن واثلة الكناني [3هـ - 100هـ] شارك مع المختار في ثورته، وهو أخر من مات من الصحابة.      

( )  الخصائص للنسائي: ص39.      

( )  راجع: أرجح المطالب للهندي الحنفي: ص337، نقلا عن (حديث الثقلين لنجم الدين العسكري: ص90).       

( )  راجع: المستدرك للحاكم النيسابوري: ج1، ص93.         

( )  الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج7، ص55.        


مرات العرض: 3558
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 58734.46 KB
تشغيل:

ملاحظات على الصحاح من الشيعة الامامية 23
فضائل الامام علي في سنة النبي  20