نظرة وتأمل في خطبتي الحسين يوم عاشوراء ق 2
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 12/1/1442 هـ
تعريف:

نظرة وتأمل في خطبتي الحسين يوم عاشوراء ج2

تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال

كان حديثنا في ليلة مضت، عن شيء من الإيضاح لخطبة الإمام الحسين (ع)، الأولى، في يوم عاشوراء، وأشرنا إلى بعض ما يتعلق بها، ونتمم الحديث في هذه الليلة عما بقي من هذه الخطبة والخطبة الأخرى التي قالها الإمام سلام الله عليه، بمقدار ما يتسع من الوقت. 

الإمام الحسين، كما ذكرنا، بعدما رأى جمعهم الكبير، وجه وجهه دعاءه إلى الله عز وجل، وقال: "اللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل هم نزل بي ثقة وعدة، كم من كرب يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة"، إلى آخر ذلك الدعاء. وبينا بعض الاستفادات من موثق الحسين ومن دعائه. 

ثم عطفنا الكلام على أول فقرة من كلمات الحسين وخطبته، وهي تحذيره السامعين من الاغترار بالدنيا، وأنها متقلبة بأهلها حالا بعد حال، فالمغرور من غرته، والشقي من فتنته. وذكرنا جهة ابتدائه بالتحذير من الدنيا؛ نظرا لأن دوافع هؤلاء القادمين إلى قتاله هي دوافع دنيوية، إما الخوف على حياتهم، والخوف من عقوبات ابن زياد ومن وراءه، أو هي رغبة في العطاء الزهيد، فإذن: حركة هؤلاء تدور ضمن إطار دنيوي، وما دامت كذلك من المناسب أن يحذر من موضوع الدنيا والاغترار بها. 

سوف يتبين لنا أن هذه الخطبة تختلف عن الخطبة القادمة في أنها محاولة لإقناع من يسمع بقضية مسلَّمة عندهم. محاولة إقناع، محاولة استجلاب للموافقة، من خلال بيان قضية متفق عليها، لا يختلف فيها. وهذا نوع من أنواع المفاوضة الذكية. عندما تفاوض شخصا من الأشخاص، إذا أردت أن تنجح في ذلك، فلا تأتي في المقدمة بالموضوع الخلافي، لأن الموضوع الخلافي يغلق عليك أبواب نفسه، أي الطرف المقابل، وأبواب التفاهم معه، فكأنك تقول له: لا نتسطيع التفاهم، وإنما ينبغي أن تبدأ بما هو موضع وفاق بينكما ثم من خلال ذلك تنتثل إلى نقاط الاختلاف. 

نجد مثلا في القرآن الكريم، عندما يأمر الله نبيه المصطفى محمدا (ص) بأن يفاوضهم، يقول لهم: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله وأن لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله)، هذي نقطة مشتركة خلونا نتفق عليها ثم نذهب إلى نقاط أخرى. 

الخطبة الأولى هي خطبة مفاوضة، إلى الآن، لم ينقطع حبل التفاوض والحوار ومحاولات الإقناع معهم، بخلاف الخطبة الثانية، ولذلك اختلف النهج والأسلوب. حتى البداية،خطبة وعظية، "أحذركم الدنيا"، الدنيا ترا فيها كذا، المنزل فيها منزل قُلعة، البقاء فيها محدود، هذه الدنيا غرارة، تضر، تمر. 

ثم بعد ذلك جاء بالنقطة الأساسية التي لا مجال لهم لإنكارها، وهي نقطة الاتفاق المفروض، حتى ينتقل من نقطة الاتفاق هذه إلى الاحتجاج عليهم، ماذا قال؟ بعد أن قال: "أيها الناس، انسبوني من أنا؟" قبل هذا، قال: "أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول (ص)"، مفروض أنكم تقرون بهذا، فاستلم منهم إقرار، عطف عليهم الاحتجاج، "ثم أنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم"، كيف يكون هكذا، أنتم الذين تقرون بالطاعة، وتؤمنون برسول الله، هل يناسب هذا أن تزحفوا لقتل ذريته وعترته؟ من الطبيعي أن يكون الجواب: كلا. حتى إذا ما جاوبوا. لكن أنت اللي تؤمن بالرسول، تروح تقتل ابنه! كيف؟ 

أضاف إلى ذلك إمامنا (ع)، قال: "أيها الناس، انسبوني من أنا. ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها"، شوفوا الكلام هنا كله كلام تواصلي، تفاهم، تحاور، ما فيه شدة، ما فيه عنف لفظي، فيما بعد رح يتبين، يتغير المسار، لماذا يتغير، سنقول. "فانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي، ألست أنا ابن بنت نبيكم، وابن وصيه، وابن عمه، وأول المؤمنين به والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه، أوليس حمزة سيد الشهداء عم أبي، أوليس جعفر الطيار عمي، أولم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي الحسن: هذاني سيدا شباب أهل الجنة". هذه مجموعة أمور المفروض أنها اتفاقية، والكل يعرفها، بالذات هذا الحديث هو عليه إجماع المسلمين، ربما مثلا بعض المسلمين، لا يصحح – في نظره – " الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا"، لكن "سيدا شباب أهل الجنة"، لا يوجد فيمن نعرف من علماء أهل المسلمين من يشكك فيه، فالأمر إذن موضع اتفاق. طيب. 

هنا الإمام (ع) ينظر إلى جهتين، الجهة الأولى: ماذكرناه، أنه يعرف نفسه، بما هو مقبول عندهم، الجهة الثانية: ما يسمونه في الأدب ب الإحالة. الإحالة يعني شنو؟ يعني أن إنسان يقول: أنا ابن رسول الله، في المقابل أنت اللي تستمع لازك تستنتج أن ذاك ابن زياد جاء من الفحشاء، أن يزيد أبوه معاوية، أنا ابن رسول الله، وذاك هكذا. هو ما يقول ذاك الكلام الثاني، ولكن يخليك أنت تستنتج. ورح يجي فيما بعد، احنا: "يأبى الله لنا ذلك ورسوله وحجور طابت" يعني تلك الحجور الأخرى شنو؟ خبيثة. احنا عندنا النزاهة والنظافة والقداسة، بينما أعداءنا اللي أنتو جايين في ركابهم هم من أرحام خبيثة، من بيئات قذرة، ما يقوله الإمام صراحة لكن بعدين رح يقوله بالنسبة إلى ابن زياد. فهو لما يجي ينسب نفسه إلى رسول الله، وإلى هالأسرة العالية، الطاهرة، الزاكية، جعفر الطيار، علي بن أبي طالب، حمزة، فلان، فلان، يقول: أنا من هذه البيئة، أنت فكر، ذاك اللي جاي تطيعه من أي بيئة. ابن زياد وش بيئته، يزيد ما هي بيئته، والأمر معروف عند هؤلاء الناس، لا سيما وهم قريبو عهد بالقضية، يعني ما راحت عليهم أجيال، يعرفون تاريخ أبي سفيان مثلا وأعماله في الزنا والخنا. كان مشهورا عند العرب بهذا، مو وحدة، ومو قضية سمية فقط واللي جاءت بزياد بن أبيه، وإنما غيرها يذكرون، متعدد في قضايا الزنا والفاحشة، ولذلك أيضا، يحتمل أن يكون "الدعي بن الدعي" تلك السلسلة، ويحتمل ابن زياد، وزياد وأبيه.

فالإمام (ع) إلى الآن يعرف نفسه وفي نفس الوقت يحيل، يسمونها: الإحالة على معنى غير منطوق الآن، ولكن ينبغي أن يكون مفهوما. تعريض، نوع من التعريض، يقول: أنا ابن رسول، فينبغي أن تفكر ذاك ابن من؟ أنا عمي سيد الشهداء، أنت عمك منو؟ أنا أبي علي بن أبي طالب، أنت أبوك من؟ أنا أمي الزهراء، "أنا ابن عديمات"، الإمام السجاد (ع)، في مكان آخر يقول: "أنا ابن نقيات الجيوب، أنا ابن عديمات العيوب"، يعني أنت يا يزيد من أي هذه النساء، ما توصلي إلي أنا، في أمك وفي جدتك وفي بيئتك وحضنك والحجر اللي احتضنك. فالإمام (ع) يأتي ويذكر هذا، ويقول: "فوالله"، "أولم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي الحسن: هذاني سيدا شباب أهل الجنة، فوالله ما تعمدت الكذب مذ علمت أن الله يمقت أهله"، نحن نقول، عندنا الإمامية: لم يتعمد ولم يسه ولم يخطئ، العصمة تقتضي أن لا يفعل ذلك لا عمدا ولا سهوا ولا نسيانا، فليش يقول الإمام: فوالله ما تعمدت الكذب؟ حتى لا يكون نقطة خلافية، أولئك لا يعتقدون في الإمام الحسين العصمة. صحيح ولا لأ؟ ما يعتقدون أن الإمام الحسين معصوم عن السهو، وعن النسيان، وعن كل هذه الأمور، لكن لا يستطيعون أن لا يقبلوا أن الإمام لا يتعمد الكذب، هذه قضية مسلمة عندهم. لكنه أنه يسهو أو ينسى أو غير ذلك، عندهم ممكن. لذلك الإمام لا يريد في هذه الخطبة نقطة إشكالية يتردد فيها أولئك، يريد قضايا كلها مسلمة عندهم، حتى يحتج بها عليهم. لكن احنا نعتقد ما دام القضية قضية احتجاج، فليست قضية نهائية. نحن نعتقد أن الأئمة لا يسهون ولا ينسون ولا يتعمدون في قضية العمل الخاطئ والذن الذي يرتكب لا سهوا ولا عمدا ولا نسيانا. فلا واحد يجي ويقول: شوف الإمام الحسين يقول: "فوالله ما تعمدت الكذب"، إذن هذا دليل أن عصمتهم فقط في التعمد، لا. هذا مقام الاحتجاج، والمراد منه هو: أن يأتي بنقاط متفق عليها بينه وبينهم. تلك النقطة ليست نقطة اتفاقية ومن الممكن أن تثير إشكالا عندهم وترددا. 

"وإن كذبتموني"، وهذا أيضا من الإنصاف، "وإن كذبتموني فإن فيكم" يعني مو في الجيش، لم يكن هؤلاء هنا، وإنما المقصود في المجتمع المسلم عامة، من الصحابة، أصحاب ررسول الله، من إذا سألتموه أخبركم، وهؤلاء من رواة حديث "هذاني سيدا شباب أهل الجنة"، "سلوا جابر بن عبدالله الأنصاري، أبا سعيد الخدري، زيد بن أرقم، أنس بن مالك"، فلان، فلان، طبعا هذولا في مراتبهم مختلفون، لا ريب أن جابر بن عبدالله الأنصاري متقدم عليهم جميعا في الفضيلة عندنا الإمامية، ولكن الإمام (ع) أراد أن يحشد هذه الأسماء، التي هي عند أولئك القوم محل ثقة ويمكن أن يقبلوا كلامها وروايتها عن النبي (ص). 

رتب على هذا، أنه إذا تصدقوني، أنا لا أكذب، إذا ما تصدقوني اسألوا غيري، واستشهدوا في ذلك فلان وفلان وفلان، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله في حقي وحق أخي الحسن. زين، الإمام هل جاي في مقام الافتخار، يفتخر عليهم؟ لا. إنما جاء لكي يرتب على هذه النتيجة: "ويحكم أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي وانتهاك حرمتي" أنا جدي رسول الله، أبي علي، عمي جعفر، عم أبي حمزة، النبي قال في حقي كذا وكذا، هذا كله لا يمنعكم من أن ترتكبوا مني الحرام بسفك دمي! هذا هو النقطة اللي راح  يوصل إليها الإمام (ع). 

الإمام في هذا يريد أن يخاطب بعض العقول وبعض القلوب، التي لم تتشبع بالدنيا علع قسما منهم على أثر هذه الكلامات الإقناعية المتفق عليها، يترك هذا الموقف. إذا ما يصير مع الحسين، على الأقل لا يصير ضده، وكما ذكرنا بالفعل أن قسم من هؤلاء التفتوا إلى هذا المعنى. 

الشمر، الشمر بن ذي الجوشن، أراد أن يفسد كل الخطبة، بماذا؟ ما يقدر خوب يقول: أنت كلامك مو صحيح. شايفين قسم من الناس يسوون ضوضاء، يسوون تشويش، يسوون تخريب على الكلام. إذا هو كلام جدي يسوونه كلام هزلي، إذا هو في جهة من الجهات مضحكة يسوونها محل إضحاك. إذا عصي هذا الأمر، يقولون: أصلا احنا هذا الكلام ما نفهمه، ما نعرف شنو تقول؟ شقاعد تقوول أنت؟ زين ما تفهم، تفهَّم. انتبه، اسأل عما تفهم، ترا هذا مو بس شمر، حتى في أماكن أخرى، لما واحد يخاطب بالحق، واحد يجي يقوله: أصلا أنا ما قاعد أفتهم أنت شنو دا تقول؟ شنو قاعدا دا تحجي؟ شنو هالخرط اللي تخرط؟ شنو هالكلام الطويل العريض اللي ما فيه فائدة؟ شنو كذا وكذا. هذا في الواقع يفهم ويعرف، ولكن لا يريد أن يتأثر بهذا الكلام، شمر سوى هالموقف، قال هو يعبد الله. قال شمر: "أنا أعبد الله على حرف إن كنت أفهم ما تقول"، ما أفهم أنا أنت شنو دا تحجي؟! كلام واضح، مو لغز هذا، أنا ابن رسول الله، وهذا نسبي، والنبي قال في: سيد شباب أهل الجنة، وهذا لا يجوز لكم أن تقتلوني. هذا يحتاج إله إلى تفكير أو فهم، أو حل معضلات وألغاز، كلا. لكن هو يريد يخرب هذا الكلام. فقال: "أنا أعبد الله على حرف"، على طرف، كأنه أنا مو مؤمن، أنا لست مؤمنا لو كنت أفهم ما تقول أنت يا حسين. 

فصد إله حبيب بن مظاهر الأسدي بكلام أقوى منه، قال: "أشهد والله أنك تعبد الله على سبعين حرف"، أنت متقلب، أنت مو ثابت على الإيمان ولا إيمانك مستقر، "وأنك"، فوق هذا، "وأنك بهيمة لا تدري ما يقول". وإلا إذا إنسان وعندك عقل، تفهم هذا الكلام، "وأشهد أنك بهيمة ما تدري ما يقول، قد طبع اله على قلبك"، شوف ذكاء حبيب بن مظاهر، حصر الموضوع في شمر، ذاك قال: احنا ما نفهم وش اللي دا تقول؟ هذا قاله: أنت ما تفهم لأنك بهيمة وأن الله طبع على قلبك وأن إيمانك إيمان غير مستقر، وأنك متقلب في آرائك. 

ثم قال الحسين (ع)، ذكاء الحسين من جديد حتى لا يخترب كلامه، أعاد نفس الكلام، بعبارة أخرى، قال: فإن كنتم في شك من هذا القول"، هذا اللي يقوله الآن، "أفتشكون أني ابن بنت نبيكم، فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم"،أنا ابن بنت رسول الله، وعلى الأرض كلها لا يوجد ابن بنت نبي إلا أنا، في هذا الزمان، لأننا كنا اثنين، الحسن استشهدوا، أنا الآن الموجود. 

"ويحكم"، أعاد مرة أخرى، "ويحكم بما تطالبوني، أتطلبوني بدم لكم سفكته"، ليش جايين، "أم بمال استهلكته، أو بقصاص من جراحة"، لنفترض، إلى الآن بعدهاالحرب والمعركة ما صارت، وحتى الحر الرياحي ما صار بينه وبينهم قتلى، فإذن أنتوا لا تطالبونني بأي شيء! ليش جايين تسفكون دمي؟! "فأخذوا لا يكلمونه" هنا يتبين أن كلام الحسين (ع) جاءفي الصميم، ولم يستطع أحد منهم أن يرد عليه، وإلا كان أحد يقول: نعم، أنت كذا وأنت كذا، واحنا جايين لهذا الغرض، وما شابه ذلك. "لا يكلمونه".

جاء المرحلة الثانية، الإمام الحسين (ع)، هذولا اللي كانوا قادة الجيوش كان كل واحد يريد يسوي شيء، على طريقة: اشهدوا لي عند الأمير، لأن ورا هذي ترقيات، كلما زاد الإيذاء، كل ما زاد الفتك، كل ما كان متصعب أكثر، يوصلون الخبر إلى أميره، يقولوا: هذا مثلا كان هو اللي حسم الموضوع، هو اللي قتل، هو اللي جرح، فيحصل ترقيات، كما نراه في كثير من الأماكن، تشدد في أمر لا ضرورة له، ليش؟ مو لأنه معتقد فيه، لأن ورا هذي أكو ترقية وأكو أموال وأكو كذا وكذا، طيب. 

فهنانا الإمام الحسين أراد أن يضيع على هؤلاء بعض القادة الذين يعلمون هذه الأمور بأن يسلب ثقة أتباعهم فيه. أنه أنتو تلعبون على الحبلين. من جهة: ترسلون إلى الحسين (ع) رسائل لاحتمال أن يكون النصر بيده، فتصير عندكم صلاحيات ومناصب، ليش؟ لأن احنا راسلناك من قبل، وفي نفس الوقت، خلوا رجل أخرى مع بني أمية. هذه الازدواجية، اللي قسم من الناس يسوويها، هم وي هذا نص، ووي ذاك نص، الإمام الحسين أراد أن يفضح هؤلاء القادة، فنادى: "يا شبث بن ربعي، ويا حجار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث ويا زيد بن الحارث، ألم تكتبوا إلي أن أقدم فقد أينعت الثمار واخضر الجناب، وإنما تقدم على جند لك مجندة"، طبعا لما الأتباع يسمعون هذا الكلام، من الطبيعي ان يتساءلوا: إذا كان هالشكل هم كتبوا إله، ليش جايبينا هالمشوار الطويل؟ وليش يترأسون علينا؟ وليش يأمروننا بأوامر؟ وليش يربحون من ورى راسنا هالأموال وهالمناصب هذي؟ والحال هم اللي أرسلوا إله رسائل، أيام كان في مكة المكرمة. هذا نوع من أنواع الفضيحة لهؤلاء. من جهة يفضحهم ويفضح نياتهم، ومن جهة أخرى يسلب الثقة العمياء التي كانت للجنود في حق هؤلاء.

هذولا شنو قالوا إضن؟ قالوا: "لم نفعل"، بس! قال: "بلى والله لقد فعلتم"، أنتو سويتوا هذا وأرسلتم هذه الرسائل، وتلا بعض هذه الرسائل، طبعا هؤلاء، من مجموعة آلاف أرسلوا إليه، لكن هذولا في نفس الوقت اللي أرسلوا إلى الحسين هذه الرسائل سارعوا إلى نصر ابن زياد، وأصبحوا من قادة جيشه. 

قال: "سبحان الله، بلى والله لقد فعلتم"، ثم قال، هذا شيء آخر، رح نبين وجه الخطأ في فهم قسم من الناس، ووجه الصحة فيما نراه، ثم قال: "أيها الناس، فإذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمن من الأرض"، قسم من الناس لما اجو وشافوا هذه الكلمة، قالوا: إي، الحسين (ع) عرض عليهم أن يترك ثورته ونهضته. احنا فيما سبق من ليالي ذكرنا، في: منطلقات نهضة الإمام الحسين (ع) أن هناك قسم من الكلمات، كلمات نهائية، هي التي تعبر عن نهضة الحسين (ع) وهناك كلمات خاصة لأفراد معينين، أو لظرف معين، فمثلا هنا، لا يناسب من الإمام الحسين، إلى الآن في هذه الخطبة الأولى، أن يقول: أنه أنا جئت لكي أقاتلكم لأنكم أنصار هذا الطاغية الذي يأمر بالمنكر، وينهى عن المعروف. طبعا ذاك رح يقول: من الطبيعي إذا تقاتلنا، أحنا أيضا نقاتلك، لكن إذا هنانا يجي يقول: إذا كرهتموني، تركوني أنا أروح مكان آخر، هذا يصنع في داخل المعسكر قلق، يصنع تساؤل، ليش ما تتركوه ما دام هالشكل، وهذا واحد من الأمور التي حركت الحر بن يزيد الرياحي. الحر بن يزيد الرياحي، ذهب إلى عمر بن سعد وقال له، بعدما سمع كلام الحسين (ع): أمقاتل أنت هذا الرجل؟ تقاتل الحسين؟ ذاك عمر بن سعد، لكي يتظاهر بأنه قوي، قال: "بلى، قتالا أيسره أن تطير الرؤوس وتطيح الأيدي"، قال: فما تقولون في الخصال التي عرضها عليكم؟ وين هي هذه الخصال؟ جزء منها هنا. هذا نوع من أنواع إحراج الخصم بأمر لن يفعله ذلك الخصم، وإذا ما سواه يعتبر معتدي، يعتبر غاشم، يعتبر إنسان لا يخضع للعقل والمنطق، فيقول له: "فإذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمن من الأرض"، خلاص، أنا أرجه مثلا إلى المدينة أو غلى مكة، هذا في حال الاحتجاج، الحسين علم أنه لا يتركونه وهو أيضا لا يفعل ذلك، مو جاي حتى يرجع، عرف من اليوم الأول، قال: أنا هكذا خطي وهالشكل توجهي، ووو، إلى آخره، فلا معنى لأن يقول: بطلنا وانتهى الموضوع. لأ، هذا إحراج للخصم. إذا ما تقبلون هذا الكلام اللي قلناه قبل، خلوني أمشي، أنصرف عنكم وما تصير الحرب، هنا، قسم من الذين لا يريدون القتال وهم كثير، يريدون الدنيا، ما يريدون واحد يجي يعرض نفسه إلى القتل، كثير منهم ما حاضر أن يجرح في سبيل ابن زياد، أو في سبيل عمر بن سعد أو في سبيل يزيد، وإنما إذا بينجرح حتى يحصل أموال جاي هنا ما يريد يموت، ما يريد يقتل هذا الجندي. فإذا الإمام (ع) يطرح هذه الفكرة، "فإذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم" هذا يخاطب نفوس هالكثرة هذي الكاثرة، طيب ليش ما تخلوه ما دام الأمر هكذا،ونترك الموضوع؟! 

حتى عمر بن سعد، عمر بن سعد فيما بعد، فيما بعد اللي يقول: نقاتل وشي، قبل ذلك كان يحاول أنه تنتهي المعركة وكتب إلى ابن زياد كتاب كاذب، أن الحسين حاضر يسلم الموضوع، وتنتهي القضية، هو عمر بن سعد أيضا كان يريد الدنيا، ما كان يريد إلا لازم يقتل الحسين، يقتل الحسين، لأن قتل الحسين ثمنه الدنيا مالته، فلو قدر يحصل الدنيا بدون قتل الحسين، كان يسويها. ولذلك افترى على الحسين، أنه هذا حاضر أن يسلم ايده في ايد يزيد بن معاوية، وتنتهي، "الحمد الله الذي أطفأ النائرة وجمع الأمة"، ومن هالكلام هذا. فالحسين (ع) ركز على هذه النقطة. "فإذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمن من الأرض". لم يكن أمرا حقيقيا، وإنما أمر احتجاجي. وهذي نقطة مهمة. ترا في الاحتجاج يجوز للمحتج ما لا يجوز لغيره؛ لإلزام الخصم وإحراجه وإبطال حجته. 

فقال له قيس بن الأشعث: "أولا تنزل على حكم بني عمك"، هذولا بنو أمية وياكم أبناء عمومة، ذكرنا في ليالي مضت، أنهم ينتمون إلى جد واحد، بنو هاشم وبنو عبد شمس، فهذولا أولاد عم، وإن كان مرتفع، فما رح يسوون فيك شيء، "لا يروك إلا ما تحب"، سلم إليهم الأمر وتنتهي القضية وأنت تحصل اللي تريده. 

الحسين (ع) قال له: "أنت أخو أخيك"، أنتو عائلة خيانة، أنتو عائلة غدر. أبوك، هذا احنا كلامنا، الأشعث بن قيس غدر بعلي (ع)، وتعاون مع عبدالرحمن بن ملجم، أختك جعدة سمت الحسن (ع)، أخوك محمد بن الأشعث راح قال إلى هاني بن عروة، أنه ما راح يصير إلك شيء، وهذا الأمير يعني مشتاق أن يشوفك وإلى آخره، هو مع حسان بن خارجة وغيره من هؤلاء، إلى أن خلوا هانئ بن عروة المرادي يروح إلى ابن زياد، فسجنه ثم شتر وجهه. طيب، ثم قتل. وأيضا راح وقال إلى مسلم بن عقيل: أنه يا مسلم، أول ما بدأت المعركة، يا مسلم لا تلقي بنفسك إلى الموت، ترا أنت آمن وما رح يصير عليك شيء، فقال لهم، مسلم يعرف عنه، قال لهم: "لا أمان لكم والله". فهؤلاء عشيرة غدر،، عشيرة خيانة، فهذا قيس بن الأشعث، يقول له، تعال نوديك مثلا إلى يزيد أو ابن زياد وما رح تحصل إلا كل خير. يقول له: "أنت أخو أخيك"، أنت من هذه الأسرة الخائنة. 

"أنت أخو أخيك. أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل، لا والله"، "لا أعطيكم" في رواية، وفي رواية "لا أعطيهم"، إذا "لا أعطيكم" فهو خطاب للجيش الأموي، وإذا "لا أعطيهم" فهو خطاب إلى أصحابه وأنصاره. "لا والله لا أعطيكم" أو "لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد". هذي خلصت الخطبة الأولى.

الخطبة الثانية تماما مختلفة، كاسحة، مقرعة، هجومية، إعلان مفاصلة، بداية قتال، كلماتها كلمات قوية، حتى الأصوات اللغوية اللي يسمونها في اللغة والأدب، لاحظوا مثلا هناك الكلمات منسابة، هني الكلمات حتى الحروف تستخدم: تبا لكم أيتها الجماعة وترحا، أحين استصرختمونا والهين، فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا" هاي حتى الحروف كما يدرسها علماء البلاغة والأدب، أن تستخدم هذا الحرف فيه ليونة، فيه نعومة، يتناسب مع الكلام الهادئ. بينما إذا تستخدم كلمة أخرى وحرف آخر، لا، هذا فيه شدة وقوة، ولذلك في الحرب مثلا والمواجهة، يستخدمون عبارات خاصة من حروف خاصة، لا تستخدم مثلا حين المطايبة والترحيب. ومنها: "تبا لكم أيتها الجماعة وترحا". كان يقدر يقول: الله يهلككم. نفس المعنى لكن كلمة "تبا لكم" هم تذكر بـ (تبت يدا أبي لهب وتب)، وهم هي نفس الكلمة معناها معنى قوي، وترادف حرفين: التاء والباء، وهما من الحروف القوية الشديدة، مع التنوين والتشديد، كل هذا يعطي إلى الكلمة فخامة وقوة وحالة هجومية. بدأ بها الإمام الحسين (ع) في وجه أولئك القوم.

بعد هنانا، ليش الحسين قال هالشكل؟ بعدما خطب فيهم زهير، وخطب فيهم برير وآخرون، رجع الحسين (ع). شاف أن هؤلاء لم يردوا على كلامه بالإيجاب، ولم تكن لهم حجة، واستعبدتهم قضية الدنيا وخوف السلطان. رجع إلهم بشكل آخر، اعتم بعمامة رسول الله (ص)، أخذ المصحف معه، ولبس دره رسول الله، واستنشدهم عن كل ذلك: أن هذه عمامة رسول الله، هذا لباس رسول الله، أنا ابن رسول الله، ثم قال لهم: "علام تقاتلونني" إذا كان هكذا. ليش أنتو تقاتلونني؟ فقالوا: طاعة للأمير عبي الله بن زياد. 

هذا الكلام ما كان موجود في الخطبة الأولى ولا في أجواءها، هذا التصريح صار هنا، هنا بعد يناسب الحوار انتهى، الخوف من ابن زياد قد تمكن من القلوب، الدنيا قد غزت المشاعر، هنانا يحتاج إلى تقريع، يحتاج إلى مفاصلة، بعد انتهى الحوار معكم، هنا بدأ القتال بالكلام. وبالفعل الإمام الحسين خطب فيهم هذه الخطبة العنيفة الغراء الشديدة: "أحين استصرختمونا والهين" أنتو دعوتمونا لكي نأتي لنصرتكم، أنتو ضجيتوا من مظالم الحكم الأموي، قلتوا تعالوا حتى تنقذونا من هؤلاء، "استصرختمونا والهين"، من الوله والتعشق والترقب، "فأصرخناكم موجفين"، إجينا إلكم، سمعنا صرختكم، وجئنا لكي نحرركم ونرفع الضيم عنكم "سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم"! النبي المصطفى (ص) أمركم بمودتنا ونصرتنا وأن تكون قوتكم إلى جانبنا، فإذا عندكم سيف، فهذا السيف لازم يكون في صالحنا نحن. هذا السيف اللي سليتوه، اللي هو إلنا في الواقع، هالقوة هذي اللي عينها النبي لنا، سليتوها علينا، "سللتم علينا سيفا"، هو في الواقع، "لنا في أيمانكم" "وحششتم علينا نارا" جبتوا الحشائش والحطب الصغار وغير ذلك، خليتوا النار اللي احنا قدحناها لنحرق أعداءكم، فإذا أنتم حششتموها علينا وأعليتموها وقذفتموها في وجوهنا "حششتم علينا نارا اقتدحناها على عدونا وعدوكم"، هذا "بغير عدل أفشوه فيكم"، يا ريت أنتو تدافعون عن أناس عادلين معكم، "ولا أمل" لا هذا في الماضي كان عندكم عدالة معهم، ولا عندكم أمل في المستقبل أن يحسنوا لكم ويعدلوا فيكم، "ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلا لكم الويلات، تركتمونا والسيف مشيم"في الوقت اللي لازم سلة السيوف هذي تكون إلنا، وفي نفس هذا الوقت، لكن من دون رأي حصيف عندكم "والرأي لما يستحصف، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا" إلى الدنيا، إلى الأموال، إلى المصالح الشخصية، "كطيرة الدبا" على غير هداية، الدبا: صغار الجراد، تشوف هالشكل يتقفز على غير هدى. الجراد لما يكبر يطيرباتجاه معين، هو محدده، لكن الدبا اللي ما عنده طيران سليم، مرة يقفز هالصوب ومرة يقفز ذاك الصوب، ومرة يقفز على ورا، لا يعرف هداية، يشبههم الإمام في ضعف الدبا وفي عمايتهم وعدم هدايتهم.

"وتهافتم عليها تهافت الفراش"الفراش يوقع على السراج وفي وقوعه على السراج موته، مو كلما قرب إله، يحترق من تلك الناس، لكنه مع ذلك يذهب إليها، "وتهافتم عليها تهافت الفراش، فسحا لكم يا عبيد الأمة" تبا هناك، سحقا هنا، سابقا هذا الحجي، ما موجود، أنتو عبيد الأمة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ومحرفي الكلم، كله هذا الكلام قبل، كان محاولة حوار. الآن بعد انتهى وقت الحوار وجاء وقت المفاصلة. "فسحقا لكم يا عبيد الأمة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحرفي الكلم، وعصبة الأثم".

"ويحكم أهؤلاء تعضدون!" تتعاضدون وي هؤلاء! "وعنا تتخاذلون"، المفروض بالعكس، "أجل" إلكم أصول هكذا، "غدر والله فيكم قديم"، مو قضية اليوم صارت، الإنسان ما يصير بين يوم وليلة بهذا اللؤم، وإنما يتربى على مسار. "غدر فيكم قديم، وشجت عليه أصولكم" تواشجت: تداخلت، "وتآزرت فروعكم. فكنتم أخبث ثمر، شجى للناظر وأكلة للغاصب". 

ثم قال: "ألا وإن الدعي بن الدعي" خلاص بعد هذي بالصراحة، مو بالإحالة والتعريض كما قلنا، ترا أنا بان رسول الله، أنتو فكروا هذا صاحبكم شنو؟ لا، الآن بالصراحة: "ألا وإن الدعي بن الدعي" هذا هو ابن زنا ووالده أيضا ابن زنا، طبعا لو نريد نفصل يطول الكلام، لكن من يريد المراجعة، يراجع كتاب: مثالب العرب لابن الكلبي، يشوفوا الفضائح هناك، ولازم ياخذ له كمام قبل ما يقرأ حتى لا يختنق بهالروائح مالتهم. 

"ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة". خلاص الموضوع هنا انتهى، والقضية تنتهي إلى القتال وإلى الحرب، "وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ". 

ثم أخبرهم أيضا أن مصيركم ترا مصير دمار: "أما والله لا تلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس" هاي القفزة هذه، "حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور" رح تدمرون في مان هؤلاء أيضا، ومو طويل رح يكون الأمر. ولقد صدق التاريخ مقالة الحسين (ع). 

قتلة الحسين اللي بس تتبعهم المختار ألف شخص، وفي رواية أكثر من هذا، ولعل اختلاف الروايات لاحتساب كبار القادة، أو معهم الصغار. فهذا ما حصلوا الدنيا، فأنت يا عمر بن سعد اللي جاي حتى تحصل الري وجرجان، ما حصلت حتى أن تبقى على قيد الحياة، حتى حياته ما حصلها، هو هلك، وابنه هلك، ولم يحصل على ملك الري ولا جرجان ولا هم يحزنون. خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، وغيره وغيره أيضا كذلك. لكن الثمن في الواقع كان ثمنا غاليا. يعني هل يقاس عمر بن سعد عندما يقتل بالحسين بن علي؟! أو ابنه حفص يقاس بعلي الأكبر شبيه رسول الله؟! لا والله. الإمام الرضا (ع) يقول: "وقتل معه" أو "ذبح معه" أي مع الحسين، "سبعة عشر ما لهم على وجه الأرض شبيه".



مرات العرض: 3539
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2551) حجم الملف: 69410.04 KB
تشغيل:

نظرة وتأمل في خطبتي الحسين يوم عاشوراء 11
سفر الركب الحسيني من كربلاء إلى كربلاء 13