13/ واسئلة أخرى في كتاب الكافي
كتابة الأخ الفاضل كرار الخواهر
قال الإمام أبو عبدالله الصادق -عليه الصلاة والسلام-: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله-: إن على على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالفه فاتركوه.
وعنه -عليه السلام- أنه قال: خطب رسول الله -صلى الله عليه وآله- بمنى فقال: أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله.
كتاب الكافي لموقعه المتميز لدى الطائفة كانت أكثر الإشكالات موجهة إليه، ونجيب بإذنه تعالى على بعضها. مما يوجه عادة من الفريق المخالف للأمامية فيما يرتبط بكتاب الكافي يقولون: "علماؤكم أنفسهم فيه حوالي الثلثين من الروايات غير الصحيحة، وهذا يعني أنه كتاب غير معتبر. فيه أحاديث ضعيفة بهذه النسبة الكبيرة، وفيه أحاديث موضوعة، فلماذا تعتمدون عليه؟
وقد قال المجلسي وهو عالم كبير عندكم أن عدد الروايات الصحيحة في الكافي نحو خمسة آلاف، وأين هذا من مجموع عدد الروايات الموجودة فيه والمقدرة بستة عشر ألف رواية، ونفس الأمر عندما تم تأليف صحيح الكافي وغير هؤلاء، فلماذا تتمسكون به؟"
الجواب على هذا يكون في عدة خطوات:
- الخطوة الأولى: كلام العلامة المجلسي حجة لمن وعلى من؟
أي فقيه وأي مجتهد يكون كلامه حجة على من يقلده، فغير مقلديه كلامه ليس حجة عليهم، ولا يلزمهم قوله واتباعه، فلو كان العلامة المجلسي حاضرا وأنا لست من مقلديه، يسبح كلامه ليس حجة عليّ، فكيف لو كان قبل أربعة قرون! فإنما يكون كلام المجتهد حجة على مقلديه فقط؛ وذلك لاختلاف الآراء في التصحيح والتضعيف، والتوثيق وغير التوثيق والجرح.
فأن كان كلامه ليس حجة لي وأنا إمامي اثنا عشري، فكيف يكون كلامه حجة على من يعتبر أن العلامة المجلسي من الأساس ضال، ومن الأساس ليس بعالم وليس بحجة! فكيف يكون بحجة عليه؟
فلو كان رأي العلامة المجلسي لا يلزمني لأنني لست من مقلديه، فهل يكون كلامه مُلزما وحجة لمن هو خارج الدائرة الإمامية.
فلو كان كلامه حجة على من هو خارج الدائرة الإمامية، إذا اِقبلْ رأيه فيما يرتبط على قضية النصوص عن أهل البيت، واقبل كلام العلامة المجلسي في البحار في مطاعن بعض الأشخاص.
إنما يكون نظرا كما قلنا لاختلاف الآراء والمسالك، فقد يكون العلامة المجلسي يقول هكذا، وبينما من كان معه في نفس الزمان مثل الشيخ محمد أمين الاسترابادي، وهو من علماء اخوتنا الأخباريين، وهو يعتقد أن الكتب الأربعة كلها صحيحة. فلماذا يكون كلام العلامة المجلسي حجة ولا يكون كلام الشيخ الاسترابادي حجة؟ فيكون كلام كلٍ منهما حجة فقط على مقلديهما.
- الخطوة الثانية: نفس كلام العلامة المجلسي هو مفخرة من مفاخر التشيع.. لماذا؟
لأن قيام واحد من علماء الطائفة الكبار بنقد وتحقيق كتاب حديثي يعتبر الكتاب الحديثي الأول وانتهائه إلى نتائج أيّا كانت النتائج ولكن جعله للكتاب تحت طاولة البحث الموضوعي والنقد العلمي ويقول أن رأيي أن هذا الكتاب فيه ضعيف وفيه صحيح وأدلتي على قولي هي كذا وكذا.
نفس الأمر هذا يعتبر مفخرة. العيب يكون إذا أتيت بكتاب واعتبرت أنه خرسانة مسلحة، ولا يستطيع أحد أن يمسه ولا يستطيع أحد أن يناقشه أو أن يقول فيه إشكال من أول ما أُلِّف إلى يوم القيامة حتى لو كان فيه خلاف العلم وخلاف الواقع فتقول أن هذا ممنوع وتدعو لتجميد العقول وأن عليكم أن تقبلوه كما أُلَّف من غير أن يناقشه أحد أو ينتقده أحد. هذا صار أخا للقرآن الكريم.
المفخرة هي أن كتابا يستطيع عالم من علماء نفس الطائفة ونفس المدرسة لديه إمكانية، ورأي، وفقاهة واجتهاد، ويقول بناء على هذه الأدلة أنا أقول: أن هذا الكتاب فيه كذا وكذا. مع أن هذا الكتاب يُستقبل في الحوزات والحواضر العلمية ويُطبع ويقرؤه العلماء وطلاب العلم وليست هناك في النقد.
هنا تكون المفخرة وتكون الحرية الفكرية وانظرإلى تقديس العلم إلا القرآن فأمره مختلف.
يعني يا من تخالف عندما تستشهد بكلام العلامة المجلسي، وهو من داخل الدائرة وعنده عدة البحث والنقاش فهذا لابد أن يتم تسجيله من مفاخر هذه الطائفة ومن مفاخر هذا المذهب.
العيب أن يُقال لا حق لأحد أن يناقش أو أن يحقق فيه من حين تأليف الكتاب إلى يوم يبعثون.
- الخطوة الثالثة: مع أن العلامة المجلسي قال أن فيه فقط خمسة آلاف حديث صحيح، فهو لا يزال أكبر من صحيح البخاري بمرتين.
صحيح البخاري بالأصل فوق السبعة إلاف حديث، ولكن ابن حجر العسقلاني يقول أن صحيح البخاري بعد رفع المكررات منه يصفى لنا فقط ألفان وسبع مئة حديث. فمع أنك تقول أن العلامة المجلسي يقول أن الكافي به فقط خمسة آلاف حديث فهو لا يزال ضِعف صحيح البخاري، وهناك بعض منهم قال أن الصافي من بعد التنقية والتصفية في صحيح البخاري ألفين وست مئة حديث.
فلماذا أنت تقبل لنفسك أن تقيم مذهبا فيه المسائل الشرعية والعقائد والأحكام والتاريخ السنة والسيرة...إلخ بنصف ما هو موجود من الصحيح فيما تعترف به أنت من كتاب الكافي؟
- الخطوة الرابعة: لا بد من التمييز بين الحديث الضعيف وبين الحديث الموضوع, وهذه نقطة يغفل عنها بعض الناس وقسم من الناس يعرفون عنها ولكن يخفونها عمدا. فالحديث الموضوع شيء والحديث الضعيف شيء آخر.
الحديث الموضوع لا قيمة له, فلو عرفنا, على سبيل المثال, أن هذا الحديث موضوع عن طريق إقرار الرواة أنه وضع هذه الأحكام في الأحاديث. ها الحديث الذي تبين أنه موضوع لا يٌلقى في سلة المهملات ولا يٌحتفظ به.
أما الحديث الضعيف ليس كذلك, وإنما يبقى في الكتب. فالذي يعتقد أنه يجب علينا أن نحذف الحديث الضعيف من الكتب هو شخص مشتبه, لماذا؟
أولا: الحديث الضعيف قد يكون ضعيفا في رأيك أنت, ولكن غيرك يمكن أن يجد له ما يقويه, وهذا كثير جدا؛ لأن الأسانيد تعرف بالرجال, فأنت عندما تبحث عن شخصية فلان، وتوصلت إلى نتيجة أنه ليس بثقة، ولكن عندما بحثت أنا في نفس الشخصية بمعلومات أخرى، وبتحليل آخر توصلت إلى أنه مقبول الرواية، فأصبح الحديث في رأيك أنه ضعيف، ولكن في رأيي هو حديث تام وصحيح .
ثانيا: نأتي أيضا للمتن, فهناك من أمثال الشيخ الكليني ورأيه أنه إن كان الحديث مخالفا للكتاب والسنة والعقل والإجماع فهذا الحديث يعتبر ضعيفا حتى لو كان سنده قويا.
فلو أتينا إلى حديث أنا فهمته بشكل وأنت فهمته بشكل آخر، أنت فهمك أدى أن تقول أن هذا الحديث مخالف للكتاب والسنة النبوية الشريفة, ولكن أنا فهمته أنه ليس مخالفا لأي منهما.
على سبيل المثال، النبي -صلى الله عليه وآله- قال لشاب ينازع والده: " أنت ومالك لأبيك".
أنت قد تقرأ هذا الحديث وتقول أن هذا الحديث مخالف للكتاب والسنة النبوية؛ لأن الإنسان الحر لا يكون مملوكا، وهذا الشاب هو حر، فكيف يكون مملوكا لأبيه؟!
وأيضا، كل إنسان يستطيع أن يتملك وليس لأحد الحق أن يأخذ من أمواله إلا بإذنه، فالأب لا يستطيع أن يأخذ أموال ابنه ونفس الأمر ينطبق على الابن، فهو لا يستطيع أن تملك أموال أبيه من دون إذن أبيه، فكيف يقول الحديث أن أموال الابن لأبيه؟!
فعندما تقرأ أنت هذا الحديث تتوصل إلى نتيجة أن هذا حديث ضعيف نتيجة مخالفته للقرآن والسنة النبوية والإجماع.
ولكن، أنا أذهب للتبحث وأجد أن هناك قطعة ناقصة من الحديث للإمام الصادق الذي بين ظروف الحديث الأخرى, وهي أن رجلا دخل مع ابنه على رسول الله -صلى الله عليه وآله- والابن كان شاكيا والده، وقال أنه عندما كنت صغيرا توفيت أمي ووالدي أنفق ميراثي من أمي واستهلكه.
فأتى رسول الله -صلى الله عليه وآله- بالأب وسأله، فقال الأب: بلى، توفيت أمه وهو صغير وأنا ما كانت لدي أموال, فصرفت عليه ميراثه.
فالنبي -صلى الله عليه وآله- التفت للابن وقد أخذ البن يلح على النبي وقال: أنت ومالك لأبيك.
فهنا النبي كأنما يقول للشاب " استحِ على وجهك"، فكان النبي يريد أن ينهي المسألة قضائيا.
والإمام الصادق -عليه السلام- يعلق قائلا: أفترى النبي يسجن أباه لأنه أنفق أمواله عليه!
فهنا اختلف الحال, فعندما يرى أحد الحديث سيقول أن الحديث ليس مخالفا للقرآن ولا السنة ولا الإجماع ولا العقل، بل عين الصواب الذي فعله رسول الله لقطع النزاع وإنهاء القضية. وهكذا أصبح الحديث لدي قوي؛ إذ أنني اهتديت إلى معنًى أنت لم تلتفت إليه أو أنت التفتّ إلى معنى أنا لم ألتفت إليه.
فالحديث الضعيف ليس معناه أنه ينبغي أن يرمى في سلة المهملات، قد يأتي عالم أحيانا حتى في نفس الزمان ويكتشف أن أحد الأسانيد صحيحة أو أحد الرجال ليس ضعيفا أو يكتشف أن لهذا الحديث معنى صحيح, فهذه هي فائدة الاجتهاد.
أضف إلى ذلك، الحديث الضعيف حتى لو بقي ضعيفا يجوز أن يُخرّج شاهدا ولو إن لم يٌخرّج دليلا. على سبيل المثال, أنت تأتي بعمود كي يقوم عليه السقف, هذا العمود لابد أن يكون ثابت جدا وقوي, وأحيانا تريد أن تسند هذا العمود الثابت بشيء آخر وتقويه فأحيانا تأتي بعمود يكون مكسورا من جهة أو به ضعف تقوي أن تستعمله لتقوي به العمود الأول.
فالحديث الضعيف إنما هو بمثابة العمود الضعيف، ويٌستعمل لشد وتقوية الحديث الصحيح.
فلو اجتمع هذا الحديث الضعيف مع حديث ضعيف آخر وأيضا حديث ثالث آخر، وكل هذه الأحاديث تؤدي نفس المضمون يصبح هناك نوع من التقوية، وهذا موجود لدى الإمامية وأتباع مدرسة الخلفاء أن يجوز أن يُخرج الحديث شاهدا ويدعّم سائر الأحاديث.
فعندما يأتي ويقول أن لدينا أحاديث ضعيفة وموضوعة هذا خلط بين الأمور، فالحديث الضعيف يختلف عن الحديث الموضوع.
وبالتالي، ما ذهب إليه بعض ممن وجه هذا السؤال والإشكال من أن كناب الكافي باعتراف أئمة العلم عند الشيعة فيه أحاديث ضعاف ونسبة كبيرة جدا، نقول أولا: هذه لا حجة لكم فيها، فأنت لا تعتر حجيته وحجية كلامه، فلو كنت تعتبر حجية كلامه فلابد أن تعتبر كلامه أيضا في سائر الأمور
وثانيا: هذا مفخرة من مفاخر الشيعة أن بإمكان أي عالم مجتهد أن يناقش أي كتاب حديثي عند الإمامية وأنه م ليس لدينا خطوط حمراء.
ثالثا: حتى لو قبلنا هذا الكلام فإن ما يبقى من الحديث الصحيح في الكافي هو ضعف ما هو موجود في بعض الصحاح الأخرى
رابعا: ولابد من التفريق بين الحديث الضعيف والحديث الموضوع.
إشكال آخر.. قالوا أن الشيخ الكليني في الكافي أورد روايات تشير إلى أن عدد آيات القرآن الكريم التي نزل بها جبرئيل أكثر مما هو موجود، وإذا كان كذلك فهو يعتقد بالتحريف والزيادة في القرآن الكريم، والذي يعتقد في الزيادة في القرآن الكريم هو غير مسلم حقيقي.
الجواب على ذلك, وقد أورد ذلك آية الله السيد محمد تقي الحكيم -رضوان الله تعالى عليه- في كتابه العظيم كتاب "الأصول العامة للفقه المقارَن" وهذا من الكتب البديعة في مضمونها ومعناها، وإذا إنسان يريد أن يتثقف وله نفس إلى المطالعة، فهذا الكتاب من خير الكتب التي تراجع. طبعا يحتاج له مستوى معين فهو ليس من الكتب خفيفة المؤونة جدا. مستوى متوسط أو فوق المتوسط من المثقفين يستطيع أن يتعرف عليه.
أجاب عن هذا في ضمن حديثة بإجابات عدة, من تلك الإجابات، أنه لو أن كل من أورد رواية في كتابه تشير إلى زيادة ونقيصة في القرآن الكريم ألزمناه بأنه بما أنك أوردتها في كتابك فأنت تعتقد أن القرآن محرف، لما بقي حجر على حجر.
لأن الإمام السجستاني صاحب كتاب "المصاحف" وتعرضنا له في سلسلة معارف قرآنية. أورد الإمام السجستاني في كتابه اختلاف الروايات بين الأصحاب والقراء في القرآن الكريم. فلان يقرأ الآية بهذا المقدار من الزيادة وفلان آخر يقرأ تلك الآية بذلك المقدار من النقيصة.
فلو قلنا بما أن الإمام السجستاني أورد هذه الروايات في كتابه فهو يعتقد بتحريف القرآن، هذا ليس صحيحا.
بل أكثر من هذا، وجدنا أنهم ذكروا في أكثر من كتاب أمثال كتاب "الأم" للإمام الشافعي، وفي كتاب " المصنف" لعبد الرزاق الصنعاني، في "الإتقان" للسيوطي، في "المصنف" لابن أبي شيبة
روايات كثيرة تشير إلى أن هناك سور وآيات في القرآن الكريم الآن ليست موجودة فيه.
في كتاب "الأم" على سبيل المثال، أنه عن أحد كبار صحابة رسول الله أنه "قنت بهاتين السورتين في القنوت" وأتى بسورتين ليست موجودتان في القرآن الكريم، ليس أنه قنت بهذا الدعاء، بل قنت بسورتين، أن فلانا من الصحابة قنت بهاتين السورتين: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ونشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفذ نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق"
عُنونت هذه بعنوان سورة ومعها سورة أخرى وأن فلانا من الصحابة قنت بها. حسنا نسأل الآن، بما أن الإمام الشافعي أتى بهذه الرواية فهل هو يؤمن بالتحريف؟ أو عندما أتي الصنعاني بهذه الرواية، فهل يؤمن التحريف؟ ابن أبي شيبة عندما أتى بهذه الكلمات فهل هو يؤمن بالتحريف؟ والسيوطي وغيرهم.
فلماذا باؤك تجر وباؤنا لا تجر؟ّ! وأين قضية آية الرجم "والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة"، وآية الرضاع "خمس رضعات معلومات يحرّمن", أين هذه الآيات الآن في القرآن الكريم، مع أن القائلين وهم من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وآله- يقولون هذه كانت في القرآن الكريم, ولا تنفع قصة أنه صار نسخ التلاوة. إن هذا نوع من الالتفاف على الموضوع.
أنت إذا أثبتّ سورة فعليك أن تقول أينها في القرآن الكريم، ولم لو توضع إذا كانت سورة؟!
فبمجرد أن يأتي أحد بذكر رواية أن هناك زيادة أو نقيصة لا يعني أنه يؤمن بالتحريف لا سيما إن كان وضع منهجا للتعامل مع الروايات. والكليني وضع منهجا للتعامل مع الروايات في بداية كتاب الكافي أنه إذا أي شيء من الأحاديث يعرض أولا على كتاب الله وسنة رسول الله وإجماع الطائفة والعقل. إذا خالف الحديث هذه حتى لو كان سنده من أحسن الأسانيد فلا نقبل به، ولو كان يوافق هذه المعايير ولكن ينده غير تام، نقبله
وهو نفس مؤدى الأحاديث التي ذكرناها في بداية حديثنا، أنه عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله- إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فاتركوه.
فإن أتى أحدهم وقال أن القرآن فيه زيادة، فنرد عليه بقوله تعالى : (وإنا له لحافظون). نعم، إذا كان في مقام التأويل فيمكن أن يُقبل. فيقول أحد "{اليوم أكملت لكم دينكم} بولاية علي بن أبي طالب"
وجملة "بولاية علي بن أبي طالب" ليست جزءا من الآية وإنما تأويل لها وتوضيح لها. هذا لا مانع منه. وأكثرهم من هذا النوع فيقولون لك: إنهم يأتون بأسماء أئمتهم في القرآن الكريم، فهم أتباع من التحريف.
فهذا الذي قيل من أن الشيخ الكليني يؤمن بالتحريف حيث أثبت ذلك بإيراده بعض الروايات، فنقول في النقض لو كان كذلك لكان ما ورد في كتب مدرسة الخلفاء من سورة "الحفد" و"الخلع" وعدد الرضعات, ورجم الشيخ والشيخة، وما ورد من أنه كانت سورة بحجم سورة المائدة أو الأعراف قد أكلتها داجن. فهل نستطيع أن نقول لأن هذا الشخص الذي أورد هذه الروايات يعتقد بأن القرآن محرف؟ الجواب لا.
أصحاب المجموعات الحديثية أحيانا هو في صدد الجمع ليس في صدد ذكر آرائه, وهذا سنذكره عندما نتحدث عن كتاب "البحار" للعلامة المجلسي. الأمر هو أن الكليني وهو محدّث وصل إليه أربع مئة أصل هي الأصول الأربع مئة، روايات كثيرة. والآن دوره أن يحفظها، ولا نقصد أن يحفظ ما يوافق رأيه، فينقل ما وافقت رأيه وما خالفته، ثم لاحقا يأتي من يحققها وينتبه لوجوه الإشكال فيها. إذا فرضنا أن هذه الرواية على كل تقدير خطأ، يمون هذا واحد المشتبهين فنحن لا ندعي معصومية الكليني والمجلسي, ولا ندعي معصومية الكتاب كما يدعي غيرنا معصومية بعض الكتب وصحتها بالكامل. فتصبح هذه إحدى الرواية إن لم يكن لها توجيه معين من الروايات الضعيفة التي لا ينبغي العمل بها.
وقد أوجز القول شيخ الطائفة الطوسي -رضوان الله تعالى عليه- وهو من طبقة تلامذة تلامذة الكليني. الشيخ المفيد يُحسب من ضمن أساتذة شيخ الطائفة وأساتذة أساتذته لأن الشيخ المفيد مدرس للشريف المرتضى, والشريف المرتضى أستاذ للشيخ الطوسي والكليني في رتبة أساتيذ المفيد.
شيخ الطائفة الطوسي الذي يصبح بحسب تعبيرنا حفيد علمي للكليني، عندما جاء يكتب في كتابه التبيان في تفسير القرآن، يقول: "رويت روايات من جهة العامة والخاصة (ويقصد بالعامة من خارج المدرسة الإمامية) بنقصان كثير من آيات القرآن الكريم، ونقل شي منه من موضع إلى موضع طريق هذه الروايات. طريق هذه الروايات من مصادر المدرسة الأخرى ومن مصادر الشيعة طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا، والأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها"
فهذا أيضا مما يمكن الإجابة به على من يزعم أن الشيخ الكليني لأنه أورد بعض الروايات التي ظاهرها وجود زيادة أو نقص في هذا الكتاب فيعني هذا أنه قائل بالتحريف.
لعلك تسأل.. لماذا الشيخ الكليني وضعها ؟
الجواب: كلٌ له منهجه الخاص في الكتابة، فأنت ربما لا تكتب شيئا إلا ما كان ممثلا لرأيك، وغيرك لربما لا يكون هذا منهجه لا سيما إن كان في صدد جمع الروايات وحفظ الروايات. فأنت تريد أن تفرض منهجك الخاص على شخص ضمن ظروف معينة وعلم معين وأجواء معينة وعاش قبل ألف سنة من الزمان. أنا وأنت لربما نعيش في زمان يكون هناك من هو متصيد علينا وواضع علينا الضغوطات، فنقول أنه أحسن لنا ألا نضع هذه الروايات، في حين أن ليس بالضرورة يعيش هذا الظرف. بل هو كان يعيش ظرف أنه يجب على الأصول هذه الروايات لابد ألا تضيع إلا ما علم أنها موضوع، وهو لربما لم يكن عنده هذا الرأي.
إضافة إلى ذلك يقول الشيخ الطوسي وردت روايات كثيرة في مصادر العامة والخاصة (السنة والشيعة). فهي كانت موجودة فليس بدعا أنه لو جاءت في هذا المقام.
وإشكال آخر يشكل به هؤلاء، وهو من الإشكالات العجيبة الغريبة. بعضهم قال: في الكافي لا توجد روايات عن رسول الله إلا أربعين رواية وعن علي ابن أبي طالب حوالي خمسين رواية، وعن فاطمة الزهراء حوالي ثلاثين رواية، فكيف تقول أن هذا كتاب شيعي وهو لا يوجد فيه هذه الروايات؟
الشخص الذي يوجه هذا الإشكال هو أحد أمرين، إما أنه لا يفهم أم أنه يتجاهل.
أولا: ما ذكره المعصومون عليهم السلام من روايات تشير إلى أن "حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث رسول الله وإنما هي أصول علم نتوارثها عن جدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله-" وأنه عندما سأل أحدهم الإمام عليه السلام أنه "أنتم تقولون قال رسول الله، وغيركم يقول قال رسول الله، فما الفرق الذي ألزم علينا اتباعكم؟" فقال له : "إن رسول الله أنال وأنال وأنال، وعندنا أصول العلم".
أرأيت النافورة عندما تعمل، هناك قطرات تذهب في مختلف الاتجاهات، ولكن المتن الأصلي للماء يصعد لأعلى، فيقول الإمام عليه السلام أنه لديهم المتن الأصلي للماء، وغيرهم إنما هم قطرات الماء المتطايرة.
النبي كان كريما وسخيا، ولكن من استمعه لم يقبل كل ما قاله رسول الله وإنما جزأ، فقد تم منع التدوين ومنع الحديث وقد ذكرنا هذا سلفا، فيقول الإمام أن لديهم أصول العلم.
وعندما يسأل أحدهم أينها؟ فهي نفسها كلام الإمام المعصوم، فعندما يقولون عن أبي وعن جدي عن أب جدي عن علي ابن أبي طالب عن رسول الله، فعندما يحدث ذلك سنصبح كعلماء مدرسة الخلفاء، ولكن الأئمة عليهم السلام ليسوا كعلماء مدرسة الخلفاء، إنما هم خلفاء الله في الأرض، وهم ورثة علم رسول الله فلا يتعاملون مع أنفسهم كما لو أنهم رواة للحديث لدرجة أنهم يحتاجون أن يقولون ويرووا الحديث بقول عن فلان عن فلان عن رسول الله، فإنما هذا خلاف المطلوب.
المطلوب هو تكريس وتدعيم فكرة الإمامة في الأمة، لا فكرة أنهم مجموعة من العلماء والرواة حالنا كحال غيرنا نروي عن رسول الله.
ما لدى الأئمة نعم هو من رسول الله ولكن هم أئمة الحق وهم الثقل الآخر.
دعنا نمثل ذلك بمثال تقريبي. لو كان هناك بلد فيها سلطان وتوفي، السلطان الذي يأتي بعده إذا أصدر قانونا سيقول أنا أصدر هذا القانون بناء على موقع السلطان السابق أم يقول بناء على أنني الملك والسلطان ورئيس البلاد قررت إصدار هذا القرار؟ أي الأمرين يعملهما السلطان الجديد؟ الثاني بلا ريب.
إن عمل بذاك الأول، فهذا يضعف نفسه، والناس يقولون عنه أن لا زال غير مصدق لنفسه أن سلطان وحاكم، والناس لن يتعاملون معه على أساس أنه سلطان. لكنه من اليوم الأول يقول أمرنا بما هو آت.
الأئمة عليهم السلام ترون أنهم نادرا ما يروون عن بعضهم بعضا، إلا لحاجة معينة، والإمام الصادق لا يقول أروي عن أبي الباقر كذا وكذا في كل رواية، ولكن في بعض المواقع نعم يقول لحاج معينة ولكن الأصل أنه لا يقول مع أنه إلى جانبه وعاش معه. فهو مباشرة يعطي الحديث. وهناك قاعدة عامة أنه كل ما يعطيه الإمام المعصوم من حديث هو نفسه حديث علي وهو نفسه حديث رسول الله.
فما هو المعنى من إشكال أن الكافي لم يروي عن رسول الله؟!
ثانيا: إنه لمن عجب الزمان أن يأتي أحد من المدرسة الأخرى ويقول أن الشيعة ليسوا معتنين بحديث علي بن أبي طالب وحديث فاطمة الزهراء عليهما السلام. فهؤلاء لتوهم يقولون أن الشيعة لديهم غلو في الأئمة ولديهم غلو في علي بن أبي طالب ويعبدون عليا وباقي الأئمة وندر من يتكلم من الطرف الآخر ولا سيما الفئة المتشددة منهم عن موضوع حب أهل البيت ولا يأتي بهذا الذيل " نحن نحب أهل البيت ونجلهم ونحترمهم ونعطيهم مقاماتهم لكننا فيهم كما يصنع الرافضة والشيعة"
فكيف تقول تارة بأن الشيعة يعبدون أهل البيت ويغلون فيهم ويفتعلون فيهم الأحاديث ويأتون بأحاديث ليست لهم, وتارة تقول أنهم لم يرووا حديثا عنهم! ما هذا التناقض؟
|