اسأل مجرب ولا تسأل طبيب .. هل هو صحيح9
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 21/6/1442 هـ
تعريف:

سلسلة الامثال الخاطئة

 9/ اسأل مجرب ولا تسال طبيب

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

حديثنا يتناول أحد الأمثال التي تفسر بنجو خاطئ ويترتب عليها ممارسة وسلوك خاطئ، نشير إلى نقطة وهي أننا في هذه السلسلة نتعرض إلى أنحاء الفهم الخاطئ للمثل أو القول، فلو فهم إنسان من مثل شيئاً صحيحاً فهذا جيد ولكن لا يرتبط بنا، إنما نحن نعلق ونتحدث ونشير إلى الفهم الخاطئ لذلك المثال، فمن الأمثلة الخاطئة أو التي تفهم بشكل خاطئ عند قسم من الناس هو القول المشهور: (اسأل مجرب ولا تسأل طبيب)، أو في بعض بلدان البحر المتوسط والشام: (اسأل مجرب ولا تسأل حكيم) والحكيم هنا بمعنى الطبيب، فهذا المثال ينتهي إلى أن الإنسان عليه أن يرى تجربة غيره ويستفيد منها أولى من أن يستفيد من رأي الطبيب فيما يرتبط بالأمراض مثلاً، فلو أن إنسان قام بتجربة عشبة معينة لمرض من الأمراض وأعطت نتائج حسنة فسيقول للشخص الآخر بأن يجربها.

قضية التجربة نشير إليها بأي مقدار هي نافعة وأي مقدار تكون غير نافعة وثم من خلال ذلك سنطل على ذلك المثل، التجربة في أصلها هي شيء حسن وممدوح بأن يستفيد الإنسان من تجاربه، بل كما في أحاديث أمير المؤمنين عليه السلام اعتبرت علما مستفاداً بل وعلم متجدد لا ينتهي، ومن هذه الأحاديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: (التجارب علم مستفاد)، (التجارب لا تنقضي والعاقل منها في زيادة)، (حفظ التجارب رأس العقل)، (رأي الرجل على قدر تجربته)، ولذلك يستحسن للإنسان أن يستشير إما كبير السن بإعتبار أنه مر على تجارب في الحياة كثيرة وحفظها أو جرب مراراً وتكراراً في العمل الذي يعمله، كأن يعمل تاجراً مثلاً ولديه تجارب كثيرة في التجارب فهنا ينبغي للإنسان أن يشاوره في أمور التجارة لأنها تركزت وترسخت، ففي هذا المقدار بأن يستفيد الإنسان من تجاربه الشخصية يكون شيء ممدوح بل وإن نفس التجربة قد تعطي للإنسان علماً ومعرفة جديدين، بل وأكثر من ذلك فإن المنهج التجريبي اليوم في العلوم لا سيما العلوم الطبيعية هو المنهج الذي تعزى إليه كثير من منجزات البشرية، ففي تاريخ الفلسفة والمناهج يتحدثون ويقولون بأن فيما سبق من الأزمنة كان المنهج الأرسطي في الفلسفة والمنطق هو السائد عند الناس، وهذا المنهج كان ينظم عمليات التفكير ولكن لم يكن يضيف علماً جديداً، إلى ما قبل حوالي 400 سنة أو أكثر عندما جاء أحد الفلاسفة الغربيين ويسمى فرانسيس بيكون وقد بدأ بإبتكار المنهج التجريبي في العلوم وأصبح هو المنهج السائد، فدخل في الطب فعلى سبيل المثال في قضية الكورونا يكون هناك لقاح إما من تضعيف الفيروس أو إماتته يجعلوه في بدن الإنسان ونجد أن بدن الإنسان مركب بعظيم حكمة الله عز وجل على أن كل جسم غريب يدخل فيه فإن جسم الإنسان يفرز أجساماً مضادة لذلك الجسم الغريب وبالتالي يتم تضعيف مناعة الإنسان وتثبيطها، فهذا الفايروس قد يقتل الإنسان لذلك يحتاج إلى عدة تحارب، فلا تكفي تجربة واحدة وإنما تجربة واسعة ويستبعد فيها الإحتمالات ككونها مصادفة أو عددها قليل أو الأجسام التي تمت التجربة عليهم أجساماً قوية أساساً أو عددها غير كافٍ، فلما يتم استكمال كل هذه الأمور وتتم تجربة اللقاح على مدى واسع من الناس واستبعاد الإحتمالات المضادة يقولون بعد ذلك أنه ثبت بالتجربة أن هذا اللقاح نافع مثلاً في مقاومة فيروس الكورونا وليست له آثار جانبية أخرى، وعلى هذا المعدل نجد أن الطب تقدم والعلم تطور بفضل المنهج التجريبي وهذا النحو من التجربة أيضاً هو بلا شك تجربة علمية نافعة مفيدة بل ويعزى إليها قسم كبير من تقدم العلم في زماننا الحاضر.

إذاً أصبح لدينا قسمان: تجارب الشخص وهي تجارب مفيدة يتعلم منها، فكثير مما يملكه الإنسان من المعرفة والحكمة والخبرة هو ناتج من تجارب قد مرَّ بها، فعندما يريد أن يعمل نفس العمل سوف لن يقع في نفس الأخطاء التي وقع فيها في المرة الأولى، وهذا القسم من التجارب هي نافعة ومفيدة وتشير إليها في الغالب كلمات أمير المؤمنين عليه السلام.

القسم الثاني أيضاً التي تكون التجربة فيه نافعة هي التجربة العلمية التي تعتمد من قبل العلماء المعاصرين، فيتم التجربة على مدى واسع من الحيوانات والكائنات الحية الأخرى عندما بحسب استهدافها، فهذان قسمان من التجارب لا شك في نفعهما.

عندما نأتي إلى هذا المثال: (اسأل مجرب ولا تسأل طبيب)، نجد أن هذا الكلام إذ كان المقصود منه في الطب، الاقتصاد والهندسة، بل وأحياناً حتى فيما يرتبط بأمور دينية إذا كان بمعنى إلغاء خبرة الطبيب أو الاقتصادي أو المهندس أو عالم الدين فهذا كلام غير صحيح، لأنه عندما نأتي إلى أصل المثال كما أشرنا في أحاديث سابقة بأنه ليس نصاً ولا آية قرآنية ولا هو حديث عن المعصومين حتى يكب له قيمة دينية وإنما هو من صياغة الناس، ففيما يرتبط به نفسه نجد أنه كلام خاطئ لأنه لو افترضنا أنك رأيت زيد من الناس استعمل العشبة الفلاية أو الدواء الفلاني ونفعه فمن يقول أنها سوف تنفعك أنت، فجسمك ليس نسخة طبق الأصل من جسمه، فقد يكون عمره مختلفاً أو معادلات بدنه مختلفة كأن يكون لديه قوة في عضلة القلب أو قلة نسبة الدهون في بدنه على خلاف الطرف الآخر، فالشيء الذي ينفعه ربما نفعه لظرف معين أو لأن تركيبة بدنه مختلفة أو قد نفعه لفترة من الزمان.

فأحد الأصدقاء كان يتحدث عن والده بأنه إذا أصبحت لديه مشكلة في عينه كأن يأخذ أقرب قطرة له من القطرات الموجودة في صيدلة المنزل ويضعها في عينه، فإن كانت هذه القطرة حارّة على عينه فيقول بأنها جيدة وستشفيه، أما إذا كانت باردة وخفيفة على العن فإنه يقول بأنها غير نافعة، نتساءل هنا بأنه هل هذا الأمر له أصل من الناحية العلمية والعقلائية؟، فقد تكون هذه القطرة هي قطرة أنف أساساً ولا دخل لها في العين، أو قد تكون قطرة أذن لإذابة الشحم وشمع الأذن.

فلا يصح في هذه الحالة بأن نقول: (اسأل مجرب ولا تسأل طبيب)، لأنها قد تجر الإنسان إلى المشاكل وربما تسبب أضرار جدية فيعاتب الإنسان عليها، وللأسف فإن هذا الأمر شائع جداً وبالذات في الأمور الطبية والأمراض، قد يكون الإنسان صادق في ذلك ولكن هذا المقدار من التجربة لا يسوغ للإنسان أن يتخذ منه منهجاً، فهذا المثل لا ينبغي أن نبقه عل كل شيء فبعض التجارب لها حالة خاصة وظروف خاصة، فلو أن شخصاً افتتح له محل للخضروات ورأى أنه أصبح يكسب الكثير من الأموال فهذا لا يعني أن كل من فتح محلاً للخضروات سيكسب مثله، فربما هذا الشخص كان موقع محله في حي جديد لا يوجد فيه محلاً آخر يبيع الخضروات، أو أنه يحصو مبكراً كل صباح بينما الشخص الآخر لا يستطيع النهوض مبكراً، وغيرها من الأمور.

هذا النحو من التجارب الشخصية لا يصح بأن يجعله الإنسان بديلاً عن المعرفة العلمية، فلا بد من مشاورة أصحاب الخبرة في نفس التخصص، فإن أراد الإنسان أن يعمل في الأسهم مثلاً فلا بد من أن يشاور من لديه خبرة اقتصادية ومعرفة مالية بالسوق، فلو أخطأ حينها لن يكون حجم الخطأ عظيماً بل وحتى لو أخطأ خطأً عظيماً لن يُلام في هذه الحالة لأنه بطبيعة الإنسان أن يرجع لأهل الخبرة والتخصص، كما لو أخطأ الطبيب في حقك أيضاً فإنك لست ملاماً حينها.

كذلك فيما يرتبط بالأمور الدينية، فيأتي شخص ويقول بأنه يريد شيء مجرب من مجربات الإمامية كأن يدعو باليوم ويحصل على حاجته غداً، أو يصلي أحدى الصلوات ويحصل على الأموال في اليوم التالي، نجد أن هذه ليست مناهج علمية، فلا بأس بأن يتوسل الإنسان ويدعو ويرجو بالدعاء والذكر والصلاة والنذر والزيارة، لكن لا يجب عليه أن يقول بأن فلان صلى تلك الصلاة ودعا بهذا الدعاء فتحقق مراده وسوف يتحقق لي أنا أيضاً بالتأكيد، فإن هذا غير صحيح لأن اللسان الذي دعا به زيد من الناس ليس لسانك والقلب التي توجهت به فلانة ليست قلبك وكذلك اللحظة التي دعا فيها فلان ربه كانت أبواب الرحمة مفتوحة.

لا يعني هنا بأن لا يعمل الإنسان هذه الأعمال فإننا مأمورون بأن نبغي إلى الله الوسيلة ونستعطف ربنا ونتوسل إليه بكل ما يمكن أن يحقق إجابة الدعاء والله سبحانه وتعالى حري بالإجابة، لكن لا ينبغي أن نعتقد بأنه كما استجاب الله لفلان من هذا الدعاء فإنه سيستجيب لي أنا أيضاً وإن لم يستجب لي فيعني أن ذلك الدعاء وتلك الزيارة لا أثر لهما فيحصل التشكيك من قبل هذا الإنسان.

أساساً هذه الزيارة أو هذا الدعاء ليس موضوع بهذا النحو، بل موضوع لأن يقرأه الإنسان ويرجو رحمة ربه، فالله سبحانه وتعالى فيما بعد قد تقتضي حكمته بأن يستجيب لك وقد تقتضي حكمته بأن لا يستجيب لك، لأنه لو استجاب لك في هذه القضية فسيؤثر على شيء آخر من أمورك.

هناك مقطع فيديو لطيف مترجم لأحد المتحدثين الإنجليز يقول فيه: أني كنت راكباً في الطائرة وبعدما أقلعت بدأنا بفتح الأحزمة، ورأيت شخصاً بجانبي قام بفتح الطاولة التي أمامه وبدأ بالكتابة عليها، فقلت أني سوف أفعل مثله وعندما أردت فتح الطاولة لم تُفتح وقد حاولت مره أخرى أيضاً ولم تُفتح، استعنت بأحدهم ولم نستطع فتحها أيضاً، بعدها استعنت بمضيف الطائرة وقال بأن هذا الذي أردنا فتحه هو باب طوارئ لو فتحناه فستسقط الطائرة، فقد يكون في ذلك الطرف طاولة للكتابة عليها بينما الطرف الآخر في نفس المكان باب للطوارئ لو تم فتحه فستسقط الطائرة.

نستنتج من هذا أن الله سبحانه وتعالى أحياناً إذا أفاض على إنسان من النعم فسيفرط ويترك صلاته ودينه وأموره الواجبة، ولذلك لم يعطه الله المال، فالله بحكمته يعطي هذا وبحكمته يمنع هذا لمصلحته، وإن كان ينبغي للإنسان أن يتقرب ويتوسل إلى الله بما يستطيع لكن ليس بالضرورة أن يستجيب له، وهذا لا يعني بأن الزيارة لا تؤثر ولا لأن الصلاة غير مفيد ولا لأن الله بخيل عليك، وإنما لأنه حكيم فلا يعطي إلا بمقدار.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتب لنا وإياكم خير الدنيا والآخرة وأن يجنبنا وإياكم شر الدنيا والآخرة إنه على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين


مرات العرض: 3386
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (11) حجم الملف: 30818.54 KB
تشغيل:

الذي في قلبي على لساني.. مانتائجها؟ 8
عندك فلس تسوى فلس .. اهانة للانسان10