آثار وتجليات الصلاة على محمد وآله 5
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 19/8/1442 هـ
تعريف:

آثار وتجليات الصلاة على محمد وآله 5

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

 

جاء في الصلوات المحمدية التي تستحب مؤكداً في شهر شعبان هذه الفقرة من الصلوات: (اللهم صل على محمد وآل محمد الكهف الحصين وغياث المضطر المستكين وملجأ الهاربين وعصمة المعتصمين، اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الأبرار الأخيار صلاةً كثيرةً تكون لهم رضا ولحق محمد وآل محمد أداءً وقضاء بحول منك وقوة يا رب العالمين).

إلى هذه الفقرة وإلى الفقرة التي بعدها لا يطلب الإنسان الداعي من ربه شيء سوى أن يصلي على النبي وعلى أهل بيته، وفي الفقرة التي بعد الصلوات يبدأ بطلبٍ شخصي إن صح التعبير فيقول: (واعمر قلبي بطاعتك ولا تخزني بمعصيتك وارزقني مواساة من قتَّرت عليه من رزقك بما وسعت عليَّ من فضلك ونشرت عليَّ من عدلك وأحييتني تحت ظلك)، ثم بعد ذلك أيضاً بمناسبة شهر شعبان يطلب طلباً خاصاً تبعاً لمناسبة هذا الشهر.

إذاً فهو أولاً يبدأ ولا يزال في تكرار الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله بإعتبارها غاية من غايات الدعاء بل لعلها تكون الغاية الكبرى والقصوى، وهنا ينبغي أن نشير إلى أنه تارة يأتي الداعي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله بإعتبارها مقدمة لطلبه، وهذا وارد عندنا بأنه لا يزال الدعاء محجوباً عن الإجابة حتى يصلي الداعي على محمد وآل محمد، وقل فُسِّر هذا المعنى أيضاً في روايات أخر بأن الله سبحانه وتعالى أكرم من أن يستجيب في قسم من الدعاء ويمتنع عن الإجابة في قسم آخر، فعندم نقول مثلاً: اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لي ولوالدي، فهذا الدعاء مكون من جزأين: الجزء الأول وهو الصلاة على النبي وقطعاً هي مستجابة لأن الله سبحانه وتعالى يأمر بها بل ويفعلها وملائكته كذلك يفعلونها فليس معقولاً ألا يستجيب لها، هذا الدعاء المستجاب وهو الصلاة قد أُلصِق بدعاء آخر فيه مقتضيات الإستجابة، أي يجب أن لا يكون هذا الدعاء فيه شحناء أو قطيعة رحم وليس دعاء في حرام، فإذا كان اقتضاء الإستجابة فيه موجود فليس من كرم الله عز وجل أن يستجيب للقسم الأول ويمتنع عن الإستجابة في القسم الثاني مع انتفاء الموانع عن الإستجابة ووجود المقتضيات لها، فهذا الداعي أحياناً يأتي بالصلاة على النبي وآله تبعاً لما تم الأمر به في أن يقدم الصلاة على النبي حتى لا يُحجَب الدعاء عن الإجابة فيما يرتبط به دنيا وآخرة، وأحياناً قد تكون نفس الصلاة على محمد وآل محمد هي الغاية، فليس لدى الداعي شيء يطلبه سوى الصلاة على محمد وآله وتكرارها لما لهذه الصلاة من الآثار الكثيرة والثواب العظيم والتوفيق، وهذا موجود بشكل كبير في الروايات حتى أن بعض الروايات لسانها لسان مرغب جداً.

مما ورد في هذه الصلاة على النبي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: (ما من شيء يُعبَد الله به يوم الجمعة أحب إليَّ من الصلاة على محمد وآل محمد)، ولعل هذا يفسر ما ورد عن بعض العلماء من أنه قال في مجال المفاضلة بين الأذكار: أننا فتَّشنا وفتَّشنا وفتَّشنا فلم نجد ذكراً أفضل من الصلاة على محمد وآل محمد، فهنا بحسب ظاهر هذا الحديث فإن العبادات متنوعة ومتعددة، فمنها ما هو مالي ومنها ما هو بدني ومنها ما هو مشترك بين المال والبدن ومنها ما يستغرق طويلاً ومنها ما يستغرق وقتاً قصيراً، لكن الحديث يبين لنا أنه لا يوجد شيء أفضل من الصلاة على محمد وآله.

وفي حديث عن الإمام الصادق عليه السلام: (أفضل ما يوضع في الميزان يوم القيامة، الصلاة على محمد وعلى أهل بيته)

في حديث عن الآثار التي تسببها الصلوات المحمدية ما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: (من لم يقدر على ما يُكَّفِر به ذنوبه فليُكثر من الصلاة على محمد وآله فإنها تهدم الذنوب هدماً)، وبالطبع هنا لا بد من تقييدها بالذنوب التي يكون طرفها هو الله سبحانه وتعالى دونما كان الطرف الآخر فيها حق الناس، فإذا كان شخصاً لا يسدد دينه ويفعل الصلوات بدلاً عن ذلك فهذا يثاب على هذه الصلوات ولكنه مطالب بهذا المال، وهكذا فإن هذه الأحاديث منصرفة عنه بما ورد في روايات أخر، بأن هذا في الجهة والحيطة التي ترتبط بحق الله عز وجل، فإذا أذنب إنسان ذباً في حق الله سبحانه وتعالى فلله أن يُعمِل عدله معه فيعاقبه، ولله أن يعفو عنه بلا شيء، ولله أن يعفو عنه بشرط فعله لأمر ما، فهذه كلها من الممكنات وورد فيها النص.

ومما ذكرنا في قضية الدعاء: (من كانت له إلى الله عز وجل حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآله ثم يسأل حاجته ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد فإن الله عز وجل أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط، إذ كانت الصلاة على محمد وآله لا تحجب عنه سبحانه وتعالى)، فالله سبحانه وتعالى عندما يأتي ليستجيب فقطعاً سيستجيب للقسم الأول والأخير لأن فيه ذكر الصلاة، كما هو أكرم من أن يترك الوسط بلا إجابة.

إذاً فهذه الصلوات على محمدٍ وآله فهي مذكورة في الأدعية العامة للإمام السجاد عليه السلام وفي خصوص شهر شعبان، كما أنها موجودة في دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة في فقرة طويلة جداً، فالإمام السجاد عليه السلام يبدأ فيه بخطاب الله عز وجل: (اللهم أنت العزيز الجواد الكريم المتفضل...إلخ) وهو خطاب توحيدي خالص، ثم بعد ذلك مباشرة يأتي ويذكر الصلاة في شيء طويل جداً نذكر مقطع منه فقط، يقول عليه السلام: (رب صلى على محمد آله صلاة تجاوز رضوانك ويتصل اتصاله ببقائك ولا تنفد كما لا تنفد كلماتك، رب صل على محمد وآله صلاة تنتظم صلوات ملائكتك وأنبيائك ورسلك وأهل طاعتك، وتشتمل على صلوات عبادك من جنك وأنسك وأهل أجابتك...إلخ) ما يقارب صفحة كاملة في مفاتيح الجنان هي فقط في ذكر الصلوات، ثم يتحدث بعد ذلك في موضوع الإمامة وهو مبحث في الإمامة من أجمل وأجود المباحث، فقال فيه: (اللهم إنك أيدت دينك في كل أوان بإمام أقمته علماً لعبادك ومناراً في بلادك، بعد أن وصلت حبله بحبلك وجعلته الذريعة إلى رضوانك...إلخ) فهو بحث في موضوع الإمامة كما يراها شيعة أهل البيت وكيفية انتخاب ونصب الإمام وما هي ميزات وصفات الإمام المنصوب، فهذا كله في دعاء الإمام السجاد يوم عرفة.

فما هي الأمور التي توجد في هذه الصلوات حتى تستحق مثل هذا الإعتناء؟ 

على سبيل الإختصار، أولاً: الصلوات المحمدية هي اختصار لكل العقائد اللازمة والضرورية للإنسان، فعندما نقول (اللهم) فهذا يعني أننا نعترف بإله ونتوجه إليه بالطلب وهذا يعني وحدانية الخالق والإتجاه إليه لا إلى سواه، فكلمة (اللهم) تعادل في اللغة (يا الله)، فعندما يتوجه الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى بالطلب فإن هذا يعني أنه يعتقد بالله عز وجل وأنه يطلب حاجته من الله سبحانه وحده لا شريك له.

ثانياً: عندما نقول (اللهم صل على محمد وآل محمد)؟ لماذا نقول ذلك؟ وما هي المناسبة لذكر هذه الصلاة؟، نقول هنا أن هذا جزاء، والجزاء ليس جزاء دنيوي فلن يكون مالاً وإنما المقصود هنا أثر وأكثر هو الموضوع الأخروي أي الجزاء الأخروي، فيستطيع الإنسان أن يفهم من هذا أ هناك جزاء أخروي وأنه لا بد أن يكون عادلاً، حتى يجازي هذا النبي الذي صنع كل الخير للأمة، فأدى الرسالة وأوصل الأمانة وجاهد في الله حق جهاده، سينتهي الأمر أنه سيجازى حسن الجزاء، فهذا الإعتقاد والطلب من الله بأن يصلي عليه وأن يجازيه لا بد أن يكون في داخله نحو اعتقاد بيوم الجزاء ويوم القيامة، فالصلاة على محمد تعني الإعتراف بنبوته شخصاً، فهو محمد بن عبد الله المعروف والذي أرسله الله بنبوته ورسالته، وآل محمد أيضاً تشير إلى قضية الإمامة، فنحن بهذا الذكر جمعنا قضية التوحيد وقضية القيامة وقضية النبوة وقضية الإمامة، فإن الصلاة على محمد وآل محمد والتأكيد عليها يعني أن الإنسان يعتقد بجملة هذه الإعتقادات.

الصلاة على محمد وآل محمد يمكن الإستدلال بها على قضية الإمامة، وهذا ما فعله بعض العلماء في كتبهم العقائدية والكلامية، وذلك بأن تخصيص هذه المجموعة والصفوة من بين البشرية كلها بالصلوات الخاصة ليس عبثاً، فالله سبحانه وتعالى انتخب هذه الجماعة من بين مليارات البشر لكي يقول بأن أفضل العبادات هي ذكرهم لأنهم الصفوة التي اصطفيت والنخبة التي انتجبت.

لعل قائلاً يقول بأن هنالك صلوات أيضاً على غير محمد وآله كما جاء في القرآن الكريم: ((خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم))، وقد ورد في الأخبار أن النبي صلى الله عليه وآله عندما جاء آل أبي أوفى بزكاتهم قال: اللهم صل على آل أبي أوفى، فما الفرق بين هذه الصلوات والصلوات الأخرى؟، نجد أن الفرق عظيم، فالصلاة على من يدفع الزكاة معلَّل، لماذا؟ 

لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم)، إن طبيعة علاقة الإنسان بالمال هي علاقة خاصة، فكثير من الناس لا يستجيبون للقضايا المالية الواجبة، فيصلي الصلاة ولكن لا يزكي، وكذلك يصوم الواجب والمستحب أيضاً ولكن الخمس الشرعي لا يقوم به، فالمال جزء من الإنسان لأنه لا يأتي إلا بعد بذل الجهد والبدني والنفسي والعضلي والوقتي، ولذلك جُعِل الجهاد بالمال إلى جانب الجهاد بالنفس، فنجد أن طبيعة علاقة الإنسان بالمال هي كعلاقته بنفسه، فعندما يعطي المال وكأنما نفسه تختل وتهتز ولذلك قال النبي: (صل عليهم إن صلاتك سكن لهم) أي وكأنه يرمم أنفسهم ويقول لهم أحسنتم، فأين هذه الصلاة من الصلاة على النبي وآله عندما يقول تعالى: ((إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً))

لذلك نحن شيعة آل البيت عليهم السلام نعتقد بهذا المقام العظيم لقضية الصلاة على محمد وعلى أهل بيته، لأنهم الكهف الحصين، فهم لا يحتاجون بأن يصلي عليهم الإنسان ليطمئن قلوبهم ويسكٍّنها، بل هم الكهف الذي نلجأ إليه ليحمينا عندما يصيبنا ضرر، فآل محمد وفي طليعتهم جدهم هم الذين يلجأ العباد إليهم وهم الكهف الحصين وغياث المضطر المستكين وملجأ الهاربين، فيهرب إليهم الإنسان من الشهوات ومن الشيطان ومن تحديات المعاندين، فهم عصمة المعتصمين.

اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الأبرار الأخيار صلاة كثيرة دائمة تكون لهم رضا، فعندنا من الصلوات المستحبة التي لا يُعرف قدرها، فالإمكان أن يصلي الإنسان على محمد وآل محمد في آخر ساعات يومه وقبل نومه فيقول: (اللهم صل على محمد وآل محمد حتى يرضى)، أو يقول: (اللهم صل على محمد وآل محمد كما هو وهم أهل ذلك)، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتب لنا وإياكم معرفتهم وشفاعتهم مرافقتهم في يوم القيامة في الجنة، إنه على كل شيء قدير وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 

 

 

مرات العرض: 3539
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 28253.86 KB
تشغيل:

الفلك الجارية في اللجج الغامرة 4
شهر النبی والشفاعة لماذا ؟ 6